موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١١ يونيو / حزيران ٢٠٢١
أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط يكتب: الطفولة بين المسيحيّة وسوق العمل
د. ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس :

 

السبت 12 حزيران هو اليوم العالميّ لمكافحة عَمَالة الأطفال وقد اعتبرت هيئة الأمّم المتحدة سنة 2021 سنة القضاء على عَمَالة الأطفال بشكل نهائيّ. الجديرُ ذِكرُه أنّه على الرغم من إنخفاض هذه العَمَالة بنسبة 38% خلال العقد المنصرم، فإنّ الأرقام تشير إلى أنّ 152 مليون طفلاً ما زالوا يعمَلون خارج نِطاق القانون.

 

عَمَالة الأطفال أزمة تاريخيّة، بدأت مع الثورة الصناعيّة في الغرب واتخذت أشكالاً مخيفة ومُعيبَة في ﺁن معًا.

 

يتعرّض الأطفال خلال عملهم للتعّنيف والاضّطهاد، إضافة إلى أنّ طبيعة العمل مُضّنية وخَطِرَة وقد أدّت تاريخيًّا إلى وفاة أعدادٍ كبيرة منهم خلال حوادث تقنيّة ما زال يذكرُها التاريخ.

 

عملَ الأطفال في الزراعة والمناجم والتهريب والدعارة ومشّتقاتها، ومنهم من جرى تسليمه من قبل أهله مقابل ديون مستحقّة للجّهة المستخدِمة.

 

عملَ الأطفال في الحروب وكانوا مادّتها المفضّلة لسرعتهم في الحركة خلال المعارك ولِطيشِهم وتاليًا دخولهم في معارك خطرة وخصوصًا لطواعيتهم لمن يسيّطر عليهم.

 

هنا لا بدّ لنا من التميّيز بين عمل الأطفال (Child Work) وعمالة الأطفال (Child Labor). الأوّل يسمح للطفل أن يرتاد المدرسة ويتابع تحصيله الدراسيّ، إذ أنّ متطلّباته متدنيّة مثل حراسة الأطفال أو توزيع الصحف أو البريد وما شابهها من الأعمال. أمّا الثاني فيمكن وصفه بالعمل المضني والمحفوف بالمخاطر والذي لا يسمح للطفل بمتابعة تحصيله العلميّ وهو النوع الذي تجري محاربته من قبل هيئات الأمّم المتحدة وسائر الهيئات الإنسانيّة.

 

هذه الظاهرة أنتجَها المجتمع المسمّى الصناعيّ أو الحديث وهي منتشرة في سائر بلدان العالم، الصناعيّة منها والمتأخرة. هذه الظاهرة، التي تقتلعُ الأطفال من طفولتهم، هي من إنتاج بنيّ البشر الذين نسوا المحبّة – أو تناسوها، لأنّ مصالحهم كانت أقوى من وجدانهم ولأنّ جشعهم ذهب بهم بعيدًا في الطغيان السياسيّ والإقتصاديّ. إنّ من يقوم بالأبحاث حول الموضوع ويطلع على التقارير التي ترِدُ من الباحثين والمؤسّسات المعنيّين بالمسألة يوقن تمامًا هذا الأمر.

 

لقد غاب عن بال كُثُر ما ورَد على لسان السيِّد حول الأطفال فأمعنوا بكيانهم تمثيلا.

 

اللّيلة لا تشبه البارحة البتة عندما استقبل المسيح الأطفال وماذا قال عنهم ولَهُم.

 

يوم قدِم الأولاد إلى يسوع كيّ يلمُسَهُم وانّتهرَ التلاميذ الذين قدموهم، إغتاظ يسوع عندما رأى ذلك وقال لهُم: "دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأنّ لمِثلِ هؤلاء ملكوت الله". وأضاف، الحقّ أقول لكم: "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله".

 

ثمّ حمل طفلًا بين ذراعيه وقال لهم: "أيّ شخصٍ يرحِّبُ بهذا الطفل الصغير نيابة عنّي يرحِّبُ بي، وأيّ شخص يرحِّب بي لا يرحِّبُ بي فقط ولكن أيضًا أبي الذي أرسلني".

 

إضافة إلى ذلك، أكّدَ السيِّد في مكان آخر أنّ "الحقّ أقول لكم إن لم ترجِعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السماوات".

 

ويَقينًا منه بضعف الأطفال وتعرُّضهم للسوء في شتّى مراحل التاريخ البشريّ، أكّد السيِّد أن "ليست مشيئة أبيكم الذي في السماوات أن يهلِك أحدُ هؤلاء الصِغار".

 

أمّا ذروة ما ورد على لسان المسيح المُسالِم الذي غَفَر للّذين صَلبوه، فهو "تطرّف" في حماية الطفولة إذ أكّد "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ."

 

كمْ أنّ مسيح الرّحمَة ضنين بالأطفال، بحمايتهم إلى أقصى حدود، إضافة إلى صيانتهم النفسيّة والإجتماعيّة.

 

المسيحيّة، حامية الإنسانيّة، خصوصًا الفئات المستضعفة منها، مدعوّة إلى أن ترفع الصوت عاليًا. يمكننا القول أنّ مؤسّساتِها غير مُقصِّرَة على الصعيد العالميّ على الرغم من صلابة بعض الظواهر المسيئة للجنس البشريّ.

 

كنيسة المسيح مدعوّة إلى أن تُذَكر بشكل دائم الإنسانيّة كَمْ أنها ابتعدت عن التعاليم التي هي في أساس حضارتها. إنّها مدعوّة إلى ألا تسمح لأيّة ظاهرة ظالمة مؤذيّة للإنسان أن تمرّ مرور الكرام وأن تستشري.

 

لقد قامت كنيسة المسيح بالكثير في أكثر من مضمار وهي مدعوّة لأنّ تستمر مقام إنذار مبكِّر للشرّ المتربِّص بالإنسانيّة والذي يذر قرنه بين آونة وأخرى وتحت شتى المسمّيات.

 

قيم المسيحية كانت وستبقى مخزونًا أخلاقيًا إحتياطيًا للبشريّة للزمن الآتي.