موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٥

أحد الفصح في قيامة المسيح كما رواها يوحنا الإنجيلي البشير

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
أحد الفصح في قيامة المسيح كما رواها يوحنا الإنجيلي البشير (يوحنا 20: 1-10)

أحد الفصح في قيامة المسيح كما رواها يوحنا الإنجيلي البشير (يوحنا 20: 1-10)

 

النص الإنجيلي (يوحنا 20: 1-10)

 

1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر. 2 فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: ((أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه)). 3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ 4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القبْرِ 5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ. 6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، 7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه. 8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ. 9 ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات. 10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما.

 

 

مُقَدِّمَةٌ

 

يُسَلِّطُ إِنْجِيلُ الفِصْحِ الضَّوْءَ عَلَى قِيَامَةِ يَسُوعَ مِن بَيْنِ الأَمْوَاتِ (يُوحَنَّا 20: 1–10). الَّتِي تَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ وَإِدْرَاكٍ، وَتَتَخَطَّى كُلَّ مَقَايِيسِ البَشَرِ وَمَنطِقِهِم. وَلا تَزَالُ حَتَّى اليَوْمِ ضَجَّةٌ كَبِيرَةٌ قَائِمَةً حَوْلَ قِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ الَّتِي تُمَثِّلُ مِحْوَرَ الخَلَاصِ الَّذِي غَيَّرَ مَجْرَى تَارِيخِ البَشَرِيَّةِ، وَشَكَّلَ العَمُودَ الفَقَرِيَّ لِلحَيَاةِ المَسِيحِيَّةِ. إِنَّهَا لَيْسَتْ فَقَطْ حَدَثًا تَارِيخِيًّا، بَلْ هِيَ الحَدَثُ الَّذِي أَعَادَ تَشْكِيلَ التَّارِيخِ وَكَشَفَ مَغْزَاهُ الحَقِيقِيَّ. فَفِي القِيَامَةِ، غَلَبَ المَسِيحُ المَوْتَ، لا لِيَنْجُوَ مِنْهُ فَقَطْ، بَلْ لِيُدْخِلَ الإِنسَانَ فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ، هِيَ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ الَّتِي وَعَدَنَا بِهَا. فَبَعْدَ أَنْ عَادَ المَسِيحُ إِلَى الحَيَاةِ ثَانِيَةً، بِصِفَتِهِ البِكْرَ بَيْنَ الأَمْوَاتِ (قُولُسِّي 1: 18)، سَيَقُومُ كُلُّ إِنْسَانٍ. فَالقِيَامَةُ مَرْكَزُ الإِيمَانِ وَالرَّجَاءِ، وَهِيَ كَمَالُ عَمَلِ الفِدَاءِ (رُومَةَ 4: 25)، وَعَرْبُونُ قِيَامَةِ المُؤْمِنِينَ، بَلْ هِيَ الحَدَثُ الأَكْبَرُ وَالأَهَمُّ فِي قَلْبِ تَارِيخِ الكَنِيسَةِ وَالعَالَمِ المَسِيحِيِّ المُؤْمِنِ، لأَنَّهَا جَوَابٌ عَلَى حَضَارَةِ المَوْتِ الَّتِي بَنَاهَا الإِنْسَانُ المُعَاصِرُ، فَهِيَ حَضَارَةُ الحَيَاةِ الَّتِي بَنَاهَا المَسِيحُ فِي قَلْبِ كَنِيسَتِهِ، وَأَوْصَانَا أَنْ نُعْلِنَهَا إِلَى العَالَمِ أَجْمَعَ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَخْرُجَ، مِثْلَ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةِ، مِنْ لَيْلِ الحُزْنِ وَالخَوْفِ، وَيَسِيرَ نَحْوَ الفَجْرِ الجَدِيدِ الَّذِي أَشْرَقَ فِي القَبْرِ الفَارِغِ. وَمِنْ هُنَا تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ البَحْثِ فِي وَقَائِعِ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ وَتَطْبِيقَاتِهِ.

 

 

أولا: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 20: 1-10)

 

1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة إلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر"

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "يَومُ الأَحَدِ" فِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ: Τῇ δὲ μιᾷ τῶν σαββάτων، أَيْ "فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ"، وَهُوَ يَومُ الأَحَدِ، وَيُسَمَّى "اليَومَ الثَّامِنَ" بَعْدَ نِهَايَةِ الأُسْبُوعِ السَّابِقِ. وَهُوَ نَفْسُ اليَومِ الَّذِي يَبْدَأُ فِيهِ يُوحَنَّا البَشِيرُ بِبُشْرَى قِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الأُسْبُوعِ. وَقَدْ أَخْلَى الزَّمَنُ اليَهُودِيُّ المَكَانَ لِلزَّمَنِ المَسِيحِيِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيُّ. وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ، اتَّخَذَ المَسِيحِيُّونَ يَومَ الأَحَدِ يَومًا لِلرَّاحَةِ وَتَذْكَارًا لِقِيَامَةِ السَّيِّدِ المَسِيحِ، بَدَلَ يَومِ السَّبْتِ. وَسُمِّيَ "يَومَ الرَّبِّ" (رُؤْيَا 1: 10)، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اللاَّتِينِيَّةِ: Dies Domini. وَفِي هَذَا اليَومِ، تَلْتَقِي جَمَاعَةُ المُؤْمِنِينَ كُلُّهَا بِالرَّبِّ القَائِمِ مِن بَيْنِ الأَمْوَاتِ، الَّذِي يَدْعُوهُم إِلَى الاِحْتِفَالِ بِالإِفْخَارِسْتِيَّا؛ فَجَسَدُ المَسِيحِ فِي سِرِّ الإِفْخَارِسْتِيَّا هُوَ جَسَدُهُ الَّذِي اجْتَازَ المَوْتَ وَقَامَ مِن بَيْنِ الأَمْوَاتِ. وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ، بَدَأَ زَمَنٌ جَدِيدٌ لِعَالَمٍ جَدِيدٍ، هُوَ الزَّمَنُ المَسِيحِيُّ. أَمَّا "مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ: Μαγδαληνή، وَهِيَ مُؤَنَّثُ كَلِمَةِ "مَجْدَلَة"، أَيْ "مَرْيَمُ الَّتِي مِن مَجْدَلَة". وَكَلِمَةُ "مَجْدَل" فِي اللُّغَةِ العِبْرِيَّةِ: מִגְדָּל، تَعْنِي "بُرْجًا". وَقَدْ كَانَ فِي تِلْكَ المِنْطَقَةِ بُرْجٌ، رُبَّمَا كَانَ لِلْحِرَاسَةِ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسْمُ البَلْدَةِ: مَجْدَلَة. المَجْدَلُ قَرْيَةٌ تَقَعُ عَلَى الشَّاطِئِ الغَرْبِيِّ مِن بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ. وَيَذْكُرُ التَّلْمُودُ أَنَّها كَانَتْ تُوجَدُ مَدِينَةٌ بِاسْمِ "مَجْدَلَة"، تَبْعُدُ حَوَالَيْ 20 دَقِيقَةً سَيْرًا عَلَى الأَقْدَامِ مِن طَبَرِيَّةَ. وَقَدْ طَرَدَ يَسُوعُ مِن مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ سَبْعَةَ شَيَاطِينَ (مَرْقُس 16: 9)، فَقَامَتْ وَتَبِعَتْهُ، وَسَاهَمَتْ فِي سَدِّ احْتِيَاجَاتِهِ وَاحْتِيَاجَاتِ جَمَاعَتِهِ مِنَ الرُّسُلِ (لُوقَا 8: 2–3)، وَثَبَّتَتْ مَعَهُ حَتَّى النِّهَايَةِ، فَكَانَتْ حَاضِرَةً فِي وَقْتِ الصَّلْبِ (يُوحَنَّا 19: 25)، وَالدَّفْنِ (مَرْقُس 15: 47)، وَكَانَتْ فِي عَدَادِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي أَتَيْنَ إِلَى القَبْرِ لِيُحَنِّطْنَهُ (مَرْقُس 16: 1). وَقَدْ شَرَّفَهَا يَسُوعُ بِأَوَّلِ ظُهُورٍ لَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَكَلَّفَهَا بِأَوَّلِ رِسَالَةِ تَبْشِيرٍ، قَائِلًا لَهَا: "اِذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي، فَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي صَاعِدٌ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ، وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ" (يُوحَنَّا 20: 17). وَيُشِيرُ إِلَيْهَا لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ أَنَّهَا هِيَ تِلْكَ الخَاطِئَةُ الَّتِي مَسَحَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ عِنْدَ سِمْعَانَ (لُوقَا 7 و8). وَقَدِ اكْتَفَى يُوحَنَّا بِذِكْرِ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ، وَلَمْ يُشِرْ إِلَى بَقِيَّةِ النِّسْوَةِ اللَّوَاتِي ذَهَبْنَ مَعَهَا، إِذْ وَقَفَتْ بِجِوَارِ السَّيِّدِ المَسِيحِ حَتَّى مَوْتِهِ عَلَى الصَّلِيبِ، وَجَاءَتْ إِلَى القَبْرِ دُونَ أَيِّ اعْتِبَارٍ لِمَا يُمْكِنُ أَنْ تُوَاجِهَهُ مِن مَصَاعِبَ، فَحُبُّهَا لِلسَّيِّدِ نَزَعَ عَنْهَا كُلَّ خَوفٍ مِنَ المَوتِ أَوِ القَبْرِ. وَهَذَا مَا جَعَلَهَا تَتَمَتَّعُ بِأَوَّلِ خَبَرٍ مُفْرِحٍ لِلْقِيَامَةِ: القَبْرُ الفَارِغُ! أَمَّا عِبَارَةُ "الظَّلَامُ لَمْ يَزَلْ مُخَيِّمًا"، فَتُشِيرُ إِلَى الظَّلاَمِ الَّذِي كَانَ يَكْتَنِفُ الأَرْضَ مُنْذُ أَنْ مَاتَ يَسُوعُ، وَرَقَدَتِ "الحَيَاةُ" نَفْسُهَا فِي القَبْرِ طِوَالَ السَّبْتِ. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "عِندَ الفَجْرِ" إِلَى حُبِّ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ لِلِّقَاءِ بِالقَائِمِ مِن بَيْنِ الأَمْوَاتِ فِي أَوَّلِ فُرْصَةٍ مُمْكِنَةٍ، بَاكِرًا، دُونَ تَرَاخٍ أَوْ تَأْجِيلٍ. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "الفَجْرِ وَالظَّلَامِ" إِلَى المُقَابَلَةِ بَيْنَ الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ:"النُّورُ يُشْرِقُ فِي الظُّلُمَاتِ" (يُوحَنَّا 1: 5). فَفَجْرُ القِيَامَةِ يَطْلُعُ النور لِيُبَدِّدَ ظُلْمَةَ القَبْرِ. فَالنُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَاليَومُ الأَوَّلُ، وَفَجْرُ القِيَامَةِ، وَالبُسْتَانُ، جَمِيعُهَا تُلَمِّحُ إِلَى قِصَّةِ الخَلْقِ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ؛ فَالقِيَامَةُ هِيَ بِمَثَابَةِ خَلْقٍ جَدِيدٍ. أَمَّا عِبَارَةُ "الحَجَرَ قَدْ أُزِيلَ عَنِ القَبْرِ"، فَتُشِيرُ إِلَى الحَجَرِ الَّذِي أُزِيلَ، كَمَا ذَكَرَتِ الأَنَاجِيلُ الأَرْبَعَةُ (مَتَّى 28: 1؛ مَرْقُس 16: 1؛ لُوقَا 24: 1)، وَذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَكَّنَ الآخَرُونَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ وَيَتَأَكَّدُوا أَنَّ يَسُوعَ قَدْ قَامَ، لأَنَّهُ كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ القَبْرِ دُونَ أَنْ يُزِيحَ الحَجَرَ. وَقَبْرُ المَسِيحِ كَانَ مَنْحُوتًا فِي الصَّخْرِ، وَكَانَ حَجَرٌ مُسْتَدِيرٌ يَسُدُّ بَابَهُ (مَتَّى 27: 60)، وَدَاخِلَ القَبْرِ وُجِدَتْ مِصْطَبَةٌ تُوضَعُ عَلَيْهَا الجُثَّةُ (مَرْقُس 16: 6)، وَكَانَ القَبْرُ خَارِجَ بَابِ أُورَشَلِيمَ (عِبْرَانِيِّينَ 13: 12)، فِي بُسْتَانٍ (يُوحَنَّا 19: 41). وَيَدُلُّ القَبْرُ الفَارِغُ أَنَّ عَمَلَ اللهِ فِي يَسُوعَ لَمْ يَنْتَهِ بِالمَوْتِ. فَمَوتُ السَّيِّدِ المَسِيحِ بِالجَسَدِ، وَدَفْنُهُ فِي قَبْرٍ، نَزَعَا عَنَّا الخَوفَ مِنَ المَوْتِ وَالقَبْرِ عِنْدَمَا يَحِلُّ بِنَا المَوْتُ. وَلِذَا، يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُرَدِّدَ مَعَ أَيُّوبَ البَارِّ: "قُلتُ لِلفَسَادِ (القَبْرِ): أَنْتَ أَبِي، وَلِلدِّيدَانِ: أَنْتِ أُمِّي وَأُخْتِي" (أَيُّوبَ 17: 14).

