موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٦ أغسطس / آب ٢٠٢٤

الأحد الثامن بعد العنصرة 2024

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأب بطرس ميشيل جنحو

الأب بطرس ميشيل جنحو

 

الرسالة

 

الرّبُّ يُعطي قوّةً لشعبِه 

قدِّموا للربّ يا أبناءَ الله

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (كورنثوس الأولى 1: 10-17)

 

يا أخوةُ، أطلبُ إليكم، باسم ربّنا يسوعَ المسيح، أن تقولوا جميعُكم قولًا واحدًا وألّا يكونَ بينكم شِقاقاتٌ بل تكونوا مكتملين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم، يا إخوتي أهل خُلُوي أنَّ بينكم خُصوماتٍ، أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول أنا لبولسَ أو أنا لأبلّوس أو أنا لصفا أو أنا للمسيح، ألعلَّ المسيح قد تجزّأ؟ ألعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلكم، أو باسم بولسَ اعتمدتم؟ أشكر الله أنّي لم أعمّد منكم أحدًا سوى كرِسيُسَ وغايوس لئلّا يقولَ أحدٌ إنّي عمّدتُ باسمي. وعمَّدتُ أيضًا بيت استفانوس عدا ذلك لست أعلم هل عمّدت أحدًا غيرهم. لأنّ المسيح لم يُرسلني لأعمّدَ بل لأبشّر، لا بحكمةِ كلامٍ، لئلَّا يُبطلَ صليبُ المسيح

 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس متى (متَّى 14: 14-22)

 

في ذلكَ الزَّمانِ أَبْصَرَ يسوعُ جَمْعًا كثيرًا فتحَنَّنَ عليهِم وأَبْرَأَ مَرْضَاهُم. ولمَّا كانَ المساءُ دَنَا إليهِ تلاميذُهُ وقالُوا إِنَّ المكانَ قَفْرٌ والسَّاعَةُ قد فاتَتَ، فاصْرِفِ الجُمُوعَ ليذهَبُوا إلى القُرَى ويَبْتَاعُوا لهُم طعامًا. فقالَ لَهُم يسوعُ لا حاجَةَ لَهُم إلى الذَّهَابِ، أَعْطُوهُمْ أَنْتُم لِيَأْكُلُوا. فقالُوا لهُ ما عِنْدَنَا هَهُنَا إِلَّا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وسَمَكَتَانِ. فقالَ لَهُم هَلُمَّ بِهَا إِلَيَّ إِلى هَهُنَا، وأَمَرَ بجلُوسِ الجُمُوعِ على العُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الخَمْسَةَ الأَرْغِفَةِ والسَّمَكَتَيْنِ ونَظَرَ إلى السَّمَاءِ وبَارَكَ وكَسَرَ وأَعْطَى الأرغِفَةَ لتَلَامِيذِهُ، والتَّلامِيذُ لِلْجُمُوع، فَأَكَلُوا جَمِيعُهُم وشَبِعُوا، ورَفَعُوا مَا فَضُلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءَةً. وكانَ الآكِلُونَ خَمْسَةَ آلافِ رَجُلٍ سِوَى النِّسَاءِ والصِّبْيَان. ولِلْوَقْتِ اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ ويَسْبِقُوهُ إِلى الْعِبْرِ حتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوع.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد. أمين

 

يروي لنا الأحد الثانت من متى وهو أحد أهم أيام الآحاد في السنة الكنسية، الحدث المعجزي المتمثل في تكثير الأرغفة الخمسة والسمكتين على يد يسوع المسيح، كما هو مكتوب في الأناجيل. هذه المعجزة المذهلة، التي حدثت بعد استشهاد القديس يوحنا السابق، هي نقطة مركزية في التعليم الإنجيلي عن محبة الله وعنايته وقدرته الكلية.

