موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢

مثل الوَكيل الخائِن والمالِ الحَرام

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الأحد الخامس والعشرون: مثل الوَكيل الخائِن والمالِ الحَرام (لوقا 16: 1-13)

الأحد الخامس والعشرون: مثل الوَكيل الخائِن والمالِ الحَرام (لوقا 16: 1-13)

 

النص الإنجيلي (لوقا 16: 1-13)

 

1 وقالَ أَيضاً لِتَلاميذِه: ((كانَ رَجُلٌ غَنِيّ وكانَ لَه وَكيل فشُكِيَ إِلَيه بِأَنَّه يُبَذِّرُ أَموالَه . 2 فدَعاهُ وقالَ له: ما هذا الَّذي أَسمَعُ عَنكَ ؟ أَدِّ حِسابَ وَكالَتِكَ، فلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أَنْ تَكونَ لي وَكيلاً. 3 فقالَ الوكيلُ في نَفْسِه: ماذا أَعمَل ؟ فَإِنَّ سيِّدي يَستَرِدُّ الوَكالَة مِنّي، وأَنا لا أَقوى على الفِلاحة، وأَخجَلُ بِالاستِعطاء. 4 قد عرَفتُ ماذا أَعمَلُ حتَّى إِذا نُزِعتُ عنِ الوَكالَة، يَكونُ هُناكَ مَن يَقبَلونَني في بُيوتِهم. 5 فدَعا مَديني سَيِّدِه واحِداً بَعدَ الآخَر وقالَ لِلأَوَّل: كم عَلَيكَ لِسَيِّدي ؟ 6 قال: مِائةُ كَيْلٍ زَيتاً: فقالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فاجلِسْ واكتُبْ على عَجَلٍ: خَمسين. 7 ثُمَّ قالَ لآخَر: وأَنتَ كم عَليكَ ؟ قال: مِائةُ كَيْلٍ قَمحاً. قالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فَاكتُبْ: ثَمانين. 8 فأَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيلِ الخائِن، لِأَنَّه كانَ فَطِناً في تَصَرُّفِه. وذلِك أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور. 9 ((وأَنا أَقولُ لَكم: اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة. 10 مَن كانَ أَميناً على القَليل، كانَ أَميناً على الكثيرِ أَيضاً. ومَن كانَ خائِناً في القَليل كانَ خائِناً في الكَثيرِ أَيضاً. 11 فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم ؟ 12 وإِذا لم تكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟ 13 ((ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لِأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال)).

 

 

مقدمة

 

يتناول إنجيل هذا الأحد (لوقا 16: 1-13) مثل الوَكيل الخائن الذي ضربه يسوع لتلاميذه مُعلِّما إياهم الوَكالَة في استخدام المال، لان كل ما يعطيه الله لهم هم وكلاء عليه.  ومن خلالهم يدعونا يسوع أن نكون أُمَناء على عطاياه لنا من مال ووقت وصحة ...  وكل واحد منَّا له مواهبه وعطاياه من الرب، وأحيانا يمرُّ في ساعات، تتطلب منه الفطنة والذكاء واتخاذ القرار المناسب. ولم يذكر الأناجيل هذه المثل إلاَّ إنجيل لوقا، وغايته بيان حكمة استعداد الإنسان لما تحتاج إليه نفسه في المستقبل أي أن يتَّخذ الخيرات الزمنية وسيلة إلى السعادة الأبدية. لذلك هذا المثل هو من صلب حياتنا لِمَا يعيش إنسانُ اليوم مُنغمسًا في المراوغة والغشّ والفساد والخيانة. يدعونا يسوع من خلال هذا الميل إلى التدبير بأمانة وحكمة لا إلى التبذير بخيانة وفساد. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

أولا: وقائع النص الإنجيلي وتحليله (لوقا 16: 1-13)

 

1 وقالَ أَيضاً لِتَلاميذِه: كانَ رَجُلٌ غَنِيّ وكانَ لَه وَكيلٌ فشُكِيَ إِلَيه بِأَنَّه يُبَذِّرُ أَموالَه

 

تشير عِبَارَة " لِتَلاميذِه " إلى المؤمنين به لا للاثني عشر فقط. وكان بعض أولئك التلاميذ من العشَّارين والخطأة. أمَّا عِبَارَة "رَجُلٌ غَنِيّ" فتشير إلى إنسان كثُر مالُه وصار ثَرِيًّا، وصار يملَك ما يفيض عن حاجته. ولم يتولَّ هذا الإنسان الغَنِيّ أمور أملاكه بل سلَّمها إلى وَكيل يعتني بها ويجمع له محصولها. وهو يرمز هنا إلى الله صاحب كل المَواهِب، الذي يُعطي لكل منا مَواهبِه كما جاء في تعليم بطرس الرسول "لْيَخْدُمْ بَعضُكم بَعضًا، كُلُّ واحِدٍ بما نالَ مِنَ المَوهِبَة كما يَحسُنُ بِالوُكَلاءِ الصَّالِحينَ على نِعمَةِ اللهِ المُتَنَوِّعَة"(1بطرس 10:4)؛ الله يعطي كل منا مواهبه وأمواله وسيطلب منا حسابًا عن كل ما أعطانا إياه؛ أمَّا عِبَارَة "وَكيل" في الأصل اليوناني οἰκονόμος فتشير إلى لفظ ينفرد به لوقا الإنجيلي للدلالة على مدير الأعمال الذي له الإشراف الكامل وإدارة أملاك الرجل الغَنِيّ، ولهذا فهو يعتبر الشخص الثاني بعد سيده، وكان له شأن عظيم في القرن الأول كما نستخلص من رسالة بولس الرسول "فلْيَعُدَّنا النَّاسُ خَدَماً لِلمسيح ووُكَلاءَ أَسرارِ الله، وما يُطلَبُ آخِرَ الأَمرِ مِنَ الوُكَلاءِ أَن يَكونَ كُلٌّ مِنهُم أَمينًا" (1 قورنتس 4: 1-2)؛ وكانت وظيفة هذا الوَكيل ما تُمكِّنه من اختلاس ما شاء، لأنه أُمِّن على أموال كثيرة، وعَيْن سيِّده لم تراقبْه دائمًا. أمَّا عِبَارَة " فشُكِيَ إِلَيه " فتشير إلى وشاية حقّة، إذ كُشفت أحابيل غشِّه، والتّلاعب بمال سيده من أجل مكسبه الشخصي.  ولم ينكر الوكيل هذه الوشاية، وتصرُّفه بعد ذلك أثْبتِ أنَّه غير أمين على أموال سيده فصدق المثل الشعبي القائل "حاميها حراميها". أمَّا عِبَارَة "يُبَذِّرُ أَموالَه" فتشير إلى الوَكيل الذي يغش في عمله ويُبذر أموال سيده على لذَّاته بدل أن يُعطيها لسيده، وهذا الأمر قيل عن الابن الضال الذي "َبدَّدَ مالَه هُناكَ في عيشَةِ إِسراف" بلا حساب (لوقا 13:15). وفي هذا الصدد يقول عاموس النبي على لسان الله "لا أَنْسى عَمَلاً مِن أَعْمالِهم لِلأبَد (عاموس8: 8). يأتي هذا القرار الإلهي مُعلنًا العقاب لكل مَن يتعامل بضمير فاسد.

 

2 فدَعاهُ وقالَ له: ما هذا الَّذي أَسمَعُ عَنكَ؟ أَدِّ حِسابَ وَكالَتِكَ، فلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أَنْ تَكونَ لي وَكيلاً

 

لا تشير عِبَارَة " ما هذا الَّذي أَسمَعُ عَنكَ؟ " إلى استفهام عن حقيقة الوشاية، بل إلى تعجب وتوبيخ من امر واقع لا يستطيع الوَكيل إنكاره. إنه يحمل مسؤولية ويتحمل عقابا.  وماذا سيكون عليه الحال عندما يأتي من السيد المسيح الديان! أمَّا عِبَارَة "أَدِّ حِسابَ وَكالَتِكَ" فتشير إلى طلب صاحب العمل إلى وَكيل أعماله تصفية حساباته كلها، وهنا تبدو الخيانة إنَّها ليست نافعة للإنسان، لأنها عُرضة للظهور وخسران للخائن إذ يضيع مركزه وصيته؛ وهذا رمز ما نسمعه يوم الدينونة كما ورد في رسالة العبرانيين "ما مِن خَلقٍ يَخْفى علَيه، بل كُلُّ شيَءٍ عارٍ مَكْشوفٌ لِعَينَيه، ولَه يَجِبُ علَينا أَن نُؤَدِّيَ الحِساب" (عبرانيين 4: 13)؛ أمَّا عِبَارَة "فلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أَنْ تَكونَ لي وَكيلاً" فتشير إلى الرجل الغَنِيّ الذي أراد أن يستغَنِيّ عن وَكيله وذلك  بطرده نهائيا من وظيفته دون أن يهاجمه أو تسوية الدين على الفور، إنما بإعطائه الوقت، حتى يتمكن من إصلاح الأمر بطريقة أو بأخرى. فالوَكيل الخائن لا يستطيع الاستمرار في العيش كما كان، إذ هو تحت الحكم، ويتوجب عليه تأدية حساب لما قام به. وهذا دلالة على أنَّ الخيانة ليست لا تدومكما يصرّح يسوع "ما مِن خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظهَر، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَن" (متى 4: 22).

