موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٦ يونيو / حزيران ٢٠٢١

أحد العنصرة العظيم المقدس 2021

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أحد العنصرة العظيم المقدس

أحد العنصرة العظيم المقدس

 

الرسالة

 

إلى كل الأرض خرج صوتهم

السماوات تذيع مجد الله

 

فصل من أعمال الرسل القديسين (أعمال الرُّسل 1:2-11)

 

لَمَّا حَلَّ يومُ الخَمسينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهُم مَعاً في مكانٍ واحد فَحَدَثَ بَغْتَةً صَوتٌ منَ السَّماءِ كَصَوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعْسِفُ، وَمَلأَ كُلَّ البيتِ الذي كانُوا جالسينَ فيه وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلسِنَةٌ مُتَقَسِّمَةٌ كَأنَّها مِنْ نَارٍ، فاستَقَرَّتْ على كُلِّ واحدٍ مِنهُم فامتَلأوا كُلُّهُمْ مِنَ الرُّوح القُدُسِ، وَطَفِقوا يتكلَّمونَ بلغاتٍ أُخرى، كَمَا أعطاهُمُ الرُّوحُ أنْ ينطِقوا وكانَ في أورشليمَ رِجالٌ يَهودٌ أتقياءٌ مِن كُلِّ أُمَّةٍ تَحتَ السَّماءِ فَلَمَّا صارَ هذا الصَّوتُ اجتمعَ الجُمْهورُ فَتَحَيَّروا لأنَّ كُلَّ واحدٍ كانَ يَسمَعُهُم يَنطِقون بِلُغتِه فَدَهِشُوا جَميعُهُم وتَعَجَّبوا قائلينَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المُتَكَلِّمونَ كلُّهُم جليليِّين؟ فكيفَ نسمَعُ كُلٌّ منَّا لُغَتَهُ التي وُلِدَ فيها نحنُ الفرتيِّين والماديِّين والعيلاميِّينَ، وسكَّانَ ما بَينَ النَّهرينِ واليَهوديَّةِ وكبادوكيَّةَ وبنطُسَ وآسية وفريجيَّة وبمفيليةَ ومِصرَ ونواحي ليبية عِندَ القَيْروان، والرُّومانيِّين المُستوطِنين واليَهودَ والدُّخلاءَ والكريتيِّينَ والعربَ نَسمَعُهُم يَنطِقونَ بأَلسِنَتِنا بعظائِمِ الله.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (يوحنَّا 7: 37-52 و8: 12)


في اليَومِ الآخِرِ العَظيمِ مِنَ العيدِ، كانَ يَسوعُ واقفاً فصاحَ قائِلاً: إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فليأتِ إِلَيَّ ويَشرَب مَنْ آمنَ بِي فَكَمَا قالَ الكِتَابُ ستَجرِي من بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حيٍّ (إنَّمَا قالَ هذا عَنِ الرُّوحِ الذي كانَ المؤمنونَ بِهِ مُزمِعينَ أنْ يَقبَلُوهُ إذْ لَمْ يكُنِ الرُّوحَ القُدُسَ بَعدُ. لأنَّ يسوعَ لَمْ يَكُن بَعدُ قَدْ مُجِّدَ) فكَثيرونَ مِنَ الجَمعِ لَمَّا سَمِعُوا كلامَهُ قالوا: هذا بالحقيقةِ هُوَ النَّبيُّ. وقالَ آخرونَ: هذا هوَ المسيح وآخرونَ قالُوا: أَلعَلَّ المسيحَ من الجليلِ يأتي أَلَم يَقُلِ الكِتَابُ إنَّهُ من نَسْلِ داودَ من بيتَ لَحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ يأتي المسيح؟ فَحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمعِ مِنْ أجلِهِ. وكانَ قَومٌ مِنهُمْ يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولَكِنْ لَمْ يُلْقِ أحدٌ عليهِ يداً فَجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكَهَنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ هؤلاءِ لَهُم: لِمَ لَمْ تأتوا بهِ؟ فَأجَابَ الخُدَّامُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مِثْلَ هذا الإنسان فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّونَ: ألعلَّكُمْ أَنتُمْ أيضاً قد ضَلَلتُم هلْ أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أَمَّا هؤلاءِ الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ النَّاموسَ فَهُمْ مَلعونون فقالَ لَهم نِيقودِيمُسُ الذي كانَ قد جاءَ إليهِ ليلاً وهُوَ واحدٌ مِنْهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدِينُ إنساناً إنْ لَمْ يَسمَعْ مِنْهُ أولاً ويَعلَمْ ما فَعَل أجابُوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضاً منَ الجليل! ابحَثْ وانظُرْ، إنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ منَ الجَليل ثُمَّ كَلَّمَهُمْ أيضاً يسوعُ قائِلاً: أنا هُوَ نُورُ العالَم، من يتبَعْنِي فلا يَمشِي في الظَّلام، بل يَكونُ لَهُ نُورُ الحياة.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

أيها الأحباء، في الأحد الثامن من عيد الفصح نحتفل بعيد العنصرة، وقد أخذنا هذا العيد من كتب العهد القديم. لأنه مثلما يحتفل اليهود بعيد العنصرة، وتكريمًا للرقم سبعة، ولأنهم تلقوا الناموس بعد خمسين يومًا (عبور البحر الأحمر)، اما كلمة "عنصرة" التي استعملها المسيحيون فمشتقّة من "عَصْرَتْ" العبرية، وتعني المحفل أو الاجتماع الذي كان يجري في عيد المظال. كذلك فإننا، بعد الفصح، بعد الاحتفال بخمسين يومًا، نقبل الروح القدس، الذي يقود إلى كل الحق.

