موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٠
التنشئة المسيحية: قراءة في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" (4)

البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي :

 

نبدأ بنقل مضمون الفصل الأوَّل من الارشاد الرّسوليّ لقداسة البابا فرنسيس "فرح الانجيل". عنوان هذا الفصل: "تحوُّل الكنيسة الإرساليّ".

 

1. الكنيسة في حالة "انطلاق"

 

التَّبشير بالإنجيل لجميع الشُّعوب ينطلق من أمر المسيح الرَّبِّ الإرساليّ: "كما أرسَلَني الآب أُرسِلُكم أنا أيضًا. فاذهبوا إذن وتلمذوا جميع الأمم... وعمِّدوهم... وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتُكم به" (متى 28: 19-20). التبشير بالإنجيل هو من أجل انتشار الإيمان بالمسيح القائم من الموت في كلّ بقعةٍ من الأرض (الفقرة 19). الله يدعو للإرسال، وينتظر من كلّ واحدٍ منّا تلبية النِّداء.

 

هكذا فعَلَ ابراهيم عندما سمِعَ نداء الرَّبِّ ليذهبَ إلى أرضٍ جديدة (تك12: 1-3)، وموسى ليُخرِج شعب الله نحو أرض الميعاد (خر3: 10 و 17)، وإرميا النَّبيّ: "فإنَّك لكلّ ما أُرسِلُك له تنطلِق" (إر 7:1).

 

كلُّنا، بدعوةٍ من المسيح مدعوُّون "للخروج" الجديد الإرساليّ، خروجًا من رفاهنا الخاصّ والتَّحلِّي بالشَّجاعة للبلوغ إلى جميع المناطق المحتاجة إلى نور الإنجيل (الفقرة 20).

 

فرح الإنجيل هو فرحٌ إرساليٌّ. إختبَرَه التَّلاميذ السَّبعون (لو 17:10)، ويسوع (لو 17:10)، والحاضرون يوم العنصرة، إذ كانوا يسمعون كلُّ واحدٍ بلغته (أع 6:2): إنَّه فرح يتَّسم دائمًا بديناميَّة الخروج والعطاء، وفقًا لانقيادات الرُّوح القدس على مثال يسوع نفسه (الفقرة 21).

 

تمتلك الكلمة بحدّ ذاتها طاقةً لا يمكننا توقُّعها. هي مثل البذار الذي ينمو في ذاته، بعدما يُبذَر، حتَّى ولو نام الزَّارع (مر4: 26-29). الكلمة حرَّة ولا يمكن حصرها، فعَّالة على طريقتها وتحت أشكال مختلفة. عندما نطلقها تفوق دائمًا توقُّعاتنا، وتقلب مخطَّطاتنا رأسًا على عقب (الفقرة 22).

 

فرح الإنجيل يخصُّ الشَّعب كلَّه، ولا يُمكن أن يُقصى أحدٌ منه. الملاك أعلنه لرعاة بيت لحم يوم ميلاد يسوع "فرحًا عظيمًا يكون للشَّعب كلّه" (لو 10:2). سفر الرُّؤيا يتحدَّث عن بشرى سارَّة أبديَّة (الإنجيل)، يُبشَّر بها سكَّانُ الأرض من كلّ أمَّةٍ وقبيلةٍ ولسانٍ وشعب (رؤ 6:14). لذا، أمانةً منها للمسيح، تلتزم الكنيسة "بالخروج" دائمًا لتبشِّر الجميع بالإنجيل في كلّ مكان، وفي كلّ المناسبات، بدون تردُّد أو قنوطٍ أو خوف. الشَّركة مع المسيح والرِّسالة لا تنفصلان (الفقرة 23).

 

الكنيسة المنطلقة للرِّسالة هي الجماعة المبشِّرة التي تأخذ المبادرة وتلتزم وترافق وتأتي بالثِّمار وتمتلئ فرحًا. تأخذ المبادرة: تقوم بالخطوة الأولى، لكي تأتي الرِّسالة بثمارها، تمامًا على مثال المسيح. تذهب دائمًا إلى الأمام، إلى اللِقاء، تبحث عن البعيدين، تدعو المستبعدين. همُّها أن تحمل إلى الجميع رحمة الله التي اختبرتها. وتلتزم على مثال يسوع بالتَّواضع والخدمة، هو الذي قام وغسل أرجل التَّلاميذ، وقال: "طوبى لكم إذا عملتم به" (يو 17:13). الجماعة المبشِّرة تدخل في حياة الشَّعب اليوميَّة بكلامها وأفعالها، وتبني جسورًا؛ تتواضع وتلمس جسد المسيح المتألِّم في الآخرين. و"ترافق" الشَّعب في كلّ خطوةٍ في طريقه، مهما كان صعبًا وطويلاً. إنَّها متمرِّسة في الانتظار الطَّويل والصَّبر الرَّسوليّ. و"تأتي بالثِّمار" بأمانتها لهبة الرَّبّ الذي يريدها أن تعطي ثمارًا. تعتني بحبَّات القمح ولا تضطرب لوجود زؤان بينها. المهمّ زرع الكلمة وهي تأخذ جسدًا يحمل ثمارًا لحياةٍ جديدة. زرع حبَّات القمح أي كلمة الله هو فعل الشَّهادة للمسيح. والزُّؤان يرمز إلى الاضطهاد والمصاعب والرَّفض. المهمّ أن تُقبل كلمة الله، وتظهر قدرتها على التَّحرير والتَّجديد. وأخيرًا "تمتلئ فرحًا": وتعرف كيف تفرح دائمًا، وتعيِّد لكلّ خطوةٍ إلى الأمام على طريق البشارة بالانجيل. هذه تتألَّق في اللِّيتورجيّا وجمالها. وتعيّد لالتزامها اليوميّ بجعل الخير يتقدَّم. اللِّيتورجيَّا هي احتفالٌ بنشاط التَّبشير بالإنجيل وينبوع اندفاعٍ متجدِّدٍ للعطاء (الفقرة 24).