موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مع نهاية احتفالات عيد الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة، نستقبل العام الجديد والفرح يغمر القلوب بحلول سنة جديدة، بعد أيام عشناها في العام الماضي بحلوها ومرها. والسؤال الأهم الذي يطرحه الجميع الآن هو: ماذا سنفعل هذا العام؟ ما هي تطلعاتنا، وخططنا التي سوف نقوم بتصميمها لتناسب أهدافنا المستقبلية! كشبيبة مسيحية علينا دائمًا أن نحمل المسؤولية بكل جدية ليس فقط في بداية العام بل في كل أيام السنة.
بين تزاحم الأفكار والخطط علينا أن نجد الدور المطلوب مننا، وهنا سنتكلم عن الدور الذي علينا كشبيبة أن نقوم به كمحاولة بسيطة لجعل حاضرنا كما نحلم ونرغب.
عندما نتحدث عن الشبيبة علينا أن ندرك جيدًا أن المكان الطبيعي لتواجد الشبيبة هو الكنيسة، تسمى الكنيسة في اليونانيةekklesia أي المدعوة للانطلاق، فالكنيسة ليست مجرد مؤسّسة ولا كيان إداري يستطيع الإنسان أن يتجنبها. يمكننا أحيانًا أن ننزعج من الأخطاء والضعف الذي يرافق مراحل معينة في مسيرة الكنيسة، لكن ليس بإمكاننا أن نبتعد عن الكنيسة كشبيبة، ولنتذكر دائمًا أنّ الكنيسة هي علامة حضور الله بين البشر، إن الشبيبة تجد موطنها في الكنيسة.
من هنا يأتي أهمية الحديث عن رسالة الشبيبة في الكنيسة، لا يمكننا كشباب أن نتابع حياتنا من دون مصدر روحي يعزينا في صعوباتنا ويمنحنا الرجاء في أوقات مظلمة من حياتنا. يسوع ينتظرنا دائمًا وهو معنا ليرى عروسه تتزين بحضور الشباب. من خلال التزامكم أيها الشباب بمبادئ الكنيسة تقدموا للعالم المثال الصالح لشهود المسيحية. مع كل يوم جديد نعيشه، كل شاب مدعو لينطلق في الحياة من خلال الكنيسة بالأمل، مع كلمات الكتاب المقدس التي نسمعها طوال أيام السنة ننمو روحيًا ونستمر بحمل رسالتنا كأبناء للكنيسة التي هي بدورها أم ومعلمة.
للشبيبة أيضًا رسالة في المجتمع، بما أنها تعيش في المجتمع لا يمكننا تصور الشبيبة بدون مسؤوليات في المجتمعات التي نعيش وننمو فيها. تصميم الله هو أن على الإنسان أن يُحب ويجيب على محبة الله وهذا يعني أن يفكر ويعمل بمقتضى هذا الحب. فالمسيحية لا تدفعنا إلى الانغلاق ونبذ الآخر، بل على العكس المسيحية جزء من المجتمع وهي تأثر وتتأثر بكل الظروف المحيطة بنا من عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية.
كل شاب معني بقضايا المجتمع الذي ينتمي إليه وهذا يدفعنا لجعل كل أفعالنا تتجه نحو هدف محدد وهو الخير العام للجميع، فبهذا نعكس عمق رسالتنا المسيحية التي تبنى على محبة القريب والآخر. مع هذا التركيز والحب سنجد أن تفكيرنا تغيير أبعد من حاجاتنا الخاصة وبالتالي سنهتم بالآخر الذي هو شريك لنا في المجتمع، ومع الآخر ومن خلاله نبني مجتمع آمن وكريم للجميع. فرسالتنا كشباب واعي تقوم على أننا نرى في الآخر صورة المسيح وهذا يكفي لننبذ الحقد والكراهية.
يستمد كل فكر سياسي في المسيحية قيمته من الكرامة التي منحها الله للإنسان، والتي تجعل منه في كينونته فردًا وكائنًا اجتماعيًا، فالكنيسة تشجع المسيحيين على الالتزام في الأحزاب السياسية الديمقراطية وهذا يجعل الإنسان المسيحي من موقعه أن يعمل على تحقيق القيم المسيحية من خلال المناصب التي قد يشغلها. لكل شاب رأي سياسي خاص به بعيد عن آراء الأحزاب السياسية التقليدية التي غالبًا ما تفرض نظرتها الخاصة للأمور على الآخرين، ومن هنا يجب أن تكون قراءاتنا ونظرتنا للأمور الوطنية مبنية على ما ينص عليه الكتاب المقدس من قيم المحبة والعدالة ونشر الحقيقة.
من غير المقبول أن تكون شبيبة اليوم غير مبالية وتبتعد عن الدخول في اللعبة السياسية فقط لأنها غير قادرة على صنع فرق في حاضر بلادنا، بل على العكس نحن نمتلك رؤية نبوية وهي مبنية على ما قاله السيد المسيح: تعرفون الحق والحق يحرركم. فالسلام الذي ننشده في بلادنا يبدأ عندما نعمل ونشهد للعدالة، فالوطنية الصادقة تقود حتمًا إلى التضحية، والتضحية تعني البذل والعمل في الشأن العام بكل ما نملك من محبة وإيمان. رفض المسيح الظلم في المجتمع، قبله البعض ورفضه ولكن بقي هو هو الناصري الثائر المحب للفقراء. وهكذا أنتم يا شباب اليوم تحملون رسالة كبيرة في أوطانكم وهي الوفاء لبلاد نحيا فيها، ونعيش من خيراتها وتقدم لنا الخير ونحن نبادلها هذا الحب بالعمل على صنع مستقبل آمن تكون فيه الحرية المسئولة عنوان أيام جميلة نتمناها للجميع.
بين وجودكم وحضوركم في مسيرة الكنيسة تكملوا حياتكم أيها الشباب في المجتمع والوطن، وأنتم أصحاب التغيير والإبداع. مهما كانت الظروف صعبة إرادتكم أكبر من كل الصعوبات، فأنكم تمتلكون في داخلكم قوة تغيير كبيرة قادرة على جعل هذا العالم أجمل مما يبدو عليه الآن، لذلك انهضوا وتشجعوا لجعل هذا العام أجمل بأيامه القادمة، أنتم أبناء النور والرجاء وبكم تبقى الكنيسة شاهدة لرسالة المحبة التي من أجلها نعمل ونشهد.