موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢
أفهم لكي اؤمن

أشخين ديمرجيان :

 

لقد هتف والد الطفل الممسوس الذي طلب من السيّد المسيح شفاء ابنه: آمنتُ، فشدّد إيماني الضعيف!" (مر 9: 24). وكتب القدّيس أغسطينوس: "اؤمنُ لكي أفهم"، ويُمكن أن نقول : "أفهم لكي اؤمن". أو "كلّما زادت معرفتي زاد إيماني".  وفي العالم الاسلاميّ دعاء: "يا ربّ زدني علمًا". وفعلاً لا تناقض بين المعرفة والإيمان الحقيقيّ.

 

يتميّز المسيحيّ المؤمن بخصائص عدّة. ومن أهمّ هذه الخصائص على الاطلاق: معرفة المبادىء المسيحيّة الجوهريّة ليتمّ تطبيقها في الحياة اليوميّة. وبينما يزخر عالم اليوم بتفجّر ينابيع المعرفة في شتّى الميادين، تُعاني بعض الفئات المسيحيّة من جهل واضح وصريح في جميع المبادىء المسيحيّة، وفي تاريخ الأراضي المقدّسة. وتعتقد هذه الفئة أنّ انتسابها للمسيحيّة  بالاسم لا بالفعل يكفي وهذا حسْبها...

 

لذلك نرى أنّ هذه الفئات عرضة للانضمام إلى البِدَع المجدّفة، التي تتظاهر بأنّها مسيحيّة، وهي في الأصل بِدَع دخيلة، لها أهداف سياسيّة محضة، وتودّ نخر الهيكل البشريّ للكنيسة الجامعة الرسوليّة أي الكنيستين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة.

 

ولأنّ الإنسان الشرقيّ عادةً تغلب عليه العاطفة، يقوم بتصديق كلّ خبر أو حدث أو تفسير لآيات من الكتاب المقدّس، بلا تحليل أو دراسة أو بلا استشارة ذوي الاختصاص... وينطبق على الجاهل قول الكتاب المقدّس: "مخافة الربّ رأس العلم، والحكمة والتأديب يستهين بهما الأغبياء" (الأمثال 1: 7).

 

إنّ الفئة التي تجهل تعاليم السيّد المسيح، والتي غابت عنها المعرفة المؤكّدة، هي تركيبة ضعيفة تُمارس أحيانًا الطقوس الدينيّة فقط لا غير. ويجدر بها أن تجتهد وتستنير، كي لا تبقى أمّيّة في أمورها الدينيّة والتاريخيّة. وينبغي أن تقرأ تاريخ أجدادها، وتدرس الكتاب المقدّس كي تتمكّن من التمييز ما بين مبادىء السيّد المسيح ومبادىء فئات البِدَع الدخيلة التي تُضلّل الضمائر، وتحاول إبطال التعاليم المسيحيّة الأصيلة الراسخة وإبعاد الخراف عن حظيرتها. لقد سبق وحذّرنا الكتاب المقدّس من هؤلاء المُفسدين بقوله: "أزيلوا الفاسد من بينكم" (1 قورنتوس 5: 13)، (غلاطية 1: 8–9).

 

للأهمّيّة القصوى يجدر بالقيادة الروحيّة والرعاية الدينيّة أي الكنيسة المقدّسة التي تهتمّ بحياة المسيحيّ الروحانيّة والانسانيّة، أن تتدارك الأمر. وأن يردّ الكهنة الأفاضل على سفسطات وأضاليل البِدَع المُفسدة المُجدّفة، وأن يحذّروا رعاياهم بالوعظ والإرشاد. ويجدر بالكنيسة ان تفتح المفاهيم بتنوير العقول مع الشرح البسيط كي تحصّن المؤمن ضدّ الالحاد والهرطقات. "وأعطيكم رعاة على وفق قلبي، فيرعونكم بعلم وفطنة" (إرميا 3 : 15).

 

ويحثّنا الكتاب المقدّس في آيات كثيرة على طلب المعرفة وفيما يلي على سبيل المثال لا الحصر بعض الآيات:

 

"بالفم يُدمّر المُنافق قريبه، وبالعلم ينجو الأبرار" (الأمثال 9:11). "لقد هلك شعبي لعدم المعرفة، لَحِقَ الدَّمارُ بِشعبي لأنَّهُم لا يَعرفونَني. وبِما أنَّكُم رفَضتُم أنْ تَعرِفوني. فأنا أرفُضُكُم..." (هوشع 4: 6). أي يرفض الله كلّ مَن يرفض المعرفة ويرفض كلّ مَن لا ينهل من بحر المعرفة كي يخلص وينجو من الهلاك الأبديّ.

 

يحذّرنا السيّد المسيح من الأنبياء الكذبة، الذي يتقنّعون  في ثياب "المسيحيّة" ظاهريًّا، كي يُضلّلوا الجهلة في الأمور الدينية. لقد استشهد الشيطان في أثناء تجربته للسيّد المسيح بآية من الكتاب المقدّس. وهذا هو أسلوب البِدَع التي تستخدم الكتاب المقدّس كسلاح، وتتوغّل به بين المسيحيين بكلّ سهولة. وعلى كلّ حال "من ثمارهم تعرفونهم" (متّى 7: 16). هم يُقلّلون من مكانة السيّدة العذراء السامية –حاشى وكلاّ– ونحن نرفض رفضًا تامًّا كلّ من يُقلّل من قدرها فهي أمّنا وملكتنا وشفيعتنا إلى دهر الدهور.

 

 

خاتمة

 

من الضرورة بمكان أن نعرف مبادىء الإنجيل الجوهريّة ونفسّرها. إنّ الأفكار تُغيّر العالم وتقلبه رأسًا على عقب. كما أنّ معرفة المبادئ الجوهريّة تُضعِف عدوى الهرطقات والبِدَع. رسالة المؤمن واضحة وبسيطة يُمكن إدراكها بحمل تعاليم المسيح الأساسيّة بعد معرفتها.