موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٥ ابريل / نيسان ٢٠٢٤

"يّوم الرّبّ" بين كاتبّ سفر المزامير والإنجيل الرابع

بقلم :
د. سميرة يوسف سيداروس - إيطاليا
سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 117 (118)؛ يو 20: 19- 31)

سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 117 (118)؛ يو 20: 19- 31)

 

مُقدّمة

 

ها نحن في الأحد الّذي يلي مباتشرة أحد القيامة، والّذي نعيش فيه خبرة الرحمة الإلهيّة الّتي تتمثل في حضور القائم في يّوم الأحد بين تلاميذه قابلاً خوفهم وإنغلاقهم وعدم تصديقهم لحدث قيامته بعد هروبهم جميعًا عدا التلميذ الّذي أحبّه يسوع. وأيضًا تتجلي هذه الرحمة في ظهوره الحميم خاصة لأجل توما أيضًا في يّوم الرّبّ وهو يوم الأحد. سنتوقف في مقطع العهد الأوّل على بعض آيات مزمور 117 (118) لنتعرف على يّوم الرّبّ في ديانة يسوع اليهوديّة. وبالتدريج سنصل كمسيحيين إلى معنى يّوم الرّبّ الّذي يصفه يوحنّا الإنجيلي في المقطع الّذي يلتقي فيه القائم بتلاميذه على مرحلتين بدون ومع توما (يو 20: 19- 31). نهدف من خلال هذا المقال للتعرف على التدرج الّذي جعلنا ننتقل من يّوم السبت إلى يّوم الأحد كيّوم الرّبّ الّذي نتهلل ونسبح الرّبّ فيه.

 

 

1. يّوم الرّبّ (مز 117: 24- 27)

 

كما نوهنا بالمقال السابق بأنّ المزمور 117 (118) ينتمي إلى مجموعة المزامير الّتي تدعو للحمد ولتسبيح الرّبّ. نودُّ في هذا الـمقال التوقف بعمق على يّوم الرّبّ. بالعودى إلى سفر التكوين نجد أنّ اليّوم السابع وهو بمثابة يّوم السبت هو اليّوم الّذي إستراح الرب فيه بحسب قول كاتب سفر التكوين: «واَنتَهى اللهُ في اليَومِ السَّابِعِ مِن عَمَلِه الَّذي عَمِلَه، واَستَراحَ في اليَومِ السَّابِعِ من كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه. وبارَكَ اللهُ اليَومَ السَّابِعَ وقَدَّسَه، لأَنَّه فيه اَستَراحَ مِن كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه خالِقًا» (تك 2: 2- 3). وبأكرام الرّبّ ليوم راحته نجده، إنّه بناء على قدسيّة هذا اليّوم، انّ رغبته في إنّ شريعته وإكرامه ينال شعبه وهو الّذي يؤمن به. بعد إتمام الفصح وخروج الشعب من أرض مصر نسمع موسى يعيد وصيّة الرّبّ على أذان الشعب قائلاً: «أُنظُروا: إِنَّ الرَّبَّ أَعْطاكُمُ السَّبْت، ولِذلك هو يُعْطيكم في اليَومِ السَّادِسِ طَعامَ يَومَين. فلْيَبْقَ كُلُّ واحِدٍ حَيثُ هو، ولا يَبرَحْ أَحدٌ مَكانَه في اليَومِ السَّابِع". فاستَراحَ الشَّعبُ في اليَوم السَّابِع» (خر 16: - 30). إلّا إننا كمسيحيين جذورنا تنتمي للديانة اليهوديّة وهي ديانة يسوع التاريخي نجد أنّ السبت لن يستمر للمسيحييّن يوم الرّبّ وهذا ما سنتعرف عليه بناء على مقطع العهد الثاني بحسب يوحنّا (20: 19- 31).

 

يّوم الإبتهاج الّذي يتهلل به الـمُرنم هو اليّوم الّذي نتذكر فيه أعمال الله العجائبيّة وهي الخلق، ثمّ الخروج، وليس فقط بل هو يوم تعظيم الرّبّ الّذي منح ويمنح وسيُتمم خلاصه وإنتصاره حتّى يّومنا هذا قائلاً: «هذا هو اليّوم الّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلنبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه. إِمنَحِ الخَلاصَ يا رَبُّ اْمنَحْ إِمنحِ النَّصرَ يا رَبُّ اْمنَحْ. تَبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ نُبارِكُكم مِن بَيتِ الرَّبِّ. الرَّبّ هو اللهُ وقد أَنارَنا» (مز 118: 24- 27). هذا الخلاص والإنتصار الّذي سيتحقق بيّد الله الآب القديرة حينما يصل لذروة خلاصه وإنتصاره في المسيح القائم الّذي سنتعمق فيه من خلال التعبير اليوحنّاوي «وفي مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد» (يو 20: 19)، كما سنرى في لقاء القائم بالتلاميذ ومعهم توما.

 

 

2. يّومي الأحد (يو 20: 19- 31)

 

يستمر كاتب الإنجيل الرابع في سرد أحداث قيامة يسوع الرّبّ وبعد أنّ إكتشفا التلميذيّن بُناء على كلام المجدليّة لما رأته، بطرس والتلميذ الّذي أحبّه الرّبّ، يروي ظهور الرّبّ للمجدليّة (راج يو 20: 11- 18). يروي لنا هذا المقطع الّذي ينقسم إلى جزئين؛ الأول وهو ظهور القائم للتلاميذ بدون توما، والثاني ظهوره في حضور توما.