 

3 فقالَ الوَكيل في نَفْسِه: ماذا أَعمَل؟ فَإِنَّ سيِّدي يَستَرِدُّ الوَكالَة مِنّي، وأَنا لا أَقوى على الفِلاحة، وأَخجَلُ بِالاستِعطاء

 

تشير عِبَارَة "فقالَ الوَكيل في نَفْسِه" إلى تعبير الشخص عن فكره بكلام يحدّث فيه صاحبه نفسه، وهذا الأسلوب يتردَّد في أمثال لوقا الإنجيلي (15: 17-19 و16: 3؛ 18: 4؛ و20: 13)، ونجد هذا الأسلوب في أنجيل متى البشير (21: 38، 24: 48)؛ أمَّا عِبَارَ " ماذا أَعمَل؟" فتشير إلى صحوة الوَكيل من غفلته، فيلجأ إلى ذاته كي يقرر ما يفعله، وبدأ يفكر في إصلاح حاله للتخلص من الضيق ومن موقفه الحرج ومأزقه. ولم يسيطر على تفكيره سوى تأمين مستقبله، لأنه يعرف كم هو عاجز أمام الحالة الصعبة الجديدة التي ستُفرض عليه. وأخذ يفكر مَلياً ويعطي جواباً وقراراً سليماً في موقف كهذا. وبهذا الأمر صار مثالا لأبناء النور، لأنه ما من شيء أضر من عمل بلا روية.  وأمَّا عِبَارَة "سيِّدي" فتشير إلى الرجل الغَنِيّ الوارد ذكره في الآية الأولى (لوقا 15 :1)، وهو يرمز في الواقع إلى ربنا يسوع المسيح. الواهب الحياة وكنز الصالحات والعطايا؛ أمَّا عِبَارَة "أَنا لا أَقوى على الفِلاحة، وأَخجَلُ بِالاستِعطاء" فتشير إلى الوَكيل الذي لن يستطيع أن يعمل كعامل زراعة، بعد العزّ الّذي كان ينعم به كونه مدير أعمال، أي "السيد الثاني" بعد صاحب العمل، ويستطيع التّسوّل لأجل كسب لقمة العيش لانَّ هذه الوظيفة لا تليق بمقامه؛ وانه من المستحيل أن يعمل عند سيد آخر، لأنه أصبح ذو سمعة سيئة.

 

4 قد عرَفتُ ماذا أَعمَلُ حتَّى إِذا نُزِعتُ عنِ الوَكالَة، يَكونُ هُناكَ مَن يَقبَلونَني في بُيوتِهم

 

تشير عِبَارَة "عرَفتُ ماذا أَعمَلُ" إلى اتخاذ القرار في هذه الأزمَة؛ أمَّا عِبَارَة " يَقبَلونَني" فتشير إلى استقباله الأصدقاء بمال الظلم، يُعلق القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ " الصداقة لا تولد من خلال هديّة واحدة، بل من خلال ألفة طويلة. فلا الإيمان، ولا الإحسان ولا الصبر هي حصيلة عمل يوم واحد: "الَّذي يَثبُتُ إِلى النِّهاية فذاكَ الَّذي يَخلُص" (متى10: 22) "(عظة «أيّ غنيّ يمكنه أن يُخَلص؟).  وهؤلاء الأصدقاء هم رمز إلى جماعة الفقراء والمساكين الذين وُعدوا بملكوت الله بحسب الإنجيل الطاهر. وهنا لا يريد الوَكيل الخائن أكثر من بيت يُرحِّب به مرة أخرى بعد اختبار محدوديته وعدم قدرته على الاكتفاء بالذات وانهيار بيته بسبب خيانته في عمله. يُدرك الوَكيل الخائن أنَّ الثروة الحقيقية تتمثل بالصداقة والأخوة والبحث عن مكان راحة له في وسط أخوته.  ويُعلق القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ " فلا تطمحوا سوى إلى العيش في السماء وإلى المُلك مع الله. إنسان حق وفقير سيعطيكم هذا الملكوت"(عظة «أيّ غنيّ يمكنه أن يُخَلص؟).

 

5 فدَعا مَديني سَيِّدِه واحِداً بَعدَ الآخَر وقالَ لِلأَوَّل: كم عَلَيكَ لِسَيِّدي؟

 

تشير عِبَارَة "مَديني سَيِّدِه" إلى هؤلاء الذين كانوا يدفعون ديونهم عينيَّاً إمَّا زيتاً أو قمحا. وكل وَكيل في بعض الأحيان يتلقى أكثر مما قيّده في حساباته، وبهذه الوسيلة يزيد من ثروته الشخصية؛ ومن الناحية المجازية تشير عِبَارَة "مَديني سَيِّدِه" إلى الفقراء والمحتاجين وكل هؤلاء الذين ليس لديهم ما يأكلونه وما يلبسونه، أليس هؤلاء هم إخوة الرب؟ فإذا صرفنا على هؤلاء فهم يُصبحون لنا أصدقاء، ويشهدون لنا في السماء. وبهذا تصير أموالنا سماوية، ويصير لنا كنزًا في السماء ينفعنا حين نغادر هذا العالم؛ أمَّا عِبَارَة "كم عَلَيكَ لِسَيِّدي؟" فتشير إلى سؤال الوكيل المديون حتى ينبِّهه على مقدار ديونه ويشعره بأنه يُسدي له معروفا.

 

6 قال: مِائةُ كَيْلٍ زَيتاً: فقالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فاجلِسْ واكتُبْ على عَجَلٍ: خَمسين

 

تشير عِبَارَة " مِائةُ كَيْلٍ زَيتاً " فتشير إلى المديون الذي كان مستأجرا من ذلك السيد أرضا فيها أشجار زيتون، وكان نصيب السيد من غلتها مِائةُ كَيْلٍ زَيتاً. وكان الزيت يُتاجر به كما في هذه الأيام.  تشير عِبَارَة " مِائةُ كَيْلٍ" في الأصل اليوناني βάτος (معناها "بث" בַת في اللغة العبرية) إلى مكيال سعة عبراني للمواد السائلة الذي يعادل حجمه 45 لترًا، وعليه فإن (100 كَيْلٍ) يعادل نحو 3000 لترا من الزيت. أمَّا عِبَارَة "اكتُبْ على عَجَلٍ: خَمسين" فتشير إلى الوَكيل الخائن الذي يقوم بتزوير أوراق سيده حول المديونين، إذ يقبل من مديني سيده أقل مما عليهم من ديون ليكون صاحب الفضل معهم، فينقص من الدين لصالح المدين حتى إذا ترك العمل يجد من يقبله على الأقلّ، فيكمِّل مسيرة حياته. أمَّا عِبَارَة "على عَجَلٍ" فتشير إلى السرعة في كتابة الصك قبل أن يأخذه السيد، لأنه لم يكن لذلك الوَكيل الحق في تغيير الصك، بل كان عليه أن يصون كل حقوق سيده لكنه خسَّره نصف دخله من الزيت وربَّح الأجير وجعله ممنونا له وشريكا له في الاختلاس. ولنا في ذلك أنَّ الخطيئة تقود إلى خطيئة أخرى. فمن يبدأ أن يخون في القليل تقوده شهواته أن يخون في الكثير.

 

7 ثُمَّ قالَ لآخَر: وأَنتَ كم عَليكَ؟ قال: مِائةُ كَيْلٍ قَمحاً. قالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فَاكتُبْ: ثَمانين

 

تشير عِبَارَة " كَيْلٍ" κόρος (معناها كُر כּר في اللغة العبرية) إلى مكيال سعة عبراني للمواد الجافة التي تساوي 450 لتر. أمَّا عِبَارَة "صك " فتشير إلى وثيقة بمال أو نحوه أو شيك، نموذج مطبوع بشكل معيَّن يستعمله المُودِعُ في أحد المصارف للأمر بدفع المبلغ المحرَّر به.

