موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ أغسطس / آب ٢٠٢٢

"أيّ مَقعَد اختار اليوم!" بين كاتبي سفر سيراخ والإنجيل الثالث

بقلم :
د. سميرة يوسف سيداروس - إيطاليا
سلسلة قراءات كتابيّة بين العهديّن (سي 3: 17- 29؛ لو 14: 1، 7- 14)

سلسلة قراءات كتابيّة بين العهديّن (سي 3: 17- 29؛ لو 14: 1، 7- 14)

 

مقدّمة

 

القراء الأفاضل، الكرسي أو المقعد هو المكان الأوّل الّذي يسعى إليه الجميع بل يبذل قصارى جهده ليصل إليه حتى وإنّ تطلّب الحياة بكاملها. من خلال هذه السلسلة التي نقرأ فيها عادة نصين متوازيين مِن كِلّا العهدين، نهدف للنمو في التوقف أمام إعلان الرّبّ عن رسالته تحملنا على التوبة في يومنا المعاصر. هذا الكشف الّذي وصلّ في ملئه إلى شخص يسوع الّذي كشف عن حقيقة يحملها قلب الله الآب. يسمح الله الآب لكل البشر سواء أغنياء أمّ فقراء؛ متكبرين أمّ متواضعين أنّ يلتقوا به من خلال الاستعداد القلبي لقبول كلمته. النص الأوّل الّذي سنتعرف على المفهوم اللّاهوتي الّذي يحتويه اخترناه من سفر ابن سيراخ بالعهد الأوّل (3: 17- 29) وهو يعلن عن بعض الوسائط والتحذيرات التي تساعدنا على تمييز المقعد المناسب لكلًا منا. وهذا ما سنراه، بشكل جديد على ضوء المسيح بحسب إنجيل لوقا بالعهد الثاني (14: 1. 7- 14)، حيث يصبح حضور يسوع في وليمة بمنزل أحد الفريسيين مناسبة لتعليم لّاهوتي جوهري يساعدنا على تفهم أسباب اختيارنا لمقعد ما ورفضنا لآخر. "المقعد" في حد ذاته ما هو إلا رمز بالعهد الثاني والّذي يشير فضيلة كتابيّة، التواضع، بالعهد الأوّل.

 

يقول المعلمين العظماء إنّه من الأفضل عدم تنصيب فضيلة التواضع كهدف للإنسان. تحديد هذا الهدف من البداية يعني الانزلاق غير محسوس نحو "الاكتفاء" الخفي. يمكن أن يؤدي هذا لاحقًا إلى التفكير المفرط في الذات، بينما يتمثل التواضع أساسًا في تحويل نظر المرء إلى خارج نفسه، أيّ توجيه النظر للرّبّ، ونحو حقائق الإيمان العظيمة، مثل عظمة الله وأصغريّة الإنسان ومحدوديته. «مَن وَضَعَ نفسه» (لو 14: 11)، لكي يصبح الإنسان متواضعًا، يجب عليه أن يبدأ في الحب. هذا ما فعله يسوع، لأن الحب جعله ينزل من السماء. دفعه الحب للسير في شوارع فلسطين. قاده الحب للبحث عن المرضى والخطأة والمتألمين، الّذين هم نحن اليوم. قاده نفس الحب، دون تأخير، إلى هدفه، الجلجلة، حيث «فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب» (في 2: 8).  فصار المقعد الّذي اختاره كعرش له هو الصّليب. لذا حينما نقرأ في مقالنا «فمَن رفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَه رُفِع» (لو 14: 11)، هذا سنبحث عن إجابة عن السؤال التالي "كيف يمكننا وضع هذه الآية الإنجيليّة موضع التنفيذ في حياتنا اليوميّة؟

 

 

1. وَسّاطِة فضيلتين (سي 3: 17- 29)

 