 

2 فأَسرَعَت وجاءَت إلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه"

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "أَسْرَعَتْ" إِلَى أَنَّ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةَ فَهِمَتْ سَرِيعًا أَنَّ شَيْئًا غَيْرَ عَادِيٍّ قَدْ حَدَثَ لِجَسَدِ يَسُوعَ، فَانْطَلَقَتْ مُسْرِعَةً، وَهَذَا مَا تُفِيدُهُ حَرَكَةُ الرَّكْضِ وَكَلِمَاتُهَا المُتَسَارِعَةُ. أَمَّا عِبَارَةُ "جَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذِ الآخَرِ"، فَتُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةَ، وَهِيَ فِي حَالَةِ البَحْثِ عَنْ جَسَدِ المَسِيحِ، أَصْبَحَتْ رَسُولَةً لِلرُّسُلِ؛ فَهِيَ مَنْ حَمَلَتْ لَهُم خَبَرَ القَبْرِ الفَارِغِ. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "سِمْعَانَ بُطْرُسَ" إِلَى بُطْرُسَ الَّذِي ظَلَّ لَهُ مَكَانَةُ الصَّدَارَةِ وَشَأْنٌ كَبِيرٌ فِي التَّقْلِيدِ المَسِيحِيِّ القَدِيمِ، رَغْمَ أَنَّهُ أَنْكَرَ الرَّبَّ (قُورِنْتُسَ الأُولَى 15: 5). أَمَّا عِبَارَةُ "التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي أَحَبَّهُ يَسُوعُ"، فَتَجْمَعُ بَيْنَ صِفَتَيْنِ: "الآخَرِ" وَ"الحَبِيبِ". وَيُرَجَّحُ كَثِيرُونَ أَنَّهُ يُوحَنَّا، صَاحِبُ الإِنْجِيلِ الرَّابِعِ (يُوحَنَّا 13: 22)، لَكِنَّ الإِنْجِيلِيَّ لا يُفْصِحُ عَنْ اسْمِهِ، لِيَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي مَوْقِفِ التَّلْمِيذِ المُسْتَعِدِّ، الَّذِي يُحِبُّ يَسُوعَ وَيُحِبُّهُ يَسُوعُ (يُوحَنَّا 19: 26–27). وَعِلَّةُ ذَهَابِ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ إِلَى سِمْعَانَ وَيُوحَنَّا دُونَ سِوَاهُمَا مِنَ الرُّسُلِ، أَنَّهُمَا كَانَا أَكْثَرَ غَيْرَةً وَإِيمَانًا وَمَحَبَّةً وَاهْتِمَامًا بِأَمْرِ يَسُوعَ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَيْضًا أَنَّ أُمَّ يَسُوعَ كَانَتْ فِي بَيْتِ يُوحَنَّا. أَمَّا عِبَارَةُ "أَخَذُوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ"، فَتُشِيرُ إِلَى مَجْمُوعَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فِي نَظَرِ مَرْيَمَ، قَدْ سَرَقَتِ الجُثْمَانَ وَأَخْفَتْهُ. فَلَمْ تَكُنْ مَرْيَمُ تَرَى فِي إِزَالَةِ الحَجَرِ عَنِ القَبْرِ سِوَى دَلِيلٍ عَلَى أَخْذِ الجَسَدِ، فَهِيَ لَمْ تَكُنْ تُؤْمِنُ بَعْدُ بِالقِيَامَةِ. أَمَّا عِبَارَةُ "نَعْلَمُ"، فَتَأْتِي بِصِيغَةِ الجَمْعِ، مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ مَرْيَمَ تُمَثِّلُ النِّسْوَةَ، كَمَا ذَكَرَتْهُمُ الأَنَاجِيلُ الأُخْرَى (مَتَّى، وَمَرْقُس، وَلُوقَا). وَقَدْ تَكُونُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا مَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسَى، وَسَالُومَة (مَرْقُس 15: 40)، فَهِيَ تُمَثِّلُ أَيْضًا الكَنِيسَةَ الَّتِي تَبْحَثُ عَنْ رَبِّهَا. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "الرَّبَّ" فِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ κύριος، وَمَعْنَاهَا "السَّيِّدُ"، إِلَى مَعْنًى عَظِيمٍ مِنَ الاحْتِرَامِ وَالتَّوْقِيرِ. أَمَّا عِبَارَةُ "أَيْنَ وَضَعُوهُ؟"، فَتُفَسِّرُ مَفْهُومَ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ لِلْقَبْرِ الفَارِغِ، عَلَى أَنَّهُ نَاتِجٌ عَنْ سَرِقَةِ الجُثْمَانِ مِنْ قِبَلِ أُنَاسٍ مَجْهُولِينَ، كَمَا كَانَ يُشَاعُ فِي بَعْضِ الأَوْسَاطِ الفِلَسْطِينِيَّةِ آنَذَاكَ، إِذْ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُدْرِكُ بَعْدُ حَقِيقَةَ القِيَامَةِ.

 

3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إلى القَبْرِ. 

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "خَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ" إِلَى عَلاَقَةِ الصَّدَاقَةِ الرُّوحِيَّةِ الجَادَّةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِي جَوْهَرِهَا رُوحَ العَمَلِ الجَمَاعِيِّ، دُونَ أَنْ يُعِيقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَهُمَا يَسِيرَانِ مَعًا، وَيَتَحَرَّكَانِ فِي وَاحِدِيَّةِ القَلْبِ وَالإِيمَانِ. وَكَمَا يَقُولُ الكِتَابُ الحَكِيمُ: "اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا خَيْرَ جَزَاءٍ عَنْ تَعَبِهِمَا" (جَامِعَة 4: 9). وَتُوحِي الأَفْعَالُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّصِّ، كَـ "خَرَجَا، ذَهَبَا، أَسْرَعَا، وَوَصَلَا"، بِمَا يَتَحَلَّى بِهِ الرَّسُولَانِ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مِنْ حِرْصٍ وَغَيْرَةٍ وَحُبٍّ لِرَبِّهِم. كَمَا تُوحِي هَذِهِ الأَفْعَالُ أَيْضًا بِصِدْقِ الذِّكْرَيَاتِ التَّارِيخِيَّةِ لِشُهُودِ العِيَانِ، الَّذِينَ عَايَنُوا الأَحْدَاثَ وَعَاشُوهَا، فَنَقَلُوهَا بِقُوَّةِ الوُجْدَانِ وَالذَّاكِرَةِ المُلْهَمَةِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ.

 

4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إلى القبْرِ

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "يُسْرِعَانِ السَّيْرَ مَعًا" إِلَى العَمَلِ المُشْتَرَكِ وَالمُنْطَلِقِ بِحَمَاسٍ بَيْنَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، لِكَيْ يَكْتَشِفَا حَقِيقَةَ الأَمْرِ الَّذِي بَلَغَهُمَا. فَهُمَا يَنطلقانِ بِرُوحٍ وَاحِدَةٍ، مُوَحَّدَيْنِ فِي الهَمِّ وَالقَصْدِ، يُسْرِعَانِ بِحُبٍّ وَشَغَفٍ لِرُؤْيَةِ مَا جَرَى فِي القَبْرِ. أَمَّا عِبَارَةُ "التِّلْمِيذُ الآخَرُ سَبَقَ بُطْرُسَ"، فَتُشِيرُ إِلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ يُسْرِعُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مُنَافَسَةٌ، بَلْ تَفَاوُتٌ فِي الإِيقَاعِ وَالإِدْرَاكِ الرُّوحِيِّ. فَسُرْعَةُ يُوحَنَّا تُحِيلُ إِلَى سُرْعَةِ الإِيمَانِ وَالْحَدْسِ الرُّوحِيِّ، الَّذِي جَعَلَهُ يَرَى وَيُؤْمِنُ قَبْلَ بُطْرُسَ، كَمَا سَيَظْهَرُ فِي سِيَاقِ الأَحْدَاثِ الآتِيَةِ.

 

5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ"

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "وَانْحَنَى" إِلَى قِصَرِ البَابِ فِي مَدْخَلِ الغُرْفَةِ الخَارِجِيَّةِ لِلْقَبْرِ، إِذْ كَانَتْ العَادَةُ فِي صُنْعِ أَبْوَابِ القُبُورِ أَنْ تَكُونَ مُنْخَفِضَةً لِتَسْهُلَ سَدُّهَا بِالحَجَرِ الكَبِيرِ. وَفِي هَذِهِ الغُرْفَةِ الخَارِجِيَّةِ، كَانَتِ النِّسْوَةُ يَجْتَمِعْنَ لِلتَّحْنِيطِ وَالبُكَاءِ. أَمَّا عِبَارَةُ "فَأَبْصَرَ"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ βλέπει، وَتَدُلُّ عَلَى نَظْرَةٍ عَابِرَةٍ سَرِيعَةٍ، دُونَ تَأَمُّلٍ عَمِيقٍ. أَمَّا عِبَارَةُ "اللَّفَائِفَ"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ὀθόνια، وَتُشِيرُ إِلَى قِطْعَةِ كَتَّانٍ ثَمِينَةٍ، تُسْتَعْمَلُ لِدَفْنِ الأَمْوَاتِ. وَهُوَ الكَفَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ يُوسُفُ الرَّامِيُّ، فَلَفَّ بِهِ جَسَدَ يَسُوعَ بَعْدَ إِنْزَالِهِ عَنِ الصَّلِيبِ. وَيُوسُفُ الرَّامِيُّ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ المَجْلِسِ اليَهُودِيِّ (السَّهْنَدِرِين)، وَقَدْ آمَنَ بِالسَّيِّدِ المَسِيحِ فِي خَفَاءٍ. وَفِي سَنَةِ 2009، وَجَدَ بَاحِثُونَ مِنْ جَامِعَةِ القُدْسِ العِبْرِيَّةِ قِطْعَةً مِنَ الكَفَنِ تَرْجِعُ إِلَى الحُقْبَةِ الرُّومَانِيَّةِ، تَتَّفِقُ طَرِيقَةُ تَكْفِينِهَا مَعَ الشَّعَائِرِ المَأْلُوفَةِ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الدُّكْتُورُ شِمْعُون غِيبْسُون، مُدِيرُ بَعْثَةِ الحَفْرِيَّاتِ، أَنَّهُ "تَمَّ تَكْفِينُ الجُثْمَانِ وَرَأْسِهِ بِطُرُقٍ تَتَّفِقُ مَعَ الطُّقُوسِ الشَّرْقِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَائِدَةً فِي أَيَّامِ المَسِيحِ". وَأَمَّا كَفَنُ تُورِينُو، فَهُوَ قِطْعَةٌ كَتَّانِيَّةٌ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتِ الكِسَاءَ الَّذِي كُفِّنَ بِهِ السَّيِّدُ المَسِيحُ. وَقَدْ حُفِظَتْ هَذِهِ القِطْعَةُ مُنْذُ عَامِ 1578 فِي مَدِينَةِ تُورِينُو الإِيطَالِيَّةِ، وَتَبْلُغُ مَقَاسَاتُهَا: 4.42 م × 1.13 م. وَتُظْهِرُ الكِسَاءَ مِنَ الأَمَامِ وَالخَلْفِ صُورَةَ وَجْهِ رَجُلٍ نَحِيفٍ، غَائِرِ العَيْنَيْنِ، مَعَ عَلاَمَاتٍ لِنُدُبٍ وَلُطَخَاتِ دَمٍ. وَفِي سَنَةِ 2014، قَامَ خُبَرَاءُ مِنْ جَامِعَةِ البُولِيتِكْنِيك فِي تُورِينُو بِفَحْصِ الكَفَنِ، وَأَكَّدُوا أَنَّهُ يَحْمِلُ آثَارَ الصَّلْبِ وَمَعَالِمَ دَمِ المَسِيحِ، وَأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى أَيِّ أَثَرٍ لِاهْتِرَاءِ الجَسَدِ، مِمَّا يَدُلُّ أَنَّ الجَسَدَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الكَفَنِ بِسُرْعَةٍ، قَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ عَمَلِيَّةُ تَحَلُّلِ الأَعْضَاءِ. وَعَلِمًا أَنَّ الكَنِيسَةَ الكَاثُولِيكِيَّةَ لَمْ تُصْدِرْ مَوْقِفًا رَسْمِيًّا حِيَالَ أَنَّ هَذَا الكَفَنَ كَانَ لِلسَّيِّدِ المَسِيحِ، فَإِنَّهَا تُرَكِّزُ عَلَى المَعَانِي الرُّوحِيَّةِ وَالإِيمَانِيَّةِ الَّتِي يُسْتَلْهَمُهَا مَنْ يَتَأَمَّلُ هَذِهِ القِطْعَةَ. وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ القِطْعَةُ مِلْكًا لِلكُرْسِيِّ الرَّسُولِيِّ فِي رُومَا مُنْذُ عَامِ 1983، عَمَلًا بِوَصِيَّةِ أُومْبِرْتُو الثَّانِي، مَلِكِ إِيطَالْيَا، الَّذِي تَنَازَلَ عَنْ حَقِّ عَائِلَتِهِ فِي مِلْكِيَّةِ الكَفَنِ. أَمَّا عِبَارَةُ "مَمْدُودَةٌ"، فَتُفِيدُ أَنَّ الجَسَدَ لَيْسَ فِي القَبْرِ، وَهِيَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ سَرِقَةِ الجَسَدِ؛ فَمَنْ يَنْوِي السَّرِقَةَ لا يَنْزِعُ الأَكْفَانَ، بَلْ يَأْخُذُ الجَسَدَ كَمَا هُوَ، بِسُرْعَةٍ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَمُونْيُوس الإِسْكَنْدَرِيّ قَائِلًا:"لَوْ أَنَّ الأَعْدَاءَ سَرَقُوا الجَسَدَ، فَمِنْ أَجْلِ المَكْسَبِ المَادِّيِّ، لَمَا تَرَكُوا الأَكْفَانَ. وَلَوْ أَنَّ التَّلَامِيذَ فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمَا سَمَحُوا بِتَعْرِيَةِ الجَسَدِ وَإِهَانَتِهِ". أَمَّا عِبَارَةُ "لَمْ يَدْخُلْ بَلِ انْتَظَرَ بُطْرُسَ"، فَتُشِيرُ إِلَى يُوحَنَّا الذي احْتَرَمَ مَنْزِلَةَ بُطْرُسَ وَمَكَانَتَهُ، فَتَوَقَّفَ عِنْدَ القَبْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ، بَلْ أَفْسَحَ المَجَالَ لِبُطْرُسَ، رَئِيسِ جَمَاعَةِ الرُّسُلِ، الَّذِي أَوْكَلَ إِلَيْهِ الرَّبُّ رِعَايَةَ الكَنِيسَةِ، كَمَا قَالَ لَهُ "وَأَنَا أَقُولُ لَكَ: أَنْتَ صَخْرٌ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ سَأَبْنِي كَنِيسَتِي" (مَتَّى 16: 18). فَبُطْرُسُ، رَغْمَ إِنْكَارِهِ، لَمْ يَفْقِدْ دَوْرَهُ فِي مَخَطَّطِ اللهِ، وَيُوحَنَّا يُقَدِّمُ لَهُ الأَوَّلَوِيَّةَ، فَفِي الكَنِيسَةِ لَا نَخْتَارُ أَدْوَارَنَا، بَلْ نَسْتَلِمُهَا مِنَ الرَّبِّ.

 

6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة

 

تُشير "فَأَبْصَرَ"، َفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ θεωρεῖ، إلى نَظْرَةً تَفَحُّصِيَّةً دَقِيقَةً تَتَأَمَّلُ فِي كُلِّ التَّفَاصِيلِ، وَتُلاَحِظُ بِعَيْنِ البَصِيرَةِ. فَبُطْرُسُ لَمْ يَكْتَفِ بِالنَّظَرَةِ السَّرِيعَةِ، بَلْ تَفَحَّصَ وَتَأَكَّدَ، وَلَاحَظَ مِنْدِيلَ الرَّأْسِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ يُوحَنَّا. وَهَذِهِ النَّظْرَةُ الفَاحِصَةُ أَثْبَتَتْ أَنَّ الجَسَدَ قَامَ، وَلَمْ يُسْرَقْ؛ لأَنَّ اللَّفَائِفَ وَالمِنْدِيلَ كَانَا فِي مَكَانِهِمَا، بِدُونِ أَيِّ فَوْضَى أَوْ عَجَلَةٍ. أَمَّا عِبَارَةُ "اللَّفَائِفَ مَمْدُودَةٌ"، فَتُشِيرُ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ المَيِّتَ قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِهَا، دُونَ أَنْ تَتَفَكَّكَ، فَهِيَ دَلِيلُ القِيَامَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِمَنْ يُرِيدُ سَرِقَةَ الجَسَدِ أَنْ يَنْزِعَ الأَكْفَانَ بِهَذِهِ الدِّقَّةِ، أَوْ أَنْ يَنْشَغِلَ بِتَرْتِيبِهَا. فَالسَّارِقُ لا يُعَرِّي الجَسَدَ، وَلَا يُرَتِّبُ أَثَرَهُ، وَمَنْ يَنقل الجَسَدَ لَا يَهْتَمُّ بِمَنْدِيلٍ وَلَا بِكَفَنٍ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَمُونْيُوس الإِسْكَنْدَرِيّ قَائِلًا: "لَوْ أَنَّ الأَعْدَاءَ سَرَقُوا الجَسَدَ، فَمِنْ أَجْلِ المَكْسَبِ المَادِّيِّ، لَمَا تَرَكُوا الأَكْفَانَ. وَلَوْ أَنَّ التَّلَامِيذَ فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمَا سَمَحُوا بِتَعْرِيَةِ الجَسَدِ وَإِهَانَتِهِ." وتُشِيرُ كَلِمَةُ "اللَّفَائِفَ" إِلَى الأَكْفَانِ الَّتِي لُفَّ بِهَا جَسَدُ يَسُوعَ، وَقَدْ وُجِدَتْ مَلْفُوفَةً وَمُرَتَّبَةً فِي مَوْضِعٍ مِنَ القَبْرِ. وَمِنْ هُنَا جَاءَتِ الإِشَارَةُ إِلَى مُعْجِزَةِ الكَفَنِ المُقَدَّسِ، وَهُوَ الكَفَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ يُوسُفُ الرَّامِيُّ، وَكَفَّنَ فِيهِ السَّيِّدَ المَسِيحَ. وَعِنْدَ القِيَامَةِ، ظَلَّتِ الأَكْفَانُ فِي القَبْرِ، فَاحْتَفَظَ بِهَا التَّلَامِيذُ. وَبِحَسَبِ التَّقْلِيدِ الكَنَسِيِّ، حَمَلَ الرَّسُولُ تَدَّاوُسُ (أَحَدُ السَّبْعِينَ) هَذَا الكَفَنَ إِلَى أَبِيجَارَ الخَامِسِ، حَاكِمِ أُودِيسَّا فِي مَنَاطِقِ أُكْرَانِيَا الحَالِيَّةِ. وَفِي سَنَةِ 544، أُعِيدَ اكْتِشَافُ الكَفَنِ فِي أُودِيسَّا، وَنُقِلَ فِي سَنَةِ 944 إِلَى القُسْطَنْطِينِيَّةِ. وَفِي سَنَةِ 1204، أَخَذَهُ الصَّلِيبِيُّونَ إِثْرَ سُقُوطِ المَدِينَةِ. وَفِي سَنَةِ 1357، عُرِضَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي فَرَنْسَا، وَأَخِيرًا اسْتَقَرَّ فِي تُورِينُو فِي إِيطَالْيَا حَتَّى أَيَّامِنَا الحَاضِرَةِ.وَيَتَكَوَّنُ هَذَا الكَفَنُ مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الكَتَّانِ.