 

8 فأَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيل الخائِن، لِأَنَّه كانَ فَطِناً في تَصَرُّفِه. وذلِك أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور

 

تشير عِبَارَة "أَثْنى" إلى امتداح السيِّد الوَكيل الخائن، لا في تبذيره الأموال، ولا في ظلمه، ولا في خيانته، حيث أنَّ الخيانة مذمومة مهما كانت ومِن مَن صدرت، وإنما امتدحه في حكمته وفطنته بكسبه أصدقاء له واهتمامه بالحياة المقبلة ولتدبيره الذكيّ في تفادي كارثة شخصيّة وتأمين معيشته المستقبليّة، إذ عرف كيف يستعمل المال لخدمة الآخرين آملا أن يُحسنوا إليه كما أحسن هو إليهم. فكَّر الوَكيل أن يكون له أصدقاء يلجأ إليهم حينما يأخذ منه سيده الوَكالَة؛ فالمديح يخصَّ ذكاء وفطنة تصرف الوَكيل، وليس عدم نزاهته. فيسوع لا يمتدح عمل الشر بحد ذاته، بل يمتدح الذكاء والفطنة في الخروج من المأزق: شطارة الوَكيل في الاعتناء بنفسه من خلال خصم ديون الأجراء الذين سيعتنون به بدورهم عندما يكون بحاجة إليهم ويكونون له خشبة النجاة في المستقبل.  أمَّا عِبَارَة "السَّيِّدُ" فتشير إلى سيد الوَكيل، ويدل مجازيا على الله؛ أمَّا عِبَارَة" الوَكيل الخائِن " فتشير إلى وَكيل الظلم أو وَكيل دون برِّ كما تصفه اللفظة اليونانية οἰκονόμον τῆς ἀδικίας. فهو لا يمتلك بر الكتبة والفريسيين، لكن الظلم يُترجم بالخيانة نظراً إلى سياق الكلام التي يتكلم عن الأمانة (لوقا 16: 10-12)، فوَكيل الخائن هو وَصْفٌ لأخلاقه بصفة عامة؛ أمَّا عِبَارَة " فَطِناً " فتشير إلى إنسان حاذقٍ ماهرٍ، يدرك الأمر ويفهمه. أمَّا عِبَارَة " َأبناءَ هذهِ الدُّنيا " فتشير إلى المتعلقين بأمور الدنيا الذين لا يعرفون إلاّ الدنيا الحاضرة، ولا يعملون إلا في سبيلها، ويعلق الأب ثيوفلاكتيوس " يقصد بأبناء هذه الدنيا أولئك الذين يضعون فكرهم في خيرات الأرض"؛ أمَّا عِبَارَة " فِطنَةً" فتشير إلى "بصيرة" حيث يستدرك الشخص بها موقفاً خطيراً لتجنّب الخسارة أو الكارثة، أمَّا في العهد القديم فتدل الفطنة على كل حيلة شريفة أو غير شريفة كما ورد في سفر التكوين "كانتِ الحيَّةُ أَحيَلَ جَميعِ حَيَواناتِ الحُقولِ الَّتي صنَعَها الرَّبُّ الإِله. فقالَت لِلْمَرأَة: ((أَيقينًا قالَ الله: لا تأكُلا مِن جَميعِ أَشْجارِ الجَنَّة؟ "(التكوين 3: 1)؛ أمَّا عِبَارَة "أبناء هذه الدنيا الذين هم أكثر فطنة" فتشير إلى تفكيرهم الدائم في الغد، يستثمرون أموالهم ضمانًة لمستقبلهم، ويتذرّعون بالحكمة في معاملة أهل جيلهم، أكثر من الحكمة الّتي يستخدمها أبناء النور في معاملتهم لمؤمني جيلهم. ونستطيع تطبيق المثل ليس فقط على الأموال بل على الوقت والصحة والتعليم والذكاء، بل أيضا على كل ما أعطاه الله لنا؛ أمَّا عِبَارَة "أَشباهِهِم" في الأصل اليوناني γενεὰν τὴν ἑαυτῶν (معناها الجيل الذي يحمل نفس صفاتهم) فتشير إلى أجيالهم. وترد هذه اللفظة في نصوص قمران وتعني فئة جماعة قمران؛ أمَّا عِبَارَة "أَبْناءِ النُّور" فتشير إلى أبناء الإيمان الذين يسيرون في نور الله ونور العهد الجديد الذي يقود إلى الحياة الأبدية، ويُعلق الأب ثيوفلاكتيوس "يقصد بأبناء النور الذين ينشغلون بالكنوز الروحيَّة خلال الحب الإلهي". وفي مخطوطات قمران، هم أعضاء الجماعة، عكس أبناء الظلام الذين هم خصومهم". ويختم يسوع المثل بدعوة التلاميذ ألاّ يكون من هم في خدمة الملكوت أقل فطنة من أبناء هذا العالم في خدمة شؤونهم الزائلة والسيِّئة. أراد يسوع هنا أن يلفت انتباه تلاميذه ليس إلى الحكمة المتوجِّة بالخيانة بل المصحوبة بالأمانة. ليست طريقة الوَكيل الخائن نموذجًا للتوبة. لكنه يقوم بحسابات حكيمة -لاستخدام ساعاته الأخيرة المسؤولة عن ممتلكات سيده لإظهار الرحمة للآخرين بتخفيف ديونهم. فإننا نُشيد بفطنته كمثال لنا، أولاد النور كما في وصف بولس الرسول "لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار" (1 تسالونيقي 5: 5؛ أفسس 5: 8) مُدركين أنَّ ما نملكه ليس لنا كما أدركه الوَكيل الخائن، إنما ما لدينا هو ملك لآخر، وهو سيدنا يسوع المسيح.

 

 9 وأَنا أَقولُ لَكم: اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة

 

