موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٢ أغسطس / آب ٢٠٢٤

الأحد التاسع بعد العنصرة 2024

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد التاسع بعد العنصرة

الأحد التاسع بعد العنصرة

 

الرِّسَالة

 

صلُّوا وأوفوا الربَّ إلهَنا

اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (1 كو 3: 9-17)

 

يا إخوةُ، إنَّا نحنُ عامِلُونَ معَ اللهِ وأنتُم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ المُعطاةِ لي كبنَّاءٍ حكِيم وضَعْتُ الأساسَ وآخرُ يَبني عليهِ. فَلْينْظُرْ كُلُّ واحدٍ كيف يَبْني عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساساً غيرَ الموضُوعِ وهوَ يسوعُ المسيح، فإنْ كانَ أحدٌ يَبْني على هذا الأساسِ ذهبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشباً أو حَشيشاً أو تبناً، فإنَّ عملَ كلِّ واحدٍ سيكونُ بينًا لأنَّ يومَ الربِ سيُظهرُهُ لأنَّه يُعلّنُ بالنارِ، وستَمتَحِنُ النارُ عَمَلَ كلِ واحدٍ ما هو. فمن بقي عمَلُهُ الذي بناهُ على الأساسِ فسينالً أُجرَةً ومَن احتَرقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ وسيُخلُصُ هُوَ، ولكن كمَن يَمرُّ في النار. أما تعلَمون أنَّكم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ ساكِنٌ فيكم، مَن يُفسِدْ هَيكلَ اللهِ يُفسِدهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ وَهُوَ أنتم.

 

 

الإنجيل

 

فصل من بشارة القديس متى (متَّى 14: 22-34)

 

في ذلك الزَّمان، اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أنْ يدخُلُوا السَّفينةَ ويسبِقُوهُ إلى العَبْرِ حتَّى يصرِفَ الجُمُوع. ولمَّا صرفَ الجُمُوعَ صَعِدَ وحدَهُ إلى الجبلِ ليُصَلِّي. ولمَّا كان المساءُ، كان هناكَ وحدَهُ، وكانتِ السَّفينةُ في وَسَطَ البحرِ تَكُدُّهَا الأمواجُ، لأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضَادَّةً لها. وعندَ الهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ من اللَّيل، مضَى إليهم ماشِيًا على البحرِ، فلمَّا رآهُ التَّلاميذُ ماشِيًا على البحر اضْطَرَبُوا وقالُوا إِنَّه خَيَالٌ، ومن الخوفِ صرخُوا. فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُم يسوعُ قائِلًا: ثِقُوا أَنَا هُوَ لا تَخَافُوا. فأَجابَهُ بطرسُ قائِلًا: يا رَبُّ إِنْ كنتَ أنتَ هُوَ فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إليكَ على المياهِ. فقالَ: تَعَالَ. فَنَزَلَ بطرسُ من السَّفينةِ ومَشَى على المياهِ آتِيًا إلى يسوع، فلمَّا رأَى شِدَّةَ الرِّيحِ خافَ، وإِذْ بَدَأَ يَغْرَقُ صاحَ قائِلًا: يا رَبُّ نَجِّنِي. وللوقتِ مَدَّ يسوعُ يدَهُ وأمسَكَ بهِ وقالَ لهُ: يا قليلَ الإيمانِ لماذا شَكَكْتَ؟. ولمَّا دخَلا السَّفينةَ سَكَنَتِ الرِّيح. فجاءَ الَّذين كانوا في السَّفينَةِ وسَجَدُوا لهُ قائِلِين: بالحقيقةِ أنتَ ابنُ الله. ولمَّا عَبَرُوا جاؤُوا إلى أرضِ جَنِّيسَارَتْ.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد.أمين

 

