موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٩ ابريل / نيسان ٢٠١٧

ظهور يسوع القائم من الموت على طريق عماوس

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين

ينفرد لوقا الانجيلي في انجيل الأحد الثالث من الزمن الفصحي (لوقا 24: 23-35) في وصف لقاء المسيح القائم مع تلميذي عماوس حيث تراءى لتلميذين ليهديهما بعد ان فقدا الايمان به على أثر عثار موته على الصليب، فاستعادا ايمانهما بفضل تفهم الكتب المقدسة والمشاركة في الافخارستيا. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته. اولا: وقائع النص الانجيلي (لوقا 24: 13-35) 13 وإِذا باثنَينِ مِنهُم كانا ذَاهِبَينِ، في ذلكَ اليَوم نفسِه، إِلى قَريَةٍ اِسْمُها عِمَّاوُس، تَبعُدُ نَحوَ سِتِّينَ غَلوَةٍ مِن أُورَشَليم. تشير عبارة "اثنَينِ" الى قَلاوبا، (لوقا 24: 18) "كيلوباس" اسم يوناني ??????? يرجح أنه اختصار لإسم كليوباترا ????????? ومعناه: مجد الأب. وبحسب التقليد والكتابات التي تركها لنا مؤرخ الكنيسة القديس اوسابيوس القيصري، فإن قلاوبا كان أخاً للقديس يوسف، خطيب مريم العذراء. اما التلميذ الآخر فقد اختلف الدارسون حول هويته، فالبعض رأى فيه سمعان ابنه الذي أصبح أحد اساقفة اورشليم بحسب التقليد. ويصفه اوسابيوس القيصري بأنه "إبن عمّ الربّ". واما العلامة أوريجانوس والقديس كيرلس الكبير فالشخص الثاني هو "سمعان" من السبعين رسولًا، وآخرون يرون فيه شخص لوقا الإنجيلي نفس هولا يذكر اسمه تواضعًا. أنه لم يكن من قبيل الصدفة لم يذكر اسم أحد التلميذيْن لكي يكون كل واحد منا هو التلميذ الآخر. نحن "التلميذ الآخر" في كل مرة نلتقي بيسوع في الكتاب المقدس او في الافخارستيا. اما عبارة "في ذلكَ اليَوم نفسِه" فتشير الى يوم الاحد، يوم أحد القيامة الذي يتكرر في كل أحد، وكان ذلك نحو الغروب حيث قارب النهار أن يميل (لوقا 24: 21). وتحتل كلمة "اليوم" مكانة مرموقة في انجيل لوقا، يقرأ لوقا الكتاب المقدس في بُعده الحاضر، وبالتالي طريقة تأوينه للأحداث. قراءة الكتاب المقدس في الايمان هي ان نسمع الله يقول لنا "اليوم" ليس الله في الماضي او في المستقبل، هو اليوم يدعونا. اما عبارة "عِمَّاوُس" فهو اسم عبري ????????? معناه الينابيع الحارة وتشير الى موطن التلميذين، وهي قرية عمواس اللطرون، وسنة 30 بعد المسيح، دَمّر الرومان مدينة عمواس وأصبحت قرية صغيرة حيث التقى يسوع بتلميذَيه، وقد أعاد الرومانيون بناء هذه المدينة في القرن الثالث ميلادي أي نحو عام 223م، أصبح اسم هذه "نيكوبوليس" ????????? أي "مدينة النّصر" حيث عاشت وازدهرت جماعة مسيحية كبيرة. وهي تقع على بُعد نحو 30كم ما يعادل غلوة 160 شمال الغربي من اورشليم، ويقول البعض الآخر انها قرية عمواس القبيبة التي تقع على نحو 11كم ما يعادل 60 غلوة غرب اورشليم؛ وفي السنوات العشر الأخيرة عزلت قرية عمواس القبيبة عن القدس عن طريق الجدار والحواجز، واسم القبيبة يعني القبة الصغيرة التي يعود تقليد ارتباطها بعمواس الانجيلية زمن الصليبيين عام 1280. اما عبارة "سِتِّينَ غَلوَةٍ" بحسب بعض المخطوطات / ومئة وستين غلوة في بعض المخطوطات الاخرى. حيث ان الغلوة مقياس يوناني الأصل ???????، ويبلغ 184 مترا او 145 خطوة. والغلوة عند العرب رمية سهم أبعد ما يقدر عليه (274-365 متر)، وجمعه "غلوات" أو "غلاء". 14 وكانا يَتحدَّثانِ بِجَميعِ هذِه الأُمورِ الَّتي جَرَت. 15 وبَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخذَ يَسيرُ معَهما، تشير عبارة "جَميعِ هذِه الأُمورِ الَّتي جَرَت" الى احداث مأسوية منها اعتقال يسوع في بستان الجسمانية، موت معلمهم على الصليب، وانتحار يهوذا أحد رسله وحيرة القيامة التي أثارتها النسوة والتي لم تكن في الحسبان ولم تخطر في بالهم. اما عبارة “يَتَجادَلان" في اللغة يونانية ???????? فتشير الى المناقشة الحادة حيث أنَّ أحدهم يطرح قضية والآخر يعارضه ولا يتفق معه. اما عبارة "دَنا" الفعل اليوناني ??????? فيشير الى يسوع المسيح يأتي الرب يقترب منك ويلمس حياتك، ويتحد بك ويتواصل معك ليس فقط روحياً بل جسدياً أيضاً. اما عبارة "يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما" فتذكر ما ورد في انجيل مرقس "تراءَى بَعدَ ذلكَ بهَيئَةٍ أُخرى لاثنَينِ مِنْهُم كانا في الطَّريق، ذاهِبَينِ إِلى الرِّيف" (مرقس 16: 12). واما عبارة " وأَخذَ يَسيرُ معَهما " فتشير الى ظهور يسوع القائم لهما والانضمام في مسيرتهما والاهتمام بالقلق الشديد الذي يساورهما والشك وخيبة الآمل. 