تشغل الصيغة الكتابيّة بسفر سيراخ الكثير عن مشاعر أب حكيم، عاش في مخافة الرّبّ، ونمى على الفضائل. من خلال هذا السفر أراد الكاتب أن يبث في ابنه، الّذي يتمثل في كُلّا منا اليوم، قِيّم إيمانية عظيمة نبعت من خبرته مع الله والتي اعتمدت على الوداعة والتواضع. يهمس هذا الحكيم في أذاننا، من خلال كلماته المأخوذ من 3: 17- 29 والقائل: «يا بُنَيّ اقْضِ أَعْمالَكَ بِالوَداعة [...] إِزْدَد تَواضُعًا لما ازدَدتَ عَظَمَةً فتَنالَ حُظوَةً لَدى الرَّب. لأَنَّ قُدرَةَ الرَّبَ عَظيمة والمُتَواضِعونَ يُمجِّدونَه» (سي 3: 17- 20). نجد فعلين أمر نابعين "اقض بوداعة" و "إزدد تواضع" من قلب ابّ، في حواره مع ابنه، نجح في خبرته الشخصية أن ينمو في العلاقة بالرّبّ فاكتشف هويته ويرغب في أن يبث هذا الغنى لابنه. من خلال هذين الفعلين يشير الاب إلى التواصل والتحلي بفضيلتي الوداعة والتواضع. هذا الشيخ الحكيم الّذي يتكلم بما يحمله قلبه من خبرات عملية، يشجع بنيه، نحن اليوم، أن نسلك طريق الوداعة والتواضع فيصرن هاتين الفضيلتين وسائل للاندماج فيما يريده الرّبّ ويمجده. لأن العكس كالكبرياء والعنف سيجلبن المزيد من الانغلاق على الذات والبعد عن الله. وهنا الحكيم هو يعطينا وسائط من الفضائل وهي بمثابة قنوات تحمل الإنسان لله وتقوي علاقته به.

 

 

2. أداة النفي: "لا" الخصبة (سي 3: 21-27)

 

ليؤكد كاتب سفر سيراخ ما أعلنه قبلاً بالإيجاب سيكرره ثانية مستخدمًا النفي ليؤكد على فكرته ويجعل من هذه الفضائل أرض خصبة. نعلم أن أداة النفي "لا" في كل اللغات، تأتي بشكل سلبي. إلّا أنّ الكاتب يفتحنا على نوع جديد من النفي، مُعلنًا الـ "لا" الخصيبة قائلاً: «لا تَطلُبْ [...] لا تَنظُرْ [...] لا تُكثِرِ [...]» (3: 21- 27). وهنا كل لا هي تحذيرية، تحمل الأبناء بمسئولية التذكر لأداة النفي التي ليس للمنع أو للتحريم من شيء ما بقدر ما هي ترشد وتنصح وتدعو للتفكير. لذا مدعوين أن نعطي اهتمام لأداة النفي "لا" ودائما ما تأتي لصالحنا وتدعونا للانتباه والتحذير من الرذائل الّتي تتناقض مع فضيلتي الوداعة والتواضع اللّاتان تكلم عنهم قبلاً. ويختتم الكاتب هذا النص جامعًا بين نقيضين وهما داء المتكبر وقلب العاقل: «داءُ المُتَكَبِّرِ لا دَواع لَه لأَنَّ نَباتَ الشّرِّ قد تأَصَّلَ فيه. قَلْبُ العاقِلِ يتأَمَّلُ في المَثَل ومُنيةُ الحَكيمِ أُذُنٌ سامِعة» (سي 3: 28- 29). هكذا يتجذرا الوداعة والتواضع في قلب الإنسان من خلال الأذن التي تسمع وتطيع.