 

7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "المِندِيلَ" في الأصِل اليونَاني σουδάριον  إِلَى قِطْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ القُمَاشِ الخَفِيفِ، كَانَت تُوضَعُ عَلَى رَأْسِ المَيِّتِ، حَيْثُ يُلَفُّ وَجْهُهُ بِهَا، كَمَا فَعَلُوا مَعَ لِعَازَرَ بَعْدَ دَفْنِهِ: "فَخَرَجَ المَيِّتُ مَشْدُودَ اليَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالعَصَائِبِ، مَلْفُوفَ الوَجْهِ فِي مِندِيلٍ" (يُوحَنَّا 11: 44). أَمَّا عِبَارَةُ "المِندِيلَ عَلَى شَكْلِ طَوْقٍ فِي مَكَانِهِ"، فَتُشِيرُ إِلَى عَادَةٍ يَهُودِيَّةٍ قَدِيمَةٍ. فَالرَّجُلُ اليَهُودِيُّ، عِنْدَمَا يَقُومُ عَنْ المَائِدَةِ أَثْنَاءَ الأَكْلِ، إِنْ كَانَ يَنْوِي العَودَةَ لِيُكَمِّلَ طَعَامَهُ، كَانَ يَتْرُكُ المِندِيلَ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ يَدَيْهِ مَطْوِيًّا وَمُرَتَّبًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي الرُّجُوعَ، يَتْرُكُهُ مُبَعْثَرًا. وَعَلَى ضَوْءِ هَذِهِ العَادَةِ، يُفْهَمُ أَنَّ تَرْتِيبَ المِندِيلِ فِي مَكَانِهِ يُعْلِنُ أَنَّ المَسِيحَ قَامَ، وَلَكِنَّهُ سَيَعُودُ فِي مَجِيئِهِ الثَّانِي. فَهُوَ لَنْ يَمُوتَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَنْ يُكفَّنَ ثَانِيَةً. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ" إِلَى مَنْ خَلَعَ أَكْفَانَهُ قَامَ وَمَضَى، وَلا تُفِيدُ أَبَدًا أَنَّ الجَسَدَ قَدْ سُرِقَ. فَمَا كَانَ لِلصٍّ أَنْ يُرَتِّبَ الأَكْفَانَ وَيَلُفَّ المِندِيلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُبْقِي القَبْرَ بِهَذِاِ الهُدُوءِ وَالنِّظَافَةِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ قَائِلًا: "لِمَاذَا تُوضَعُ الأَكْفَانُ الكَتَّانِيَّةُ مُنْفَصِلَةً، وَالمِندِيلُ وَحْدَهُ مَلْفُوفًا؟ لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا أَنَّ التَّصَرُّفَ لَمْ يَحْدُثْ فِي تَسَرُّعٍ أَوْ طَرِيقَةٍ صَاخِبَةٍ. هَكَذَا عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ أَنَّ المِندِيلَ فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ، لَا تَسْلُكُوا كَالَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَدْ سُرِقَ". فَجَمِيعُ تَفَاصِيلِ الأَكْفَانِ وَالمِندِيلِ تُؤَكِّدُ حَقِيقَةَ مَوْتِ يَسُوعَ وَدَفْنِهِ، وَأَنَّ غِيَابَهُ عَنْهَا هُوَ دَلِيلُ قِيَامَتِهِ. القَبْرُ الفَارِغُ، الأَكْفَانُ المُرَتَّبَةُ، وَالمِنْدِيلُ المَطْوِيُّ، كُلُّهَا عَلَامَاتٌ صَامِتَةٌ، وَلَكِنَّهَا مَفْعَمَةٌ بِالمَعْنَى. فَالنَّصُّ لَا يُسَجِّلُ بَعْدُ ظُهُورًا جَسَدِيًّا لِلمَسِيحِ، بَلْ يُقَدِّمُ دَعْوَةً لِلتَّأَمُّلِ فِي العَلَامَاتِ، الَّتِي تَقُودُ إِلَى الإِيمَانِ.

 

8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "حِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ" إِلَى يُوحَنَّا الذي، رَغْمَ سُرْعَتِهِ فِي الوُصُولِ، انْتَظَرَ بُطْرُسَ أَنْ يَدْخُلَ أَوَّلًا، فَاقْتَدَى بِهِ، فِي دَلِيلٍ عَلَى مَوْقِفٍ رُوحِيٍّ مَبْنِيٍّ عَلَى الاِحْتِرَامِ وَالتَّسَلُّمِ الكَنَسِيِّ.أَمَّا عِبَارَةُ "رَأَى"، فَفِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ εἶδεν، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى نَظْرَةِ تَصْدِيقٍ وَإِيمَانٍ؛ فَمَا رَآهُ يُوحَنَّا فِي القَبْرِ الفَارِغِ، وَالأَكْفَانِ المَمْدُودَةِ وَالْمُنَظَّمَةِ، أَزَالَ كُلَّ شَكٍّ كَانَ قَدِ اعْتَرَاهُ بِسَبَبِ الْقَبْضِ عَلَى يَسُوعَ، وَصَلْبِهِ، وَدَفْنِهِ. وَفِي المُقَابِلِ، كَانَتْ مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ تَظُنُّ أَنَّ الجُثْمَانَ قَدْ سُرِقَ، أَمَّا يُوحَنَّا، فَمِنْ نَظْمِ الَّلِفَائِفِ وَهُدُوءِ المَكَانِ، قَرَأَ دَلَالَاتٍ رُوحِيَّةٍ تُثْبِتُ أَنَّ المَسِيحَ قَامَ، وَأَنَّهُ ابْنُ اللهِ الحَيُّ. وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "وَآمَنَ" إِلَى يُوحَنَّا الذي كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِالقِيَامَةِ دُونَ أَنْ يَرَى الرَّبَّ المُقَامَ بَعْدُ. فَالإِيمَانُ هُنَا لَمْ يَكُنْ نَاتِجًا عَنْ ظُهُورٍ، بَلْ عَنْ تَفَكُّرٍ وَتَفَحُّصٍ لِعَلاَمَاتِ القِيَامَةِ، وَهَذَا يُؤَسِّسُ لِمَكَانَةِ الإِيمَانِ المُبْكِرِ فِي شَخْصِ يُوحَنَّا. يُوحَنَّا "رَأَى وَآمَنَ": إِيمَانٌ لَمْ يَكُنْ نَاتِجًا عَنْ رُؤْيَةِ يَسُوعَ القَائِمِ، بَلْ عَنْ تَفَكُّرٍ عَمِيقٍ فِيمَا شَاهَدَهُ بِعَيْنَيْهِ: التَّرْتِيبُ، الهُدُوءُ، غِيَابُ الفَوْضَى. تَذَكَّرَ كَلِمَاتِ يَسُوعَ، وَتَلَاقَتِ الخِبْرَةُ الشَّخْصِيَّةُ مَعَ الذَّاكِرَةِ الكِتَابِيَّةِ، فَانْبَثَقَ الإِيمَانُ.

 

9 ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "لَمْ يَكُونَا قَدْ فَهِمَا مَا وَرَدَ فِي الكِتَابِ" إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّوْبِيخِ المُوَجَّهِ إِلَى التِّلْمِيذَيْنِ، بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، لأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا قَدْ اسْتَوْعَبَا بَعْدُ مَعْنَى النُّبُوءَاتِ وَالإِعْلَانَاتِ الإِلَهِيَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، وَالَّتِي أَشَارَتْ بِوُضُوحٍ إِلَى قِيَامَةِ المَسِيحِ. فَهُمَا لَمْ يُدْرِكَا مَا جَاءَ فِي كَلاَمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَلا مَا كَانَ يُرَدِّدُهُ عَلَيْهِم مِرَارًا، أَنَّهُ "يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ وَيَقُومَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ فِي اليَومِ الثَّالِثِ" (لُوقَا 24: 46). كَذَلِكَ، لَمْ يَكُونَا قَدْ فَهِمَا مَا تَنَبَّأَ بِهِ صَاحِبُ المَزَامِيرِ: "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ فِي مَثْوَى الأَمْوَاتِ نَفْسِي، وَلَنْ تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرَى الهَوَةَ" (مَزْمُور 16: 10)، وَلَا مَا قَالَهُ السَّيِّدُ المَسِيحُ نَفْسُهُ عَنْ آيَةِ يُونَانَ: "كَمَا بَقِيَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الحُوتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، فَكَذَلِكَ يَبْقَى ابْنُ الإِنْسَانِ فِي جَوْفِ الأَرْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ" (مَتَّى 12: 40). وَكَانَ جَهْلُهُمَا بِتِلْكَ النُّبُوءَاتِ هُوَ السَّبَبَ فِي عَدَمِ فَهْمِهِمَا لِكَلَامِ يَسُوعَ عِنْدَمَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي اليَومِ الثَّالِثِ. وَلَمْ يَفْهَمَا حَقِيقَةَ القِيَامَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَأَيَا القَبْرَ فَارِغًا، وَتَذَكَّرَا أَقْوَالَ الرَّبِّ وَنُصُوصَ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، الَّتِي أَشَارَتْ بِوُضُوحٍ إِلَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ ثُمَّ يَقُومُ أَيْضًا مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. أَمَّا عِبَارَةُ "الكِتَابُ"، فَتُشِيرُ إِلَى أَسْفَارِ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، وَهِيَ الَّتِي سَاعَدَتِ التِّلْمِيذَيْنِ، بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، عَلَى فَهْمِ القِيَامَةِ وَتَفْسِيرِهَا، كَمَا صَرَّحَ بُولُسُ الرَّسُولُ لِأَهْلِ قُورِنْتُسَ: "أَنَّهُ قُبِرَ، وَقَامَ فِي اليَومِ الثَّالِثِ، كَمَا وَرَدَ فِي الكُتُبِ" قُورِنْتُس 15: 4). وَتُشِيرُ عِبَارَةُ "يَجِبُ أَنْ يَقُومَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ" إِلَى القِيَامَةَ التي هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ وَمَرْكَزُ مَخَطَّطِهِ الخَلاَصِيِّ، فَهِيَ مَحَطَّةٌ رَئِيسِيَّةٌ فِي تَارِيخِ الفِدَاءِ، بَلْ إِنَّ تَحْقِيقَهَا كَانَ أَمْرًا ضَرُورِيًّا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُمْ، فَكَيْفَ يَقُولُ لِمَرْتَا أُخْتِ لِعَازَرَ: "أَنَا القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ" (يُوحَنَّا 11: 25)؟ فَيَسُوعُ القَائِمُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ هُوَ مِحْوَرُ الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَلَا يُفْهَمُ الكِتَابُ بَعْدَ اليَومِ إِلَّا فِي نُورِهِ وَحُضُورِهِ. فَالإِيمَانُ في القيامة هُوَ تَصْدِيقٌ طَوْعِيٌّ لِكُلِّ الحَقِيقَةِ الَّتِي يُعْلِنُهَا اللهُ لَنَا فِي كَلِمَتِهِ، وَالَّتِي تَكْتَمِلُ فِي شَخْصِ يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي مَاتَ وَقَامَ.

 

10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إلى بَيتِهِما:

 

تُشِيرُ عِبَارَةُ "رَجَعَ التِّلْمِيذَانِ إِلَى بَيْتِهِمَا" إِلَى عَوْدَةِ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ التَّلَامِيذُ، خُصُوصًا بَعْدَ أَحْدَاثِ الصَّلْبِ، وَلَيْسَ إِلَى مَنَازِلِهِمَا الشَّخْصِيَّةِ، لأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يَمْلِكَانِ مَنَازِلَ فِي أُورَشَلِيمَ. فَقَدْ عَادَا إِلَى إِخْوَتِهِمَا، لِيَنْتَظِرَا مَا سَيُعْلِنُهُ اللهُ لَهُم، فَهُمَا فِي مَرْحَلَةِ الانْتِقَالِ مِنَ الإِنْدِهَاشِ إِلَى الإِيمَانِ، وَمِنَ الرُّؤْيَةِ إِلَى الإِرْسَالِيَّةِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ قَائِلًا: "إِنَّهُمَا ذَهَبَا أَوَّلًا فِي دَهْشَةٍ، كُلٌّ إِلَى بَيْتِهِ، حَيْثُ بَدَأَتِ القِيَامَةُ تَتَجَلَّى أَمَامَهُمَا، ثُمَّ عَادَا فَاجْتَمَعَا بِبَقِيَّةِ التَّلَامِيذِ حَسَبَ أَمْرِ السَّيِّدِ". فَعَوْدَتُهُمَا إِلَى الجَمَاعَةِ، وَسُكُونُهُمَا فِي الانْتِظَارِ، يَكْشِفَانِ عَنْ تَوَاضُعِ الإِيمَانِ، وَحِسِّ الشَّرِكَةِ الكَنَسِيَّةِ، وَالانْفِتَاحِ عَلَى مَا يُرِيدُ الرَّبُّ أَنْ يُعْلِنَهُ لَهُم.

 

 

ثانياً: تَطْبِيقَاتُ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ

 

يَهْدِفُ يُوحَنَّا البَشِيرُ فِي كِتَابَةِ الفَصْلِ العِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِهِ إِلَى حَمْلِ قُرَّائِهِ عَلَى الإِيمَانِ بِقِيَامَةِ المَسِيحِ، حَتَّى وَإِنْ كَانُوا مِنْ بَيْنِ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا. وَذَلِكَ بِوَصْفِ مَجْمُوعَةٍ مِنَ العَلَامَاتِ، وَهِيَ: القَبْرُ الفَارِغُ (يُوحَنَّا 20: 1-10)، وَالظُّهُورُ لِمَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ (20: 11-18)، وَالظُّهُورُ لِلتَّلَامِيذِ (20: 19-23)، وَالظُّهُورُ لِتُومَا الرَّسُولِ (يُوحَنَّا 20: 24-31). وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ، يُمْكِنُ أَنْ نَسْتَنْتِجَ مِنْ وَقَائِعِ نَصِّ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا (20: 1-9) أَنَّهُ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ مَعَانِي القِيَامَةِ، وَحَوْلَ القِيَامَةِ كَحَدَثٍ تَارِيخِيٍّ وَإِيمَانِيٍّ.