16 على أَنَّ أَعيُنَهُما حُجِبَت عن مَعرِفَتِه. تشير عبارة "حُجِبَت عن مَعرِفَتِه" الى عدم استطاعة تلميذي عمواس ان يعرفا يسوع كما حدث مع مريم المجدلية (يوحنا 20: 14)، والتلاميذ على شاطئ البحيرة (يوحنا 21: 4)؛ لان يسوع "تَراءَى لهما َ بهَيئَةٍ أُخرى" كما روى انجيل مرقس (مرقس 16: 12)، وربما كان هذا سبباً لعجزهما عن معرفته ضعف إيمانهما او عدم ادراكهما الكتب المقدسة التي تتكلم عن قيامة الرب. ولم تفتح اعينهما الاّ بعد ان أدخلهما عن طريق الكتب المقدسة في سر موته وقيامته. مسيرة يسوع مع هذين التلميذين تشبه مسيرته مع كل المؤمنين. يعلق القديس أوغسطينوس" فعندما اقترب الرب من الرسولين لم يكن لهما الإيمان. لم يصدقا أنه قام، أو أنه يمكن لأحد أن يقوم. لقد فقدا الإِيمان ولم يعد لهما رجاء. كانا يمشيان معه في الطريق. موتى مع الحيّ، أمواتٌ مع الحياة. كانت "الحياة" تمشى معهما، غير أن قلبيهما لم يكونا ينبضان بالحياة". كثير من المرات نسير والرب يسير إلى جانبنا ولكننا لا نعرفه ولا نراه. 17 فقالَ لَهما: ما هذا الكَلامُ الَّذي يَدورُ بَينَكُما وأَنتُما سائِران؟ فوَقفا مُكتَئِبَين. تشير عبارة "ما هذا الكَلامُ الَّذي يَدورُ بَينَكُما وأَنتُما سائِران؟" الى أسلوب حوار عن طريق طرح الأسئلة مما ساعد تلميذي عماوس على التعبير والتنفيس عن حزنهما وكآبتهما وخيبة املهما وتوضيح ما يجول في داخلهما من افكار وآراء. اما عبارة "مُكتَئِبَين" ?????????، فتشير الى عوامل اليأس والفشل والإخفاق والقلق من مأساة معلمهم الذي أحبّاه، وموته الذي طواه، وقبره الذي احتواه، واستهزاء أعداؤه به. فقد التلميذان مغزى أعظم حدث في التاريخ، لانهما كانا يركزان على الاحباطات والمشاكل المحيطة. فابتعدا عن شركة الرسل في اورشليم. فرجعا الى قريتهم اوهما يعانيان من الإحباط والحزن. ويعلق القديس أبوللو "لماذا نجاهد ووجوهنا كئيبة عابسة؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية؟ اتركوا للخطأة، أما الأبرار والقديسون فحري بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات". 18 وأَجابَه أَحَدهُما واسمُه قَلاوبا: أَأَنتَ وَحدَكَ نازِلٌ في أُورَشَليم ولا تَعلَمُ الأُمورَ الَّتي جرَتَ فيها هذهِ الأَيَّام؟ تشير عبارة "نازِلٌ" ????????? الى شخص مقيم الى حين وبالتالي غريب من حجاج القادمين الى اورشليم من أجل المشاركة في احتفال عيد الفصح، لا يعرف ما حدث في المدينة المقدسة. فالغريب المنعزل هو وحده الذي يمكن ان يفوته سماع ما كانت اورشليم كلها تتحدث عنه. 19 فقالَ لَهما: ما هي؟ قالا له: ما يَختَصُّ بِيَسوعَ النَّاصِريّ، وكانَ نَبِيّاً مُقتَدِراً على العَمَلِ والقولِ عِندَ اللهِ والشَّعبِ كُلِّه، تشير عبارة "النَّاصِريّ" الى الجليلي كما صرّحت جارية قيافا رئيس الكهنة لبطرس "أَنتَ أَيضاً كُنتَ مع يسوعَ الجَليليّ" (متى 26: 69). فبحسب لوقا الإنجيلي، " أَتى يسوع النَّاصِرَةَ حَيثُ نَشَأَ (لوقا 4: 16) ودُعي بيسوع الناصري؛ اما عبارة "نَبِيّاً" فتشير الى رؤية التلميذين أن يسوع هو ذاك النبي الذي أخبر عنه موسى (تثنية الاشتراع، وشهد له تقليد الاناجيل (متى 21: 11 ومرقس 6: 15، ولوقا 7: 16و 39)، وترى الجماعة المسيحية الأولى في يسوع أنه النبي كما جاء في عظة بطري الرسول "سيُقيمُ لكُمُ الرَّبُّ إِلهُكم مِن بَين إِخوَتِكم نَبِيًّا مِثْلي، فإِلَيه أَصْغوا في جَميعِ ما يَقولُ لَكُم" (اعمال الرسل 3: 22). والرغم من أن يسوع كان نبياً "مُقتَدِراً على العَمَلِ والقولِ، إلا أنه لم ينجو من الموت. 