 

 

3. الفضائل والـمِقعد؟ (لو 14: 7-14)

 

ينطلق لوقا ليربط ما بدأه الحكيم بالعهد الأوّل، من خلال فضيلتي الوداعة والتواضع، مع تعليم يسوع الجديد في يوم السبت، وسط جماعة من الفئة الفريسيّة. نعلم أن يوم السبت بالنسبة لأيّ تقي يهودي، هو ذكرى راحة الرّبّ في الإنسان وراحة الإنسان في الرّبّ. يوم الراحة بالنسبة لنا كمسيحيين هو يوم الأحد هو بوم راحتنا في القائم وراحته فينا. من خلال هذا النص نجد إتمام لقول اشعيا في ضيافة يسوع: «ها إِنَّ المائِدَةَ تُعَدّ والبُسُطَ تُفرَش وهم يأكُلون ويَشرَبون» (أش 25: 5). يقبل يسوع الدعوة دون أن يحمل معه الورود أو هدية ما، بل يحمل تعليمًا متميزا، ذو نكهة خاصة. هذا التعليم يتجاوز آداب الضيافة. يستنبط يسوع تعلميه من صورة "الوليمة" والّذي ينقسم إلى جزئين: الأوّل مِن جانب المدعوين، والثاني لمَن قدموا له الدعوة.

 

في الجزء الأول، يرتكز تعليم يسوع على توجيه رسالة لنا حينما نشغل مكان المدعوين إلى الوليمة. في هذا الحدث يعيش يسوع معنا موقف الضيف في الوليمة إلّا إنّه متميز فهو الّذي «افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه» (2كو 8: 9). يسوع هو أول من اختار المقعد الأخير الّذي هو "الصّليب". نجد في كلماته دعوة لنا لنتمثل به، وجعل توجُهنا في الحياة منطقيًا ومنفتحًا للملكوت. يسوع، أمامنا جالسًا في المقعد الأخير، وهو المعقد الّذي دعاه الآب ليجلس أمامه على يمينه. وهكذا يمكن للتلاميذ أيضًا أن يطمحوا لذات المقعد الّذي مَكَّنه من اختيار المقعد الأخير كمعلمهم. اختيار يسوع، يدعونا للتوقف أمام تواضعه وتحملنا للتمثل به فهو المعلم والرّبّ الجالس بالمقعد الأخير، وأنا أين مقعدي؟ في المقدمة أم بالخلف؟

 

يسوع المعلم على اتصال مع روح الآب لدرجة أن كل مناسبة، حتى أصغرها، تصبح مهمة ليساعدنا على العيش وفقًا للروح أيضًا. يشعر يسوع بإذلال من تم تقليل رتبته، لكنه لا يشفق عليه، بل على العكس من ذلك، يدعونا لنغتنم الفرصة لتربيتنا الباطنية. ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بتفعيل إستراتيجية رابحة، والتي تسمح لأي منا للوصول إلى أفضل مركز، هذا الاعتراف الذي هو أمر حيوي بالنسبة لنا! ولا يتعلق الأمر بالآدب.  دائمًا تحمل بعض النصوص الإنجيليّة أولاً، استعارة تثير تساؤلاتنا حول موقف عميق لشخص ما، وثانيًا: ترتبط هذه الاستعارة بسلوك الشخص، لأن الثاني مشتق من الأول.  ثم يسألنا يسوع: «ما هي فكرتك عن نفسك؟ وكيف تزرعها؟ هل أوليّة المعقد الّذي تختاره هو الّذي يمنحك التقدير اللازم لحياتك؟ اعلم أن الاعتراف الوحيد الذي لا يفسد والذي يستمر دائمًا هو ما يأتي إليك من الآب. أما الآخرين فهم متناقضين ولا يعتمد عليهم، لأنهم يخاطرون دائمًا بأن يصبحوا مصدر فخر أو تمجيد، وبالتالي لا يحققون ما يعدون به!  فقط المقعد الأخير أيّ التواضع هو الّذي يمنحنا كل ما نحتاج إليه لأنه يحررنا من الحاجة ويجعلنا نعتمد فقط على محبة الآب.