 

1) مَعَانِي القِيَامَةِ وَأَبْعَادُهَا

 

لِلْقِيَامَةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ: هِيَ تَكْمِلَةٌ وَخِتَامٌ لِعَمَلِ الفِدَاءِ، وَتَمْجِيدٌ لِيَسُوع، وَتَحْقِيقٌ لِلنُّبُوءَاتِ وَالوُعُودِ، وَمَرْكَزُ كِرَازَةِ الجَمَاعَةِ المَسِيحِيَّةِ الأُولَى، وَمَوْضُوعُ إِيمَانِنَا المَسِيحِيِّ الأَسَاسِيِّ:

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ: تَكْمِلَةُ عَمَلِ الفِدَاءِ

 

بَدَأَ يَسُوعُ عَمَلَ الفِدَاءِ بِالتَّجَسُّدِ وَالآلَامِ وَالصَّلْبِ وَالمَوْتِ، وَأَكْمَلَهُ بِالقِيَامَةِ. أَنْقَذَنَا الرَّبُّ يَسُوعُ مِنَ الخَطَايَا، وَبِقِيَامَتِهِ أَعَادَ كُلَّ مَا فَقَدْنَاهُ بِسَبَبِ الخَطِيئَةِ، وَفَتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ:
"
أُسلِمَ إِلَى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنَا، وَأُقِيمَ مِن أَجْلِ بِرِّنَا" (رُومَة 4: 25).

 

فَإِنْ كَانَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا، فَقِيَامَتُهُ تُؤَكِّدُ قُبُولَ هَذِهِ الذَّبِيحَةِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ أَجْلِ دُيُونِ ذُنُوبِنَا، فَقِيَامَتُهُ تُعْلِنُ وَفَاءَ الدَّيْنِ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ مِيلِيتِيُون، أُسْقُفُ سَرْدِينِيَا: "اتَّخَذَ الرَّبُّ، مَعَ كَوْنِهِ إِلَهًا، طَبِيعَةَ الإِنسَانِ، وَتَأَلَّمَ عَمَّنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ. وَقُيِّدَ بَدَلَ مَنْ كَانَ مُقَيَّدًا، وَحُكِمَ عَلَيْهِ بَدَلَ مَنْ كَانَ مُجْرِمًا، وَدُفِنَ بَدَلَ مَنْ كَانَ مَدْفُونًا، وَقَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات؛ وَلِذَلِكَ، فَإِنَّ قِيَامَةَ يَسُوعَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ هِيَ تَمْجِيدٌ لِلابْنِ مِنْ قِبَلِ الآب" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 2: 22-24).

 

أَصْبَحَ لِلْأَلَمِ وَالصَّلِيبِ عَلَى ضَوْءِ القِيَامَةِ مَفْهُومٌ جَدِيدٌ فِي فِكْرِنَا وَشُعُورِنَا، لأَنَّهُ صَارَ لَنَا "فِكْرُ المَسِيحِ" (1 قُورِنْتُس 2: 16). وَأَصْبَحَ الأَلَمُ، حَسَبَ اقْتِنَاعِنَا، هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى المَجْدِ، كَمَا حَدَثَ لِلْمَسِيحِ فِي صَلْبِهِ، كَمَا أَعْلَنَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "إِذَا شَارَكْنَاهُ فِي آلاَمِهِ، نُشَارِكُهُ فِي مَجْدِهِ أَيْضًا" (رُومَة 8: 17). لِذَلِكَ يَقُولُ الفَيْلَسُوفُ بُولْ رِيكُور: "لَمْ يَأْتِ المَسِيحُ لِكَيْ يُلْغِيَ الأَلَمَ، إِنَّمَا أَتَى لِيَمْلَأَهُ بِحُضُورِهِ". وَهَكَذَا نَحْمِلُ الأَلَمَ وَنَحْنُ نَقُولُ: "مَحْزُونِينَ وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ" (2 قُورِنْتُس 6: 10). وَبِالقِيَامَةِ أَصْبَحَ الصَّلِيبُ إِكْلِيلًا وَمَجْدًا، وَلَيْسَ أَلَمًا، كَمَا صَرَّحَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "إِنِّي رَاضٍ بِحَالَاتِ الضُّعْفِ، وَالإِهَانَاتِ، وَالشَّدَائِدِ، وَالاِضْطِهَادَاتِ، وَالمَضَايِقِ، فِي سَبِيلِ المَسِيحِ" (2 قُورِنْتُس 12: 10).

 

المَسِيحُ القَائِمُ: رَبٌّ، وَمَسِيحٌ، وَمُخَلِّصٌ، وَدَيَّانٌ. أَصْبَحَ المَسِيحُ بِقِيَامَتِهِ رَبًّا وَمَسِيحًا، كَمَا أَعْلَنَ ذَلِكَ بُطْرُسُ الرَّسُولُ فِي عِظَتِهِ الأُولَى: "فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ أَجْمَعُ أَنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، قَدْ جَعَلَهُ اللهُ رَبًّا وَمَسِيحًا" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 2: 36). وَسَيِّدًا وَمُخَلِّصًا، كَمَا صَرَّحَ فِي مَجْلِسِ اليَهُودِ: "هُوَ الَّذِي رَفَعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ، وَجَعَلَهُ سَيِّدًا وَمُخَلِّصًا، لِيَهَبَ لِإِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الخَطَايَا" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 5: 31). وَدَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ َالأَمْوَاتِ، كَمَا أَعْلَنَ فِي بَيْتِ قُرْنِيلْيُوس: "وَقَدْ أَوْصَانَا أَنْ نُبَشِّرَ الشَّعْبَ وَنَشْهَدَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 10: 42). وَوَاهِبًا الرُّوحَ القُدُسَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ (يُوحَنَّا 20: 22). إِنَّهُ آدَمُ الجَدِيدُ الَّذِي وَضَعَ اللهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ: "كَمَا يَمُوتُ جَمِيعُ النَّاسِ فِي آدَم، فَكَذَلِكَ سَيُحْيَوْنَ جَمِيعًا فِي المَسِيحِ" قُورِنْتُس 15: 22).

 

وَهُوَ رَأْسُ الزَّاوِيَةِ، كَمَا وَصَفَهُ القِدِّيسُ بُطْرُس: "هذَا هُوَ الحَجَرُ الَّذِي رَذَلْتُمُوهُ أَنْتُمْ أَيُّهَا البَنَّاؤُونَ، فَصَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 4: 11). وَهُوَ المَسِيحُ المُـمَجَّدُ، مِفْتَاحُ كُلِّ أَسْفَارِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ، كَمَا وَصَفَ لُوقَا البَشِيرُ لِقَاءَ يَسُوعَ القَائِمِ مَعَ تِلْمِيذَيْ عِمَّاوُسَ: "فَبَدَأَ مِنْ مُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ، يُفَسِّرُ لَهُمَا فِي جَمِيعِ الكُتُبِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ" (لُوقَا 24: 27).

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ: طَرِيقٌ لِلْمَجْدِ

 

دَخَلَ يَسُوعُ إِلَى المَجْدِ مِنْ خِلَالِ قِيَامَتِهِ. فَعِنْدَمَا كَانَ يَسُوعُ عَلَى الأَرْضِ، لَمْ يَظْهَرْ مَجْدُهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ بَعْضِ العَلَامَاتِ، كَمَا فِي قَوْلِ يُوحَنَّا: "جَاءَ إِلَى بَيْتِهِ، فَمَا قَبِلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ" (يُوحَنَّا 1: 11)، وَفِي لَحَظَاتٍ قَلِيلَةٍ، كَلَحْظَةِ التَّجَلِّي: "مَضَى يَسُوعُ بِبُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، فَانْفَرَدَ بِهِمْ وَحْدَهُمْ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَتَجَلَّى بِمَرْأًى مِنْهُمْ" (مَرْقُس 9: 2).

 

بَعْدَ القِيَامَةِ، دَخَلَ يَسُوعُ عَالَمًا جَدِيدًا تَنَبَّأَ عَنْهُ النَّبِيُّ أَشْعَيَاءُ: "فَهَئَنَذَا أَخْلُقُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً" (أَشْعِيَاء 65: 17). وَأَصْبَحَ: "رَبَّ المَجْدِ" قُورِنْتُس 2: 8). إِنَّ جَسَدَهُ الآنَ مُمَجَّدٌ، خَالِدٌ، وَغَيْرُ قَابِلٍ لِلْفَسَادِ. يُشَارِكُ جَسَدُ المَسِيحِ الرَّبِّ فِي المَجْدِ الَّذِي كَانَ لَدَيْهِ مُنْذُ البِدَايَةِ، حِينَ كَانَ حَاضِرًا مَعَ الآبِ قَبْلَ الخَلِيقَةِ. وَبِهَذِهِ القِيَامَةِ، أَثْبَتَ المَسِيحُ الرَّبُّ مَجْدَ أُلُوهِيَّتِهِ. لَمْ يُقِمْهُ أَحَدٌ، بَلْ إِنَّهُ قَامَ بِقُوَّتِهِ الذَّاتِيَّةِ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ يَسُوعُ: "أَبذِلُ نَفْسِي لِأَنَالَهَا ثَانِيَةً، مَا مِنْ أَحَدٍ يَنْتَزِعُهَا مِنِّي، بَلْ إِنَّنِي أَبذِلُهَا بِرِضَايَ. فَلِي أَنْ أَبذِلَهَا وَلِي أَنْ أَنَالَهَا ثَانِيَةً" (يُوحَنَّا 10: 18-19).

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ: تَحْقِيقٌ لِلنُّبُوءَاتِ

 

حَقَّقَتْ قِيَامَةُ يَسُوعَ مَا كَانَ قَدْ تَنَبَّأَ بِهِ نَفْسُهُ لِتَلَامِيذِهِ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ ابْنَ الإِنسَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَانِيَ آلاَمًا شَدِيدَةً، وَأَنْ يَرْذُلَهُ الشُّيُوخُ وَعُظَمَاءُ الكَهَنَةِ وَالكَتَبَةُ، وَأَنْ يُقْتَلَ، وَأَنْ يَقُومَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ" (مَرْقُس 8: 31). فَقِيَامَةُ يَسُوعَ حَقَّقَتْ نُبُوءَةَ عَلاَمَةِ يُونَانَ النَّبِيِّ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ: "فَكَمَا بَقِيَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ، فَكَذَلِكَ يَبْقَى ابْنُ الإِنسَانِ فِي جَوْفِ الأَرْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ" (مَتَّى 12: 40).

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ هِيَ أَيْضًا عَلاَمَةُ الهَيْكَلِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهَا يَسُوعُ قَائِلًا: "اُنْقُضُوا هذَا الهَيْكَلَ، أُقِمْهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ" (يُوحَنَّا 2: 19-21). فَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ، الَّذِي سَيُقَامُ مَجِيدًا فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، تَحْقِيقًا لِكُلِّ مَا كُتِبَ عَنْهُ فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالمَزَامِيرِ.

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ: تَحْقِيقٌ لِلْوُعُودِ

 

حَقَّقَتِ القِيَامَةُ وَعْدَ رَفْعِ يَسُوعَ مُمَجَّدًا إِلَى يَمِينِ اللهِ، كَمَا جَاءَ فِي كَلاَمِ بُطْرُسَ الرَّسُولِ: "فَدَاوُدُ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَات، وَهُوَ نَفْسُهُ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 2: ٣٤). كَمَا حَقَّقَتِ القِيَامَةُ تَمْجِيدَ عَبْدِ الرَّبِّ، كَمَا تَضِيفُ صَلاَةُ الرُّسُلِ: "لِيَجْرِ الشِّفَاءُ وَالآيَاتُ وَالأَعَاجِيبُ بِاسْمِ عَبْدِكَ القُدُّوسِ يَسُوع" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 4: 30). 

 

وَحَقَّقَتْ القِيَامَةُ أَيْضًا الوَعْدَ بِجُلُوسِ يَسُوعَ عَنْ يَمِينِ اللهِ، كَمَا شَهِدَ اسْتِفَانُوسُ قَائِلًا: "هَا إِنِّي أَرَى السَّمَاوَاتِ مُتَفَتِّحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ الله" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 7: 56).

 

وَلَمَّا تَحَقَّقَتْ أَمَامَ الرُّسُلِ وُعُودُ المَسِيحِ لَهُمْ بِأَنَّهُ سَيَقُومُ وَسَيَرَوْنَهُ، وَثِقُوا أَيْضًا بِتَحْقِيقِ كُلِّ الوُعُودِ الأُخْرَى الَّتِي قَالَهَا لَهُمْ، مِثْلَ:

- وَعْدُهُ بِالمَكَانِ المُعَدِّ لَهُمْ: "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ. وَلَوْ لَمْ تَكُنْ، أَتُرَانِي قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ لِأُعِدَّ لَكُمْ مُقَامًا؟ وَإِذَا ذَهَبْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مُقَامًا، أَرْجِعُ فَآخُذُكُمْ إِلَيَّ لِتَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا حَيْثُ أَكُونُ أَنَا" (يُوحَنَّا 14: ٢-٣).

- وَعْدُهُ بِإِرْسَالِ الرُّوحِ القُدُسِ:" لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الحَقّ: إِنَّهُ مِنَ الخَيْرِ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِق. فَإِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لا يَأْتِكُمُ المُعَزِّي. أَمَّا إِنْ انْطَلَقْتُ فَإِنِّي أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ" (يُوحَنَّا 16: 7).

- وَعْدُهُ بِالقُوَّةِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً عِندَمَا يَحُلُّ الرُّوحُ القُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 1: 8).

- وَعْدُهُ بِالبَقَاءِ مَعَهُمْ إِلَى الأَبَدِ: "هاءَنَذَا مَعَكُمْ طَوَالَ الأَيَّامِ إِلَى نِهَايَةِ العَالَم" (مَتَّى 28: 20). وَقَدْ مَنَحَتْ هَذِهِ الوُعُودُ الرُّسُلَ قُوَّةً وَإِيمَانًا وَفَرَحًا، فَخَرَجُوا لِيُبَشِّرُوا بِقُوَّةِ القِيَامَةِ، مُتَمَسِّكِينَ بِالمَوَاعِيدِ الَّتِي وَعَدَهُم بِهَا الرَّبُّ.

 

قِيَامَةُ يَسُوعَ: مَرْكَزُ الكِرَازَةِ الرَّسُولِيَّةِ

 

تَقُومُ كِرَازَةُ الرُّسُلِ عَلَى صَلْبِ يَسُوعَ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ، وَبِهَا يُقَدِّمُ اللهُ لِلنَّاسِ الخَلاَصَ، كَمَا صَرَّحَ بُطْرُسُ الرَّسُولُ قَائِلًا: "قَتَلْتُمْ سَيِّدَ الحَيَاة، فَأَقَامَهُ اللهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، وَنَحْنُ شُهُودٌ عَلَى ذَلِكَ" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 3: 14-15). وَيُؤَكِّدُ لَنَا بُولُسُ الرَّسُولُ أَيْضًا إِيمَانَ الجَمَاعَةِ الأُولَى بِالقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: "سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ مَا تَسَلَّمْتُهُ أَنَا أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ المَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا كَمَا وَرَدَ فِي الكُتُب، وَأَنَّهُ قُبِرَ، وَقَامَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا وَرَدَ فِي الكُتُب" (1 قُورِنْتُس 15: 3-4). ثُمَّ يُضِيفُ فِي نَفْسِ الفَصِل: "وَإِنْ كَانَ المَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فَتَبْشِيرُنَا بَاطِلٌ، وَإِيمَانُكُمْ أَيْضًا بَاطِل" (1 قُورِنْتُس 15: 14).