20 كَيفَ أَسلَمَه عُظَماءُ كَهَنَتِنا ورُؤَساؤُنا لِيُحكَمَ علَيهِ بِالمَوت، وكَيف صَلَبوه. 21 وكُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل ومعَ ذلكَ كُلِّه فهذا هوَ اليَومُ الثَّالِثُ مُذ جَرَت تِلكَ الأُمور. تشير عبارة "كُنَّا نَحنُ نَرجو" الى خيبة امل التلميذين بعد ان حكمت السلطات اليهودية على يسوع بالصلبَ والموت وبالرغم من أن يسوع قد كان نبياً قوياً "في الفعل والقول"، وان الله لم يتدخّل بعد ان مرّت ثلاث أيام على موته. وعليه فقدَ التلميذان مغزى أعظم حدث في التاريخ، فقدا كل رجاء ولم يفهما ان موت يسوع قدّم لهما أعظم رجاء، وأخذ الياس يتسرّب إليهما. اما عبارة "هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل" فتشير الى ان يسوع في رأيهما نبيٌ وقائدٌ سياسيٌ وعسكري وهو الذي سيجلس على عرش داود ابيه الى الابد كما كان يعتقد معظم اليهود، ولم يدركا ان المسيح قد جاء ليخلِّص نفوس البشر، فلذلك عندما مات يسوع فقدوا كل رجاء. لاحظ التلميذين ما لاحظوا الجميع لكنهما لم يملكا بعد النظرة الايمانية الثاقبة، التي تذهب ما وراء الملاحظ بالعين المجردة. 22 غيرَ أَنَّ نِسوَةً مِنَّا قد حَيَّرنَنا، فإِنَّهُنَّ بَكَرنَ إِلى القَبْرِ تشير عبارة "نِسوَةً مِنَّا" الى مَريَمُ المِجدَلِيَّة وحَنَّة ومَريَمُ أُمُّ يَعقوب، وسائِرُ النِّسوَةِ اللَّواتي مَعَهُنَّ أَخبَرنَ الرُّسُلَ بِتِلكَ الأُمور" (لوقا 24: 10)؛ امَّا عبارة "حَيَّرنَنا" فتشير الى الشك الذي ساور التلميذين والاضطراب الذي استولى عليهما ولم تخطر القيامة على بالهما، فخاب املهما. ويعلق القديس كيرلس الكبير" أن الأخبار التي نقلتها النسوة لم تكن كافية أن يؤمنا بالقيامة، بل كانت موضوع دهشة وحيرة، لأنها تحمل أنباء القبر الفارغ وشهادة الملائكة. ولا حتى الأخبار التي نقلها بطرس كانت كافية، لأنه لم يرَ سوى القبر الفارغ والأكفان، كما قال التلميذان: "وأما هو فلم يروه". 23 فلَم يَجِدنَ جُثمانَه فرَجَعنَ وقُلنَ إِنَّهُنَّ أَبْصَرْنَ في رُؤيةٍ مَلائكةً قالوا إِنَّه حَيّ. تشير عبارة "جُثمانَه" الى جسده الميِّت. أما عبارة "قُلنَ إِنَّهُنَّ أَبْصَرْنَ" فتشير ان النساء سبقن الرسل إلى القبر ونالا كرامة الكرازة بين الرسل بالقيامة؛ اما عبارة "مَلائكةً" في العبرية ???????? واليونانية ???????, ومعناه رسول فتشير الى مخلوقات سماوية أنشأها الله من نورٌّ؛ اما عبارة "حَيّ" فتشير الى لقب الله. فهذا القول دليل على لاهوته. 24 فذهَبَ بَعضُ أَصحابِنا إِلى القَبْر، فوَجَدوا الحالَ على ما قالَتِ النِّسوَة. أَمَّا هو فلَم يَرَوه. تشير عبارة "أَصحابِنا" الى بطرس ويوحنا ويعلق القديس كيرلس الكبير "لا حتى الأخبار التي نقلها بطرس كانت كافية للإيمان بالقيامة لأنه لم يرَ سوى القبر الفارغ والأكفان، كما قال التلميذان بطرس ويوحنا: "وأما هو فلم يروه". لقد افسح يسوع المجال لتلميذي عموا س ليعبرا عما يشغل بالهما. ولم يؤمنا بالرغم من شهادة الرسل والنسوة. وما زالت قيامة الرب برغم الفي عام من البرهان والشهادة ما زال البعض يرفضون ان يؤمنوا بها. 25 فقالَ لَهما: يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء. تشير عبارة "يا قَليلَيِ الفَهمِ" الى سبب عدم إيمانهما كما صرّح يوحنا الإنجيلي "بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" (يوحنا 20: 9). اما عبارة "بطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ" فتشير الى توبيخ التلميذين لقلة فهمهما وإيمانهما إذ قالا عنه إنسانًا نبيًا، ونسيا أنه ابن الله، قالا عنه انه قد صُلب لكنهما شكّا في خبر قيامته، وتوقعا منه فداء زمنيا أي الخلاص من الرومان ولم يفهما انه قدّم نفسه فداء عن الخطايا لخلاص النفوس. فقلة أيمانهما جعلت أَعيُنَهُما تحجب عن مَعرِفَتِه (لوقا 24: 16). وموضوع قلة إيمان التلاميذ كثيرا ما تناوله مرقس الإنجيلي (6: 52، 7: 18، و8: 17-18 و21 و9: 19 و10: 38). اما عبارة "بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء" فتشير الى اقوال الأنبياء عن يسوع المسيح انه ابن الله، وانه يقوم من بين الأموات وانه الفادي والمخلص من الخطايا. 