 

لقد وافى يوم العنصرة. خمسون يومًا تقودنا إلى مجيء الروح القدس. الرسل لم يفهموا، ونحن، أيضًا، لا نفهم، إلى حدِّ أن السيّد قال:"خيرٌ لكم أن أنطلق. إن ذهبتُ اُرسِل لكم مُعزِّيًا آخر ليَمكُثَ معكم إلى الأبد. ومتى جاء هو، روح الحقّ، يرشدكم إلى الحقيقة كلّها". (يوحنا 16: 7 و14: 16، 26).

 

بالروح القدس، الذي حلّ يومَ الخمسين، أُلغيت الشريعة اليهوديّة التي كان الاحتفال بها في اليوم نفسه. في هذا اليوم تأسّست الكنيسة بواسطة الروح الذي حلّ على التلاميذ، تحقيقًا لِما كان يسوع قد وعدهم به قبل صعوده الإلهيّ: "ستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي جميع اليهوديّة" (أعمال 1: 8).

 

العنصرة تعني التجمع والوحدة ، وكان شعب العهد القديم يحتفل في هذا العيد خمسين يوم بعد عيد الفصح اليهودي وكان يسمى عيد الاسابيع او عيد الخمسين (البندوكستي) كلمة يونانية تعني خمسين يوما ،اي ذكرى استلام  موسى الوصايا في جبل سيناء بعد خمسين يوماً من الفصح (خروج 19، 1). وكانوا يحيون فيه تذكار عمود النار الذي قادهم في البرية ، وتذكار الماء الذي خرج من الصخرة على يد موسى بسكب الماء.

 

عشرة أيام كاملة هي مابين الصعود والعنصرة لم يبرح التلاميذ أورشليم تنفيذاً لوصية ربنا يسوع المسيح حينما قال لهم: "وها أنا أرسل لكم ما وعد به أبي فاقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لوقا 24: 49).

 

في يوم العنصرة كان التلاميذ مجتمعين (أعمال 2: 1) حين حلَّ عليهم الروح القدس بهيئة ألسنة ناريّة، واستقرّ في جماعة المؤمنين جاعلاً منهم جسد المسيح: الكنيسة. ففي كلّ مرّة نأتي فيها إلى الكنيسة ونتناول جسد المسيح ودمه، باتّضاعٍ وتوبة، نحيا عنصرة دائمة يحلّ بها الروح القدس علينا بحلوله على القرابين المقدّمة والمقدّسة.

 

"ألسنة ناريّة منقسمة، استقرَّت على كلِّ واحدٍ منهم" (أعمال 2: 3). إنَّها مُلتهبَة وصادِرَة عن نارٍ واحدة. الروح القدس نارٌ آكلة ومحبَّةٌ لاذِعَة مُحْرِقَة، هذا الروح يجعل الحوار بين الناس مُمكِناً كونه روح الله، وهو في الوقت عينه لغةً واحدة للجميع. فيه تُصان وحدةُ المواهب وتنوّعها.

 

صوت ريح عاصفة: الريح تشير إلى القوة الروحية الخلاقة "كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجة الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تكوين 1: 2)

 

ألسنة من نـار: النار تشير إلى عمل التطهير الذي للروح القدس (اش6:6،7) فقد حل الله على جبل سيناء بالنار (خر18:19) أما في هذا اليوم فحل على التلاميذ بالنار.

 

التكلم بألسنـة: هو تصويب لما حدث قديماً عند برج بابل حيث بلبل الرب لسان الأشرار حتى لا يعرف الواحد لغة الأخر ولكن بالروح القدس بلبل ألسنة التلاميذ ليسطيعوا أن يكرزوا ببشارة الملكوت فى العالم أجمع لكي يجمعوا العالم ليكونوا واحداً لله الأب فى المسيح يسوع بالروح القدس.

 

حلول الروح القدس: لكي يصير الأنسان هيكلا لروح الله وتجديد الطبيعة التى أفسدت بالخطية فى العهد القدي فكان حلول الروح القدس على التلاميذ بمثابة معمودية لهم معمودية الروح القدس ونار. لا تقلّ تلك العلامات التي رافقت حلول الروح القدس قوةً وغرابة عن العلامات التي بقيت مع الرسل ورافقتهم بعد حلول الروح عليهم. فلقد بدأوا يتكلمون ويعظون الناس، وكان الجميع يفهمون كما بلغاتهم الخاصة، وهؤلاء التلاميذ ما هم إلا صيادون وبسطاء غير متعلمين. لقد انقلبت هذه الجماعة الخائفة إلى كنيسة مبشّرة.