تشير عِبَارَة "اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ" إلى المشاركة أيّ الخروج من الذات نحو أولئك الذين ليس لديهم ضمان على هذه الأرض، وليس لديهم ما يعتمدون عليه. وهؤلاء الأصدقاء هم جماعة الفقراء والمساكين، وهم أول من وُعدوا بملكوت الله بحسب الإنجيل الطاهر مثل لعازر الرَجُلٌ فَقيرٌ الذي كان مُلْقىً عِندَ بابِ الغَنِيّ قد غطَّتِ القُروحُ جِسْمَه" (لوقا 16: 20)؛ ويُعلق القديس أمبروسيوس "اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام"(لو 16: 9)، حتّى نستطيع من خلال كَرَمنا تجاه الفقراء أن نحصل على حظوة الملائكة وبقية القدّيسين. هذا هو الراتب الوحيد الذي لن يفقد قيمته يومًا" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 7).  وإن كنّا قساة ومهملين في استضافة الفقراء سنواجه هؤلاء الفقراء القدّيسين بعد انقضاء هذه الحياة، وقد يرفضون بدورهم استضافتنا. وقد أكّد الربّ على ذلك في الإنجيل: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متى 25: 40).  أمَّا عِبَارَة "المالِ" في الأصل اليوناني μαμωνᾶ  مامون المشتقة من اللفظة العبرية מָמוֹנָהּ  فتشير ما هو أمين وثابت. فالمال هنا هو عِبَارَة عن شيء يثق به الإنسان، بل كثيراً ما يصير جوهر لحياته ويقوم عليه وجوده الإنساني. "مامون" كلمة مشتقة في الأصل من فكرة الوديعة. لكنها تدل هنا على المال وقد كُني به عن قوة تتسلط على العالم. ويمكن للمال إعماء بصيرة الإنسان وإيهامه بأنه يكفي في حياته وفرحه.  فنجد أنَّ لفظة المال والأمانة هما لفظتان مشتقتان من أصل ٍعبريٍ واحدٍ؛ وهنا نرى التناقض القائم بين الخيانة والأمانة. وفي الواقع المال غشّاش. ويصبح صديقا إذا أعطيناه للفقراء جاعلا إياهم يستقبلونا الفقراء على باب الملكوت؛ أمَّا عِبَارَة "المالِ الحَرام " فتشير إلى مال الظلم أي الثروة الزمنيَّة التي غالبًا ما جُمعت خلال الابتزاز والطمع وكثيرا ما تنفق بشتى الوسائل الحرام، أو المال الذي يَعد بالحياة والسعادة حتى وإن لم يستطع الإيفاء بهذا الوعد. فصاحب الثروة كثيراً ما ينزلق إلى التعسف، وذلك بغطرسته، لان الغَنِيّ كما يقول صاحب الأمثال "الغَنِيّ حَكيمٌ في عَينَيه" (أمثال 28: 11)، أو بقساوته لان  "الغَنِيّ يُجاوِبُ بِالغِلاظَة" (أمثال 18: 23) وبجوره إذ "كثُر مالَه بِالرّبِى والفائِدة" ( أمثال 28: 8) كما ينزلق أيضا إلى شتى الشرور والتبذير والرشوة وشراء الضمائر وارتكاب الجرائم، لكن يتعيَّن على تلاميذ المسيح أن يستخدموا الفرص الّتي بين أيديهم في هذا العالم في سبيل ملكوت الله؛ لأنّ " مَن يَرحَمِ الفَقير َيُقرِضِ الرَّبّ فهُو يُجازيه على صَنيعِه" (أمثال 19: 17). أمَّا عِبَارَة " قَبِلوكُم" فتشير إلى الأصدقاء بمال الظلم حتى إذا فرغ بعد الممات، يوم الدينونة، ساعة لا يفيد المال شيئا للخلاص (صفنيا 1: 18) قبلونا هؤلاء الفقراء في المظال الأبدية لان الله يعطف على من ينفق أمواله لعمل الخير" تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني" (متى25: 34-35)؛ أمَّا عِبَارَة "المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" في الأصل اليوناني αἰωνίους σκηνάς.  (معناها المظال الأبدية) فتشير إلى السماء أي دار الخلود حيث الأفراح الحقيقية، وهي ابديه مقابلة بالمساكن الأرضية الزائلة؛ يُعلق القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ " فكّر إذًا بالمكافأة الرائعة الموعودة مقابل كرمك: المنازل الأبديّة. ما أجمل هذه التجارة! يا لها من صفقة مدهشة! نشتري الخلود مقابل المال؛ نستبدل خيرات هذا العالم الزائلة بمنزل أبدي في السماء! "(عظة «أيّ غنيّ يمكنه أن يُخَلص؟). وكان عيد المظال، عيد الفرح عند اليهود، رمزًا لأفراح السماء، وهي صورة مستوحاة من صورة عيد الأكواخ الذي كانوا يرون فيه صورة مسبقة لزمن الخلاص (زكريا 14: 16-21)، وقد أطلق على السماء "مظالًا أبديَّة"، لأن اليهود كانوا يهتمون جدّا بعيد المظال، ويحسبونه عيد الفرح الحقيقي، فيه يسكنون في مظالٍ من أغصان الشجر لمدة أسبوع. وهكذا تهيئ لنا الصدقة نصيبًا لعيدٍ أبديٍ مفرحٍ، فنقيم في السماء مع مصاف القدِّيسين. وهذه الآية هي دعوة إلى أن نكنز لنا كنزاً في السماء "اجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ " (لوقا 12: 33) وذلك عن طريق الصدقة والإحسان (لوقا 11: 41). ومن يُقدّم إحساناً إلى بائس، فإنّ ملائكة الله تستقبله في "المظال الأبديّة" أي في "دار الخلود". ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " الصدقة هي أكثر الفنون مهارة؛ لا تبني لنا بيوتًا من الطين بل تخّزن لنا حياة أبديَّة".  كما اتخذ الوَكيل بفطنته وحكمته أصدقاء قبلوه في بيوتهم الأرضية، فيجب على أبناء النور (المسيحيين) أن يتخذوا بتصرفهم في الأموال بحكمة وعدل أصدقاء (الفقراء) الذين يقبلونهم في الموطن السماوي. وهنا نسأل نفوسنا هل مستقبلنا مبني على الإيمان بالله أم على المال كضمان للخير الأسمى لحياتنا؟

 

10 مَن كانَ أَميناً على القَليل، كانَ أَميناً على الكثيرِ أَيضاً. ومَن كانَ خائِناً في القَليل كانَ خائِناً في الكَثيرِ أَيضاً.

 

تشير عِبَارَة "من كانَ أَميناً على القَليل" إلى المحافظة على الغنى الأرضي بغض النظر عن قلته أو كثرته؛ فلا يُبدِّد الإنسان ماله على ملذات الدنيا وشهواتها، بل يُعطيه للمحتاج، وخير برهانٍ على ذلك الأرملة التي كان لها فلسين "فقدَّمتهما إلى الهيكل، فقدَّمت كل ما تملكه" (لوقا 21: 2)؛ فمن كان أمينا على الأرضيات يكون أمينا على الروحيات؛ يعلق القدّيس أوغسطينوس: "الأمور الصغيرة تبقى صغيرة، ولكنّ الأمانة في الأمور الصغيرة هي أمر عظيم. أليس ربّنا موجودًا في الطريقة نفسها في الزائر الفقير كما في الزائر العظيم؟" (متى25: 40). أمَّا عِبَارَة " كانَ أَميناً على الكثيرِ" فتشير إلى العطايا الروحية والاهتمام بالمحافظة على الكنوز الفائقة لملكوت الله. فالأمين على خيرات الأرض يكون أمينا على خيرات السماء، ومن يكون أمينا مع الناس سيكون أميناً مع الله. ومن هذا المنطلق يدعو الإنسان إلى أن يكون أمينا حتى في أبسط التفاصيل وأدقها حتى يكون جديرا في كنوز السماء التي هي أغلى وأثمن بكثير من غنى الأرض؛ وتعلق الطوباويّة الأم تيريزا الكالكوتيّة " أنّنا لسنا مدعوّين لننجح، بل لأن نكون أُمناء. فالأمانة مهمّة حتّى في الأمور الصغيرة، ليس من أجل الأمر نفسه، ولكن من أجل الأمر العظيم الذي هو إرادة الله."(صلاة مع الأخ روجيه: السعي وراء قلب الله).  أمَّا عِبَارَة " خائِناً في الأصل اليوناني ἄδικος (معناها ظالم) فتشير حرفيا إلى من ليس باراً.  لو كنّا غير جديرين للمحافظة على الغنى الأرضي فلسنا جديرين بالكنوز الفائقة لملكوت الربّ. وتهدف هذه الآية إلى إبعاد كل سوء فهم بأن نرى في المثل أي تشجيع أو دعوة للغش.

 

11 فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟

 

تشير عِبَارَة "المالِ الحَرام" إلى المال الذي سُمِّي بالمال الحرام، لأنه كثيرا ما يجمع ظلما وينفق باطلا ويُخزن بُخلا، وكثيرا ما يخدع مالكه ويقوده إلى الخطيئة.  ويُعلق القديس أمبروسيوس "لقد أجاد الرّب يسوع الكلام عن "المالِ الحَرام" لأنّ البخل يُخضِع ميولنا للتجربة من خلال إغراءات التي نحصل عليها نتيجة للثروات المتنوّعة بين يدينا لدرجة أنّنا نريد أن نكون عبيدًا لها" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 7). أمَّا عِبَارَة " الحَقِّ " فتشير إلى الغنى الحقيقي الذي هو رضى الله وكنز السماء (متى 6: 19-20) وميراث القديسين والملكوت المُعدّ منذ إنشاء العالم. تشير هذه الآية إلى الفرق بين مال الحرام والخير الحق، وذلك لأن المال باطل، فهو موجود اليوم، وغير موجود غدًا، ولا يستطيع أن يأخذه الإنسان معه إلى العالم الآخر، بينما الخير والحق والفضائل والأعمال الصالحة تصحب الإنسان معه في السماء كما يصرِّح ذلك يوحنا الرسول " طوبى مُنذُ الآنَ لِلأَمْواتِ الَّذينَ يَموتونَ في الرَّبّ! أَجَل، يَقولُ الرُّوح، فلْيَستَريحوا مِن جُهودِهم، لأَنَّ أَعْمالَهم تَتبَعُهم" (رؤيا 14: 13). فالرب لن يأتمنا على الكثير إن لم نكن أمناء في القليل.