26 أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟ تشير عبارة "يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام" الى انباء الالام الذي ذكرها لوقا ثلاثة مرات في إنجيليه (لوقا 12: 50 و13: 32-33 و17: 25) مما يدلُّ على الأهمية التي يوليها لسر الالام. لكن التلاميذ لم يفهموا هذا الانباء، لأنه يتناقض بين منزل "المسيح الملك المنتظر ومذلة الصليب "عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين" (1 قورنتس 1: 23). 27 فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه. تشير عبارة "مُوسى" الى أسفار الشريعة الخمسة المعروفة بالتوراة، وهي تمهيد لمجيء المسيح، وأما عبارة "جميع الأَنبِياء" فتشير الى الأنبياء الأربعة الكبار، وهم اشعيا وارميا وحزقيال ودانيال واثني عشر نبي من الأنبياء الصغار. ورسالة الأنبياء هي إعداد الناس لقبول الإيمان لان نبواتهم جاءت تمهيدًا لمجيئه. فموسى والانبياء يشهدون لهُ. أما عبارة "يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه" فتشير الى تصفّح يسوع اسفار الأنبياء سفرا سفراً شارحا الفقرات التي تتنبأ عن المسيح في الأمور المختصة به. فكتب الشريعة والانبياء هي جوهر الكتب المقدسة (لوقا 16: 16). وتُقرأ في طقوس المجمع (أعمال الرسل 13: 15). اخذ يسوع يفسّر لهما حدث القيامة بالرجوع الى الكتب المقدسة فامنوا بالمسيح القائم لانهما فهما الكتب. وفي كل قداس نقوم على خطى المسيح نبدأ بالقراءة الأولى من العهد القديم، ثم المزمور والرسالة فالعظة. 28 ولمَّا قَرُبوا مِنَ القَريَةِ الَّتي يَقصِدانِها، تظاهَرَ أَنَّه ماضٍ إِلى مَكانٍ أَبَعد. تشير عبارة "تظاهَرَ أَنَّه ماضٍ إِلى مَكانٍ أَبَعد" الى ان يسوع لا يفرض نفسه على أحد فهو يريد ان يكون معنا، لكن علينا ان أن نطلبه، كما حدث مع التلاميذ يوم العاصفة (مرقس 48:6)، ويعلق البابا غريغوريوس الكبير"إنهما كانا لا يزالا غريبين في الإيمان فتظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد". 29 فأَلَحَّا علَيه قالا: أُمكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار. فدَخَلَ لِيَمكُثَ معَهما. عبارة "أَلَحَّا علَيه" ???????????? ومعناه تمسكا به تشير الى عادة الضيافة الفلسطينية (لوقا 14: 23)، ولقد حمل هذا الالحاح كثيرا من المفسّرين على الاعتقاد ان المسافرين وصلا الى بيتهما فدعيا يسوع كضيف من الضيوف. ويعلق القديس أوغسطينوس "إن كنت تريد الحياة تشبَّه بتلميذي عمواس حتى تتعرف على الرب. لقد ألحا عليه بالدعوة، وتظاهر هو كأنه ينوي مواصلة الطريق. أما العبارة فتشير الى التمسك بيسوع وعدم الافتراق عنه حيث أصبح يسوع لهما ليس شخصا غريبا إنما شخصاً مقبولاً، مرحباً به وضيفا عزيزاً بل واحد من اهل البيت. أنه ليس فقط يسوع الناصري التاريخي، انما هو أيضا يسوع الايمان. أمَّا عبارة "دَخَلَ لِيَمكُثَ معَهما" فتشير الى قول يسوع المسيح "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي" (رؤية 3: 22). فمن خلال "خبز الحياة"، يحقّق الرّب يسوع المسيح وعدَه بأن يبقى معنا كما قال "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20). 30 ولمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. تشير عبارة "اِلطَّعام" الى إثبات أنه قام بجسده، وأنه ليس روحًا كما يظنون، الجسد المُمجَّد لا يحتاج لأكل فهو لا يجوع ولا يعطش، إنما الطعام ليثبت قيامته. اما عبارة "بارَكَ" فتشير الى كلمات الشكر والبركة التي تلفظها السيد المسيح مساء الخميس في العشاء الاخير (لوقا 22: 19). اما عبارة "كسَرَهُ" فتشير الى كسر الخبز من اجل توزيع الطعام. هذا ما عمله يسوع في العشاء الأخير (لوقا 22: 19) دلالة على حضور يسوع الحقيقي. فكسر الخبز مكّن تلميذي عماوس من لقائه ومعرفته، وبوساطة الافخارستيا نستحيل الى جسد المسيح "أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟" (1قورنتس 10: 16)؛ اما عبارة " وناوَلَهما " فتشير الى الألفاظ الافخارستيا في العشاء الأخير "أَخَذَ خُبْزاً وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هذا لِذِكْري" (لوقا 22: 19). 