 

يأخذنا هذا الأحد إلى صورة سلمية لحشد من الناس يتبعون يسوع في مكان بعيد ومقفر. هناك في بساطة الطبيعة وسكونها، يؤدي الرب إحدى معجزاته الأكثر شهرة، مظهرًا قوته اللامحدودة وحبه اللامتناهي للبشرية.

 

حدثت قصة معجزة تكثير الأرغفة في منطقة صحراوية نائية بالقرب من بيت صيدا في الجليل. وهناك، بعيداً عن المدن والأنشطة البشرية، تكشف الطبيعة عن بساطتها وجمالها. تخلق الظروف الهادئة والمسالمة لهذا المشهد بيئة مثالية لتعليم يسوع المسيح وتحقيق معجزته.

 

بحسب الإنجيلي متى، كان يسوع قد انسحب إلى المنطقة الصحراوية بعد سماعه باستشهاد يوحنا المعمدان. أحزن هذا الخبر الرب حزنًا عميقًا، إذ كان يطلب الهدوء والخلوة للصلاة والراحة الروحية.

 

على الرغم من رغبة يسوع في العزلة، تبعه حشد كبير من الناس، نحو خمسة آلاف رجل، باستثناء النساء والأطفال، إلى المكان المهجور. مع مرور اليوم واقتراب وقت تناول الطعام، بدأ التلاميذ يشعرون بالقلق بشأن نقص الطعام. ومع وجود خمسة أرغفة وسمكتين فقط تحت تصرفهم شككوا في كيفية إطعام مثل هذا الجمع الكبير.

 

وبدلاً من صرف الناس كما اقترح تلاميذه، قرر يسوع أن يقوم بمعجزة مذهلة. وبعد أن بارك الطعام القليل الذي كان لديهم وشكر الآب السماوي، بدأ بتوزيع الخبز والسمك على تلاميذه، الذين بدورهم وزعوهم على الجمع. في معجزة لا تصدق، تضاعفت الأرغفة الخمسة والسمكتين، بما يكفي لإطعام جميع الحاضرين، بل وتركت اثني عشر قفة ممتلئة.

 

لم تكن معجزة تكثير الأرغفة مجرد حدث من الوفرة المادية؛ بل على العكس من ذلك، كانت إيذاناً بالإفخارستيا، السر الذي يقدم فيه يسوع المسيح جسده ودمه طعاماً للحياة الأبدية. إن مباركة الرب للخبز والسمك وتوزيعهما ترمز إلى تقديم جسده ودمه كطعام حقيقي وأبدي لنفوس المؤمنين. عندما نشترك في الإفخارستيا نصبح شركاء هذا الطعام الإلهي الذي يشبعنا بنعمة الله ويقودنا إلى الحياة الأبدية. وهكذا تصبح المعجزة استعارة حية للقوت الروحي الذي يقدمه المسيح من خلال غنى محبته وتضحيته.

 

إن معجزة تكثير الأرغفة هي تذكير قوي بالحاجة إلى الثقة المطلقة والإيمان بالله. شكك التلاميذ، الذين كانوا لا يزالون عديمي الخبرة في الحياة الروحية، في قدرة يسوع على إطعام الجمع الغفير بالمؤن الضئيلة التي كانت لديهم. لكن الرب من خلال عمله المعجزي أثبت أن قدرة الله تتجاوز كل محدودية ونقص بشري.

 

الطعام الحقيقي الذي نحتاجه ليس ماديًا فحسب، بل روحيًا. طعام أرواحنا الذي يأتي من الله.

 

تسلط المعجزة الضوء أيضًا على قدرة الله على تجاوز القيود والعقبات البشرية التي تبدو غير قابلة للتغلب عليها من وجهة نظر بشرية. التلاميذ الذين كانوا محصورين في الحدود الضيقة للعقل البشري، لم يستطيعوا أن يتصوروا كيف يمكن إطعام مثل هذا العدد من الناس بهذا القدر القليل من الطعام. ومع ذلك أثبت يسوع أنه لا يوجد شيء مستحيل على الله.

