موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٢ مارس / آذار ٢٠٢١
«أنا نور العالم من يتبعني لا يمشِ في الظلام بل يكون له نور الحياة»
عظات حول إنجيل القدّيس يوحنا، العظة 35

القديس أوغسطينس، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) ومعلم الكنيسة :

 

"فقالَ له الفِرِّيسِيُّونَ: أَنتَ تَشَهدُ لِنَفسِكَ، فشهادَتُكَ لا تَصِحّ. أَجابَهم يسوع: إِنِّي، وإِن شهِدتُ لِنَفْسي فشَهادتي تَصِحّ فأَنا أَعلَمُ مِن أَينَ أَتَيتُ وإِلى أَينَ أَذهَب. أَمَّا أَنتُم فلا تَعلَمونَ مِن أَينَ أَتَيتُ ولا إِلى أَينَ أَذهَب". فالنور يُظهِر الأشياء التي يضيئها ويُظهِر ذاته في الوقت نفسه... "أنا أعلمُ من أين أتيتُ وإلى أين أذهب". ذلك الماثل أمامنا والمتكلّم يمتلك ما لم يترك...: عندما جاء إلى الأرض، لم يترك السماء؛ وعندما عاد إلى السماء، لم يتخلّ عنّا... يستحيل ذلك على البشر، ويستحيل حتّى على الشمس: فحين تتّجه الشمس إلى المغرب، تبتعد عن المشرق، وتُخلّف وراءها المغرب إلى حين عودتها إلى المشرق. لكنّ ربّنا يسوع المسيح أتى إلى الأرض وهو في السماء؛ وعاد إلى السماء وهو على الأرض...

 

كتب القدّيس بطرس: "ازدادَ كَلامُ الأَنبِياءِ ثَباتًا عِندَنا، وإِنَّكم لَتُحسِنونَ عًمَلاً إِذا نَظَرتُم إِلَيه نَظَرَكم إِلى سِراجٍ يُضئُ في مَكانٍ مُظلِم، حتَّى يَطلَعَ الفَجْرُ ويُشرِقَ كَوكَبُ الصُّبحِ في قُلوبِكم" (2بط 1: 19). حين يأتي ربّنا إذًا، حسبما جاء على لسان الرسول بولس، "فهو الَّذي يُنيرُ خَفايا الظُّلُمات ويَكشِفُ عن نِيَّاتِ القُلوب" (1كور 4: 5)... أمام نورٍ كهذا، لا حاجة إلى المصابيح: لن نقرأ بعد ذلك كتب الأنبياء، ولن نفتح أعمال الرسل، ولن نطلب شهادة يوحنّا المعمدان، ولن نحتاج حتّى إلى الإنجيل.

 

كلّ الكتابات التي كانت مضاءة لنا كما المصابيح في منتصف ليل العالم سوف تختفي... وماذا سنرى؟ "في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله" (يو 1: 1). ستأتي لتستقي من المنبع حيث انتشر الندى عليك، وحيث انطلقت هذه الأشعة المتكسّرة التي تأخذ آلاف السبل لتصل إلى قلبكَ المغلّف بالظلمات. سوف ترى النور نفسه على المكشوف... "لَم يُظهَرْ حتَّى الآن ما سَنَصيرُ إِليه. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا نُصبِحُ عِندَ ظُهورِه أَشباهَه لأَنَّنا سَنَراه كما هو" (1يو 3: 2)... أنا سوف أضع هذا الكتاب جانبًا...؛ فقد استمتعنا بنوره معًا...، ولكن حين نفترق، لن يفارقنا النور أبدًا.