 

 

4. الطوبى لـمَن؟ (لو 14: 10- 14)

 

في الجزء الثاني من تعليم يسوع، يتغير خطابه إذ يحاور مُضيفه، وهو من رؤساء الفريسيين. رجل ينتمي إلى تيار ديني مُتشدد، غالبًا ما كان يشعر بأنه من ذوي المقاعد الأوّلى. في حديثه إليه حَثّه يسوع على عدم دعوة فئات معينة من الناس والـمُتمثلة في الأصدقاء والإخوة والأقارب والأثرياء. من ناحية أخرى، اقترح يسوع عليه أن يقوم بدعوة ضيوف لا يتمكنون من تبادل هذه الوليمة كالفقراء والمقعدين والعرج والعمي مؤكداً بلفظ هام وهو: «فطوبى لَكَ ...» (لو 14: 14). يمكننا قراءة قائمتين متناقضتين في هذا النص. بدء النقيضين هما الفقير- الغني وهو الفرق الأكثر وضوحًا. يمكن أن تتوافق المصطلحات بترتيب عكسي غني-فقير، أقارب- مقعدين، إخوة -عُرج؛ أصدقاء -عُميان.

 

يشير تعليم يسوع الّذي يحتوي على "مفتاح" لتفسير هذه الثنائيات المتناقضات في ختام المقطع بالسبب وهو: «لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبرار» (لو 14: 14). يمكن للأغنياء أن يتبادلون الهدايا، والفقراء لا يستطيعون بل يمكنهم فقط تلقيها. يمكن للأقارب دعم قريبهم في أوقات الشدة ومساعدته بعدة طرق. إذا كان مريضًا، يمكن للأقارب مداوته. إلّا أنّ المُعاق لا يتمكن من فعل ذلك. بل هو الّذي يحتاج إلى دعم. وبالتدريج يصل إلى فئة الإخوة الّذين يتمكنون من تدعيم أخيهم بعمق. في حين أنّ الأعرج لا يستطيع أن يذهب بعيدًا. أخيرًا، يمكن للأصدقاء أن يقدروا صديقهم بالهدايا، أمّا العميان لا يستطيعون رؤية هذا، لدرجة إنهم لا يرون ما يتقدم لهم.

 

وهنا تأتي أهميّة تعليم يسوع حينما استخدم صورة العُرس محاوراً كلاً منّا بشكل شخصي (راج لو 14: 8- 10) ليعطي صورة عملية لتعليمه إذ قال: «إِذا دُعيتَ إِلى عُرْس، فلا تَجلِسْ في المَقعَدِ الأوّل، فَلرُبَّما دُعِيَ مَن هو أَكرَمُ مِنكَ، فَيَأتي الَّذي دَعاكَ ودَعاه فيقولُ لَكَ: أَخْلِ المَوضِعَ لِهذا. فتَقومُ خَجِلاً وتتَّخِذُ المَوضِعَ الأَخير. ولكِن إِذا دُعيتَ فامَضِ إِلى المَقعَدِ الأَخير، واجلِسْ فيه، حتَّى إِذا جاءَ الَّذي دَعاكَ، قالَ لكَ: قُمْ إِلى فَوق، يا أَخي. فيَعظُمُ شَأنُكَ في نَظَرِ جَميعِ جُلَسائِكَ على الطَّعام» (لو 14: 8- 10). صورة العُرس هي من أكثر الصور الـمُفضلة بالعهد الأول، للحديث عن العلاقة بين الله وشعبه. لذلك في هذه الصورة، يكشف يسوع أنّ ما يقوله، حتى قبل أن يتعلق بالعلاقة بين الزوجين فهو يتعلق قبلاً بالعلاقة مع الله. ويؤكد يسوع أساسًا أنه هو نفسه هو مظهر من مظاهر الأسلوب التي كان لدى الله دائمًا في التاريخ. لقد اختار يسوع الأماكن الأخيرة إذّ قّبِلَّ المساكين والمقعدين والعرج والعمي. وفي الوقت نفسه، دعا أيضًا تلاميذه إلى الجلوس في الأماكن الأخيرة مثله والشعور بأنفسهم كموضوع محبة الله ليس كأصدقاء أو إخوة أو أقارب أو أغنياء، ولكنهم، هم الّذين ليس لديهم إمكانية تبادل هذه الدعوة، ولكن كل شيء يتلقونه كهبة مجانية وغير مستحقة.