الحدث الذي حدث في إنجيل اليوم (متى 14، 22-34): بطرس وتلاميذه الآخرون رأوا الرب كروح، كظهور يمشي على الماء، فامتلأوا خوفًا: شبح! وصرخ الجميع في خوف. والرب: "لا تخف، أنا...". ضربتهم الأمواج، كما تضربنا ظروف الحياة، والعواصف التي تهب فينا. ولكن عندما سمعوا صوت المسيح قال بطرس: "يا رب دعني آتي إليك ماشيا على الماء..." كان يعلم أن ذلك غير ممكن بشريا، ولكنه ممكن لأن كل شيء مستطاع عند الله ومعه. فقال المسيح: "تعال..." وخرج بطرس من السفينة التي كان عليها مع التلاميذ الآخرين، وبدأ يمشي وفجأة نظر إلى الأمواج بدلاً من أن ينظر إلى المسيح، لقد نظر إلى العاصفة بدلاً من أن ينظر إلى رب العاصفة، إذ هو رب السلام. ولأنه تذكر نفسه والعاصفة، بدأ يغرق، وعندما غاب عن رؤية الرب، صرخ: "أغثني..."، فأمسك المسيح بيده وأتى به إلى الشاطئ.

 

ان التغيير النفسي البشري المتمثل في الشجاعة والخوف والثقة والتردد يظهر، من بين أمور أخرى، من خلال قراءة إنجيل اليوم من خلال معجزة المسيح وهو يسير على البحر الهائج. تساعدنا هذه الحادثة على فهم علاقتنا الشخصية مع المسيح من خلال التجارب اليومية للمغامرات والمخاوف والمخاطر المختلفة في حياتنا.

 

وأجبر المسيح تلاميذه على "أن يدخلوا السفينة ويذهبوا بها إلى العبر" (متى 14: 22). وبعد أن فرق الجموع، صعد إلى الجبل ليصلي. يتم اختبار السفينة في البحار القاسية. وكلما اشتد عذابهم، زادت رغبة التلاميذ في حضور المسيح. وأخيرًا يظهر المسيح "ماشيًا على البحر" فتهدأ عاصفة البحر، وربما الأهم من ذلك، اضطراب نفوسهم. يقول أحد آباء الكنيسة الأتقياء: "ولما كان التلاميذ في عرض البحر، ترك يسوع عاصفة، حتى لا يكون لهم رجاء في الخلاص من أي مكان. وتركهم يتألمون طوال الليل دون أن يأتي لمساعدتهم، ليثير قلوبهم ويملأهم رغبة أكبر في مجيئه. وهكذا ينصحنا الرب أيضًا ألا نطلب بسرعة التحرر من الألم، بل أن نحتمله بشجاعة. وكما يقول الإنجيل، عندما ظن التلاميذ أنهم قد خلصوا، ازداد خوفهم مرة أخرى، فاضطربوا وصرخوا إذ رأوه ماشيًا على الأمواج. ولم يبدد الظلام ولم يظهر على الفور. هكذا درب المسيح تلاميذه ليكونوا شجعانًا وسط الآلام المتلاحقة".

 

ان عبارة المسيح المشجعة "تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا" هي وعد المسيح لكل عضو مؤمن في كنيسته. كم من العواصف وكم من الرياح المعاكسة نواجهها، ليس فقط في حياتنا، بل أيضًا في تاريخ الكنيسة! الإحباط هو التقليل من شأن أنفسنا وازدراءها. إنه إنكار ورفض للقوة التي يقدمها الله "لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة". عندما تضعف الثقة في حق الإنجيل، تضعف علاقتنا مع الله. ومن ثم نخاطر بالغرق في بحر التنازلات والخيانة. ضربات الحياة القاسية والمواقف المؤلمة وغير المتوقعة، تُغرقنا حرفيًا في حالة من عدم اليقين واليأس، حتى نشعر بأننا ضالون "يا رب خلصنا فإننا نهلك". في ظلامنا وإزعاجنا بالتجارب، لا يمكننا أن نفك رموز حضور الله الحي وتدخله المعجزي، بنتائجه المفيدة في حياتنا. كلما قل إدراكنا لوجود الرب إلى جانبنا، وكلما شككنا في قدرته، كلما تعرضنا أكثر للمخاوف والأخطار والتهديدات التي تتخلل وجودنا. بسبب الظروف والصعوبات الخارجية، نقضي الكثير من الوقت في تحليل وتفسير "رياح" و"موجات" حياتنا. في وحدتنا، نضيع ونحن نحاول شرح كيف ولماذا.