 

"حيث يكون المسيح، هناك فيضان من الخيرات. حيث المسيح هناك الأمان والفرح والسعادة والخيرات والرضا، هناك البركة والنعمة". إن حضور المسيح في حياتنا يذيب العقبات والحواجز التي نضعها بأنفسنا بسبب عدم إيماننا.

 

في نهاية المطاف، فإن أعظم تعليم في ربط المعجزة بالإفخارستيا وإعلان يسوع باعتباره "خبز الحياة" الحقيقي.

 

من خلال تناول جسده ودمه في الإفخارستيا، يصبح المسيح الغذاء الحقيقي والدائم لنفوسنا، ويملأنا بالحياة الأبدية وعدم الفساد. لذلك الأحد الثامن من متى هو تذكير دائم بالحاجة إلى التغذية الروحية بـ "الخبز الحي"، يسوع المسيح، الذي وحده يستطيع أن يشبع الجوع الحقيقي لنفوسنا.

 

أن هذا الأحد ليس مجرد رواية لمعجزة يسوع المسيح غير العادية؛ بل على العكس من ذلك، فهو يحمل معنى ورمزية أعمق، ويربط حدث تكثير الخبز مع سر الإفخارستيا الأسمى.

 

في الواقع، إن تكثير الأرغفة والسمك هو إشارة وظلال للإفخارستيا، التي يقدم فيها المسيح جسده ودمه طعامًا للحياة الأبدية. إن بركة يسوع وتوزيع الخبز والسمك تنبئ بأعظم عمل محبة وتضحية سيأتي: تأسيس سر الإفخارستيا في العشاء الأخير.

 

من خلال هذه الرمزية يكشف الرب عن نفسه بأنه "خبز الحياة" الحقيقي، مصدر الغذاء الروحي الذي يشبع النفس ويؤدي إلى الحياة الأبدية. لذلك، تكتسب المشاركة في الإفخارستيا المقدسة أهمية خاصة بالنسبة للمؤمنين، إذ بها نصبح شركاء جسد المسيح ودمه، ونتغذى من مصدر الحياة الأبدية. كما أطعم الرب الجموع بالقليل من الأرغفة والسمك، كذلك يستطيع اليوم أن يطعم نفوسنا الجائعة بنعمته الإلهية وطعام المناولة المقدسة الخالد.

 

إن رواية معجزة تكثير الخبز لا تقتصر على مجرد تسجيل حدث تاريخي من حياة المسيح، بل على العكس من ذلك، فهي دعوة حية لجميع المؤمنين للمشاركة بفعالية في سر الإفخارستيا. كما اتبع أتباع يسوع الرب بأمانة في الصحراء، كذلك نحن أيضًا مدعوون لاتباعه في صحراء الحياة الروحية، طالبين الغذاء الحقيقي لنفوسنا.

 

مهما بدت وسائلنا غير كافية، فإن المسيح يستطيع أن يضاعفها ويشبعنا بنعمته الوفيرة. ويكفي أن يكون لدينا الإيمان والثقة به، "الخبز الحي" الوحيد الذي يستطيع أن يغذي نفوسنا ويقودنا إلى الحياة الأبدية.

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامَة  اللَّحن السَّابِع

حَطَمْتَ بِصَلِيبِكَ الموتَ وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوُس، وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلَاتِ الطِّيبِ، وأَمَرْتَ رُسُلَكَ أَنْ يَكْرِزُوا بِأَنَّكَ قَدْ قُمْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإله، مَانِحًا العَالَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.

 

قنداق التجلّي باللحن السابع

تجلّيت أيّها المسيحُ الإله على الجبل، فعاين تلاميذك مجدك حسبما استطاعوا. حتّى انهم لما أبصروك مصلوبًا أدركوا أنّ موتك طوعي باختيارك. وكرزوا للعالم بأنّك أنتَ شعاعُ الآب حقًا.