موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٥ أغسطس / آب ٢٠٢٠
التنشئة المسيحية: قراءة في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" (13)

البطريركية المارونية :

 

نواصل نقل الفصل الثاني من الإرشاد الرسولي لقداسة البابا فرنسيس "فرح الانجيل".

 

لا للتشاؤم العقيم (الفقرات 84-86)

 

1. فرح الانجيل لا يمكن انتزاعه منّا (راجع يو 22:16). شرور وآلام هذا العالم والكنيسة لا تنال من التزامنا وحرارة إيماننا. بل فلنعتبرْها تحدّيات تساعدنا على النموّ. فالروح القدس يشعّ دائمًا وسط الظلمات، غير متناسين أنّه "حيث تكثر الخطيئة تفيض النعمة" (روم 20:5). ألا يتحدَّى الإيمانَ استخراجُ الخمر من الماء في عرس قانا، ونموُّ القمح وسط الزؤان؟ القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون يعلّمنا أنّ "ما نراه من كوارث ومشاكل في هذا الجيل إنّما يدعونا إلى الايمان بالعناية الإلهيّة التي تقودنا إلى نظامٍ جديد للعلاقات الانسانيّة الموجَّهة بالجهود البشريّة، وفوق كلّ انتظار، نحو تحقيق تصميم الله الأسمى والعميق سبره، الذي يؤدّي بكلّ شيء، حتى بالانتكاسات البشرية، إلى خير الكنيسة الأعظم" (عظة افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني في 11 تشرين الاول 1962) (الفقرة 84).

 

2. من أصعب التجارب التي تخنق الجرأة والغيرة الروح الانهزامية. لا أحد يستطيع الذهاب ليحارب، ما لم يكن مقتنعًا سَلفًا بالانتصار. وإذا بدأناها من دون ثقة، خسرنا نصف المعركة، وحرقنا مقدّراتنا. وعندما ندرك حدودنا الشخصية، ينبغي أن نواصل السَّير، متذكرين قول الربّ لبولس: "تكفيك نعمتي، لأن نعمتي تكتمل في الضعف" (2 كور 9:12). الانتصار المسيحيّ هو دائمًا صليب، أجل صليب هو وفي الوقت عينه، راية ظفر تُحمَل بحنان مجاهد ضدّ حملات الشرير (الفقرة 85).

 

3. نعيش اليوم حالةً من التصحّر الروحيّ. هو في بعض البلدان نتيجة جماعات تريد أن تبني من دون الله، أو أن تحطّم جذورها المسيحيَّة. ما يجعل العالم المسيحيّ عقيمًا مثل أرضٍ استُغلَّت بإفراط حتَّى أصبحت صحراويّة. وفي بلدان أخرى، المعارضة العنيفة ضدّ المسيحيّين تحملهم على إخفاء إيمانهم في أرضهم الأم العزيزة على قلوبهم.

 

ولكنّ في هذه الصحراء - الفراغ، نستطيع إعادة اكتشاف ما هو جوهريّ في الحياة، وإعادة اكتشاف فرح الإيمان. لذا يوجد في عالمنا المعاصر علامات كثيرة للتعطّش إلى الله والمعنى الأسمى للحياة. في الصحراء نحتاج دائمًا إلى أشخاص إيمانٍ يرشدون، بمثَل حياتهم، إلى الطريق المؤدّي إلى أرض الميعاد، وهكذا يحافظون على شعلة الرجاء. في كل الأحوال وفي مثل هذه الظروف، نحن مدعوون لنكون ينابيع حية، يستطيع أن يشرب منها الآخرون. يتحوّل أحيانًا الينبوع إلى صليب ثقيل. فلا ننسى أنّ الربّ يسوع قدّمَ لنا ذاته من جنبه المطعون بالحربة، وهو على الصليب، كينبوع ماء حيّ. "فلا ندعنّ أنفسنا نُسلَب الرجاء" (الفقرة 86).