 

 

5. مغزى الّلاهوتي (سي 3: 28- 29؛ لو 14: 14)

 

بينما يشدد كاتب سفر سيراخ (3: 17- 29) على التحذير عن الرذائل التي تتناقض مع فضيلة التواضع. يأتي تعليم يسوع بحسب لوقا (14: 7- 14) ليدعونا للتحلي بنظرة جديدة تميل نحو التواضع. ففي المقام الأول يدعونا لاتباع منطقه الخاص في الحياة اليومية. لقد دعا يسوع الفقراء والمقعدين والعرج والعمي أيّ البشرية بشموليتها. فئة الفقراء الّذين ليس لديهم ما يعطونه لله؛ فهم عاجزين عن فعل الخير. فئة المقعدين الّذين غير قادرين على المشي بمفردهم؛ فئة المكفوفين وهم غير القادرين على رؤية ما فعله الله لهم. من أجل هؤلاء بالتحديد، اختار الله في يسوع المكان الأخير. هو ذاته سبب اختيار الله لإسرائيل، فهو شعباً صغيراً بين ممالك الأرض (راج تث 7: 7) تعامل يسوع مع الرجال والنساء بذات المجانية التي أحبّ بها الله البشرية.

 

 

الخلّاصة

 

غالبًا ما نرغب في أنّ نكون مركز الاهتمام، وأحيانًا نُعاني من أوهام الشخصية قد ننسجها بذواتنا. يبدو أنه لم يعد بإمكاننا الجلوس على هذا الكرسي الفارغ في الصف الخلفي، فقد نعيش في قلق لنكون أشخاصًا ذات قيمة وقيمتها مرتبد بالمقعد الّذي نشغله أو بالمنصب الّذي نتولاه. لكن ماذا لو اكتشفنا، في نهاية حياتنا، أن مركز الصدارة الحقيقي كان وراء الكواليس؟ في هذا المقال قادنا الرّبّ بكلمته القديرة إلى التفكير في الإحساس العميق بالتواضع، وكم هو الخيار الصحيح الذي لا يحظى بشعبية أن نكون قادرين على البقاء في صمت الانتظار، والاتفاق بانسجام بين طبيعة الله نحونا.

 

لذا انطلقنا في هذا المقال باحثين عن إجابة لكيفية اعطاء وجه عملي وتطبيقي إلى هذين الفعلين المتناقضين في تعليم يسوع لدى لوقا: «فمَن رفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَه رُفِع» (لو 14: 11). وأعطينا عنوانًا رئيسيًا عن نوعيّة المقعد الّذي يتوجب على كلاً منّا اختياره. نعم علينا بذل المجهود للتعرف على "المقعد" المدعوين للجلوس عليه كمسيحيين اليوم. حذرنا الحكيم في نص العهد الأوّل (سي 3: 17- 29) من كبرياء القلب الّذي يطيح بقلب الإنسان إذ يختار المقعد الإنسان وليس العكس لأنّه يعتمد على زرع الشر. من خلال تعليم يسوع لدى لوقا أدركنا أن التواضع لا يتطلب المقعد الأوّل بل المقعد غير المريح وغير المرئي وهو الّذي يحملنا على الجلوس بجوار الرّبّ. فقد اختار أكثر مقعد متواضع من المذود إلى الصليب وختامًا فاجئنا بمكانه الأبدي وهو الجلوس عن يمين الآب. مدعوين لقراءة باطنية هل "المقعد" الّذي يجذبني هو الّذي أختاره؟ أمّ أنّ المقعد هو الّذي يختارني؟ دُمتم، أيها القراء الأفاضل، في يقظة مستمرة للجلوس على المقعد المناسب بحسب إرادة الرّبّ، لتصيروا من بين الّذين نجحوا في وَضع أنفسهم لرفعها أمام الله.