موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تصوير: النيابة الرسوليّة لجنوب شبه الجزيرة العربية
سيمنح البابا لاون الرابع عشر كاثرين (كيت) مايلز-فلين، التي تعمل منذ عام 2002 مديرةً لمكتب التنشئة المسيحيّة في النيابة الرسوليّة لجنوب شبه الجزيرة العربية، رتبة معلّمة التعليم المسيحي، وذلك خلال يوبيل معلمي التعليم المسيحي يوم الأحد الموافق 28 أيلول 2025.
وقال النائب الرسوليّ المطران باولو مارتينيلي، إنّ منح كيت، المولودة في ولاية فرجينيا الأمريكية، الرتبة "ليس تقديرًا لتفانيها الشخصي فحسب، بل دليل تقدير لرسالة النيابة". وأضاف: "إنّه لشرف عظيم للنيابة بأكملها أن يحظى أحد معلميها بهذه الرتبة التي منحها إياها الأب الأقدس. إنّه لشرف ومصدر تشجيع لجميع معلمينا الذي يعلّمون أبناءنا بسخاء وإخلاص أمور الإيمان".
أُنشئت هذه الخدمة عام 2021 بقرار من البابا فرنسيس، عبر البراءة البابويّة "Antiquum ministerium"، التي أعلن فيها إنشاء "خدمة معلّم التعليم المسيحي". ووصفت الوثيقة هذه الخدمة بأنها خدمة ثابتة تُقدّم إلى الكنيسة المحليّة بحسب الاحتياجات الراعوية التي يحدّدها الأسقف المحلي، على أن يتم أداؤها على يد العلمانيين بما تقتضيه طبيعة الخدمة نفسها.
كما أشارت البراءة إلى الصفات المطلوبة لخدّام التعليم المسيحيّ: "رجال ونساء ذوو إيمان عميق ونضج بشري، يشاركون مشاركة فعّالة في حياة الجماعة المسيحيّة، ولهم قدرة على الاستقبال والكرم وحياة الشركة الأخويّة، وأن يتلقّوا التنشئة الكتابية واللاهوتية والراعوية والتربوية اللازمة ليكونوا ناقلين حذرين لحقيقة الإيمان، مع خبرة سابقة في التعليم المسيحي".
هذان الشعوران عبّرا بعمق عن مشاعر كيت عند سماعها خبر تنصيبها المرتقب. فبعد أكثر من عقدين من الخدمة كمديرة للتنشئة المسيحية في النيابة الرسولية، وصفت نفسها بأنها "متأثرة جدًا ومتواضعة للغاية"، مؤكدة أن هذا التعيين ليس مجرّد اعتراف بخدمة طويلة، بل تأكيد شخصي على مسار حياتها والرحلة الإيمانية التي عاشتها.
وتتذكر بوضوح الدعوة التي تلقتها من المطران مارتينيلي لتعيينها معلمة للتعليم المسيحي، قائلة: "كنت ممتنّة جدًا ومتواضعة للغاية، لأنه لا شيء مما قمت به كان بمفردي – كل ما تحقق كان ثمرة عمل الأشخاص الذين أعمل معهم، والذين أعطوا كل ما لديهم. أشعر أنني أمثّلهم جميعًا."
وتنسب كيت نموّها واستعدادها لتخطي منطقة راحتها إلى التشجيع الذي تلقته من الآخرين – ولا سيما الأساقفة الأربعة الذين عملت معهم منذ كانت شابة في الثانية والعشرين من عمرها، تبدأ خطواتها الأولى في أبرشية ريتشموند بولاية فرجينيا حيث وُلدت ونشأت.
وقالت: "لقد كانوا جميعًا أمثلة رائعة على القيادة الخادمة. يجسّدون فضائل الخدمة للكنيسة وشعبها، المجبولة بالتواضع والرؤية." وتشير هنا إلى الأساقفة الأربعة: المطران والتر سوليفان، المطران برناردو غريميولي، المطران بول هيندر، والمطران باولو مارتينيلي.
ترتكز مسيرة كيت نحو القيادة في التنشئة المسيحية على اختبارها الشخصي للإيمان ومسيرتها الأكاديمية. ففي سن الرابعة عشرة، التقت بالأب ريتشارد هايت، الذي غيّرت كلماته –"أن تُحِب وأن تُحَب"– حياتها إلى الأبد، وقادتها إلى التحوّل من الكنيسة المشيخية إلى الكاثوليكية.