 

إن الرسول بطرس، في لحظة الخطر الحرجة والمحددة، يصرخ بشكل عفوي: "يا رب نجني". هذه الصرخة تكثف التجربة العميقة للسحق والثقة. يوقف المسيح نعمته ويتركه ليجرب، فيدرك ضعفه، وتعبر عن حريته. ومع ذلك، كان المسيح قريبًا من بطرس والتلاميذ الآخرين. فهو قريب منا وفينا ونحن فيه. "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد". إنه قريب منا في اللحظات السارة والصعبة في حياتنا اليومية. فهو يمد يده حتى نستطيع أن نقدم له يدنا.

 

عندما نتمتع بالسلام الداخلي، فإننا لا ننزعج من المحفزات الخارجية وبطريقتنا نساعد على تغيير المجتمع. عندما تستهلكنا الأفكار والحالات العاطفية ونشعر باضطرابات داخلية، فإننا نعاني ونجعل الآخرين يعانون. يجب أن نصنع السلام، ونحرر أنفسنا، بقوة النعمة الإلهية، من الحسابات والثورات الجسدية، وعندها سنكون أشخاصًا اجتماعيين، ومصدرًا للسلام للعالم.

 

يقول القديس الذهبي الفم في تفسيره لحادثة غرق الرسول بطرس أثناء سيره على الأمواج، قائلاً إن المسيح في تلك اللحظة لم يوقف الريح، بل مد يده وأمسك به قائلاً: "قل إيمانك بما فعلته" (متى 8، 31). وبهذه الطريقة أظهر المسيح أن التغيير في بطرس لم يكن بسبب قوة الريح، بل بسبب عدم إيمانه. إذا لم يضعف إيمانه، فيمكنه بسهولة مواجهة الريح. ولهذا أخذ المسيح بيده وترك الريح تهب، موضحًا أن الريح لا يمكن أن تضر عندما يكون الإيمان ثابتًا.

 

أيها الإخوة الأحباء، هذا الإيمان واليقين بأن المسيح يقف إلى جانبنا دائمًا وأقرب إلينا مما نعتقد، لا يمكن أن تهزه مخاوفنا وهمومنا، ولا يمكن أن تبددهما الأحزان، وحتى يأسنا مرة واحدة.

 

كلما تعمقنا في اختبار الحياة الروحية في القداس الإلهي أو بناءً على المواقف التي تجعلنا نفهم النصوص بشكل أكثر وضوحًا، كلما اتسعت أمامنا، لتكشف عن العمق الأكبر الذي تكتسبه الأشياء البشرية والإلهية.

 

كم مرة سمعنا في بداية التطويبات الكلمات: "اذكرني يا رب، عندما تأتي في ملكوتك..." - في مجد ملكوتك... وهذه الكلمات تبدو طبيعية وبسيطة جدًا. بل وأكثر من ذلك، إذا تصورنا لدقيقة، أنه عندما يأتي ربنا يسوع المسيح في المجد، بعد أن انتصر باسمنا وباسم الله، وتغلب على الشر، وجعل هذا العالم ملكوت محبة وقداسة وجمال مطلق، لنتخيل أن أحدنا يمكن أن يُنسى: ماذا سيحدث لنا؟ نسينا الله... وهذا يحدث لأننا نتذكر أننا موجودون، وأننا نعيش!. يحدث هذا فقط لأنه يتذكرنا حتى لو نسينا أنفسنا وبعضنا البعض، فإننا نستمر في الوجود بفضل قوة الحياة التي له، وبفضل بركته، وبفضل محبته المضحية بكل شيء.

 

عندما تأتي نعمة المسيح إلينا يكون هناك سلام عظيم، كل شيء في سلام. يختبر الإنسان السلام العميق وغير القابل للتصرف. وأولئك الأكثر عرضة للتجاوزات الجسدية، عندما ينالون نعمة المسيح، يمكنهم أن يشعروا بسلام الاعتدال العميق. دواء يوقف الألم. فبالأكثر من ذلك بكثير تلطف النعمة الإلهية الجسد وتهدئ النفس.

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة  باللَّحن الثَّامِن

إنحدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ المجدُ لك.

 

قنداق التجلّي باللحن السابع

تجلّيت أيّها المسيحُ الإله على الجبل، فعاين تلاميذك مجدك حسبما استطاعوا. حتّى انهم لما أبصروك مصلوبًا أدركوا أنّ موتك طوعي باختيارك. وكرزوا للعالم بأنّك أنتَ شعاعُ الآب حقًا.