موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٤

"النّور الإلهيّ" بين كاتب سفر المزامير والإنجيل الثالث

بقلم :
د. سميرة يوسف سيداروس - إيطاليا
سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 4: 1- 9؛ لو 24: 38 – 48)

سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 4: 1- 9؛ لو 24: 38 – 48)

 

الأحد الثالث لقيامة الرّبّ (ب)

 

مُقدّمة

 

في قلب هذا الأسبوع الثالث من إحتفالنا بعيد قيامة الرّبّ، نتواصل في مقالاتنا الكتابيّة فيما بين العهديّن، والّتي تتمركز بأحداثها الكتابيّة، في هذا الزمن الفصحيّ حول "ظهورات القائم". تدعونا القراءات الكتابيّة في هذا المقال للتوقف أمام كنز النّور الإلهي. فمن خلال العهد الأوّل والّذي سنتعمق فيه بحسب لّاهوت كاتب سفر المزامير (مز 4)، والّذي يدعونا إلى التأمل في النور الآتي من الرّبّ بثقة في ما يحمله. بالنسبة للعهد الثاني سنتوقف أمام ظهور جديد للمسيح القائم والّذي يسرد حدث اللقاء مع التلاميذ مباشرة بعد لقائه مع تلميذيّ عمواس بحسب كاتب الإنجيل الثالث (لو 24: 35- 48). سنتناول في مقالنا هذا، آيات هذا اللقاء والّذي يلحّ الكاتب في تأكيده على أهميّة مرافقة القائم لتلاميذه في مسيرة إنتقالهم من الشّك واللّا إيمان للدخول في المنطق قيامة يسوع المعلم بعد مسيرة من الحوار وتفسير الكتب وإزالة الجهل الإيمانيّ.

 

1. نّور الوجه الإلهي (مز 4: 1- 9)

 

يُنسب هذا المزمور الرابع لداود الملك والنبيّ. ينتمي هذا المزمور لمجموعة مزامير الطلبات إذ يفتتح نشيده قائلاً: «في دُعائي أَجِبْني، يا إِلهَ بِرِّي في الضِّيقِ فرجتَ عنِّي فاَرْحَمْني واْستَمع إِلى صَلاتي» (4: 2). ويحمل دعوة ليُعلم المؤمنين بأنّ الرّبّ صنع عجائب لـما إختاره. وفي ذات الوقت تحمل كلمات النبيّ تحذير شديد اللهجة بمخافة الرّبّ وعدم الإستمرار في الخطايا مُلحّاً بالصمت: «اْرتَعِدوا ولا تَخطأوا في قُلوبِكم تَحَدَّثوا وعلى مَضاجِعِكم كونوا صامِتين» (مز 4: 5). إلّا أنّ الـمُرنم يلجأ للرّبّ في وقت إحتياجه له مُعلنًا طلبة باطنيّة في غايّة الأهميّة صارخًا: «أَطلعْ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ [...]  بِسلام أَضَّجعُ ومِن ساعَتي أَنام لأَنَّكَ وَحدَكَ يا رَبُّ في أمانٍ تُسكِنُني» (مز 4: 7-9). تحمل كلمات النبيّ إشارة إستباقيّة، حيث يطلب من الرّبّ الإله وهو مصدر النّور (راج تك 1: 2) إنّ يُنعم عليه وعلى معاصريًه بنّوره وجهه الإلهي. في إنعكاس هذا النّور الإلهي يتمكن الـمُصلي من النوم والسكنى الّتي تأتيه من العُلا. بهاتين الصورتين يختتم بهما المرنم مزموره ويحملان إشارة للقيامة الّتي من خلالها نام الإبن الإلهي ليس نوم الموت الأبديّ بل عبرّهُ بقيامته وحملّ النّور لكلّ البشريّة.

