موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"جِئْتُ لِأُلقِيَ عَلَى الأَرضِ نَارًا، وَمَا أَشَدَّ رَغبَتِي أَن تَكُونَ قَدِ اشتَعَلَتْ!" (49).
"جِئْتُ لِأُلقِيَ عَلَى الأَرضِ نَارًا"، تلتهم كل شر وفساد فيها، وكل فتور وتردد، وكل جهل وكل شقاء، وكل ظلم وظالمين. لهذه الأرض المليئة بالخطيئة جاء كلمة الله وصار إنسانًا. بسبب خطيئتها جاء، ليزيلها، ليمنح الإنسان، كل إنسان المقدرة على التحرر من كل خطيئة فيه، وفي غيره.
لم تكن الأرض كذلك، بحاجة إلى نار تلتهمها. لم تكن فيها خطيئة. خلقها الله ورأى أنها كانت حسنة. ثم اختار الإنسان بحريته أن يعرف الشر والخير. ولما صار عبدًا للشر، لما فقد صورته التي خلقها الله عليها، أحبه الله منذ البدء، وأحبه بعد خطيئته، فوعده بالخلاص. ولهذا، ليخلصه من الخطيئة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا، صار كلمة الله إنسانًا، وأطاع حتى الموت موت الصليب. وقهر الموت والخطيئة وقام ممجدًا. وأرسل الروح القدس نارًا ونورًا ليكمِّلَ تنقية الأرض والإنسان.
"وَمَا أَشَدَّ رَغبَتِي أَن تَكُونَ قَدِ اشتَعَلَتْ". أراد يسوع أن يشعل في الأرض نارًا، وأشعلها، لذلك تألم ومات وقام. وأرسلنا، كل المؤمنين، والكهنة والمكرسين في المقدمة، لنشعل النار. كل مؤمن مدعُوٌّ إلى أن يسمع كلمة يسوع: "وَمَا أَشَدَّ رَغبَتِي أَن تَكُونَ قَدِ اشتَعَلَتْ". كل مؤمن، إن كان مؤمنًا صادقًا، وكل كاهن ومكرَّس، إن كان صادقًا أشعل نار الروح فيه، وفي غيره، النار التي تزيل الخطيئة فيه، فتزول الخطيئة من كثيرين.
ومن هنا يأتي الانقسام.
"أَتَظُنُونَ أَنِّي جِئْتُ لِأَحلِ السَّلَامِ فِي الأَرضِ؟ أَقُولُ لَكُم: لَا، بَل الِانقِسَامَ" (51).
يأتي الانقسام بين فاتر بارد ميت مستقر في الشر، وبين حي مشتعل بنار التنقية. بين سلام ظالم، سلام مستبدين وأقوياء في أيديهم أسلحة موت، وبين سلام يصنعه أبناء الله، وإخوة يحبون بعضهم بعضًا، يعرفون أنفسهم إخوة، خلقهم الله ليحبوا، لا ليستولوا على ممتلكات غيرهم، ولا على بلاد غيرهم. "أَتَظُنُونَ أَنِّي جِئْتُ لِأَحلِ السَّلَامِ فِي الأَرضِ؟" لم آتِ لسلام الخطيئة، وسحق القوي للضعيف، ولو صمت العالم كله، ولو أيده العالم كله. السلام المبني على الشر الذي يؤيده العالم كله، جئت لتحرير الإنسان منه، الظالمين والمظلومين، على السواء، فلا يبقى على الأرض إلا أبناء الله، وإخوة. الانقسام بين الأخ وأخيه الذي أريده هو بناء السلام على أسس السلام المتأصلة في الله خالق الإنسان والسلام. لهذا السلام جئت، والذين يصنعونه يُدعَون أبناء الله، وهم إخوة. لهذا جئت، ليعرف الناس جميعًا السلام الذي يبنيه أبناء الله، والإخوة، وإلا انقسموا على أنفسهم.
ربي يسوع المسيح، علِّمْنا أن نشعل النار في كل شر فينا، وفي الشرور من حولنا. علِّمنا أن نبني السلام الذي تريده أنت، والذي يحرِّر كل الناس، فلا يبقى فيهم ظالمون ومظلومون. إذاك يغيب كل انقسام، ويسود السلام الذي تريده أنت. آمين.