31 فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه فغابَ عنهُما. تشير عبارة "انفَتَحَت أَعيُنُهما" الى ان التناول يعطى الانفتاح للعيون. ويُعلق الأب ثيؤفلاكتيوس "تُفتح أعين الذين يتقبلون الخبز المقدس لكي يعرفوا المسيح، لأن جسد الرب يحمل فيه قوته العظيمة غير المنطوق بها"؛ اما عبارة "غابَ عنهُما" ??????? ??????? فتشير الى ان المسيح صار غير منظور وهكذا اختفى عن بصرهما؛ مما يشير الى إن جسد القيامة لم يكن خاضعا لنواميس العالم الطبيعي. انه يعيش على صعيد آخر من الكيان. وبهذا نفهم أن شكوكهما كانت تنقشع رويدًا رويدًا على إثر البراهين التي يُظهرها لهما المسيح. 32 فقالَ أَحَدُهما لِلآخَر: أَما كانَ قلبُنا مُتَّقِداً في صَدرِنا، حينَ كان يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لنا الكُتُب؟ تشير عبارة "في الطَّريق" الى أهمية الطريق في هذه الرواية، في الطريق ظهر لهما، وحدثهما عن قيامته، وسار معهما على الطريق، وهو على الطريق حي معهما، وهما معه بلا رجاء. ان المسيح هو الذي يلقانا على كل طريق، قبل ان نلقاه. والطريق هي مسيرة الله منذ الخلق واستمرت مع مسيرة المسيح مع كنيسته. اما عبارة "مُتَّقِداً" فتشير الى نار الرُّوح القدس الذي يُحدث التغيّرات كلّها بواسطة فم مَن هو الحق نفسه يسوع المسيح. فعندما نستمع إلى كلمة يسوع، تتحوّل فينا كلمته إلى شعلة داخليّة عذبة توقدنا فيتقد قلبنا فرحا كبيرا. 33 وقاما في تِلكَ السَّاعَةِ نَفْسِها ورَجَعا إِلى أُورَشَليم، فوَجَدا الأَحَدَ عشَرَ والَّذينَ مَعَهم مُجتَمِعين. تشير عبارة "قاما" الى قوة القيامة التي اكتسباها في اتصالهما مع يسوع القائم؛ أما عبارة "رَجَعا إِلى أُورَشَليم" فتشير الى ان الله حوّل اتجاههم، فبعد أن كانا متجهين إلى عمواس معطين ظهورهما لأورشليم، برجوعهما أعطيا ظهورهما لعمواس واتجها بوجهما وقلبهما وفكرهما نحو أورشليم. وهكذا شفاهما المسيح من ارتدادهم (هوشع 4:14). وقد تركا أورشليم ربما خوفًا من اضطهاد اليهود أو ربما ظنا أن قصة المسيح قد انتهت بموته فعادا لعملهما وبلدتهما. ان تلميذي عمواس سارا بصحبة يسوع على طريق الايمان، وبعدما كانا مكتئبين فاقدي الرجاء تحوَّل حزنهما الى فرح وأخذا يبشران بالمسيح القائم. 34 وكانوا يَقولون إِنَّ الرَّبَّ قامَ حَقاً وتَراءَى لِسِمْعان. تشير عبارة "تَراءَى لِسِمْعان" الى ما ورد في لائحة الظهورات في بولس الرسول كأول ظهور للمسيح للرسل “أَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاْثَني عَشَر" (1 قورنتس 15: 5). وهذا الظهور لم تذكره الأناجيل، لكن أكده بولس الرسول. اما عبارة "سمعان" فهو اسم عبري ????????? معناه مستمع ويدل على سمعان بطرس، الذي حين تبع يسوع سُمِّي "كيفا وهي كلمة آرامية ?????? معناها صخرة، يقابلها في العربية صفا أي صخرة وقد سماه المسيح بهذا الاسم "َأنتَ سِمْعانُ بنُ يونا، وسَتُدعَى كِيفا، أَي صَخراً" (يوحنا 1: 42). والصخرة باليونانية ????? ومنها بطرس ?????? (متى 16: 18). 35 فرَوَيا ما حَدَثَ في الطَّريق، وكَيفَ عَرَفاه عِندَ كَسْرِ الخُبْز. تشير عبارة "رَوَيا ما حَدَثَ في الطَّريق" الى مشاركة الآخرين الى معرفة يسوع حيث إن والتبشير باسمه كما صرح بولس الرسول "والوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر!" (1 قورنتس 9: 16). لم يستطيع التلميذان أن يحتفظا بالفرح الذي غمر قلوبهما لوحدهما ولا يمكن السكوت عنه، لأنّ المحبّ يرغب جداً في أن يجعل من يُحبّه محبوباً؛ اما عبارة "عِندَ" في اليونانية ?? بمعنى بفضل كَسْرِ الخُبْز؛ اما عبارة "كَسْرِ الخُبْز" فتشير الى الافخارستيا وهي ذكرى ذبيحة يسوع على الصليب. فالخبز الذي كسره لتلميذي عمواس هو سر شركة والفة واتصال، فعندما تناول التلميذين جسد الرب عرفا يسوع الرب القائم. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 24: 13-35) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (لوقا 24: 13-35)، يمكن ان نستنتج ثلاثة عناصر: مفهوم ظهور المسيح القائم على الطريق، والايمان به من خلال الكتاب المقدس ومعرفته من خلال الافخارستيا. 