درست اللاهوت، ورغم التحديات التي واجهتها النساء في تلك الحقبة، حصلت على شهادتها الجامعية، ولاحقًا أكملت دراسة الماجستير في الأديان المقارنة. هذا الأساس الأكاديني أعدها لمسيرة مهنية بدأت بالتدريس في مدرسة بينينسولا الكاثوليكية الثانوية، وعملها على إعداد المناهج لأبرشية ريتشموند. وفي عام 2022، أكملت شهادة الدكتوراه في خدمة العناية الرعوية.
في عام 1995، انتقلت كيت مع زوجها جوزيف وأولادها الثلاثة إلى الإمارات العربية المتحدة، في قلّ فيه معرفة الناس بالمنطقة. تقول مازحة: "كنت أخبر الناس أنّها تقع في مكان ما بين الهند ومصر." وجاءت اللحظة الحاسمة في مسيرتها عندما رغب المطران غريميولي في إنشاء مكتب للتنشئة المسيحية يخدم الدول الست التي كانت تشكّل حينها "نيابة الجزيرة العربية".
طُلب منها قيادة هذه المبادرة المحورية، فأجابت بداية بأنها بحاجة لرعاية مولودتها الجديدة – طفلتها الثامنة. فجاء رد المطران غريميولي مشجعًا: "أحضريها معك." وهذا ما فعلته. تقول كيت إنّ ذلك الموقف كان اعترافًا واضحًا بدورها كزوجة وأم، مع إقرار بأن هذه الأدوار تأتي أولاً. واليوم تؤكد: "لا أستطيع أن أتخيّل محبة عمل آخر بقدر ما أحب هذا العمل."
وتُشير إلى أنّ جميع أساقفة النيابة منحوها شعورًا بالمرافقة، وكأنهم "يسيرون بجانبها ويشجعونها." وعلى الرغم من أنّ بعض الأشخاص لم يفهموا ذلك في البداية، إلا أن كثيرين ساندوها هي وعائلتها. تقول: "وجدت زملاء مرحّبين للغاية ومتعاونين بشكل مدهش."
ورغم صعوبة البداية، نجحت كيت في إرساء هذه الخدمة، مضيفة: "في بيئتنا، معظمنا هنا عائلات عاملة دون دعم من العائلة الممتدة. في البداية اعتبر البعض أن التنشئة عبء إضافي، لكن ما إن تخطوا هذه العقبة حتى أصبحوا متحمسين للغاية – واليوم بات من المتعارف عليه أن هناك برنامجًا خاصًا لتنشئة المعلّمين يقدَّم من خلال النيابة الرسوليّة".
ترى كيت أن التزامها العميق بالتنشئة المسيحية لا ينفصل عن تجربتها كأم. فبعد معاناتها عدة إجهاضات بعد ولادة طفلها الأول، ساندتها الكنيسة هي وزوجها في تلك المرحلة العصيبة. ومع دعم كاهن رعيّة في فرجينيا، بدآ التفكير في التبنّي.
ورغم الصعوبات، جلب هذا القرار فرحًا عظيمًا للعائلة – إذ انضم سبعة أطفال آخرون إلى حياتهم. "أشكر الله دائمًا لأنه جعلني أمًا – ثماني مرات!" تقول بابتسامة. "ولأنه منحني زوجًا رائعًا هو أيضًا أب مدهش! فهو داعم ومشجع جدًا لهذا العمل."
هذه الخبرة الغنية في الأمومة شكّلت بعمق مقاربتها لخدمة التنشئة المسيحية، إذ تنظر إلى زملائها "بنظرة عائلية"، وتتعامل معهم بقلب الأم، معبّرة عن إيمانها العميق بالأخوّة كأبناء وبنات للمسيح – مبدأ تحرص على ترجمته عمليًا من خلال تشجيعهم ودعمهم.
ومع استعداد كيت لهذه الخدمة الجديدة والدائمة، تقف قصتها كشهادة قوية على قوة الإيمان التي تغيّر الإنسان، وعلى قيمة الخدمة المخلصة، وعلى قدرة الخبرة الشخصية على تغذية رسالة عميقة في قلب الكنيسة، حتى أقاصي الأرض.