 

12 وإِذا لم تكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟

 

تشير عِبَارَة "ما لَيسَ لَكم" إلى الغنى الأرضي الذي نحوزه فقط بالوَكالَة ولا يمكن اختزانه؛ ولا أحد من الناس يحق له الادعاء أنَّ ماله لنفسه. فالمال لله والإنسان وَكيله، وهو مُلزم أن ينفقه كما أمره الله، فإن لم نكن أمناء مع الفقراء والمحتاجين فيما بين أيدينا من مال الظلم، فالله لن يعطينا ما هو لنا من البركة والسلام والفرح والرجاء؛ لكن لو أعطينا ما عندنا للفقراء سكب الله علينا من غنى مجده؛ أمَّا عِبَارَة "ما لَكم؟" فتشير إلى الثروة الروحية التي يهبها الله لنا والتي نمتلكها إلى الأبد، وعبّر عنها بطرس الرسول "ِميراثٍ غَيرِ قابِلٍ لِلفَسادِ والرَّجاسَةِ والذُّبول، مَحفوظٍ لَكم في السَّمَوات " (1بطرس 1: 4)؛ ويُعلق القديس ايرونيموس "ما هو ليس لكم" فهو كمية من الذهب أو الفضة؛ أمَّا ما هو لك فهو الميراث الروحي، إذ قيل في موضع آخر "فِداءُ نَفْسِ الإِنْسانِ غِناه" (أمثال 13: 8). وبعِبَارَة أخرى، تعني هذه الآية أنه من لا يكون أمينا، وفيّاً لمشيئة الله في تعاطيه الأمور المادية، ولا يحسب للفقير حسابا، فهذا لن يحظى بالخيرات الروحية.

 

13 ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لِأَنَّه إمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال

 

تشير عِبَارَة "يَعمَلَ" هنا إلى العبادة. فإمّا نحن بالفعل وكلاء وبالتالي أمناء لله، وإمّا نتصرف كمالَّكين وبالتالي لسنا أمناء لله. فالمال إله كذاب. هو صنم يتعبد له الإنسان إذا تصرف فيه كمالك وليس كوَكيل، لأنه عندئذٍ يجعل المال الإنسان عبدا. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " إنّ الشرور التي تُسبِّبها لنا الثّروات هو إبعادنا عن خدمة الرّب يسوع المسيح وتحويلِنا إلى عبيدٍ لسيّدٍ جامدٍ وفاقد الحسّ " (العظة 21 عن إنجيل القدّيس متّى). أمَّا عِبَارَة " المال" في اليونانية μαμωνᾶ مامون) فتشير إلى "المال كسلطان يستعبد العالم (لوقا 16: 9)، لان للمال قوة وسلطة أن ينتزع مكانة الله في حياة الإنسان. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "يسمّي المسيح المال هنا ربًّا لا بسبب طبيعته الذاتيّة، إنّما بسبب تعاسة الذين ينحنون لنيره. فما أتعس المُدانين من أمثال الذين يتخلّون عن الله ربّهم ليتسلّط عليهم المال تسلّطًا مؤلمـًا". إن المال سيد مخادع. والمال يَعد صاحبه بالسيادة والسلطة، لكنه غالبا لا يفي بوعده. ولا يمكن لأي قدر من المال أن يهب الإنسان الصحة والسعادة والحياة الأبدية. يتّخذ خادم الله الله لا المال سيِّد، فهو بالتالي يحيا في راحة بال وطمأنينة وأمان في هذا العالم الآن وإلى الأبد؛ أمَّا عِبَارَة "سيدان"، فلا تشير إلى سيدين، إنما سيد واحد، إذ ليس للمال حق السيادة، إنما الإنسان هو الذي يثقل نفسه بنير العبوديَّة (للمال) كما يُعلق القديس أمبروسيوس. "يضع السيد المسيح حدًا فاصلاً بين قبول تبعيته والارتباط بمحبة المال. الله ليس ضد الغنى، فإبراهيم وإسحق ويعقوب كانوا أغَنِيّاء، والله لم يكن ضدهم، بل الله ضد عبادة المال، أي عندما يصير المال هدفًا وإلهًا يُعبَدْ، أو أداة للملذات والترف الزائد في حين الفقراء في جوع وحرمان". وعبادة المال تعني أن يظن الإنسان أن المال فيه ضمانًا للمستقبل. ومن هنا جاءت وصية بولس الرسول "واعلَمْ أَنَّه سَتَأتي في الأَيَّام الأَخيرَة أَزمِنَةٌ عَسيرَة يَكونُ النَّاسُ فيها مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمِ ولِلْمَال ... فأَعرِضْ عن أُولئِكَ النَّاس"(2 طيموتاوس 3: 1-5). ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " إنّنا لا نتكلّم عن الذين كانوا يملكون الثروات، بل عن الذين تركوا تلك الثروات تَتملّكهم. كانَ أيّوب ثريًّا؛ لكنّه كانَ يستخدمُ المال ولم يكنْ يخدمُه. كان سيّدَ المال، لا عبدَه. لقد استعمل خيراته لكي يساعد الفقراء... كان يعتبر خيراته كمخزنٍ يقوم بإدارته وكان يعتبرُ نفسه موزِّعًا للخيرات، لا مالكًا لها" (العظة 21 عن إنجيل القدّيس متّى). أمَّا عِبَارَة " فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال" فتشير إلى وضع الإنسان أمام خَيار. إنّه اختيار صعب. وحاسم. يعتمد عليه نجاح أو فشل حياتنا.  من جانب، يوجد الربّ مع رغبته في خلاص كل إنسان وملكوته المستقبلي بكلّ متطلّباته. ومن الجانب الآخر هناك المتعة المباشرة، والرفاهيّة المادّية، والأنانيّة. هل نعرف نحن اتّخاذ الاختيار الّذي يُخلّصنا؟  فنتشبه بالقائد يشوع بن نون في اتخاذ القرار " والآنَ اتَقوا الرَّبَّ واعبُدوه بِكمَالٍ ووَفاء، وأَبعِدوا الآلِهَةَ الَّتي عَبَدَها آباؤُكم في عِبرِ النَّهرِ وفي مِصْرَ، واعبُدوا الرَّبّ. وإِن ساءَ في أَعيُنِكم أَن تَعبُدوا الرَّبّ، فاخْتاروا لَكمُ اليَومَ مَن تَعبُدون: إِمَّا الآلِهَةَ الَّتي عَبَدَها آباؤُكم في عِبرِ النَّهْرِ، أَو آلهَةَ الأَمورِّيينَ الَّذينَ أَنتُم مُقيمونَ بِأَرضِهم. أَمَّا أَنا وبَيتي فنَعبُدُ الرَّبّ" (يشوع 24: 15). ويعلق القدّيس البابا لاوُن الكبير " فَلنَختَرْ سيّدًا لا يُعثِّر طريق الواقفين ليَقودَهم إلى الهاوية، بل يُقيمُ الذين سقطوا ليَقودَهم إلى المجد"(العظة العشرون عن الآلام).

 

ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 16: 1-13)

 

انطلاقا من الملاحظات الوجيزة وتحليل حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 16: 1-13)، نستنتج أن النص يتمحور حول الأمانة في الوَكالَة في استعمال خيرات الأرض. وهنا نتساءل عن الفرق بين حكم الرجل الغَنِيّ على وكليه الخائن وحكم يسوع عليه، ومن هنا نبحث في نقطتين: كيف حكم الرجل الغَنِيّ على وَكيله الخائن؟ وكيف حكم يسوع عليه؟

 

1) حكم الرجل الغَنِيّ على وكليه الخائن (لوقا 16: 2-8)

 

"أَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيل الخائِن، لِأَنَّه كانَ فَطِناً في تَصَرُّفِه. وذلِك أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور" (لوقا 16: 8). لم يقِّر السيد عبده الخائن لخيانته بل لفطنته، ولم يمتدحه على فضيلته بل على حكمته. أعجب السيد بذكاء عقل وَكيله، لكنه لم يُسر باعوجاج قلبه، والاّ فلماذا عزله عن وظيفته.

 

عرف الوَكيل كيف يتصرّف بالمال تصرّفا ذكياً، كما عرف كيف يستعمل المال لخدمة الآخرين آملا أن يُحسنوا إليه كما أحسن هو إليهم فيؤمن مستقبله. فكر في أن يكون له أصدقاء يلجأ إليهم حينما يأخذ منه سيده الوَكالَة، وكأنَّه يطبق كلام يسوع "بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد " (لوقا 12: 32).

 

إن أبناء هذا العالم يعرفون جيدًا كيف يدبِّروا حياتهم ومستقبلهم، حيث أن لديهم عزم ثابت علي بلوغ طموحاتهم في هذه الدنيا، ولا تعوزهم الوسائل لبلوغ غاياتهم، ولديهم غيرة واجتهاد في استعمال هذه الوسائل. أما أبناء النور، يعوزهم النظرة المستقبلية لحياتهم الأبدية.

