موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٥ يوليو / تموز ٢٠٢٥
الحياة الداخليّة: تعليم القديس أوغسطينوس وتعليم البابا لاون الرابع عشر
القلب، وكلمة الله، والعمل… كلمات أساسيّة تتكرّر في عظات ورسائل وتعاليم وخطابات ألقاها البابا خلال الشهرين الماضيين، مستمدة من تعليم وخبرة حياة أسقف هيبّونا.

فاتيكان نيوز :

 

تجلّت ملامح الروحانية الأوغسطينية وبعض المواضيع المرتبطة بخبرة حياة القديس أوغسطينوس بوضوح في كلمات البابا لاوُن الرابع عشر خلال الشهرين الأولين من حبريّته، سواء في خطاباته، أو عظاته، أو رسائله، أو تعاليمه. في هذه الكلمات، التي تقاسمها مع الكنيسة والعالم، تتجلّى الحياة الداخليّة، والتأمل الذاتي، والتحليل العميق للنفس، التي ميّزت المسيرة الوجودية لأسقف هيبّونا. تلك القدرة على التمعن في الذات، وفحص المشاعر والعواطف، وحركات القلب، من القلق والضيق إلى الفرح والأحلام والتطلعات، تظهر في كتابات هذا الأب العظيم للكنيسة، وتمنح قراءه الأدوات اللازمة للانطلاق في رحلة داخل الذات تقود إلى الله.

 

فبعد أن بحث أوغسطينوس عن الحكمة لدى الديانة المانوية –كما صوّرها له شيشرون في كتابه "الهورتنسا"– ومروره لاحقاً عبر الشكّ الفلسفي للمدارس الأكاديمية، ثم تجاوزه –بفضل الاستماع إلى عظات أمبروسيوس– من خلال قراءة الفلاسفة الأفلاطونيين الجدد الذين ساعدوه على "العودة" إلى ذاته، والدخول إلى "أعماق" قلبه، واكتشاف قدرته على الارتقاء نحو الله، وفهمه لعقيدة الكلمة الإلهي، وصل أوغسطينوس، بمعونة رسائل القديس بولس، إلى القناعة بأن المسيح هو الطريق والحق والحياة. إنه الوسيط بين الله والإنسان، هو الحكمة التي تجسدت، هو الفادي المتواضع للجنس البشري، الذي تجرّد من مساواته لله ليصبح شبيهاً بالبشر من أجل خلاصهم.

 

إنَّ كل المسيرة التي خاضها الفيلسوف الآتي من تاغاست – بين سن التاسعة عشرة والثالثة والثلاثين، أي منذ لحظة تكرُّسه للفلسفة بحثًا عن الحكمة كصعود نحو السعادة، وحتى التزامه الكامل بالمسيح – تعلّم أن الإنسان، كي يعرف الله، عليه أولاً أن يعرف نفسه، أن يتجاوز ظاهره ليصل إلى باطنه، حيث يسكن نور الله وتُطبع صورته. لهذا كتب أوغسطينوس في كتابه عن الدين الحق: "لا تذهب خارج نفسك، بل ارجع إلى ذاتك، لأنَّ الحق يسكن في داخل الإنسان". وفي الاعترافات يدعو إلى البحث "في قلوبنا عن ذاك الذي كنّا نبحث عنه في الخارج"، ويضيف في شرحه لإنجيل يوحنا أن يعود الإنسان إلى قلبه، وهناك يفحص "ما قد يُدركه من الله، لأن صورة الله موجودة هناك؛ في أعماق الإنسان يسكن المسيح". بالنسبة لأوغسطينوس، الله هو الغاية، والإنسان يتجه إلى خالقه، وكل حياته هي بحث دائم قلق لا يهدأ. وليس من المستغرب أن يبدأ لاوُن الرابع عشر عظته في قداس بداية خدمته البطرسية، في ١٨ أيار الماضي، بكلمات شهيرة من الاعترافات: "لقد خلقتنا لك، يا رب، وقلبنا لن يعرف الراحة إلا حتى يستقر فيك". وبهذه الطريقة هو يدعو إلى تعميق العلاقة بين الإنسان والله، إلى معرفة يسوع.

 

في خطابات وتأملات البابا، يتكرّر باستمرار نداء الحياة الداخليّة، والدعوة إلى الانطلاق من الذات، من أجل "مسيرة ارتداد يومية"، كما قال في اليوم التالي لانتخابه، خلال القداس مع الكرادلة في كابلة السيكستينا، محذرًا من أنّ هناك اليوم "بيئات يُقدَّر فيها يسوع كرجل عظيم، لكن يُختزل إلى مجرد زعيم مواهبي أو إنسان خارق، وليس فقط لدى غير المؤمنين، بل أيضًا لدى كثير من المعمدين، الذين يعيشون بهذا الشكل نوعًا من الإلحاد الواقعي". ولهذا، يبدأ من القاعدة، موضحًا أنّه يجب على الإنسان أن يبدأ من ذاته، وأن يتساءل عن علاقته مع الله، وعن الطريقة التي يتواصل بها مع المسيح.