موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢ فبراير / شباط ٢٠٢٣

عيد تقدمة الرب إلى الهيكل

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
عيد تقدمة الرب إلى الهيكل

عيد تقدمة الرب إلى الهيكل

 

أُطْلبوا الرّبّ مَا دام يوجد، أُدعوه ما دمام قريبا (أشعيا 6:55)

 

أَيُّهَا الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء في الْمَسيحِ يَسوع. نُقيمُ في الثّاني مِن شَهرِ شباط، عِيدَ تَقدمَةِ الرّبِّ إلى الهَيكل. وهوَ العيدُ الّذي نُحْيِيهِ في اليومِ الأربعين لِعيدِ مِيلادِ الرّب. وَفيهِ، رَبُّ الهَيكَل يَدْخُلُ إلى الهَيكل، مَحمُولًا عَلَى ذِراعَيّ وَالِدَيه، مَريمَ ويُوسُف! وَهيَ العادَةُ الّتي لا تزالُ الأمّهاتُ الوالِداتُ يَقُمنَ بها، لَدى دُخولِهنَّ مع أطفالِهنَّ إلى الكَنيسَة، مُؤَدِّياتٍ فِعلَ شُكرٍ وَحَمدٍ للرّبِّ، عَلَى ثمرَةِ الحَشَا الْمُباركَة.

 

وَفي هَذا العيد، تَحضُرني كَلِماتُ الرَّبِّ عَلى لِسَانِ نَبيّهِ مَلاخي، آَخِرِ أَسفَارِ العَهدِ القديم، وَفيها يَقول: ﴿وَيَأتي فَجْأةً إلى هَيكَلِهِ السّيدُ الّذي تَلْتَمِسونَهُ﴾ (ملاخي 1:3). نَعَمْ يَا أَحِبّة، لَقد كانَ هَذان الشَّيخانِ الجَليلان، سِمعانُ وحنّة، يَلْتَمِسانِ الرَّب، وَيَنْتَظِرانِ الفَرجَ والخَلاص، مِنْ خِلالِ عَيشِهِمَا لحياةِ التَّقوَى وَالبَرارَة، وَالصَّومِ وَالصَّلاةِ، حَتّى أَتَى يَومُ الرّبِّ الْمَجيد، فَعَايَنَا مَا كَانَا يَلْتمِسَانِ وَيَرجُوانِ كُلَّ أَيّامِ حَياتِهِما.

 

وَهَذهِ هيَ الأمانَةُ للرّبِّ في أَبْهى وَأَسمى صُوَرِها: كِلاهُما طَعَنَا في السِّنِّ، وَكلاهُما حَافَظا عَلَى إخلاصِهِمَا للرّبِّ حتّى الْمُنتَهى، وَكِلاهُما عَاشَا: ﴿في الرّجاءِ فَرِحين، وَعلى الصّلاةِ مُواظِبين﴾، كَمَا يَقولُ بُولسُ الرَّسول في رِسَالتِهِ إلى أَهلِ رومة (12:12)، مُنْتَظِرَين خَلاصَ الرَّب. وَهَذهِ هي دَعوةُ العيدِ لَنا: أن نَحيا في الأمَانَةِ والتَّقوَى الدَّائِمَةِ للربِّ، تَمامًا كَمَا يَصِفُها زكريّا، وَقدْ طَعنَ هوَ أَيضًا في السّنِّ، فَقَال: ﴿فَنَعبُدَهُ غَيرَ خائِفين، بالتَّقوَى والبِرِّ، طَوالَ أيّامِ حَياتِنا﴾ (لوقا 74:1).

 

هَؤلاءِ الشّيوخُ الإنْجيليّون، يُسَطّرونَ وَيَضرِبونَ لَنا أَروعَ الأمْثِلَةِ في الحِفاظِ عَلَى وَديعةِ الإيمان، وفي الاسْتِقامَةِ والثّقةِ والوَفاءِ للرّبِّ دُونَ حُدود، حَتَّى إذا وَافَانَا يومُهُ، وَجَدَنا عَلَى مِثالِ العَبدِ الأمين، فَيقولُ لُكُلٍّ مِنَّا: ﴿أَحْسَنتَ أيُّهَا العبدُ الصّالِحُ الأمين! كُنتَ أَمينًا عَلى القَليل، فَسَأُقيمُكَ عَلى الكَثير: أُدْخُل نَعيمَ سيّدِك﴾ (متّى 21:25).

 

يا أحبّة، في عيدِ تَقدمَةِ الرّب، وَمع سمعانَ الشّيخ وَحنّةِ النّبيّة، فَلْنذْكُر كَلِمَاتِ بولسَ في رسالتِهِ إلى أهلِ رومة: ﴿فَإذَا حَيِينَا فَلِلربِّ نَحيا، وإذا مُتْنَا فلِلربِّ نَموت: سواءٌ حَيِينا أَمْ مُتْنَا، فَإنّنا للرّب﴾ (رومة 8:14). نَعم نَحنُ للرّب في كُلِّ حين، وَإذا كانَ هوَ اليوم يُقَدَّمُ إلى الهيكل، عَمَلًا بمَا تُوصي بِهِ الشَّريعَة، فَلِكيَ يجعَلَ لَنا مِنْ ذَاتِه شَريعةً، أي قُدْوَةً، نَتَّبِعُها وَنعمَلُ بِها. فَفي فِعلِ تَقدِمتِهِ إلى الهيكل، دَعوةٌ لَنَا أن نُقدِّمَ نحنُ أنفُسَنَا للرّبّ دائِمًا، تقدِمَةً نَقيّةً لا عَيبَ فيها. وإن قُدِّمَ الرّبُّ إلى الهيكل، فَهذِهِ دعوةٌ لِأنْ نَكونَ نحنُ بِدَورِنَا هيكلًا لله، فيِهِ يسْكُنُ وَيُقيم. وَإنْ اسْتَقبَلَهُ شَيخانِ جَليلانِ تَقيَّان، فَهَذِهِ دعوةٌ لِأنْ نَحيَا كُلَّ أيّامِ حَياتِنا، في البِرِّ وَقَدَاسَةِ السِّيرَة، وفي الأمانةِ للرّبِّ حتّى النِّهايَة.

 

وأخيرًا، عَلى مِثالِ سِمعانَ الشيّخ وَحنّةِ النَبيّة، دَعونا نَرجو الرّبَّ بِثِقة، حتّى وَإنْ طالَ يومُ افْتقادِه، عالِمينَ بِأَنّا على مِثال سمعان الشيخ، لَن يَنالَ الْموتُ مِنّا، إلّا وَقَدْ عَايَنَّا خَلاصَ الرّبِّ. ف: ﴿الْتَمِسوا الربَّ مَا دامَ يُوجَد، أُدْعوُهُ مَا دامَ قريبًا﴾ (أشعيا 6:55)