 

ونستنتج مما سبق انه لا يجوز لنا بأي شكل من الأشكال أن نسيء استعمال المال خاصة مال الغير. ويُعلق القديس كيرلس الكبير "لا يليق بنا أن نتمثل بهذا الوَكيل بتبذيره أموال الوَكالَة ولا بتلاعبه في الصكوك، وإنما نتمثل به بالتزامه بالحكمة والنظرة المستقبليَّة (الأبديَّة)". أبناء النور هم عكس أبناء هذا العالم وهم مدعوون كي يصبحوا وكلاء الحق الذي حمله السيّد المسيح لنا في تعليم التطويبات. قد تأتي لحظات مطلوب من أبناء النور اتخاذ قراراً مناسباً في وقت مناسب ولظرف مناسب كما فعل الوَكيل الخائن.

 

2) حكم يسوع على الوَكيل الخائن (لوقا 16: 9-13)

 

ينتقل يسوع من مسالة الفطنة إلى مسالة المال ليفسر مثل الوَكيل الخائن. ويعطي يسوع أربعة إرشادات أو الحكم في استعمال المال: المال خير قليل الأهمية، المال خير مكتسب، المال خير غريب، المال خير للملكوت.

 

ا) المال خير قليل الأهمية

 

"مَن كانَ أَميناً على القَليل، كانَ أَميناً على الكثيرِ أَيضاً" (لوقا 16: 10) يعتبر يسوع المسيح المال خير قليل الأهمية، أمَّا الأمر الكبير أو الكثير الأهمية في نظر يسوع هو الحياة الأبدية والخيرات الإلهية حيث أنَّ المال له أهمية محدودة. ومن هنا يوصي يسوع بان يُحسن الإنسان استعمال أو إدارة المال أو الأمور الزمنية ويتعرف على كيفية التصرف في الأمور الأكثر أهمية، وهي الأمور الروحية. لذا ليست نصيحة يسوع دعوة إلى تبذير الأموال بل إلى حُسن استعماله وتدبيره. إذا كان هناك إمكانية استخدام المال في الخير أو الشر، فلنستخدمه في الخير.

 

المال يصبح شرًّا حين تصبح محبّته أقوى من محبّة الإنسان الآخر وسد حاجته. ومن هنا جاءت وصية يسوع "فَاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه" (متّى 6، 33). إنّ كنوز السماء أغلى وأثمن بكثير من غنى الأرض. لذلك أوصانا يسوع قائلا " اكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في السَّماء" (متى 6: 20).  لكن لو كنّا غير جديرين أو غير أهل للمحافظة على الغنى الأرضي بغض النظر عن قلّته أو كثرته في أيدينا فلسنا جديرين بالكنوز الفائقة لملكوت الربّ.

 

ليس المال الذي يجعل الإنسان إنسانا، فالغنى المادي لا يجعل من الإنسان كائنا سعيداً. ليست القيمة في المال، إنَّما القيمة في الإنسان، لا فيما يملك. فيُمكن أن يملك الإنسان الكثير وان يكون تعيسا وشريرا، لذلك يدعو يسوع حسن استعمال الخيرات، حيث أن ليس المال شرًّا بطبيعته الذاتيّة، بل يصبح المال شرًّا حين يتعامل المرء معه هدفًا لا وسيلة للوصول لهدف أسمى هو محبّة الإنسان ومساعدته. ونحن مدعوون لأن ندرك كيف نستثمر ما أتاحته لنا الحياة، كثيرًا أو قليلًا.

 

يؤكد يسوع أن المال تافه وغير شريف، المال تافه، لأنه لا يكفي لإعطاء الحياة؛ والمال عير شريف، لأنه يعد الحياة حتى لو كان غير قادر على الوفاء بوعده (لوقا 16/ 11-12).  ومع ذلك، فإن أولئك الذين يؤمنون بالمال التافه وغير الشريف، دون أن يستخدموه يعتقدون أنه كل شيء، ولكن عندما يعيشون كأشخاص محتاجين يشاركون ما لديهم مع الآخرين، يجدون في نهاية المطاف ثروة المال الحقيقية في هذه المشاركة ذاتها -ثروة قادرة على العيش بسعادة.

 

ب) المال خير غريب

 

"فَإذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟ (لوقا 16: 12). ليس المال خير الإنسان الحقيقي، إنَّما هو خير غريب. ويعلق القديس أمبروسيوس "الثروات غريبة عنّا لأنّها خارج طبيعتنا، فهي لا تولد معنا ولا تتبعنا في الموت. وعلى العكس من ذلك، فالرّب يسوع المسيح هو لنا لأنّه الحياة" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 7). فالمال غريب لأنه باطل، فهو موجود اليوم، وغير موجود غدًا، ولا يستطيع أن يأخذه الإنسان معه إلى العالم الآخر. "باطِلُ الأَباطيل، يَقولُ الجامِعة كُلُّ شيَءً باطِل" (الجامعة 12: 8). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "إن ما ليس لكم هو الغنى الذي نمتلكه، إذ لم نولد ومعنا الغنى، بل بالعكس وُلدنا عراة، ويمكننا بحق أن نؤكد كلمات الكتاب المقدَّس: "فإِنَّنا لم نَأتِ العالَمِ وَمَعَنا شَيء، ولا نَستَطيعُ أَن نَخرُجَ مِنه ومَعَنا شَيء" (1 طيموتاوس 6: 7)، وكما نطق أيضا أيوب البار "عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه، الرَّبُّ أَعْطْى والرَّبُّ أَخَذ فلْيَكُنَ اسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا" (أيوب 1: 21).

 

ومن هذا المنطلق يتوجب علينا ألاَّ نضيّع الموارد الّتي لدينا، لأنّها ملك للربّ وليس ملكنا. يمكن عمل ثروات ضخمة، ويمكن فقدها أيضاً بين عشيّة وضحاها، أو في ظرف يوم واحد. وقد يصبح المال حراما عندما يغدو إلهاً، وعندما يغدو المال إلهاً تزول كل القيم والاعتبارات الإنسانية في سبيل الوصول إليه، إضافة إلى كون المال زائل، تراه من بعيد كأنه حقيقة وسرعان ما تقترب إليه تجده سراب.

 

ج) المال خير مكتسب

 

"اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام" (لوقا 16: 9). من ناحية المال هو ثمرة التعب، "بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا" (التكوين 3: 19). المال قوام الحياة، وهَم كل ِّ إنسان. والإنسان لا يستطيع أن يضمن لنفسه ولعائلته العيش الكريم دون المال كما جاء في سفر التكوين " بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا" (التكوين 3: 19).

 

يمكن أن يكون المال من ناحية أخرى، سبب ظلم حيث اعتبره يسوع أمرا "حراما" وسبب خطيئة، إذ هناك الظلم في المال الحرام لأنه يحرم الآخرين من حقهم. فقد تفسد أهواء الإنسان فينقلب المال بين يديه أداة ظلم، إذ يعبد الإنسان المال بدلا من ربه ويسخّر المال لشهواته في هذه الدنيا بدلا لآخرته من خلال بذله في أعمال البر والرحمة. وتصبح ثروة الشخص وقيمته تقدَّر بالمال، وعلاقاته يُحدِّدها المال، والأمان هو المال. وقد يسخر الإنسان الآخر ويستغله ويدوس على كرامته ليجمع مالا أكثر. فيصبح المال سيده وربا.

 

ومن هنا جاءت كلمة يسوع "ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لِأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال" (لوقا 16: 13). ويعلق القديس أمبروسيوس " هذا لا يعني أنّ هناك سَيِّدَيْن؛ لا يوجد سوى سيّد واحد. فلا يحقّ للمال أن يكون سيّدًا حتّى لو كان هناك أشخاص يخدمونه، لأنّ هؤلاء قد اختاروا نير العبوديّة" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا).  كانَ أيّوب غَنِيّاً، لكنّه لم يترك ثرواته تتملكه وتسيطر عليه، بل كان يستخدمُ المال لمساعدة الآخرين، وكان يعتبرُ نفسه موزِّعًا للخيرات، لا مالكًا لها؛ كان سيّدَ المال، لا عبدَه. وبكلمة أخرى، للمال قوّة وسلطان، فلنستخدمه بحرص ورويّة.

 

د) المال خير للملكوت

 

"تَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لوقا 16: 9). يطلب المسيح منا أن تكون لنا النظرة المستقبلية للمال، وليس النظرة المحدودة بهذا العالم. وأن الحياة المستقبلية هي ثمرة ونتيجة للحياة الحاضرة. والله أعطانا المال الحرام الذي هو مال الأرض، كي نستخدمه بحكمة فننال الخير الحق في الملكوت "فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟ (لوقا 16: 11).