 

2. الظهور الإلهي (لو 24: 35- 43)

 

يستمر كاتب الإنجيل الثالث بالتوازي مع باقي الأناجيل وبالتناسق مع قرائتنا بمقال الأسبوع الماضي، من خلال سرد ظهورات القائم للتلاميذ الإحدى عشر، في مساء الأحد وحواره معهم (راج يو 20: 19ت). يدعونا الإنجيليّ في سرده لهذا الحدث للتوقف أمام الحوار الّذي دار بين القائم وتلاميذه بأنهم «رأوا الرّبّ» (يو 20: 20ت). وهذا يشير إلى توضيح حقيقة القيامة كحدث يفوق الطبيعة، يتبيّن هذا في العنصر الأوّل من روايّة الإنجيلي للحدث (لو 24: 35-43). ثمّ يُظهر الحدث في العنصر الثاني كروايّة لإتمامّ الكتب المقدسة وإكتمالها (لو 24: 44- 48).

 

1.2 أقوال وأفعال القائم (لو 24: 36- 43)

 

يرويّ الإنجيلي في هذا العنصر الأوّل من ظهور القائم لتلاميذه والّذي هو بمثابة إختبار لهم وإيضًا علامة قويّة ستشير إلى تجلي نّور وحقيقة قيامة يسوع. وهذا يزيل كلّ شكّ وفزع لما أعلنه تلميذيّ عمواس لهم، فحينما كان «يَتَكَلَّمان [تلميذي عمواس] إِذا بِه يقفُ بَينَهم [يسوع] ويَقولُ لَهم: "السَّلامُ علَيكُم!" فأَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ وظَنُّوا أَنَّهم يَرَونَ رُوحاً. فقالَ لَهم: "ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟"» (لو 34: 36-38). بقول القائم هذا نكتشف أنّ شّكهم كان واضحًا، فإن الشّك يؤكد إنّه نابع من حزن يتوجب الحوار والمناقشة لطرده خارجًا. إستخدم القائم مصطلحًا يجعلهم يفكرون في كلّ ما يتعلق بالإيمان بالرغم من عدم قدرتهم على إستيعاب حقيقة حدث القيامة. وهنا تأتي كلمات القائم ليعاونهم في العبور من الشّك للإيمان: «"أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي. إِلمِسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي". قالَ هذا وأَراهُم يَدَيهِ قدَمَيه غَيرَ أَنَّهم لم يُصَدِّقوا مِنَ الفَرَحِ وظَلُّوا يَتَعَجَّبون، فقالَ لَهم: "أَعِندَكُم ههُنا ما يُؤكَل؟" فناوَلوهُ قِطعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ. فأَخَذَها وأَكَلَها بِمرأًى مِنهُم» (لو 24: 39- 43). إخترق نّور القائم، من خلال كلماته وأفعاله، قلوب التلاميذ وحمل الفرح لقلوبهم ونزع الفزع والشّك من قلوبهم. هذا ما يدعونا اليّوم إليه القائم، بألّا نشّك في قيامته. وكما ساد تعجّب التلاميذ أمام هذا النّور الإلهي الّذي رافق خطواتهم هكذا لنندهش مؤمنين بالقائم.

 

2.2 نّور القائم (لو 24: 44- 48)

 

يؤكد الإنجيليّ في العنصر الثاني، من هذا المقطع، إستمراريّة النّور الّذي ينبع من وصايا القائم الأخيرة قبل عودته للمجد الإلهي في حين تسليّمه وصيته قبل الإنفصال الجسدى والمرئي عنهم بالكامل ليُهيأهم لرسالتهم التبشيريّة المستقبليّة قائلاً: «"ذلك كلامي الَّذي قُلتُه لكم إِذ كُنتُ مَعَكم وهو أَنَّه يَجِبُ أَن يَتِمَّ كُلُّ ما كُتِبَ في شأني، في شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياءِ والمَزامير". وحينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب» (لو 24: 44- 45). من الضروي أنّ نشير إلى أنّ حدث ظهور القائم لتلاميذه، في هذا الوقت لهو حدث يثير تعجّبهم في الفكر والتوجه للمستقبل. هذا هو العنصر الّذي يمنح الاعتماد بشكل أكبر على سلسلة من أنماط الاتحاد بيسوع المسيح كإبن لله الآب. يُسلط الإنجيلي الأضواء على حقيقة وجود الرّبّ القائم داخل البيّت.  وهذا يدلّ على إستمراريّة تحليّ بيوتنا برّوح وجوهر مسيحيّ مؤكدة، بناء على إيماننا بأنّ قيامة يسوع هي حدث حقيقي. نحن الآن، بحسب الإنجيليّ نعيش زمن القيامة أيّ بعد وقت قصير جدًا من إتمام الحدث الّذي غيّر مجرى البشريّة. لقد أشار الإنجيلي إلى حبّ التلاميذ وهي جماعة يسوع الحميمة الّتي أسسها وارتبط بحياتهم. هذا التبادل الحميمي بين التلاميذ ومعلّمهم لهو أساسي ودائم من خلال مجد القيامة.