 

نعم للعلاقات الجديدة التي أنشأها المسيح (الفقرات 87 -92)

 

1. شبكات التواصل البشري ووسائله وتطوّره، تنفتح على جمال العيش معًا والتمازج والتلاقي والمساندة المتبادلة. وإنّ الدخول في تيّار فوضويّ يمكن أن يصبح اختبارًا للأخوّة وقافلة متضامنة وحجًّا مقدّسًا. وهكذا تتحوّل أعظم إمكانات التواصل إلى أعظم إمكانات التلاقي والتضامن مع الجميع. الخروج من الذات والانضمام إلى الآخرين صحيّ بالنسبة إلينا. أمّا الانغلاق على الذات فهو تذوّق السمّ المرّ الداخليّ. والبشرية تصبح أسوأ في كلّ مرّة تتّخذ خيارًا أنانيًّا (الفقرة 87).

 

2. المثال المسيحي يدعونا دائمًا إلى تجاوز الشك وعدم الثقة والخوف من فقدان حياتنا الخاصة وكل التصرّفات الدفاعية التي يفرضها علينا عالم اليوم. كثيرون يتهرّبون من الآخرين ليعيشوا في إطار حياتهم الشخصيّة أو في حلقة صغيرة من الأصدقاء، وكأنّهم يريدون مجرّد مسيح، من دون جسد وصليب. لكنّ الإنجيل يدعونا دائمًا إلى اللقاء وجهًا لوجه مع الآخرين، مع حضورهم الحسيّ ومع وجعهم ومطالبهم التي تتحدّانا. إيماننا بابن الله المتجسّد لا ينفصل عن عطاء الذات والمصالحة مع الآخرين. وابن الله بتجسدّه يدعونا إلى ثورة الحنان (الفقرة 88).

 

3. من التحدّيات بوجه العلاقات التي أنشأها المسيح نذكر ثلاثة: العزلة التي يجد فيها الإنسان استقلالية مزيّفة، حيث لا مكان لله. وقد تأخذ شكل الاستهلاكية الروحية. الإلحاد؛ الحاجة إلى الإجابة السليمة على عطش الكثيرين إلى الله، لئلاّ يرووه من يسوع، بدون جسد الذي لا يطلب منا شيئًا تجاه الآخرين. يجب أن يجد هؤلاء في الكنيسة روحانيّة تشفي وتحرّر وتملأهم حياةً وسلامًا، وتدعوهم إلى الشركة الأخويّة والخصوبة الإرسالية، وإلاّ انتهوا بحلول لا تصنع حياة إنسانية حقّة، ولا تؤدّي مجدًا لله (الفقرة 89).

 

4. التقوى الشعبيّة الأصيلة وُلدَت من تجسّد الإيمان المسيحيّ في الثقافة الشعبية. لهذا السبب تقيم التقوى الشعبية علاقات مع الله والمسيح ومريم وقديسين. هذه التقويات صاحبة جسد ووجه وقادرة على نسج علاقات. بالمقابل، يوجد في مجتمعنا أشكال متنوّعة من "روحانية الرفاهية" المطلَّقة من كلّ جماعة، أو "لاهوت الازدهار" المقطوع من المسؤولية تجاه الإخوة والأخوات، أو "اختبارات لا شخصيّة" ليست سوى شكلاً من التركيز على الذات (الفقرة 90).

 

5. والتحدّي المهمّ أن نبيّن أن الحلَّ لا نجده أبدًا في الهرب من العلاقة الشخصيّة والملتزمة مع الله. وهي علاقة تلزمنا في الوقت عينه بخدمة الآخرين. إنّنا نحتاج إلى أن نساعد الآخرين ليدركوا أنّ الطريق الوحيد هو أن يتعلّموا كيفية لقاء الاخرين بالمسلك السليم الذي هو قبولهم واعتبارهم رفقاء الدرب، من دون مقاومة داخلية؛ بل أن يتعلّموا إيجاد يسوع في وجه الآخرين وأصواتهم، ومطالبهم؛ وأن يتعلّموا الألم بمعانقة يسوع المصلوب في كل حالة ظلم أو نكران جميل، من دون تعب من قرار العيش في الأخوّة (الفقرة 91).

 

فلا ندعنَّ أنفسنا نُسلب الجماعة (الفقرة 92).