 

1.2 الأحد الأوّل (يو 20: 19- 25)

 

- صوت القائم

 

يروي الإنجيلي حدث مُعاش بالنسبة له وهذا ما يؤكده الكاتب بنهاية المقطع (20: 31). يتذكر الإنجيلي اليّوم وهو الأحد والوقت وهو المساء لذات اليّوم الّذي تبعا خطوات التلميذين خطوات المجدليّة أي يّوم الأحد، يّوم قيامة السيّد الرّبّ من بين الأموات قائلاً: «وفي مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: "السَّلامُ علَيكم!"» (يو 20: 19). في المرحلة الأوّلى، يشير الإنجيلي بحضور يسوع في الوسط، وواقفًا يتجلي القائم بجسده الـمُمجد الّذي يتحاور وينظر بعينيه بأعيّن تلاميذه في لقائه الأوّل بعد عبوره الآلام والموت والقيامة في حضور التلاميذ العشر، بدون يهوذا الإسخريوطي وتوما. وفي اللقاء الأوّل يلقي بتحيته المسيّانيّة "السَّلامُ علَيكم!"، الّتي تنزع كل خوفهم وإنغلاقهم.

 

- جراح القائم

 

في مرحلة ثانيّة، في حوار يسوع يجذب حاستيّ البصر والسمع من خلال القول والفعل: «قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه» (يو 20: 20أ). لماذا ألحّ القائم على رؤية تلاميذه جراحه؟ للتأكيد بأنه هو الّذي تألم ومات مصلوبًا وهو الحيّ القائم أمامهم، فهو الّذي عبر مسيرة الألم وتكللّت بقيامته. ثمّ نجد التغيير في رد فعل التلاميذ: «ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ» (يو 20: 20ب).

 

- إستكمال الحوار

 

الكلمة الأخيرة، في إستكمال الحوار بين القائم والتلاميذ، هي للقائم إذ يعلن الإنجيليّ : «فقالَ لَهم ثانِيَةً: "السَّلامُ علَيكم! [...] وقالَ لَهم: "خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم"» (يو 20: 21- 23).  السّلام للمرة الثانيّة هي عطية القائم المجانيّة بالإضافة إلى مشاركتهم في سلطانه وهو الحِلّ أي توسيطهم بنوال الغفران الإلهي من خلال سرّ المصالحة وإعلان التوبة. كل هذا في غياب توما عن اللقاء الأوّل للقائم مع تلاميذه (راج يو 20: 24- 25).

 

2.2 الأحد الثاني (يو 20: 26- 31)

 

ينتهي إسبوعًا كاملاً ويتنعم التلاميذ بالفرح والسَّلام لرؤية القائم ومن جديد: «وبَعدَ ثَمانِيةِ أَيَّامٍ  [أي يّوم الأحد] كانَ التَّلاميذُ في البَيتِ مَرَّةً أُخْرى، وكانَ توما معَهم. فجاءَ يسوعُ والأبوابُ مُغلَقَة، فوَقَفَ بَينَهم وقال: "السَّلامُ علَيكم"!»(يو 20: 26). لمّ يتغير مكان وقف القائم ولا تحيته بالسَّلام. فهو ثابت كأمانته ليستعيد تلاميذه الّذين سيتولون إعلان الخبر السّار في كل أنحاء العالم. وهنا نتعرف على قمة رحمة القائم حيث يدعو توما للتحقق من علامات قيامته: «هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِناً» (يو 20: 27). الإيمان هو علامة رحمة الله لا يسمع القائم أو يراه فقط بل يدعوه ليلمسه. وهنا حاسة اللمسّ هي دعوة القائم ليستعيد علاقته بتوما القائل للوهلة الأوّلى: «رَبِّي وإِلهي!» (يو 20: 28). هذا هو سرّ مرافقة القائم لضعف إيماننا البشري. فكلاً منا يحمل بداخله اللإيمان الّذي عبّر عنه توما.

 

 

الخلّاصة

 

في هذا المقال تناولنا مفهوم يّوم الرّبّ فيما بين العهديّن فهو بحسب كاتب سفر المزامير 117 (118) يّوم التهليل والتسبيح لأنّ خلاص الرّبّ وإنتصاره. ولم يصير السبت هو يّوم الرّبّ بل الأحد والسبب هو إنتصار يسوع على الموت وقيامته في يّوم الأحد. أمّا المقطع بحسب إنجيل يوحنّا (20: 19- 31)، فهو يُذكرنا باليّوم المهيب الّذي غيَّر مجرى البشريّة رأسًا على عقب وهو يّوم قيامة الرّبّ، يّوم الأحد، وهو يّوم اللقاء الأوّل للقائم بتلاميذه بدون توما ثمّ بعد أسبوع يلتقيهم ثانيّة بحضور توما الّذي تدرّج في علاقته بالرّبّ وعَبَرَ من اللإيمان إلى الإعتراف بربوبيّة وألوهيّة القائم في حضور التلاميذ. لازال في كل يّوم أحد هو يّوم إحتفالنا بقيامة الرّبّ بالذبيحة الإلهيّة وتذّكر خلّاصه وإنتصاره على الموت والألم والشرّ. دُمتم في مسيرة لقاء مع القائم كلّ يّوم أحد وكلّ أيام حياتنا.