موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في العهد الجديد نرى أن إيمان مريم "يجتذب" عطيّة الرُّوح القدس. وهذا ما يظهر أولاً في سرّ الحبل بابن الله الذي شرحه رئيس الملائكة جبرائيل على هذا النحو: "إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ" (لو 1: 35)... وقلب مريم المتناغم بشكل تام مع الابن الإلهي هو هيكل "رُوحُ الحَقِّ" (يو 14: 17) الذي تُحفَظ فيه كل الكلمات والأحداث بإيمان ورجاء ومحبة.
هكذا، يمكننا أن نثق بأن قلب يسوع الأقدس كان يجد دوماً في حياته الخفية في الناصرة "مسكنًا" ملتهبًا بالصلاة والانتباه الدائم إلى الرُّوح القدس في قلب مريم الطاهر. والدليل على هذا التناغم الفريد بين الأم وابنها في العمل بحسب مشيئة الله هو ما حصل في عرس قانا. ففي وضع زاخر برموز العهد، كوليمة العرس، تتدخل مريم العذراء وتحدث إلى حد ما رمزًا من رموز النعمة الإلهية الوافرة، إذ تشير "الخمرة الجيدة" إلى سرّ دمّ الرّب يسوع المسيح. وهذا ما يرشدنا مباشرة إلى الجلجلة حيث تقف مريم عند الصليب مع النسوة الأخريات ويوحنا الرسول. فالأم والرسول تلقّيا روحيًّا وصيّة الرّب يسوع أي كلماته الأخيرة وأنفاسه الأخيرة التي بدأ بها يرسل الروح، وفهما الصرخة الصامتة لدمه الذي سفكه من أجلنا (راجع يو 19: 25 وما يليها). كانت مريم تعرف مصدر هذا الدم: لقد تكون فيها بفعل الرُّوح القدس وعرفت أن هذه "القوة" المبدعة ستقيم الرّب يسوع من الموت، بحسب وعده.
على هذا النحو، ثبًّت إيمان مريم إيمان التلاميذ حتى اللقاء مع الرّب القائم من بين الأموات الذي استمرّ في مرافقتهم حتى بعد صعوده إلى السماء في انتظار "العماد بالرُّوح القدس" (راجع أع 1: 5)... لذلك فإن مريم هي لكل الأجيال مثال الكنيسة وقدوتها التي تسافر مع الرُّوح القدس عبر الأزمنة سائلةً عودة الرّب يسوع المسيح المجيدة: "آمين! تَعالَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع" (رؤ 22: 20).