 

وَإِنَّ رُؤَسَاءَ اليَهُودِ لَمْ يُنْكِرُوا حَقِيقَةَ القِيَامَةِ، بَلِ اقْتَصَرُوا عَلَى البَحْثِ عَنْ تَفْسِيرٍ بَدِيلٍ، وَذَلِكَ بِرَشْوَةِ رِجَالِ الحَرَسِ وَقَوْلِهِمْ لَهُمْ: "قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ جَاءُوا لَيْلًا فَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نَائِمُون" (مَتَّى 28: 13). وَيُمْكِنُنَا أَنْ نُطْلِقَ عَلَى سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ لَقَبَ "بِشَارَةِ القِيَامَةِ"، فَهُوَ يُجَسِّدُ بِوُضُوحٍ كِرَازَةَ الرُّسُلِ بِالرَّبِّ القَائِمِ. لِذَلِكَ، كَانَتِ القِيَامَةُ هِيَ المَرْكَزَ الأَوَّلَ فِي إِيمَانِ الجَمَاعَةِ المَسِيحِيَّةِ الأُولَى، فَبِدُونِ قِيَامَةِ الرَّبِّ، لَمَا قَامَتِ الكَنِيسَةُ المَسِيحِيَّةُ عَلَى الإِطْلاَقِ. وَكَانَتْ قِيَامَتُهُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ فِي تَارِيخِ حَيَاةِ الكَنِيسَةِ، وَفِي تَارِيخِ المَسِيحِيَّةِ كَكُلّ.

 

القِيَامَةُ هِيَ إِيمَانُ الكَنِيسَةِ

 

اِكْتَشَفَتِ الكَنِيسَةُ فِي اخْتِبَارِ الفِصْحِ إِيمَانَهَا بِالقِيَامَةِ، حَيْثُ إِنَّ القِيَامَةَ هِيَ سِرٌّ تَعِيشُهُ الكَنِيسَةُ كُلَّ يَوْمٍ. الكَنِيسَةُ تُصَرِّحُ أَنَّ القَائِمَ مِنَ المَوْتِ يَحْيَا مَعَهَا، وَأَنَّهَا تَكْتَشِفُ وُجُودَهُ فِي الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ، وَفِي المُشَارَكَةِ الأُخُوِيَّةِ، وَالمَرَاسِيمِ الدِّينِيَّةِ، وَالصَّلَوَاتِ. وَكَمَا قِيلَ فِي تَقْلِيدِ الكَنِيسَةِ: "قِيَامَةُ المَسِيحِ هِيَ الحَيَاةُ لِلْمَيْتِ، وَالصَّفْحُ عَنِ المُذْنِبِينَ، وَالمَجْدُ لِلْقِدِّيسِينَ". فَلْنُنْشِدْ مَعَ الكَنِيسَةِ: "المَسِيحُ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وَوَطِئَ المَوْتَ بِالمَوْتِ، وَوَهَبَ الحَيَاةَ لِلَّذِينَ فِي القُبُورِ".

 

وَهَكَذَا أَصْبَحَ المَوْتُ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ، نِهَايَةَ مَطَافٍ، وَعُبُورًا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى.فَلا مَجْدَ دُونَ أَلَمٍ، وَلا حَيَاةَ دُونَ مَوْتٍ. إِنَّ الحَيَاةَ تَمُرُّ حَتْمًا بِالمَوْتِ، وَالمَجْدَ بِالآلَامِ، وَالخَلاَصَ بِالصَّلِيبِ. وَقَدِ اهْتَمَّ يَسُوعُ نَفْسُهُ بِاخْتِيَارِهِ المَوْتَ مِثْلَ حَبَّةِ الحِنْطَةِ، لِيَكْشِفَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ، فَيَقُولُ: "الحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ حَبَّةَ الحِنْطَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الأَرْضِ، إِنْ لَمْ تَمُتْ، تَبْقَ وَحْدَهَا. وَإِذَا مَاتَتْ، أَخْرَجَتْ ثَمَرًا كَثِيرًا" (يُوحَنَّا 12: 24). فَلا نُمُوَّ مِنْ دُونِ تَحَوُّل، وَلَا تَحَوُّلَ مِنْ دُونِ مَوْتٍ.

 

2)  قِيَامَةُ المَسِيحِ: حَدَثٌ تَارِيخِيّ

 

إِنَّ قِيَامَةَ المَسِيحِ هِيَ حَدَثٌ تَارِيخِيٌّ حَقِيقِيّ. فَلَمْ يُقَدِّمْ لَنَا أَحَدٌ مِنَ الإِنْجِيلِيِّينَ شَرْحًا لِكَيْفِيَّةِ القِيَامَةِ نَفْسِهَا، وَلَكِنَّهُمْ كَشَفُوا لَنَا أَبْرَزَ عَلاَمَاتِهَا كَحَدَثٍ وَاقِعِيٍّ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا: القَبْرُ الفَارِغُ.

 

لِمَاذَا كَانَ القَبْرُ فَارِغًا؟ هُنَاكَ اِحْتِمَالَان: إِمَّا وُجُودُ تَفْسِيرَاتٍ مُزْعُومَةٍ، أَوْ أَنَّ المَسِيحَ قَامَ حَقًّا. وَبِقَدْرِ مَا أَكَّدَ التَّلَامِيذُ وَالرُّسُلُ قِيَامَتَهُ، قَاوَمَهَا غَيْرُ المُؤْمِنِينَ بِسِلْسِلَةٍ مِنَ التَّفْسِيرَاتِ المُشَوِّشَة. نَسْرُدُ أَهَمَّهَا مَعَ الرُّدُودِ الإِنْجِيلِيَّةِ:

 

التَّفْسِيرُ الأَوَّل: كَانَ يَسُوعُ مُغْمًى عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَرَدَّ وَعْيَهُ.

يَرُدُّ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا عَلَى هَذَا الزَّعْمِ بِقَوْلِهِ: "أَمَّا يَسُوعُ، فَلَمَّا وَصَلَ الجُنُودُ إِلَيْهِ، وَرَأَوْهُ قَدْ مَاتَ، لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الجُنُودِ طَعَنَهُ بِحَرْبَةٍ فِي جَنْبِهِ، فَخَرَجَ لِوَقْتِهِ دَمٌ وَمَاءٌ" (يُوحَنَّا 19: 32-34). مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا حَقًّا.

 

التَّفْسِيرُ الثَّانِي: أَخْطَأَتِ النِّسْوَةُ وَذَهَبْنَ إِلَى قَبْرٍ آخَر

يَرُدُّ مَتَّى الإِنْجِيلِيُّ بِوُضُوحٍ، فَيَقُولُ إِنَّ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةَ وَمَرْيَمَ أُمَّ يُوسِي رَأَتَا مَكَانَ دَفْنِ يَسُوعَ:
"
أَخَذَ يُوسُفُ الجُثْمَانَ، وَلَفَّهُ فِي كَتَّانٍ خَالِصٍ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ لَهُ جَدِيدٍ، وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ القَبْر" (مَتَّى 27: 59-61). وَيُؤَكِّدُ يُوحَنَّا أَيْضًا أَنَّ بُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذَ الآخَرَ ذَهَبَا إِلَى نَفْسِ القَبْرِ (يُوحَنَّا 20: 3).

 

التَّفْسِيرُ الثَّالِث: سَرَقَ لُصُوصٌ مَجْهُولُونَ جَسَدَ يَسُوع

يُجِيبُ مَتَّى الإِنْجِيلِيُّ: القَبْرُ كَانَ مَخْتُومًا وَمَحْرُوسًا مِنْ جُنُودِ الْهَيْكَلِ: "فَذَهَبُوا وَحَفِظُوا القَبْرَ، فَخَتَمُوا الحَجَرَ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ حَرَسًا" (مَتَّى 27: 65-66).

 

التَّفْسِيرُ الرَّابِع: سَرَقَ التَّلَامِيذُ جَسَدَ يَسُوع

أَعْمَالُ الرُّسُلِ تُبَيِّنُ أَنَّ الجَمَاعَةَ المَسِيحِيَّةَ الأُولَى كَانُوا عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلمَوْتِ مِنْ أَجْلِ إِيمَانِهِمْ بِالمَسِيحِ القَائِمِ:
"
فَقَتَلَ بِحَدِّ السَّيْفِ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا... وَقَبَضَ أَيْضًا عَلَى بُطْرُسَ" (أَعْمَال 12: 2-3). فَلَوْ كَانُوا سَرَقُوا الجَسَدَ، لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بَاطِلًا، وَاسْتِشْهَادُهُمْ عَدِيمَ المَعْنَى. الأَكْفَانُ وَالمَنْدِيلُ: دَلِيلٌ مَادِّيّ.  بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا أَبْصَرَا الأَكْفَانَ وَالمَنْدِيلَ، فَتَأَكَّدَا أَنَّ القَبْرَ فَارِغٌ، وَأَنَّ الأَكْفَانَ مُلَفَّفَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ، وَالمَنْدِيلُ فِي مَكَانٍ آخَرَ مُنْفَصِلٍ (يُوحَنَّا 20: 6-7). وَلَوْ كَانَ القَبْرُ قَدْ نُهِبَ، لَمَا تُرِكَتِ الأَكْفَانُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَقَدْ اشْتَرَى رُؤَسَاءُ اليَهُودِ ضَمَائِرَ الحُرَّاسِ لِتَلْفِيقِ الكَذِبَةِ: "قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ جَاءُوا لَيْلًا فَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نَائِمُون" (مَتَّى 28: 13). وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس: "إِنْ كُنْتُمْ نَائِمِينَ، أَيُّهَا المُنَافِقُون، فَكَيْفَ رَأَيْتُم مَنْ سَرَقَهُ؟ وَإِنْ كُنْتُمْ سَاهِرِينَ، فَلِمَ تَرَكْتُمُوهُم يَفْعَلُونَ؟" بُطْرُسُ رَأَى وَتَعَجَّبَ، يُوحَنَّا يُوَثِّقُ أَنَّ بُطْرُسَ تَحَقَّقَ مِمَّا رَأَى، وَلكِنَّهُ ظَلَّ مَذْهُولًا (يُوحَنَّا 20: 6)، وَيُؤَكِّدُ لُوقَا: "وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ مُتَعَجِّبًا مِمَّا جَرَى" (لُوقَا 24: 12).

 

التَّفْسِيرُ الخَامِس: سَرَقَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ جَسَدَ يَسُوع

يَدْحَضُ هَذَا التَّفْسِيرَ أَمْرَان: أَنَّ القَبْرَ كَانَ مَخْتُومًا وَمَحْرُوسًا (مَتَّى 27: 65-66)، وَلَوْ كَانُوا قَدْ أَخَذُوا الجَسَدَ، لَأَظْهَرُوهُ لِيَفْضَحُوا الكِرَازَةَ بِالقِيَامَةِ، وَلَكِنَّهُمْ آثَرُوا اخْتِلَاقَ رِوَايَةٍ مُزَيَّفَة.

 

وَأَخِيرًا، لَوْ كَانَتِ القِيَامَةُ خُرَافَةً، لَمَا اسْتَطَاعَ المَسِيحِيُّونَ أَنْ يُبَشِّرُوا بِهَا فِي أُورُشَلِيمَ نَفْسِهَا، وَهِيَ مَسْرَحُ الأَحْدَاثِ، دُونَ أَنْ يَتَوَقَّعُوا تَكْذِيبًا وَتَشْهِيرًا. وَالحَقِيقَةُ، أَنَّ رُؤَسَاءَ اليَهُودِ لَمْ يُنْكِرُوا وُقُوعَ القِيَامَةِ، بَلِ اقْتَصَرُوا عَلَى البَحْثِ عَنْ تَفْسِيرٍ آخَرَ، وَهُوَ: "إِنَّ تَلاَمِيذَهُ سَرَقُوا جُثْمَانَهُ".

 

تَشْهَدُ حَالِيًّا كَنِيسَةُ القِيَامَةِ، مَعَ القَبْرِ الفَارِغِ، بِصَمْتِهَا العَمِيقِ، عَلَى الحَادِثَةِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَهِيَ: قِيَامَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ. يَشْهَدُ القَبْرُ الفَارِغُ عَلَى اِنْتِصَارِ الحَيَاةِ عَلَى المَوْتِ. وَنَشْهَدُ نَحْنُ أَيْضًا، مَعَ الرُّسُلِ وَالإِنْجِيلِيِّينَ، وَمَعَ الكَنِيسَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَنُعْلِنُ: "أَنَّ المَسِيحَ، بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، لَنْ يَمُوتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَان" (رُومَة 6: 9). فَأَصْبَحَ يَسُوعُ القَائِمُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ مَصْدَرَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ. وَهُنَا فِي كَنِيسَةِ القُدْسِ، أُمِّ الكَنَائِسِ، مَاتَ الرَّبُّ يَسُوعُ المَسِيحُ لِيَجْمَعَ فِي وَاحِدٍ أَبْنَاءَ اللهِ المُشَتَّتِينَ (يُوحَنَّا 11: 52).

 

الهُتَافُ الكَنَسِيّ: المَسِيحُ قَامَ! حَقًّا قَامَ! هَلِّلُويَا!

 

نَسْتَنْتِجُ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ المَسِيحَ قَامَ! حَقًّا قَامَ! هَلِّلُويَا! هَذَا هُوَ السَّلَامُ الَّذِي يَتَبَادَلُهُ المَسِيحِيُّونَ فِي يَوْمِ الفِصْحِ، وَهُوَ الإِيمَانُ الأَسَاسِيُّ المُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ المَسِيحِيِّينَ. وَهَذَا هُوَ الهُتَافُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَشْهَدَ لَهُ بِأَلْسِنَتِنَا وَحَيَاتِنَا، مَعَ بُطْرُسَ الرَّسُولِ: "فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ أَجْمَعُ، أَنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، قَدْ جَعَلَهُ اللهُ رَبًّا وَمَسِيحًا"
(أَعْمَالُ الرُّسُلِ ٢: ٣٦)

 

إِنَّ قِيَامَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ المَوْتِ هِيَ حَدَثٌ تَارِيخِيٌّ وَالمَوْضُوعُ الرَّئِيسِيُّ لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ: "فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلأَمْوَاتِ مِنْ قِيَامَةٍ، فَإِنَّ المَسِيحَ لَمْ يَقُمْ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ المَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فَتَبْشِيرُنَا بَاطِلٌ، وَإِيمَانُكُمْ أَيْضًا بَاطِل. بَلْ نَكُونُ عِنْدَئِذٍ شُهُودَ زُورٍ عَلَى اللهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا عَلَى اللهِ أَنَّهُ قَدْ أَقَامَ المَسِيحَ، وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، هذَا إِنْ صَحَّ أَنَّ الأَمْوَاتَ لَا يَقُومُونَ" قُورِنْتُس 15: 13-15).