1) ظهور المسيح القائم على طريق عماوس يروي لوقا الإنجيلي ظهور المسيح القائم على طريق عماوس "بَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخذَ يَسيرُ معَهما (لوقا 24: 15). ظهر يسوع القائم من الموت لتلميذين على طريق عمواس. والظهور وسيلة من وسائل التعبير عن وحي الله، التي بواسطتها تصبح الكائنات غير المنظورة بطبعها حاضرة بشكل منظور. وإن أقدم قائمة لظهورات يسوع القائم من بين الاموات يقدّمها لنا القديس بولس في سنة 55، انطلاقاً من تقليد كان قد تسلّمه قبل ذلك. "وأَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاْثَني عَشَر، ثُمَّ تَراءَى لأَكثَرَ مِن خَمْسِمِائَةِ أَخٍ معًا لا يَزالُ مُعظَمُهُم حَيّاً وبَعضُهُم ماتوا، 7 ثُمَّ تَراءَى لِيَعْقوب، ثُمَّ لِجَميعِ الرُّسُل، حتَّى تَراءَى آخِرَ الأَمرِ لي أَيضًا أَنا السِّقْط" (1 قورنتس 15: 5-8). وتندرج ظهور يسوع لتلميذي عماوس الى الظهورات الخاصة التي تدور روايتها حول التعرّف على شخص المسيح. أضاء يسوع لتلميذي عماوس طريقهما فآمنا به المسيح الحي لقائم عن طرق الكتاب المقدس ثم عرفاه عن طريق الافخارستيا وأصبحا شاهدين لقيامته المجيدة. 2) لقاء يسوع القائم والايمان به عن طريق الكتب المقدسة (لوقا 24: 25-27) آمن تلميذا عمواس بيسوع القائم عن طريق تفسير يسوع لهم الكتب المقدسة كما صرَّح "أَحَدُهما لِلآخَر: أَما كانَ قلبُنا مُتَّقِداً في صَدرِنا، حينَ كان يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لنا الكُتُب؟" (لوقا 24: 32). وتوحي دراسة المفردات بحسب الكتاب المقدس بأن للإيمان قطبين، القطب الأول: ???????? في العبرية ?????? في اليونانية ?????? أي الثقة التي تتجه نحو شخص وتلزم الإنسان بكليته، والقطب الثاني ?????? أي مسعى العقل الذي تتيح له كلمة أو بعض العلامات، بلوغ حقائق لا يعاينها (عبرانيين 11: 1). أخذ يسوع بأسلوبه التربوي في الوعظ، يفسّر للتلميذين الكتب المقدسة. بدأ يدنو منهما ويسأل عن حالتهما بالرغم من عدم تعرّفهما عليه. وتظاهر بأنه يجهل ما جرى في أورشليم، ليعطيهما مجالاً أكبر للتعبير، ثم اخذ يفسّر لهما حدث القيامة بالرجوع الى الكتب المقدسة "بما يَختَصُّ بِه، بداية من نسل المرأة الموعود في سفر التكوين (التكوين 3: 12) مروراً بالعبد المتألم في سفر اشعيا (اشعيا 53) ثم الانسان المطعون في سفر النبي زكريا (زكريا 9: 13)، فالسيد الموعود به في سفر ملاخي (ملاخي 3) شارحا كل ما يدور حول آلام المسيح وقيامته. "أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه" (لوقا 24: 26). وبيَّن لهما ان موته لم يكن مكرها او صدفة، لكنه كان بحسب مخطط الله الآب ومشيئته. فما تحقق في شخص يسوع المسيح، اعدّه الله منذ الازل، وبدأه في تاريخ. فخير وسيلة للإيمان في يسوع هي مراجعة الكتب المقدسة بعمق وحرارة والاستماع الى كلمة الله. العهد القديم يوضح العهد الجديد، وتوصلنا التوراة الى الانجيل. تمكن يسوع ان يفتح أذهان تلميذي عماوس ليفهما الكتب مُبيِّنا لهما انَّ من مات صلبا هو المسيح الملك المنتظر القائم من الأموات. انتقل تلميذي عمواس من الشك الى نور الايمان. ومن الرفض الى القبول ومن خيبة الامل الى الرجاء ومن اليأس الى الفرح مبشرين بالمسيح القائم الى اخوتهم في اورشليم. فلكي نستطيع ان نلتقي المسيح القائم من بين الأموات، لا بد من ان تضطرم قلوبنا في قراءتنا الكتاب المقدس وان نعيد قراءته مراراً وتكرارا. ويعلق القديس ايرونيموس "إم في عدم فهم الكتب المقدسة عدم فهم المسيح". فاللقاء الشخصي بالقائم من بين الأموات من خلال الكتب المقدسة من شانه وحده ان يوّلد الايمان به. 3) للقاء يسوع القائم ومعرفته عن طريق الافخارستيا (لوقا 24: 28-32) إذا كانت الوسيلة الأولى للقاء المسيح هو فهم الكتاب المقدس للأيمان به، فان الوسيلة الثانية هي الافخارستيا كي نعرفه معرفة وجودية. عرف التلميذان يسوع عند كسر الخبز في الافخارستيا (لوقا 24: 28-32). والافخارستيا هي مشاركة يسوع في كسر الخبز: "لمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما". استعمل يسوع الفاظا افخارستيا ليُفهم تلميذي عماوس بان "كسر الخبز يمكنهما من اللقاء بالمسيح القائم من بين الاموات. فكسر الخبز كانت علامة لحضوره الحي في وسطهم. "فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه". أن المسيح الربّ حاضر بشكل حقيقيّ في الافخارستيا، بجسده ودمه ونفسه ولاهوته، ولكنّنا لا نراه سوى بعيون الإيمان. نستنتج مما ورد ان معرفة شخص يسوع المسيح ليس مجرد العلم، بل الدخول في علاقات شخصية وجودية معه من خلال الافخارستيا. إذ أخذ يسوع خبزاً، بارك، كسر وأعطاهما. هذه المشاركة ترمز فعلاً الى العشاء الأخير، وهذا ما رفع غشاوة الجهل وقلّة الايمان عن عيونهما فعرفا المسيح القائم في علامة الشراكة. تعني كلمة "إفخارستيا" مبدئياً عرفان الجميل والامتنان، وبالتالي إبداء الشكر. واما في المفهوم المسيحي فالافخارستيا تدل على العمل الذي أسَّسه يسوع عشية موته بتقديم نفسه على الصليب "أَخَذَ خُبْزاً وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكأسِ بَعدَ العَشاءِ فقال: هذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم" (لوقا 22: 19-20). ان كسر الخبز يصبح أفخارستيا عندما نستعيد كلمات السيد المسيح وافعاله، طلبا للاشتراك في حضوره السري في صورة الخبز والخمر كما يؤكّده بولس الرسول "فإِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم، وهو أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أسلِمَ فيها أخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم. اِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري. (1 قورنتس 11: 25-26). إن الافخارستيا سرّ ذبيحة المسيح، سرّ المحبة، سر الوحدةْ في جسد المسيحْ. انها سر الأكثر فاعلية والتي تجسد حضور المسيح القائم. أنها سر الايمان العظيم، ومحور العبادة المسيحية. إن الافخارستيا "تذكار" ينطوي على استحضارٍ أعظم عجائب الله، وهي تضحية ابنه المبذولة لاستعادة الخلاص للبشر. إنها أعجوبة محبة يشترك المؤمنون فيها باتحادهم بالشركةْ في جسد الرب، وبه يتحدون مع جميع أعضائه "أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟ فلمَّا كانَ هُناكَ خُبزٌ واحِد، فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِد، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبْزِ الواحِد (1 قورنتس 10: 16-17). وفي الواقع، إن هذه الرموز تكمُل في يسوع، فهو "خبز الحياة"، أولاً بكلمته التي تفتتح الحياة الأبدية لمن يؤمنون "أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَداً" (يوحنا 6: 36)، ثم بجسدهْ ودمه اللذين أُعطيا طعاماً وشراباً للمؤمنين "لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ 56 مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه. (يوحنا 6: 55 -56). ففي كل مرة يعيد المسيحيون الافخارستيا (القداس الإلهي)، يُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أن يَأتيهم كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِنَّكُمَ كُلَّمَا أَكَلتُم هَذا الخُبْز وشَرِبتُم هذِه الكَأس تُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أن يَأتي" (1 قورنتس 11: 26)، بمعنى أنهم بالإيمان يتذكرون عمله الخلاصي، أو لعلهم بالأحرى يستعيدونه ليتذكره الرب "صَعِدَت ذِكْراً عِندَ اللّه" (أعمال 10: 4 و31)، كتقدمة متجددة باستمرار تستدعي نعمته. وتزوِّد الافخارستيا المؤمن، بالاتصال الحسي مع المسيح القائم من بين الأموات (يوحنا 6: 63)، فالخبز والخمر التي تقوم عليها الافخارستيا يكون المسيح المائت ثم القائم من الموت، حاضراً حضوراً حقيقياً وبواسطتها نشترك في جسد المسيح كما جاء في تعليم بولس الرسول "لَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟" (1 قورنتس 10: 16). ويعلق البابا القديس لاون الكبير "ما ينجمُ عن المشاركةِ في جسدِ المسيحِ ودمِه هو أنّنا نتحوّلُ إلى ما نأخذُه ونتغذّى به. فنحملُه في كلِّ شيءٍ وفي كلِّ مكانٍ، في روحِنا وفي جسدِنا، وهو