 

يستكمل الإنجيلي في هذا العنصر مسيرة حبّ الآب ابنه بيّده القديرة والمنقذة من الموت كشهادة للكتب المقدسة. مما يشدد بشكل آخر الإنجيلي على ما ذكره سابقًا (راج لو 24: 13- 34) في حدث لقاء القائم مع تلميذي عمواس والّذي أشار إليه ثانية في هذا السياق. اليّوم نحن مدعوييّن للتعرف على حضور القائم بنّوره البهيّ، في حياتنا ككنيسة جوهرها الكتاب المقدس، من خلال فتح أذهاننا بما يليق بتفسير القائم ثانيّة: «حينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب. وقالَ لَهم: "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث» (لو 24: 45). إذن لا مجال لعدم الفهم بعد، بحسب تأكيد القائم بقوله قبلاً: «يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء» (لو 24: 25).

 

يؤكد النص اللّوقاويّ على أنّ القائم يُشدد على أهميّة إتمام الكتب العبريّة بأجزئها الثلاث: الشريعة، والأنبياء والكتب مع المزامير، من جانب. أمّا من الجانب الآخر يُشدد على فتح الأذهان لفهم ما كُتب بالماضي ويتجسد بالحاضر بنعمة نّور القائم، من جانب التلاميذ الّذين نحن اليّوم. الكتب المقدسة هي الّتي تساعدنا على اللقاء بالقائم وبدونها لا نستطيع الإيمان. ومن خلال التفسير الجديد الّذي يقوم به القائم نحو تلاميذه، معتمداً على الكتب وحدث القيامة الّذي تمّ في جسده. لدينا مفتاح تفسيري للتاريخ الّذي نحياه كمحور إيماننا. مدعويّن اليّوم، لقراءة الأحداث الإيمانيّة الّتي يرافقنا فيها القائم بحسب نّور الكتب المقدسة وهي بمثابة شهادة عن موت وقيامة يسوع (راج أع 3: 12).

 

 

الخلّاصة

 

نختتم مقالنا هذا والّذي أعطيناه عنوانًا "النّور الإلهي" والّذي يربط بين المزمور الرابع الّذي هدّف فيه الكاتب إلى طلب النّور من وجه الرّبّ. هذا المزمور الّذي ينتمي لمزامير الطلبات، نتلمس ثقة النبيّ بإنارته هو ومعاصريّه من النور الإلهي. وهذا يصل إلى ذروته من خلال هذا النّور الّذي يشع في قلوب التلاميذ، أثناء ظهور القائم لهم حينما فتح أذهانهم بتفسير الكتب المقدسة ورافقهم لنزع حالة الشّك والفزع والقلق وهي ما يعيق إيمانهم بالقائم. وهذا هو ما نهدف إليه، أن الكتب المقدسة هي النعمة الّتي يضعها القائم بين أيدينا اليّوم لينيرنا بنّور قيامته ويزيل ما يعوق الإيمان به. دُمتم في تواصل باّور القائم وفهم ذهني وقلبي، للتمتع بثمار النّور الإلهي.