 

3) قِيَامَةُ يَسُوعَ: حَدَثٌ إِيمَانِيّ

 

بَعْدَمَا تَنَاوَلْنَا مَعَانِي قِيَامَةِ المَسِيحِ وَبَحَثْنَاهَا كَـحَدَثٍ تَارِيخِيّ، يُكْشِفُ لَنَا يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيُّ عَن مَرَاحِلَ نَرْتَقِي بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ القِيَامَةِ وَفَهْمِهَا، مِنْ خِلَالِ الانْتِقَالِ مِنْ رُؤْيَةِ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ السَّطْحِيَّةِ، إِلَى نَظْرَةِ بُطْرُسَ التَّحْلِيلِيَّةِ، وَرُؤْيَةِ التِّلْمِيذِ الحَبِيبِ وَإِيمَانِهِ. فَمِنْ خِلَالِ خِبْرَةِ الرُّسُلِ، يُمْكِنُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَسْلُكَ أَرْبَعَ مَرَاحِلَ لِلْوُصُولِ إِلَى القِيَامَةِ كَـحَدَثٍ إِيمَانِيّ:

 

المَرْحَلَةُ الأُولَى: التَّسَاؤُلُ وَالنَّظْرَةُ السَّطْحِيَّة

 

مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ هِيَ أَوَّلُ مَنْ رَأَتِ الحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ القَبْرِ (يُوحَنَّا 20: 1)، وَاِكْتَشَفَتْ أَنَّ القَبْرَ فَارِغٌ. لَقَدْ رَأَتْ مَرْيَمُ بِحَاسَّةِ البَصَرِ كَمَا يَرَى كُلُّ إِنْسَانٍ، لَكِنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مَعْنَى القَبْرِ الفَارِغِ. وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ، ظَنَّتْ أَنَّ قِيَامَةَ المَسِيحِ مُجَرَّدُ تَلْفِيقٍ، كَمَا كَانَ يُشَاعُ فِي الأَوْسَاطِ اليَهُودِيَّةِ، وَقَالَتْ لِبُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذِ الحَبِيبِ: "أَخَذُوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، وَلا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوه" (يُوحَنَّا 20: 2، 15). فَكَمَا كَانَ تُومَا رَمْزًا لِلَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَرَوْا لِيُؤْمِنُوا، كَذَلِكَ مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ رَمْزٌ لِكُلِّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الرُّؤْيَةِ لِيُؤْمِنَ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ: "إِنَّ القِدِّيسَةَ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَعْدُ تُفَكِّرُ بِوُضُوحٍ فِي القِيَامَةِ، بَلْ ظَنَّتْ أَنَّ الجَسَدَ قَدْ أُخِذَ، إِلَّا أَنَّ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيَّ لَمْ يَحْرِمْهَا مِنَ المَدِيحِ عَلَى مَا فَعَلَتْ". 

 

المَرْحَلَةُ الثَّانِيَة: التَّحَقُّقُ وَالنَّظْرَةُ التَّحْلِيلِيَّة

 

تَقُومُ هَذِهِ المَرْحَلَةُ عَلَى تَفْحِيصِ الحَقَائِقِ وَتَأَمُّلِ العَلاَمَاتِ. فَعِنْدَمَا رَأَتْ مَرْيَمُ الحَجَرَ مَدْحُورًا، أَسْرَعَتْ وَأَخْبَرَتْ سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَالتِّلْمِيذَ الآخَرَ الَّذِي أَحَبَّهُ يَسُوعُ (يُوحَنَّا 20: 2). وَيُبَيِّنُ يُوحَنَّا أَنَّ دَحْرَجَةَ الحَجَرِ لَمْ تَكُنْ لِخُرُوجِ يَسُوعَ، بَلْ لِكَيْ يَدْخُلَ الإِنْسَانُ وَيَرَى. فَالمَسِيحُ القَائِمُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى العَلِيَّةِ وَالأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ (يُوحَنَّا 20: 26). بُطْرُسُ لَمْ يَكْتَفِ بِرُؤْيَةِ الحَجَرِ المُدَحْرَجِ، بَلْ دَخَلَ القَبْرَ لِيَتَأَكَّدَ، "فَدَخَلَ القَبْرَ فَأَبْصَرَ اللَّفَائِفَ مَمْدُودَةً" (يُوحَنَّا 20: 6). وَرَأَى أَيْضًا المِنْدِيلَ، الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِ يَسُوعَ، مَلْفُوفًا وَضُعَ وَحْدَهُ، فَاسْتَدَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّ جَسَدَ يَسُوعَ قَدْ تَحَرَّرَ مِنَ الأَكْفَانِ بِهُدُوءٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ بِسُرْعَةٍ أَوْ قُوَّةٍ كَمَا فِي حَالَةِ السَّرِقَةِ. وَلَكِنَّهُ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ، ظَلَّ مُتَعَجِّبًا، كَمَا يُقَرِّرُ لُوقَا: "فَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ مُتَعَجِّبًا مِمَّا جَرَى" (لُوقَا 24: 12).

 

المَرْحَلَةُ الثَّالِثَة: النَّظْرَةُ الإِيمَانِيَّة

 

لَمْ يَكْتَفِ يُوحَنَّا الرَّسُولُ بِالنَّظْرَةِ التَّحْلِيلِيَّةِ، بَلْ أَضَافَ إِلَيْهَا نَظْرَةً إِيمَانِيَّةً، كَمَا صَرَّحَ الإِنْجِيلُ: "فَرَأَى وَآمَنَ" (يُوحَنَّا 20: 8). فَهِمَ يُوحَنَّا فَوْرًا لُغَةَ القَبْرِ الفَارِغِ، وَالأَكْفَانِ المَمْدُودَةِ، وَالمِنْدِيلِ المَلْفُوفِ وَحْدَهُ. فَهَذِهِ التَّفَاصِيلُ الدَّقِيقَةُ تُنْفِي نَظَرِيَّةَ سَرِقَةِ الجَسَدِ. رَأَى يُوحَنَّا مَا رَآهُ بُطْرُسُ، لَكِنَّهُ قَرَأَ فِي تَرْتِيبِ اللَّفَائِفِ وَانْفِرَادِ المِنْدِيلِ دَلَائِلَ قِيَامَةٍ، لا عَلاَمَاتِ نَقْلٍ أَوْ سَرِقَة. فَمِنْ يَسْرِ التَّرْتِيبِ وَهُدُوءِ المَكَانِ، تَأَكَّدَ أَنَّ الجَسَدَ قَدْ قَامَ، لا أَنَّهُ سُرِقَ. فَآمَنَ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ قَائِلًا: "فَمَا الغَرَضُ فِي أَنَّ المِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ؟ أُجِيبُكَ: لِتَعْلَمْ أَنَّ هذَا الفِعْلَ مَا كَانَ فِعْلَ مَنْ كَانَ مُسْرِعًا أَوْ مُضْطَرِبًا. فَمِنْ هذَا الفِعْلِ صَدَّقُوا قِيَامَتَهُ."

 

 وَقَدْ حَدَثَتِ المُعْجِزَةُ الكُبْرَى: قِيَامَةُ يَسُوعَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. وَيُضِيفُ القِدِّيسُ كِيرِلُّس الأُورُشَلِيمِيُّ عَن عَلاَمَاتِ القِيَامَةِ قَائِلًا: "كَثِيرُونَ هُم شُهُودُ قِيَامَةِ المُخَلِّصِ: اللَّيْلُ وَضَوْءُ القَمَرِ التَّامّ (لأَنَّهَا كَانَتْ لَيْلَةَ 16 نَيْسَان)، صَخْرَةُ القَبْرِ، وَالحَجَرُ الَّذِي خُتِمَ أَمَامَ اليَهُودِ، لأَنَّهُ رَأَى الرَّبَّ، وَالحَجَرُ الَّذِي دُحْرِجَ عِنْدَئِذٍ (مَتَّى 26: 2) يَشْهَدُ بِالقِيَامَةِ، وَهُوَ لا يَزَالُ قَائِمًا حَتَّى الآن، وَالمَكَانُ نَفْسُهُ الَّذِي يُرَى إِلَى الآن، وَهذِهِ الكَنِيسَةُ المُقَدَّسَةُ (كَنِيسَةُ القِيَامَةِ) الَّتِي بَنَاهَا الإِمْبَرَاطُورُ قُسْطَنْطِينُ عَلَى القَبْرِ المُقَدَّسِ، وَزُيِّنَتْ عَلَى هذَا الشَّكْلِ."

 

وَالجَدِيرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ الإِنْجِيلَ لَمْ يُفْصِحْ عَنْ اسْمِ يُوحَنَّا فِي هذِهِ المَقْطُوعَة، لِيَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مُسْتَعِدًّا لِيَكُونَ ذَاكَ التِّلْمِيذَ الَّذِي يُحِبُّهُ يَسُوعُ، وَيُحِبُّ يَسُوعَ، وَيُؤْمِنُ بِهِ وَبِقِيَامَتِهِ (يُوحَنَّا 19: 26-27). فَعَلَى إِيمَانِ الرُّسُلِ ثَبَتَ إِيمَانُ الكَنِيسَةِ، وَالإِيمَانُ لَيْسَ تَصْدِيقَ الأَشْيَاءِ الَّتِي تُنَاقِضُ العَقْلَ، بَلْ هُوَ فَوْقَ العَقْلِ وَمَا وَرَاءَهُ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ الرَّسُولِ إِلَى العِبْرَانِيِّينَ: "فَالإِيمَانُ قِوَامُ الأُمُورِ الَّتِي تُرْجَى، وَبُرْهَانُ الحَقَائِقِ الَّتِي لا تُرَى" (عِبْرَانِيِّينَ 11: 1).

 

المَرْحَلَةُ الرَّابِعَة: التَّرَائِي وَالرُّؤْيَةُ الشَّخْصِيَّة

 

لَنْ يَقْدِرَ الإِنْسَانُ أَنْ يَقْبَلَ حَقِيقَةَ القِيَامَةِ قَبُولًا شَخْصِيًّا عَمِيقًا، إِلَّا عِبْرَ تَرَائِي يَسُوعَ القَائِمِ لَهُ، وَمُقَابَلَتِهِ شَخْصِيًّا، الأَمْرُ الَّذِي يُبَدِّدُ كُلَّ شَكٍّ وَيَفْتَحُ العَيْنَ وَالقَلْبَ، كَمَا حَدَثَ مَعَ مَرْيَمَ المِجْدَلِيَّةِ، لَمَّا ظَهَرَ لَهَا يَسُوعُ وَنَادَاهَا بِاسْمِهَا: "قالَ لَها يَسوعُ: مَريَم! فالتَفَتَت وقالَت لَهُ بِالعِبرِيَّة: رابُّوني!" (يُوحَنَّا 20: 16). وَكَذَلِكَ، لَمْ يَتَقَبَّل بُطْرُسُ حَقِيقَةَ القِيَامَةِ، مَعَ أَنَّهُ رَأَى عَلاَمَاتِهَا، وَلكِنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ إِلَّا عِنْدَ مُقَابَلَتِهِ يَسُوعَ شَخْصِيًّا، وَيَشْهَدُ الرُّسُلُ بِذَلِكَ: "إِنَّ الرَّبَّ قَامَ حَقًّا، وَتَرَاءَى لِسِمْعَان" (لُوقَا 24: 34). وَعِنْدَئِذٍ، قَدَّمَ بُطْرُسُ تَعَهُّدَهُ أَمَامَ الرَّبِّ، وَكَرَّسَ حَيَاتَهُ لِخِدْمَتِهِ، وَبَدَأَ فِي إِدْرَاكِ وَاقِعِ وُجُودِ يَسُوعَ الحَيِّ. جَاءَ فِي التُّرَاثِ الإِسْلَامِيّ: "طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي" أَمَّا السَّيِّدُ المَسِيحُ، فَقَالَ لِتُومَا الرَّسُولِ: "أَلِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْتَ؟ طُوبَى لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَرَوْا" (يُوحَنَّا ٢٠: ٢٩).

 

ذَكَرَ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا تَرَائِي الرَّبِّ لِلتَّلَامِيذِ، فَقَالَ: "كَانَ التَّلاميذُ فِي دَارٍ أُغْلِقَتْ أَبْوَابُهَا خَوْفًا مِنَ اليَهُود، فَجَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ! ثُمَّ أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ" (يُوحَنَّا 20: 19-20). وَأَكَّدَ بُولُسُ الرَّسُولُ هَذِهِ التَّرَائِيَاتِ، فَقَالَ: "وَأَنَّهُ تَرَاءَى لِصَخْرٍ، ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَر، ثُمَّ تَرَاءَى لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةِ أَخٍ مَعًا، لَا يَزَالُ مُعْظَمُهُمْ حَيًّا، وَبَعْضُهُمْ قَدْ مَاتُوا، ثُمَّ تَرَاءَى لِيَعْقُوب، ثُمَّ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وَأَخِيرًا تَرَاءَى لِي أَيْضًا"(1 قُورِنْتُس 15: 5–8). وَقَدْ عَقَّبَ البَابَا بِنِدِكْتُس السَّادِسَ عَشَر عَلَى قِيَامَةِ المَسِيحِ بِقَوْلِهِ: "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ لَمْ يَسْتَأْنِفْ حَيَاتَهُ العَادِيَّةَ كَمَا كَانَتْ، كَمَا فِي حَالِ لِعَازَر وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَامُوا بِنِعْمَةِ المَسِيحِ؛ بَلْ قَامَ إِلَى حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، مُخْتَلِفَةٍ، خَرَجَ نَحْوَ اللهِ الَّذِي لَا يُحَدّ، وَظَهَرَ اِنْطِلَاقًا مِنْهُ إِلَى أَحِبَّائِهِ".

 

بَعْدَ أَنْ يُقَدِّمَ الإِنْسَانُ تَعَهُّدَهُ أَمَامَ يَسُوعَ، وَيُكَرِّسَ حَيَاتَهُ لِخِدْمَتِهِ، يَبْدَأُ فِي إِدْرَاكِ وَاقِعِ القِيَامَةِ، كَمَا فَعَلَ تُومَا الرَّسُولُ الَّذِي أَعْلَنَ إِيمَانَهُ قَائِلًا: "رَبِّي وَإِلَهِي" (يُوحَنَّا 20: 28).  فَـيَسُوعُ النَّاصِرِيُّ هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي رَآهُ وَلَمَسَهُ الرُّسُلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ (يُوحَنَّا 21: 9–13). إِنَّهُ لَيْسَ خَيَالًا، بَلْ بِجَسَدِهِ الحَقِيقِيِّ، إِذْ: "أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ" (يُوحَنَّا 20: 20). وَلَكِنَّ هذَا الجَسَدَ القَائِمَ لَا يَخْضَعُ لِقَوَانِينِ الحَيَاةِ الأَرْضِيَّةِ، كَمَا فِي: "فَجَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ بَيْنَهُمْ وَالأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ" (يُوحَنَّا 20: 19).

 

وَاحْتَفَظَ يَسُوعُ بِتَرَائِيِهِ لِلشُّهُودِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، كَمَا قَالَ بُطْرُسُ فِي عِظَتِهِ: "فَيَسُوعُ هذَا قَدْ أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ بِأَجْمَعِنَا شُهُودٌ عَلَى ذَلِكَ" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 2: 32). وَكَانَ آخِرُ التَّرَائِيَاتِ لِـبُولُسَ الرَّسُولِ عَلَى طَرِيقِ دِمَشْق، كَمَا صَرَّحَ: "حَتَّى تَرَاءَى آخِرَ الأَمْرِ لِي أَيْضًا" (1 قُورِنْتُس 15: 8). إِنَّهُ يَخْتَارُ شُهُودَهُ، وَيُظْهِرُ نَفْسَهُ لَهُم، "لَا لِلْعَالَم" (يُوحَنَّا 14: 22)، لأَنَّ العَالَمَ مُغْلَقٌ عَنِ الإِيمَانِ.  إِنَّ حَقِيقَةَ القِيَامَةِ تُثْبَتُ فِي إِيمَانِ الرُّسُلِ بَعْدَ أَنْ تَرَاءَى لَهُم يَسُوعُ القَائِمُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. فَـأَسَاسُ الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ هُوَ أَحْدَاثٌ وَاقِعِيَّةٌ، وَنُقِرُّ بِهَا مِنْ خِلَالِ شَهَادَةِ شُهُودِ عِيَانٍ جَدِيرِينَ بِالثِّقَةِ.

