موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المطران باسيليوس يلدو، المعاون البطريركي للكلدان
الصوم ظاهرة اجتماعية موجودة منذ العصور القديمة وقبل المسيحية بسنين عديدة، وقد أخذ الصوم عند البعض شكلاً طقسيًا من طقوس العبادة والديانة، فرضها المجتمع على سلوكياتهم! فمثلاً نجده عند الامم الوثنية في مناسبات مختلفة مثل الاستعداد للقاء الاله بالمعبد، او لتهدئة غضبه، او لدى وفاة شخص قريب. ونجده أيضًا عند اليهود في مناسبات خاصة للتعبير عن المصيبة والحداد، او قبل القيام بعمل كبير او مهمة، أو التماسًا للشفاء، أو لمنع حدوث كارثة. وكانوا اليهود الاتقياء يصومون يومين بالاسبوع (الاثنين والخميس) كعلامة للتديين والعبادة، وهذا ما نجده في مثل (الفريسي والعشار).
من الناحية النفسية، الصوم هو رغبة الانسان في قهر الشهوات والرغبات الجسدية التي يميل اليها الانسان بطبيعته الفطرية الغرائزية، اوباندفاع شهواني، فيكون الصوم امام كل تلك المغريات وسيلة لقهرها والتخلص من تاثيرها، برغبة واصرار حاسم لمقاومتها، فهنا يكون الصوم قد حقق اهدافه وهي الارادة القوية لدى الانسان والقناعة بما لديه او ما يملكه.
والصوم في المسيحية فهو الإمساك عن الطعام لهدفين: الأول من أجل بناء الذات والشخصية، والثاني العلاقة مع الله ومع الاخر (من خلال الصلاة والصدقة)، فالصوم ليس فقط موضوع طعام وشراب وإنما هو لتهذيب الإنسان روحيا وجسديا فهو يطوع جسده له كي يتحكم به وليس العكس!
كما ان الصوم يساعدنا في التغلب على تجارب الشيطان كما فعل يسوع في صومه وهذا الشيء واضح من كلامه للتلاميذ: عندما ارادوا طرد الشياطين، قال لهم يسوع: "هذا الجنس لا يخرج الا بالصوم والصلاة". وهناك فكرة أننا في الصوم عندما نمسك عن أطعمة نوفر قيمتها من اجل التبرع بها للفقراء والمحتاجين، مثل ما يفعلون في الاديرة والرهبانيات والمعاهد الاكليريكية.
تاريخياً هناك أنواع عديدة من الصيام، منها: صوم الأربعاء والجمعة على مدار السنة، والصوم الأربعيني المقدس حيث نصوم فيه خمسين يوما قبل عيد القيامة، وصوم الميلاد وهو قبل عيد الميلاد وهناك صوم السيدة العذراء قبل رقاد السيدة العذراء وصوم الرسل الذي هو بعد أحد جميع القديسين بعد العنصرة إلى عيد الرسل… الخ.
أشكال الصوم المسيحي
1- صوم فردي: أن يصوم الإنسان لهدف معين مثل التوبة او لتحقيق طلب معين. يقول الرب يسوع: "وأما أنت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" (متى 6: 16- 18).
2- صوم جماعي: هو صوم جماعة المؤمنين لأجل مشكلة او ضيقة تقع عليهم.. "اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمامه" (يهوديت 4 : 12).
3- صوم كنسي: تحدده الكنيسة، مثل صوم الميلاد، صوم نينوى، والصوم الكبير … الخ.
انواع الصوم المسيحي
- صوم الفـم: هو الانقطاع عن الطعام والشراب لمدة معينة من النهار.
- صوم الحواس: أي ضبط اللسان والعينين والأذنين واليدين والانف من الخطيئة.
- صوم الفكـر: هو تنقية الفكر وتقديس المشاعر والأفكار وكذلك التفكير بالأخرين.
- صوم القلب: أي نقاوة القلب من كل شيء شرير وقهر الشهوات الدنسة.
الصوم بشكل عام يكون مرتبط بالصلاة والصدقة: يقول اشعيا النبي: "اكسر للجائع خبزك…، وإذا رأيت عريانًا عليك أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك (أقاربك)" (أش58: 7). أما القديس اغسطينوس فيقول: "أتريد أن تصعد صلاتك للسماء فامنحها جناحين وهما الصوم والصدقة".
بركات الصوم للإنسان
1- تقوية الإرادة: فهو تدريب لتقوية الإرادة في حياة الإنسان وكبح جماح الجسد: "أذللت بالصوم نفسي" (مز35: 13). والصوم اكبر تدريب على قمع الشهوات الجسدية وتهذيب للميول المنحرفة "اقمع جسدي واستعبده" (1كو9: 27).
2- اكتساب الفضائل: الصوم يصفي الأركان الضعيفة في الإنسان: تصفية الشهوات، تصفية الكسل والفتور، تصفية البغض والكراهية… الخ. "لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب" (1بط 2 : 9).
3- رحمة ومعونة الله: الصوم يخلص من الضيقات والتجارب ويجلب المعونة الإلهية، لقد استدرك شعب نينوى بصومه وتوبته رحمة الله فرحمهم (سفر يونان).
مخاطر الصوم
1. أن يصير الصوم علاقة تجارية مع الله (شيء مقابل شيء).
2. أن يضعف الصوم الجسد فلا يعود قادراً على الصلاة والانتباه.
3. أن يفقد الصوم معناه ويبقى مجرد التمسك بالشكليات والتقاليد!
4. أن يكون لأجل اغراض الريجيم او لأجل اعطاء جمالية اكثر للجسم.
5. عندما لا يقترن الصوم بالصدقة والمحبة والتسامح واكيد الصلاة.
ولهذا يجب ان يكون هدف الصوم الحقيقي هو تهذيب ذاتنا وتقوية علاقتنا ومحبتنا لله والقريب.
فالصوم الخالي من العلاقة الحقيقية مع الله لا يعد صوما لأنه سيقتصر على الإنسان والطعام.
فليكن صومنا حقيقيًا وصلاتنا قلبية ومساعدتنا مجانية.