الذي مُتْنا ودُفِنَّا وقُمْنا معه." ومن أجل ذلك فإن القداس ذَبيحة، مطابقة لذبيحة الصليب التاريخية، بواسطة تقدمة محبة المسيح الكاملة التي تنشئ ذبيحة القداس، مع الاختلاف فقط من حيث الظروف العارضة في الزمان والمكان التي تتجدد فيها الذبيحة. وأخيرا معرفة يسوع لا تتم في آخر المطاف الا في "كسر الخبز". فلا يقتصر الإيمان على إتباع يسوع كنَبيّ ضحى بنفسه، بل إنه يتضمن أن نحيا بحياة الربّ، الذي قام ويقيمنا، وهو الذي نلقاه في الإفخارستية. فالإفخارستيا أي ذبيحة يسوع على الصليب تفتح الطريق الى السماء (عبرانيين 9: 24)، ولم يعد هذا الطريق بعد ذلك الشريعة بل شخصا وهو يسوع المسيح نفسه (يوحنا 14: 6). ولهذا كان الرب يسوع نفسه يقول" إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة. مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة" (يوحنا 6: 53-54). ويعلق البابا يوحنا بولس الثاني "المسافر الإلهي يسوع المسيح القائم من بين الأموات، يرافقنا في طرق حياتنا المليئة بالأحزان والقلق وجميع أنواع الصعوبات والمشاكل والإحباطات، ويفسّر لنا الكتب المقدسة في ضوء سرّ الله" ويهبنا جسده ودمه حياة لنفوسنا من خلال سر الافخارستيا والقربان المقدس. قبل ان رأى تلميذي عمواس يسوع القائم من الموت وقبل ان سمعاه وشاركاه كسر الخبز كانا في حالة ذريعة من الكأبة والياس (لوقا 17-21)، اما عندما رأياه وسمعاه وشاركاه كسر الخبز حدث تغير عجيب في حياتهما فتحولا من الياس الى الرجاء ومن الحزن الى الفرح ومن الخوف إلى الثقة والاطمئنان، وانطلقا يناديان بالمسح المصلوب والقائم، وأصبح التلميذان رسولين. ذهبا الى اورشليم كي يشهدا لإخوتهما بأنّ المسيح الرب قد قام ويحتفلان بإيمانهما مع اخوتهم (لوقا 24: 33-35). فعندما نؤمن بيسوع ونعرفه في الافخارستيا لا نستطيع ان نظل متسمّرين في مكاننا، بل يتوجب علينا ان نسرع في حمل الرسالة الى جميع اخوتنا. الخلاصة يكشف لنا الانجيل المقدس حضور يسوع الحي مع تلميذي عمواس، لكي يكشف عن نفسه ويشجعهما في الشدة، ويُبرز المعنى العميق لموته. بدا الكشف بشكل احتفال ديني: قراءة الكتب المقدسة ثم العشاء وكسر الخبز، وبهذا نقل يسوع تلاميذه من شك الصليب (لوقا 24: 18-21) الى الايمان به بواسطة تفسير الكتاب المقدس وكسر الخبز (لوقا 24: 27-31). كسر الخبز او القداس الإلهي الذي ما زال المؤمنون يمارسونه، يبقى العلامة لحضوره في وسطهم. ويظن الكثيرون أن الذين عرفوا الخلاص كانوا هم من بحث عن الله. والحقيقة هي أن الله هو الذي كان يبحث عنهم ويريد أن يُظهر ذاته لهم كما فعل مع تلميذي عمواس. لقد اختار الله في محبته ونعمته أن يكون المسيح هو الطريق الوحيد إليه. لذلك قال ربنا يسوع "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي" (يوحنا 6:14). فالسؤال التي يطرح فلماذا لا نتبع يسوع؟ دعاء يا ربنا يسوع المسيح القائم من الموت، الذي ظهرت لتلميذي عمواس، تعالى وسر معنا في طريق حياتنا وافتح قلبنا إلى فهم الكتب، فيزداد إيماننا بك ربا والها، تعال وكشف لنا عن ذاته في كسر الخبز القداس الإلهي فتنفتح عيوننا بحضورك الحي، بجسدك ودمك وروحك ولاهوتك، في سرّ القربان الأقدس وتزداد معرفتنا بك أنك إلهٌ قريبٌ منا ويسير معنا في طريق حياتنا فتتقد قلوبنا فرحا ونسبح اسمك العلي ونشهد ل لقيامتك المجيدة. تعال يا رب "مكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار" آمين. حج سنوي تقليدي للاحتفال بذكرى ترائي يسوع لتلميذي عمواس في كل اثنين بعد عيد الفصح من كل عام يقيم حارس الأراضي المقدسة قداسا احتفالا بذكرى لظهور يسوع لتلميذي عمواس في عمواس القبيبة، كذلك يقيم بطريرك القدس قداسا احتفاليا في عمواس اللطرون. تساعدنا صورة تلميذيّ عماوس اليوم، في لقاء يسوع المسيح القائم الذي يرافقنا في طرق حياتنا المليئة بالأحزان والقلق وجميع أنواع الصعوبات والمشاكل والإحباطات، ويفسّر لنا الكتب المقدسة في ضوء سرّ الله، ويغدينا من "خبز الحياة"، الذي من خلاله يبقى معنا كما قال: "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20).