 

المَرْحَلَةُ الخَامِسَة: الإِيمَانُ بِقِيَامَةِ المَسِيحِ مِنْ خِلَالِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ وَالقُرْبَانِ الأَقْدَس

 

أ) الإِيمَانُ مِنْ خِلَالِ الكِتَابِ المُقَدَّس

 

إِنَّ حَدَثَ القِيَامَةِ يُثَبِّتُهُ نَصُّ الإِنْجِيلِ؛ فَقَدْ رَأَى التَّلَامِيذُ القَبْرَ فَارِغًا، وَوُجِدَ القَبْرُ فَارِغًا وَلَا يُبَرْهِنُ إِلَّا عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الأَكْفَانُ المَمْدُودَةُ وَالمِنْدِيلُ المَلْفُوفُ وَحْدَهُ، فَتَنْفِي نَظَرِيَّةَ السَّرِقَةِ. فَمَنْ يُؤَكِّدُ قِيَامَةَ الرَّبِّ؟

 

تُوَحِي الرِّوَايَةُ الإِنْجِيلِيَّةُ بِذِكْرَيَاتٍ تَارِيخِيَّةٍ لِشُهُودِ عِيَانٍ، وَلَكِنْ لَمْ تُشَاهِدْ عَيْنٌ بَشَرِيَّةٌ القِيَامَةَ بِذَاتِهَا، بَلْ عَلَامَاتُهَا.

 

فَحَيْثُ إِنَّهُ لا يَتَوَفَّرُ سِوَى خِيَارَيْنِ:

1. الإِيمَانُ أَنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ قَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ،

2. أَوْ الإِنْكِارُ وَالتَّجَاهُلُ، وَالإِنْغِلَاقُ أَمَامَ حَقِيقَةِ القِيَامَةِ.

 

هُنَا، تَظْهَرُ الحَاجَةُ إِلَى أَنْ يَفْتَحَ اللهُ أَذْهَانَ الرُّسُلِ لِيَفْهَمُوا الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ، كَمَا فَعَلَ مَعَ تِلْمِيذَيِّ عِمَّاوُس: "لا بُدَّ لِكُلِّ ما كُتِبَ عنِّي في شَريعةِ مُوسى وكُتُبِ الأَنبِياءِ والمَزاميرِ أَن يَتِمّ". ففَتَحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب" (لوقا 24: 44-45).  بَعْدَ أَنْ رَأَى التَّلَامِيذُ القَبْرَ الفَارِغَ، وَالأَكْفَانَ وَالمِنْدِيلَ، تَذَكَّرُوا أَقْوَالَ يَسُوعَ وَالأسْفَارَ المُقَدَّسَةَ، وَأَنَّهُ: "يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورَشَلِيم، وَيُعَانِيَ آلاَمًا شَدِيدَةً مِنَ الشُّيُوخِ وَعُظَمَاءِ الكَهَنَةِ وَالكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَيَقُومَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ"(مَتَّى 16: 21). كَذَلِكَ تَذَكَّرَ التَّلَامِيذُ مَا تَنَبَّأَ بِهِ دَاوُدُ فِي المَزَامِير: "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي مَثْوَى الأَمْوَات، وَلَنْ تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرَى الفَسَاد" (مَزْمُور 16: 10). وَفَهِمُوا مَا قَالَهُ السَّيِّدُ عَنْ تَحْقِيقِ آيَةِ يُونَانَ: "فَكَمَا بَقِيَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ، فَكَذَلِكَ يَبْقَى ابْنُ الإِنْسَانِ فِي جَوْفِ الأَرْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ" (مَتَّى 12: 40).

 

عِنْدَئِذٍ أَدْرَكَ التَّلَامِيذُ أَنَّ: القِيَامَةَ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَأَنَّهَا جُزْءٌ رَئِيسِيٌّ فِي خُطَّةِ اللهِ لِلْخَلاَصِ وَالتَّبْرِيرِ، وَبِالتَّالِي فَـتَحَقُّقُهَا كَانَ أَمْرًا ضَرُورِيًّا. باختصار كَلِمَةُ الإِنْجِيلِ تُثَبِّتُ الإِيمَانَ والقِيَامَةُ حَقِيقَةٌ تُثَبِّتُهَا الكُتُبُ المُقَدَّسَةُ. الإِيمَانُ لَا يَكُونُ كَامِلًا إِلَّا حِينَ يَتَغَذَّى مِنَ الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَيَتَأَمَّلُ العَلَامَاتِ الَّتِي يَضَعُهَا اللهُ فِي طَرِيقِنَا، فَيَرْبِطُهَا بِكَلِمَتِهِ، وَيَقْرَأُ بِهَا حَيَاتَنَا. فَـالفَهْمُ الرُّوحِيُّ الكَامِلُ للكتاب المقدس لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا إِلَّا بِنُورِ القِيَامَةِ. فَقَطْ عِنْدَمَا نَمُرُّ مِنَ الجُمُعَةِ العَظِيمَةِ إِلَى الأَحَدِ، يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ: •          مَا تَنَبَّأَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، وَمَا قَالَهُ يَسُوعُ عَنْ مَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ.

لَا يُفْهَمُ الكِتَابُ بَعْدَ اليَوْمِ إِلَّا بِنُورِ القِيَامَةِ، لِأَنَّ"يَسُوعَ القَائِمَ" هُوَ مِفْتَاحُ التَّأْوِيلِ الحَقِيقِيِّ.

 

ب) الإِيمَانُ مِنْ خِلَالِ الإِفْخَارِسْتِيَّا

 

إِنَّ حَدَثَ القِيَامَةِ يُثَبِّتُهُ أَيْضًا سِرُّ الإِفْخَارِسْتِيَّا، إِذْ يُعِيدُ يَسُوعُ القَائِمُ فِعْلَ الأَعْمَالِ الَّتِي كَانَ يُقَاوِمُهَا فِي حَيَاتِهِ العَامَّةِ: يَأْكُلُ مَعَ التَّلَامِيذِ (يُوحَنَّا 21: 9–13)، يُعِدُّ لَهُمُ الفُطُورَ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّة، يُشَارِكُهُم فِي الصَّيْدِ (يُوحَنَّا 21: 6، 12)، يَكْسِرُ الخُبْزَ مَعَ تِلْمِيذَيِّ عِمَّاوُس: "أَخَذَ الخُبْزَ وَبَارَكَ، ثُمَّ كَسَرَهُ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاه" (لُوقَا 24: 31). إِلَّا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الآن فِي حَالَةِ المَجْدِ. وَلِذَلِكَ، نُؤْمِنُ بِالقِيَامَةِ مِنْ خِلَالِ عَيْشِ سِرِّ الإِفْخَارِسْتِيَّا.

 

الإِفْخَارِسْتِيَّا: خُبْزُ الحَيَاةِ. قَالَ يَسُوعُ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا: "أَنَا الخُبْزُ الحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، مَنْ يَأْكُلْ مِنْ هذَا الخُبْزِ يَحْيَ لِلأَبَد" (يُوحَنَّا 6: 51).  وَفِي مَوْضِعٍ آخَر: "مَنْ أَكَلَ جَسَدِي وَشَرِبَ دَمِي، فَلَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اليَوْمِ الأَخِير" (يُوحَنَّا 6: 54). فَـجَسَدُ المَسِيحِ فِي سِرِّ الإِفْخَارِسْتِيَّا هُوَ جَسَدُهُ القَائِمُ، الَّذِي اجْتَازَ المَوْتَ وَقَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ.

 

جَرَت قِيَامَةُ السَّيِّدِ المَسِيحِ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوع، وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ، اتَّخَذَ المَسِيحِيُّونَ يَوْمَ الأَحَدِ َيَوْمُ الرَّبِّ، يَوْمًا لِلاِجْتِمَاعِ وَالاِسْتِرَاحَةِ، لِيُقِيمُوا القُدَّاسَ الإِلَهِيَّ تِذْكَارًا لِقِيَامَةِ الرَّبِّ (رُؤْيَا 1: 10). فَـالإِفْخَارِسْتِيَّا هِيَ: الذِّكْرَى الكُبْرَى لِـمَوْتِ وَقِيَامَةِ يَسُوعَ، التَّقَدِمَةُ الحَيَّةُ الَّتِي فِيهَا نَتَّحِدُ بِجَسَدِهِ المُمْجَدِ، الذِّكْرَى الفَعَّالَةُ لِفِصْحِنَا الجَدِيد، وَلِـوَعْدِ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. إِنَّ القِيَامَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً تَارِيخِيَّةً، إِلَّا أَنَّهَا تَتَطَلَّبُ الإِيمَانَ، لأَنَّهَا تَفُوقُ مَدَارِكَ الإِنْسَانِ.

 

نَسْتَنْتِجُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّنَا نَتَعَرَّفُ عَلَى يَسُوعَ القَائِمِ مِنْ خِلَالِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَسِرِّ الإِفْخَارِسْتِيَّا. فَنَحْنُ مَدْعُوُّونَ أَنْ نَتَعَرَّفَ إِلَيْهِ وَنَخْتَبِرَهُ كَـالنِّسْوَةِ وَالتَّلَامِيذِ. إِنَّهُ الإِلَهُ الحَيُّ الَّذِي يُحَوِّلُ وُجُودَنَا وَيُعْطِيهِ مَعْنًى جَدِيدًا. فَـقِيَامَةُ يَسُوعَ هِيَ: مِفْتَاحُ الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ، وَأَسَاسُ شَهَادَةِ الكَنِيسَةِ لِلْعَالَمِ. فالسُؤَالٌ الخِتَامِيٌّ الرُعَوِيٌّ: مَا هُوَ حَدَثُ القِيَامَةِ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمَ، فِي سِرِّ القُرْبَانِ الأَقْدَسِ؟ هَلِ اخْتَبَرْنَاهُ؟ أَمْ هَلْ لا يَزَالُ فَقَط حَدَثًا تَارِيخِيًّا؟

 

4) قِيَامَةُ المَسِيحِ وَقِيَامَتُنَا

 

قِيَامَةُ المَسِيحِ: عُرْبُونُ إِيمَانِنَا

 

إِنَّ قِيَامَةَ يَسُوعَ المَسِيحِ هِيَ مِفْتَاحُ الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ. لِمَاذَا؟ لأَنَّ يَسُوعَ قَدْ مَاتَ وَقَامَ حَقًّا، وَبِنَاءً عَلَى قِيَامَتِهِ نَثِقُ بِأَنَّهُ يُتَمِّمُ كُلَّ وُعُودِهِ، لأَنَّ قِيَامَتَهُ هِيَ الخَتْمُ النِّهَائِيُّ عَلَى جَمِيعِ وَعُودِ اللهِ. فَـلأَنَّهُ قَامَ، نَثِقُ أَنَّنَا سَنَقُومُ أَيْضًا. وَلَيْسَ المَوْتُ هُوَ النِّهَايَةَ، بَلْ هُنَاكَ حَيَاةٌ أُخْرَى فِي المُسْتَقْبَلِ. فَقِيَامَةُ المَسِيحِ هِيَ مَوْضُوعُ إِيمَانِنَا بِالقِيَامَةِ فِي اليَوْمِ الأَخِير. قَامَ يَسُوعُ بِاعْتِبَارِهِ: "بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ"(1 قُورِنْتُس 15: 20)، وَهُوَ: "أَوَّلُ القَائِمِينَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 26: 23). فَنَحْنُ نَقُومُ، لأَنَّ يَسُوعَ قَدْ قَامَ: "فَالَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ المَسِيحَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يُحْيِي أَيْضًا أَجْسَادَكُمُ الفَانِيَةَ بِرُوحِهِ الحَالِّ فِيكُمْ" (رُومَة 8: 11).

 

إِذَا قَامَ يَسُوعُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ كَمَا قَالَ، فَنَثِقُ أَنَّهُ: يُتَمِّمُ كُلَّ وُعُودِهِ، وَأَنَّهُ المَسِيحُ الحَيُّ، لا نَبِيٌّ مُدَّعٍ، وَأَنَّنَا نَقُومُ نَحْنُ أَيْضًا. فَلَيْسَ المَوْتُ نِهَايَةَ الإِنسَانِ، بَلْ هُنَاكَ حَيَاةٌ أُخْرَى بَعْدَ المَوْت. بِقِيَامَتِهِ تَحَقَّقَ: اِنْتِصَارُ الحَيَاةِ عَلَى المَوْتِ، وَالنُّورِ عَلَى الظُّلْمَةِ، وَالرُّوحِ عَلَى الجَسَدِ. فَبَعْدَ المَوْتِ تَأْتِي القِيَامَةُ، وَبَعْدَ الخَوْفِ تَأْتِي الشَّجَاعَةُ، وَبَعْدَ اليَأْسِ يَحِلُّ الرَّجَاءُ: "رَجَاءُ القِيَامَةِ".

 

فِي ظِلِّ القِيَامَةِ نَحْيَا بِقُوَّةِ الرَّبِّ. يَشْعُرُ المَسِيحِيُّونَ أَنَّهُمْ يَحْيَوْنَ فِي ظِلِّ إِلَهٍ قَوِيٍّ: "الَّذِي عِنْدَهُ مَفَاتِيحُ المَوْتِ وَمَثْوَى الأَمْوَاتِ" (رُؤْيَا 1: 18). وَفِيهِ الحَيَاةُ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ: "القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي، وَإِنْ مَاتَ، فَسَيَحْيَا"
(يُوحَنَّا 11: 25). فَهُوَ مَصْدَرُ الحَيَاةِ، لا فِي الزَّمَانِ فَقَط، بَلْ فِي الأَبَدِيَّةِ أَيْضًا.

 

القِيَامَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قِيَامَةٍ بَعْدَ المَوْتِ، بَلْ شَرِكَةٌ مَعَ المَسِيحِ. قِيَامَةٌ مَعَ المَسِيحِ، لِنَحْيَا مَعَهُ، حَيْثُ يَكُونُ هُوَ. فَأَصْبَحَتِ القِيَامَةُ: طَرِيقًا يُوصِلُ إِلَى الأَبَدِيَّةِ مَعَ اللهِ، وَهِيَ غَايَةُ حَيَاتِنَا عَلَى الأَرْضِ. فَمَا أَجْمَلَ القِيَامَةَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى كُلِّ هذَا، وَكُلُّ هذَا نَنْتَظِرُهُ بِرَجَاءٍ وَفَرَحٍ فِي الرَّبِّ!