 

لذلك يعتبر يسوع المال خادما وبالتالي رمزا للمحبة فيقول: "اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة"(لوقا 16: 9). ومن هنا جاءت نصيحة يسوع للذي دعاه لتناول العشاء" إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ ولا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغَنِيّاء، لِئَلاَّ يَدْعوكَ هُم أَيضاً فتَنالَ المُكافأَةَ على صنيعِكَ. ولَكِن إِذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان. فطوبى لَكَ إِذ ذاكَ لِأَنَّهم لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبرار"(لوقا 14: 12-14). فإن أولئك الّذين يحصلون على الصدقات يصبحون أصدقاءنا لأنّنا كنّا رحماء معهم وقت عوزهم، تماماً كما أنّ الربّ رحيماً معنا " طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون" (متى 5: 7).

 

عرف الوَكيل الخائن كيف يستعمل خيرات هذا العالم لجلب أصدقاء له ويُهيئ لمستقبله الأرضي، ويعلق القديس كيرلس الكبير" أن السيِّد المسيح إذ يقدَّم لنا مثلًا لا يقصد بنا أن نطبقه في كل الجوانب، وإنما في الجانب الذي قصده السيِّد. هكذا لا يليق بنا أن نتمثل بهذا الوَكيل بتبذيره أموال الوَكالَة ولا بتلاعبه في الصكوك، وإنما نتمثل بالتزامنا بالحكمة والنظرة المستقبليَّة (الأبديَّة)".  فكم بالأحرى على المسيحي أن يُهيئ مستقبله الأبدي بمشاركته الفقراء من خلال الصدقة؛ لكي يستقبلوه في مدينة الله. فالفقراء هم في منزلهم لدى الله بحسب روحانية التطويبات كما هو واضح في مثل لعازر والغَنِيّ (لوقا 16: 19-31).

 

أدرك الوَكيل الخائن أن الثروة الحقيقية هي ثروة الأخوة، وعليه فعل كل شيء لكسبها. توقف عن استخدام الآخرين للثراء، وبدلاً من ذلك، بدأ في استخدام الثروة لإيجاد الصداقة. توقف عن البحث عن بيت الثراء وبحث عن بيت الصداقة والإخوة التي تؤمن له السعادة الحقيقية.

 

ليست طريقة الوَكيل الخائن نموذجًا للتوبة. لكنه يقوم بحسابات حكيمة -لاستخدام ساعاته الأخيرة المسؤولة عن ممتلكات سيده لإظهار الرحمة للآخرين بتخفيف ديونهم. فإننا نشيد بفطنته كمثال لنا، أبناء النور كما في وصف بولس الرسول " لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار " (1 تسالونيقي 5: 5؛ أفسس 5: 8) مُدركين أنَّ ما نملكه ليس لنا كما أدركه الوَكيل الخائن، إنما ما لدينا هو ملك لآخر، وهو سيدنا يسوع المسيح.

 

والمال خير لاكتساب الملكوت من خلال مساعدة القريب. والقريب ليس قريبنا بالجسد وحسب، بل هو كلّ إنسان نلتقي به في حياتنا اليوميّة. قريبنا ليس فقط مَن كان شريكنا في الدين أو في الطائفة أو في الوطن أو في اللون أو في العرق أو في الجنس... قريبنا هو كلّ إنسان خلقه الله على صورته ومثاله. وتزداد هذه القرابة كلّما زادت حاجة هذا الإنسان إلينا وإلى أموالنا. فالمسيح ساوى نفسه بالقريب المحتاج حين قال: " لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ" (متّى 25، 35-36). ومن هذا المنطلق، من يحبّ الله حقًّا يقتضي أن يحبّ الجائع واللاجئ والذي بلا مأوى، ليس بالقول أو بالفكر وحسب، بل بالفعل، أي بماله وبكلّ ما يملك. وفي هذا الصدد وَصّى بولس الرسول الأغَنِيّاء المقتدرين" أَن يَصنَعوا الخَيرَ فيَغتَنُوا بِالأَعمالِ الصَّالِحة، ويُعطوا بِسَخاء ويُشرِكوا غَيرَهُم في خَيراتِهم لِيَكنِزوا لأَنفُسِهِم لِلمُستَقبَلِ ذُخرًا ثابِتا لِيَنالوا الحَياةَ الحَقيقِيَّة" (1 طيموتاوس 6: 18-19).

 

إن استعمال المال للصَدقة والإحسان يجعل لنا أصدقاء أولئك الذين من أجلهم أتى المسيح (لوقا 4: 18). هؤلاء الفقراء يكونون يوما في " حضن إبراهيم" (لوقا 16: 21-25)، أي ذوي منزلة رفيعة في السماء ويستقبلون في المظال الأبدية من قبل الله، أولئك الذين كانوا لهم في الأرض مُحسنين. يقول القديس منصور دي بول "الفقراء؟ هم الذين يفتحون لنا السماء فإن أردنا بلوغ السعادة الأبدية، علينا أن نحيا ونموت في خدمة الفقراء". ويعلق القدّيس أمبروسيوس "إنّ صدور الفقراء، وبيوت الأرامل، وأفواه الأطفال، هي بمثابة الأهراء الّتي تدوم إلى الأبد". تتكوّن الثروة الحقيقيّة ليس فيما نحتفظ به بل فيما نُعطيه. يتوقّع الربّ منّا أن نضعها في خدمة الآخرين. نحن ننتمي إلى الربّ وكلّ ما نملكه هو له.

 

ويطلب يسوع الأمانة في القليل، وذلك أن يترفق الإنسان بالمحتاج، ويعين من هم في ضائقة بما لديه من المال. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " إن خدمت القدِّيسين (الفقراء) فستشاركهم مكافآتهم. فالصدقة هي أكثر الفنون مهارة؛ لا تبني لنا بيوتًا من الطين بل تخّزن لنا حياة أبديَّة". وقد كتب بولس الرسول " لأنَّنا مِن صَنْعِ الله خُلِقْنا في المسيحِ يسوعَ لِلأَعمالِ الصَّالِحةِ الَّتي أَعَدَّها اللهُ بِسابِقِ إِعدادِه لنِمُارِسَها" (أفسس 2: 10). يريد الله أن نحوِّل أموالنا لتصير لنا رصيدا سماويا كما أوصانا يوسع المسيح "بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد "(لوقا 12: 33).

 

الإنسان الفطن هو من يعتبر المال وسيلة وليس هدف. وخير مثال على استعمال المال كوسيلة للخدمة ما حظيت به الأم تريزا دي كالكوتا من إعجاب العالم ونالت العديد من الجوائز تقديرا لخدماتها الجليلة لأفقر الفقراء. وقد عرفت كيف تستغل سمعتها العالمية بذكاء من أجل جمع المال والمساعدات لخدمة القضية الإنسانية النبيلة التي جعلتها هدفا لها.

 

ومن أراد أن يعبد الله حقًّا يتوجب عليه أن يتصرّف بالمال باعتبار أنّ المال أمانة من الله يصرفه في أماكنه الصحيحة حيث ينبغي أن يُصرف على المحتاجين والمستضعفين والنازحين والمعذَّبين. الإنسان لا يكون مالكًا ماله إلاّ حين يصرفه. فهو عبد المال حين يحتفظ به لنفسه ظانًّا أنّه ضمانة لمستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده.

 

ونستنتج مما سبق إن الإنسان يجد نفسه أمام خَيار بين عبادة الله والعمل في سبيل ملكوته والسعادة الأبدية وعبادة المال والعمل في سبيل تكديس الثروات الأرضيّة وكبرياء الغنى وشهواته. إنّه اختيار حاسم. يعتمد عليه نجاح أو فشل حياتنا. من يعبد المال ويجعله صنماً له، لا يمكنه أن يكون ابن النور. منذ أن ظهر الله في العالم، والإنسان أمام خيار جذري. فعلى المسيحي أن يُظهر، من خلال استعماله للمال بأنه ينتمي إلى الله.  وهكذا في اختيارنا في استعمال المال من أجل إسعاف الإخوة المحتاجين فإنّه يُصبح المال مفتاحاً للسماء، " لأَنَّ المَحبَّةَ تَستُرُ كَثيرًا مِنَ الخَطايا (1بطرس 4: 8). وباختصار، ينبغي علينا أن نستخدم مواردنا الماديّة بطريقة تساعدنا في الحياة الأبديّة، لأنّ " مَن يَرحَمِ الفَقير َيُقرِضِ الرَّبّ فهُو يُجازيه على صَنيعِه"(أمثال 19، 17).