 

 

بحسب إيماننا

 

الآب يعمل في الكون والروح القدس يؤمّن استمرار العمل. وكذلك الإبن يعمل في الكون والروح القدس يستمرّ في تكملة العمل. مثال على ذلك: مَن حقّق التجسد؟ أوَليس الروحَ القدسَ الذي حلّ على العذراء مريم؟ مَن بقي معنا لتعزيتنا كلّنا، أليس الروحَ القدس؟ (لن أترككم يتامى) هذا ما قاله السيّد للرسل قبل صعوده الإلهيّ ولنا أيضًا. سوف اُعطيكم قلبًا جديدًا وأضع فيكم روحًا جديدًا، سوف أنزع عن جسدكم قلب الحجر وأمنحكم قلبًا لحميًّا. سوف أضع روحي فيكم" (حزقيال 36: 26-27) روح حكمة، روح فهمٍ، روح محبّة الله.

 

أين حلّ الروح القدس؟ أليس هو الكائن منذ الأزل، المتساوي في الجوهر مع الآب والاِبن، المنبثق من الآب والمُستقرّ في الإبن، روح الحقّ الحاضر في كلّ مكانٍ والمالئ الكلّ؟ هو المُحيي الذي قال عنه الربّ إنّه يتفجَّر في الإنسان ينابيع حيّة تروي كثيرين. (يوحنّا 4: 14).

 

الآن بعد حلول الروح القدس فهم تلاميذ المسيح منْ هم؟ وما هي رسالتهم؟ وفهموا معنى كل ما حدث! لقد علّموا ووعظوا وعمّدوا وبدأوا يكسرون الخبز، بالإضافة إلى كل العجائب والقوى والأشفية التي رافقت رسالتهم. وكما امتلأ رسل المسيح بالروح القدس هكذا نحن كلنا مدعوون للامتلاء بالروح القدس على لسان معلمنا بولس الرسول القائل "لا تسكروا بالخمر الذى فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أفسس 8:5 ).

 

الروح القدس أيضًا يرشد ويعلم ويذكر كقول الرب يسوع "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يوحنا 26:14) وحينما يعمل الروح القدس في نفس الإنسان تنمو وتزدهر وتأتي بثمار حلوة روحانية كثيرة كما قال بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة غلاطية "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف".

 

ليست العنصرة حدثاً تاريخياً حدث مرة في الزمن وانتهى. بل هي تجدد دائم، لأن عمل الروح القدس كان منذ بدء الخليقة وهو سيبقى الى انتهاء الدهر. وتجلى عمل الروح في الكنيسة التي بقيت صامدة بالرغم من كل الاضطهادات والهرطقات التي حلت بها، فالروح في وسطها ولهذا في لن تتزعزع ابداً.

 

عيد العنصرة هو عيد "موهبة الروح المعطاة للكنيسة باعتبارها العطية الخالدة" التي نجدد قبولنا اياها في اليوم الخمسين للفصح، وفي كل يوم، ليعمق وعينا لحضور الرب القائم بيننا وفينا الى الابد ولمسؤوليتنا عن إعلان هذا الحضور المخلّص.

 

أحبائي: يَقْتَبِلُ المسيحيّ المعمّد الروحَ القدس كبذارٍ في قلبه، ويقتبلُه كنارٍ آكلة بقوّة عندما يمتلئ منه في عنصرةٍ داخليّة (أعمال الرسل 2: 3-4). الروح القدس نفخةٌ (يوحنا 20: 22) وريحٌ عاصفة قويّة (أعمال 2: 2). هذه النفخة تصدر من فم الآب، أي إِنَّه مُنبثِقٌ من الآب (يوحنا 15: 26) ومُرسَلٌ من الابن. لذا نعتبر يوم العنصرة احتفالاً للثالوث الأقدس، على غرار الظهور الإلهي والتجلّي الإلهي. أما نهار اثنين العنصرة فهو أحتفالٌ للروح القدس وحده كأقنوم.

 

 

الطروباريات

 

طروبارية العنصرة باللحن الثامن

 مُباركٌ أنتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا. يا مَن أظهَرْتَ الصيَّادينَ غزيريِّ الحكمة. إِذْ سَكَبْتَ عليهمِ الرُّوحَ القدُس. وبهمِ اصطدتَ المسكونة. يا محبَّ البشرِ المجدُ لك.

 

قنداق العنصرة باللحن الثامن

عندما انحدرَ العليُّ مبلبلاً الألسُنَ. كان للأمَمِ مُقَسِّماً. وحينَ وزَّعَ الألسُنَ النَّاريَّة. دعا الكلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلكَ نمجِّدُ بصوتٍ متَّفق. الرُّوحَ الكليَّ قدسُه.