 

القِيَامَةُ رَجَاءُ الكَنِيسَةِ وَأَسَاسُ الإِيمَانِ. هَكَذَا أَعْطَتِ القِيَامَةُ المَسِيحِيِّينَ رَجَاءً فِي العَالَمِ الآخَرِ. فَلَوْلا القِيَامَةُ، لَكَانَ إِيمَانُنَا بَاطِلًا، وَكُنَّا أَشْقَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، كَمَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ: "وَإِذَا لَمْ يَكُنِ المَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَإِيمَانُكُمْ بَاطِلٌ، وَلا تَزَالُونَ بِخَطَايَاكُمْ... وَإِنْ كَانَ المَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فَتَبْشِيرُنَا بَاطِلٌ، وَإِيمَانُكُمْ أَيْضًا بَاطِل، بَلْ نَكُونُ عِنْدَئِذٍ شُهُودَ زُورٍ عَلَى اللهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا عَلَى اللهِ أَنَّهُ قَدْ أَقَامَ المَسِيحَ، وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ..." (1 قُورِنْتُس 15: 14–15). وَلَكِنَّ المَسِيحَ قَامَ، وَإِيمَانُنَا بِهِ لَيْسَ بَاطِلًا.

 

قِيَامَةُ المَسِيحِ: عُرْبُونُ رَجَائِنَا

 

إِنَّ قِيَامَةَ المَسِيحِ هِيَ أَسَاسُ رَجَائِنَا فِي القِيَامَةِ فِي اليَوْمِ الأَخِير. فَيَقُولُ الرَّسُولُ بُطْرُسُ: "تَبارَكَ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، شَمَلَنَا بِوَافِرِ رَحْمَتِهِ، فَوَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ بِقِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ" (1بُطْرُس 1: 1).  وَيُصَرِّحُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "نَنْتَظِرُ مَجِيءَ المُخَلِّصِ الرَّبِّ يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ هَيْئَةَ جَسَدِنَا الحَقِير، فَيَجْعَلُهُ عَلَى صُورَةِ جَسَدِهِ المَجِيد، بِمَا لَهُ مِنْ قُدْرَةٍ يُخْضِعُ بِهَا لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ" (فِيلِبِّي 3: 21).

 

قِيَامَةُ المَسِيحِ تُؤَسِّسُ الرَّجَاءَ الحَقِيقِيَّ. لَوْلَا القِيَامَةُ، لَكَانَ رَجَاؤُنَا بَاطِلًا، كَمَا يُؤَكِّدُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "إِذَا كَانَ رَجَاؤُنَا فِي المَسِيحِ مَقْصُورًا عَلَى هذِهِ الحَيَاةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ جَمِيعِ النَّاسِ بِأَنْ يُرْثَى لَهُمْ"(1 قُورِنْتُس 15: 19). وَلَمَا بَقِيَ مَعْنًى لِكَلِمَاتِ الرَّبِّ: "أَنَا القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ، مَنْ آمَنَ بِي، وَإِنْ مَاتَ، فَسَيَحْيَا" (يُوحَنَّا 11: 25). وَلَكِنَّ قِيَامَةَ المَسِيحِ جَعَلَتْ مِن رَجَائِنَا رَجَاءً حَيًّا وَمُثْمِرًا. فَنَحْنُ نُعْلِنُ فِي قَانُونِ الإِيمَانِ: "نَتَرَجَّى قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ وَالحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ."

 

قِيَامَةُ المَسِيحِ: حَضَارَةُ الحَيَاةِ

 

إِنَّ قِيَامَةَ المَسِيحِ هِيَ حَضَارَةُ الحَيَاةِ الَّتِي بَنَاهَا فِي قَلْبِ كَنِيسَتِهِ، وَأَوْصَانَا أَنْ نُعْلِنَهَا إِلَى العَالَمِ أَجْمَع. وَإِنَّ وُجُودَ مَلَايِينِ فِي العَالَمِ، مِمَّن لَمْ يَسْمَعُوا بَعْدُ بِـاسْمِ المُخَلِّصِ وَقِيَامَتِهِ، هُوَ عَارٌ وَفَضِيحَةٌ لَنَا جَمِيعًا. َعَلَى ضَوْءِ المَسِيحِ وَقِيَامَتِهِ، نَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِنَقْلِ الرَّجَاءِ وَبِنَاءِ العَدَالَةِ وَالثِّقَةِ إِلَى مَنْ حَوْلَنَا. نَعَمْ، فِي عَالَمِنَا هذَا، الَّذِي يُعَانِي كَثِيرًا مِنَ الحِقْدِ وَالعُنْفِ، وَمَعَ ذَلِكَ، مَا زَالَ يُحِبُّ اللهَ، فَلْنَرْفَعْ أَنْظَارَنَا نَحْوَ الحَيَاةِ، وَلْنُسَارِعْ إِلَى مُبَادَرَاتٍ تُعَبِّرُ عَنْ إِيمَانِنَا بِقُدْرَةِ الإِنْسَانِ عَلَى إِحْرَازِ السَّلَامِ وَالعَدَالَةِ. المَسِيحُ القَائِمُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ هذَا العَالَمَ مُؤَهَّلًا لِلْحَيَاةِ وَالعَمَلِ وَالمَحَبَّةِ.

 

إِنَّ القِيَامَةَ هِيَ حَدَثٌ فَرِيدٌ وَمَرْكَزِيٌّ وَالأَهَمُّ فِي قَلْبِ التَّارِيخِ، بَلْ هِيَ المَرْكَزُ فِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ سِوَى يَسُوعَ المَسِيحِ: أَنْ يُنَبِّئَ بِقِيَامَتِهِ، وَأَنْ يُتَمِّمَهَا بِنَفْسِهِ. فَقَامَ يَسُوعُ، وَمِنْ ثَمَّ سَيَقُومُ كُلُّ إِنْسَانٍ، كَمَا فِي تَعْلِيمِ بُولُسَ الرَّسُولِ: "إِذَا اتَّحَدْنَا بِهِ فَصِرْنَا عَلَى مِثَالِهِ فِي المَوْت، فَسَنَكُونُ عَلَى مِثَالِهِ فِي القِيَامَةِ أَيْضًا... فَإِذَا كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ المَسِيحِ، فَإِنَّنَا نُؤْمِنُ بِأَنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ" (رُومَة 6: 5-8).

 

عَبَّرَ القِدِّيسُ بُولُسُ أَيْضًا عَن رَجَاءِ القِيَامَةِ وَمَجْدِهَا: "مَا لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ، وَلَا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنٌ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذَلِكَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (1 قُورِنْتُس 2: 9). وَفِي سِفْرِ الرُّؤْيَا، يَعِدُ الرَّبُّ الغَالِبِينَ بِـ: وَالْغَالِبُ سَأَهَبُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي عَلَى عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا فَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَرْشِهِ" (رُؤْيَا 3: 21). نَخْتِمُ بِكَلِمَاتِ البَابَا القِدِّيس يُوحَنَّا بُولُس الثَّانِي الَّتِي أَلْقَاهَا فِي كَنِيسَةِ القِيَامَةِ عَام 2000: "هُنَا، أَمَامَ القَبْرِ المُقَدَّسِ والجُلجُلة، نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا بِالرَّبِّ القَائِمِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات. فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا بَعْدُ أَنْ نَشُكَّ فِي قُدْرَةِ رُوحِ الحَيَاةِ الَّذِي سَيُوهَبُ لَنَا، وَالَّذِي بِهِ سَيَمْنَحُنَا اللهُ القُوَّةَ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى اِنْقِسَامَاتِنَا، وَيَمْنَحُنَا النِّعْمَةَ لِنَعْمَلَ مَعًا لِبِنَاءِ مُسْتَقْبَلٍ نُحَقِّقُ فِيهِ المُصَالَحَةَ وَالوَحْدَةَ وَالسَّلَامَ؟". هُنَا، وَبِصُورَةٍ خَاصَّةٍ، نَسْمَعُ الرَّبَّ يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى لِتَلَامِيذِهِ: "لَا تَخَافُوا، إِنِّي غَلَبْتُ العَالَم" (يُوحَنَّا 16: 33).

 

قِيَامَةُ المَسِيحِ هِيَ قِيَامَتُنَا. يَسُوعُ القَائِمُ مِنَ الأَمْوَاتِ هُوَ: "القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ" (يُوحَنَّا 11: 25). فَلَا حَيَاةَ، وَلَا قِيَامَةَ، وَلَا أَبَدِيَّةَ، بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. فَـعِيدُ قِيَامَةِ المَسِيحِ هُوَ عِيدُ قِيَامَتِنَا نَحْنُ أَيْضًا، لأَنَّنَا: نُؤْمِنُ بِالمَسِيحِ، وَبِقُدْرَتِهِ الإِلَهِيَّةِ، وَبِقُدْرَةِ اللهِ عَلَى إِقَامَةِ الأَمْوَاتِ. فَـالقِيَامَةُ هِيَ: الِانْتِصَارُ وَالغَلَبَةُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَفِيها نَصِيحُ مَعَ الرَّسُولِ: "الشُّكْرُ للهِ الَّذِي آتَانَا النَّصْرَ عَنْ يَدِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح! ثَابِتِينَ، رَاسِخِينَ، مُتَقَدِّمِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ دَائِمًا، عَالِمِينَ أَنَّ جُهْدَكُمْ لَا يَذْهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبِّ" (1قُورِنْتُس 15: 57–58).

 

 

الخُلاصَة

 

اكتشفت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ قبرَ المسيحِ مفتوحًا، لكنَّها لم تدخله، بل أَسرَعَتْ لتُخبِرَ سِمْعانَ بُطرُسَ والتِّلميذَ الآخَرَ الَّذي كانَ يُحِبُّهُ يَسوعُ. فدَخَلَ بُطرُسُ أَوَّلًا، لأنَّ لهُ الأوَّلِيَّةَ ضمن مجموعةِ الاثنَي عشرَ رسولًا. رَأى وتعجَّب: "فَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ مُتَعَجِّبًا مِمَّا جَرَى"(لوقا 24: 12)، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ عَلَى الفَوْر، خِلَافًا لِلتِّلميذِ الآخَرِ، الَّذِي لَهُ الأوَّلِيَّةُ فِي المَحَبَّةِ. فَـالمَحَبَّةُ تَتَّصِلُ بِالإِيمَانِ مُبَاشَرَةً: "رَأَى وَآمَنَ" (يوحَنَّا 20: 8)، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَد فَهِمَ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ. وَلَكِنْ، عِنْدَمَا فَهِمَ التَّلَامِيذُ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ، لَمْ يَعُودُوا بِحَاجَةٍ إِلَى "أَنْ يَرَوْا" أَوَّلًا، بَل أَصْبَحُوا يُؤْمِنُونَ اسْتِنَادًا إِلَى كَلِمَةِ اللهِ.

 

الإِيمَانُ يَبْنِي عَلَى الكَلِمَةِ لَا عَلَى الرُّؤْيَةِ. نَحْنُ مَدْعُوُّونَ أَنْ نُؤْمِنَ لَا بِالرُّؤْيَةِ، بَل بِالكَلِمَةِ. ويُعَلِّقُ القِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوس: "الإِيمَانُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ المَسِيحِ لَيْسَ شَيْئًا عَظِيمًا؛ فَهَذَا يُؤْمِنُ بِهِ الوَثَنِيُّونَ وَاليَهُودُ وَجَمِيعُ الأَشْرَارِ. الجَمِيعُ يُؤْمِنُ أَنَّهُ مَاتَ. أَمَّا الإِيمَانُ المَسِيحِيُّ فَيَكْمُنُ فِي قِيَامَةِ المَسِيحِ الرَّبِّ؛ وَهذَا هُوَ مَا نَعْتَبِرُهُ شَيْئًا عَظِيمًا – الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَامَ", فَـإِنْ كَانَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا، فَـقِيَامَتُهُ تُؤَكِّدُ قُبُولَ الذَّبِيحَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ أَجْلِ دُيُونِنَا، فَـقِيَامَتُهُ تُعْلِنُ وَفَاءَ الدَّيْنِ.

 

المَسِيحُ: القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ. يَسُوعُ المَسِيحُ هُوَ شَخْصِيًّا: "القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ.مَن آمَنَ بِي، وَإِنْ مَاتَ، فَسَيَحْيَا"
(يُوحَنَّا 11: 25). وَهُوَ يُشْرِكُنَا مُنْذُ الآنَ فِي الحَيَاةِ الجَدِيدَةِ، عَنْ طَرِيقِ عَلَامَاتِ أَسْرَارِ الكَنِيسَةِ. فَـالحَيَاةُ الجَدِيدَةُ الَّتِي دَخَلْنَا فِيهَا، لَيْسَتْ شَيْئًا آخَرَ سِوَى حَيَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَشَخْصٍ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ: "مَعَ أَنَّنَا كُنَّا أَمْوَاتًا بِزَلَّاتِنَا، أَحْيَانَا مَعَ المَسِيحِ (بِالنِّعْمَةِ نِلْتُمُ الخَلاص)، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوَاتِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ"
(أَفَسُس 2: 5-6).

 

الإِيمَانُ بِالقِيَامَةِ يُوَجِّهُ حَيَاتَنَا كُلَّهَا.  إِنَّ إِيمَانَنَا بِقِيَامَةِ يَسُوعَ يُوَجِّهُ كُلَّ كِيَانِنَا المَسِيحِيِّ: "أَمَّا وَقَدْ قُمْتُمْ مَعَ المَسِيحِ، فَاسْعَوْا إِلَى الأُمُورِ الَّتِي فِي العُلَى، حَيْثُ المَسِيحُ قَدْ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ الله" (قُولُسِّي 3: 1). يُشَكِّلُ هذَا المَقْطَعُ مِن إِنْجِيلِ يُوحَنَّا بِدَايَةَ بِدَايَةُ الزَّمَنِ الجَدِيدِ بإِعْلَانِ القِيَامَةِ، الحَدَثَ الحَاسِمَ الَّذِي يَتَأَسَّسُ عَلَيْهِ الإِيمَانُ المَسِيحِيُّ. فَمَعَ الفَجْرِ الأَوَّلِ "فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ"، يَبْدَأُ زَمَنٌ جَدِيدٌ، وَتَبْدَأُ مَعَهُ: خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ، لأَنَّ يَسُوعَ، البِكْرَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، قَدْ قَامَ حَقًّا، وَفَتَحَ لِلإِنْسَانِ بَابَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.

 

دُعَاءٌ فِي نُورِ القِيَامَةِ

أيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ المَسِيحُ،

يَا مَنْ غَلَبْتَ المَوْتَ، وَخَرَجْتَ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ مُنْتَصِرًا،

وَنَقَضْتَ بِمَوْتِكَ مَوْتَنَا، وَبِقِيَامَتِكَ أَعَدْتَ الحَيَاةَ إِلَيْنَا،

ٱمْنَحْنَا رُوحَكَ القُدُّوسَ،

وَأَظْهِرْ غُفْرَانَكَ وَسَلَامَكَ وَفَرَحَكَ فِي قُلُوبِنَا وَحَيَاتِنَا،

فَنَشْهَدَ بِفَمِنَا أَنَّ يَسُوعَ رَبٌّ،

وَنُؤْمِنَ بِقَلْبِنَا أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ،

وَنَكُونَ شُهُودًا لِقِيَامَتِكَ عَلَى مِثَالِ الرُّسُلِ:

"فَلا نَسْتَطِيعُ السُّكُوتَ عَنْ ذِكْرِ مَا رَأَيْنَا وَمَا سَمِعْنَا وَمَا ٱخْتَبَرْنَا" (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 4: 20).

ٱجْعَلْنَا نُشِعُّ بِهذَا الإِيمَانِ لِلْجَمِيعِ،

وَنُنْشِدَ مَعَ الكَنِيسَةِ: "المَسِيحُ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وَوَطِئَ المَوْتَ بِالمَوْتِ، وَوَهَبَ الحَيَاةَ لِلَّذِينَ فِي القُبُورِ."

المَسِيحُ قَامَ! حَقًّا قَامَ! هَلِّلُويَا!