 

 

العبرة

 

كثيرا ما يثير هذا المثل شيئا من الاستغراب، لأنه، على ما يبدو، يجعل من الوَكيل الخائن قدوة حسنة يقتدى بها. إذا صح أن هذا الوَكيل هو قدوة، وليس ذلك إلا نظرا لفطنته. فالمثل يدعونا أن نعيش نحن كوكلاء الله، كل ما هو بين أيدينا من عمل يديه أو عطيَّة من عنده، سواء مواهبنا أو قدراتنا أو دوافعنا أو عواطفنا أو ممتلكاتنا حتى جسدنا وأوقاتنا.

 

لقد استعمل الوَكيل الخائن ما ليس له وما لا يستطيع الاحتفاظ به، لكي يحصل على ما يحتاجه لاحقاً. لقد صنع صداقات واشترى شراكات مستقبلية بمال لا يخصّه. فما يشيد به يسوع في هذا الوَكيل الخائن ليس خداعًا للأمانة، بقدر الطريقة التي يُقرر بها مواجهة الموقف الصعب الجديد في حياته.

 

نحن وكلاء، سنعطى حسابًا عن كل كلمة نتفوه بها، لان غاية الله من هذه الوَكالَة أن نحمل سماته فينا التي تتمركز في "الأمانة". إن كان الله قد دعي "الأمين" كما جاء في تعليم بولس الرسول "هو اللهُ أَمينٌ دَعاكُم إلى مُشارَكةِ اَبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا"(1 قورنتس 1: 9) فإنه يود في أبنائه أن يكونوا أمناء على مثاله، إذ يوصينا: " كُنْ أَمينًا حَتَّى المَوت، فسأعْطيكَ إِكْليلَ الحَياة " (رؤيا 2: 10). فنحن أمام الله وكلاء لا ملاّكون. كل ما نملك من مال، خيرات، صفات، إمكانيات عقلية وفكرية وعاطفية وأدبية سنؤدي عنه حسابا. ما الإنسان إلاَّ وَكيل والله هو الملاّك. من هنا لا حق لنا في تبذير "مال " الله. وسنؤدي حساباً عن الغنى الذي لم نستثمره.

 

إن الحياة المستقبلية ثمرة ونتيجة للحياة الحاضرة، وان الطريقة التي بها يتصرّف الإنسان بمتاع الدنيا تحدِّد مصيره في الحياة الآخرة. لذلك لا يستحسن أن نضيع الموارد التي لدينا، لأنها ملك لله وليس لنا. ولذا ينبغي علينا أن نستخدم مواردنا المادية بطريقة تساعدنا في الحياة الأبدية. لآن استخدام المال كغاية في حد ذاته سرعان ما يفصلنا عن الله وعن المحتاجين. وإن مفتاح استخدام المال بحكمة هو استخدامه في تحقيق مقاصد الله بدلاً أن نكدس المال لأنفسنا؛ وذلك تلبية لوصية السيد المسيح "بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد." (لوقا 12: 33). فالإنسان لا يستطيع أن يفصل بين ما يؤمن وما يعمل. وما يكنزه يكشف عن أولوياته الحقيقية واهتماماته الفعلية بالأشياء التي تنفق فيها وقته وماله وطاقته " فحَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم " (لوقا 12: 34).

 

ويقدِّم لنا مثل الوَكيل الخائن بعض الإرشادات والتحذيرات.

 

الإرشاد الأول: الخيرات هي ملك الله وحده. ونحن مؤتمنون عليها، نحن وكلاء عليها لكي تخدم الأخوَّة بين البشر؛ فيتوجب علينا أن نكون وكلاء أمناء، وفي هذا الصدد يقول داود النبي: "لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ” (1أخبار 29: 11-14).

 

الإرشاد الثاني: قد يُستخدم المال في الخير أو الشر فلنستخدمه في الخير، فكل ما بين يديك أُعطِى لك لخدمة الآخرين: قال المسيح: "إِذا لم تكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟" (لوقا 16: 12)؛

 

الإرشاد الثالث: للمال قوّة وسلطان فلنستخدمْه بطريقة تساعدنا في الحياة الأبديّة.

 

أمَّا التحذيرات فيجب الأخذ بعين الاعتبار، وهي:

 

أولا إن الشر لا يستمر وعطايا الربّ لن تتبدد؛

 

ثانيا: الإدراك بان العطايا من الربّ من اجل مساعدة مشتركة. فإذا كان الوَكيل الخائن مدفوع من الحاجة لكي يصبح كريما مع شيء من الخبث، من أجل خلاص نفسه، فكم بالأحرى أبناء النور عليهم أن يكونوا مدفوعين ليحقِّقوا تضامنا ومشاركة حقيقية بين البشر. إذ ذاك يصبح المسيحيون أبناء الآب السماوي (متى 5: 43-48)؛

 

والتحذير الأخير هو إن الغنى بمال السوء هو في صراع دائم مع الغنى الحقيقي، وعلى أبناء النور أن يتحرَّروا من الغنى الأول رافضين إياه معتمدين على مبادئهم إيمانهم

 

 

الخلاصة

 

وضع لوقا الإنجيلي مثل الوَكيل الخائن مباشرة بعد ثلاث أمثال الرحمة (لوقا 15: 1-32). يدعونا الله للتغيير للسير نحو حياة كاملة، حياة نكون فيها وكلاء رحمة ودعونا أن نكون أمناء على عطاياه لنا إن كل ما نتمتع به الآن في حياتنا الحاضرة من وقت وصحة ومال وأقرباء وآباء وأولاد، إنما هي عطايا من الله لنا، ونحن وكلاء عليها. ففكر الوَكيل ماذا يفعل في أيامه القادمة، ولكن سيده أمتدحه، لأنه في حكمة فكر في مستقبله، فكَّر في أن يكون له أصدقاء يلجأ إليهم حينما يأخذ منه الوَكالَة. يدعونا يسوع من خلال المثل أن نتحلّى بالفطنة والحكمة، الّتي تحلّى بها هذا الوَكيل الخائن، وأمّن مستقبل باقي أيّام حياته. يريد منّا يسوع أن نتحلّى بهذه الصّفات، لا لتأمين مستقبل أرضي وإنما لتأمين مستقبلنا الأبدي

 

قدّ يكون هذا الوَكيل الغير الأمين صورتنا نحن الغير أمناء. فقد تمَّ كسب أموالنا دون استحقاق منا، لأنه لا يوجد شيء مما لدينا هو ملكنا بشكل كامل، بل ما لدينا هو فيض من نعمة الرّبّ علينا. تنشأ المشكلة عندما ننسى مصدر النعمة، إذ نُحول الأشياء إلى ممتلكاتنا خاصة بنا من خلال الغش والرشوة والفساد فنقع في الغنى الفاحش وعدم مشاركة الآخرين. إلا أن الحياة تذكرنا الحياة أنه في أي لحظة، يمكن أن يؤخذ منا ما أعطي لنا، لأنّه ليس ملكًا لنا، بل نحن مجرد وكلاء.

 

 

دعاء
 

"أيّها الآب السماوي، كلّ ما نملكه هو هبة منك. ساعدنا باسم يسوع ابنك، أن نكون وكلاء حكماء وفطنين وأمناءً لأموالنا وممتلكاتنا الّتي تضعها بين أيدنا كي نستخدمها لمجدك ولخير القريب، فنؤدّي لك المجد بكلّ حياتنا. يا رب أعطنا عيونا ترى، وأذانا تسمع، وقلوبا ترق، لكل محتاج بأي نوع، لعله يكون طريقنا للدخول إلى الملكوت. آمين.

 

 

قصة حقيقية:

 

ماتت سيدة غَنِيّة جداً وكانت تمتلك الملايين وماتت، وفي أثناء جنازتها كان الكل مشغول بكم تركت من أموال؟ وجاء أحدهم ويبدو أنه كان إنساناً مادياً وسأل كاهن الرعية: كم تركت هذه السيدة؟ فأجابه الكاهن بذكاء شديد وكان يريد أن يقدم له درساً عميقاً: لقد تركت كل شيء.

 

 نعم لن نأخذ شيئاً معنا، فهل ندرك أن كل فرصة يُتيحها الرب لنا هي لتسخيرها لخدمة الآخرين.  وكل بركة يباركنا بها الرب يجب أن نقدمها لخدمة الآخرين، وكل موهبة أعطاها الرب لنا يجب أن نكرسها لخدمة الآخرين.  وإن كنا أمناء فيما هو للغير سيعطينا ما هو لنا أي "الأبدية" في السماء.