موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
التنشئة المسيحية: قراءة في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" (14)
الفصل الثالث من الإرشاد الرسولي لقداسة البابا فرنسيس "فرح الانجيل". عنوان هذا الفصل: "إعلان الإنجيل".

البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي :

 

"شعب الله متعدّد الوجوه"

 

1. لقد بيَّنَّا في ما سبق أنَّ شعب الله في العهد الجديد هو الكنيسة. إنَّه متجسّد في جميع الشعوب بتعدّد وجوهها. "الوجوه" تعني هنا الثقافات. لشعب الله ثقافةٌ أساسيَّة هي الثقافة الإنجيليَّة المسيحيَّة. هذه الثقافة تتجسَّد في مختلف ثقافات الأرض. نسمّي هذا التجسّد "انثقافًا". الثقافة تساعد على فهم مختلف تعابير الحياة المسيحيَّة. من خلال نهج الحياة المسيحيَّة يقيم المسيحيّون علاقتهم فيما بينهم، ومع الآخرين ومع الله.

 

كلّ شعب يُعنى بتطوير ثقافته على مجرى تاريخه باستقلاليَّة شرعيَّة. ذلك أنَّ الشخص البشريّ بشعر، بحكم طبيعته، بالحاجة إلى الحياة في مجتمع، إذ يجد بذلك سبيلاً للارتباط بالواقع. يجد الشخص البشريّ دائمًا موقعه في الثقافة. "الطبيعة والثقافة مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا" (الكنيسة في عالم اليوم، 53). النعمةُ تفترض الثقافة، وموهبةُ الله تتجسّد في الذين يتقبّلونها (الفقرة 115).

 

 2. خلال الألفي سنة الأولى من حياة المسيحيَّة، شعوبٌ لا تحصى تقبَّلت نعمة الإيمان، الذي أزهرَ في حياتهم اليوميَّة. عندما تتقبَّل جماعةٌ نداء الخلاص، يُغني الروح القدس ثقافتها بقوّة الانجيل التي تُبدِّل. فيما الكنيسة تبقى أمينةً لذاتها ولإعلان الانجيل والارتباط بتقليدها، فإنّها تعكس أيضًا الوجوه المتنوّعة للثقافات والشعوب الذين قبلوها، والذين فيهم تجذَّرت (يوحنا بولس الثاني: بداية الألفية الجديدة، 40). وبهذا تعبِّر الكنيسة عن "كاثوليكيَّتها" الأصيلة، وتعكس جمال وجهها المتنوّع.

 

من خلال الانثقاف، تُدخِل الكنيسة الشعوب، مع ثقافاتهم، في جماعتها الخاصَّة. ذلك أنَّ كلَّ ثقافةٍ تقدِّم قيمًا وصيغًا إيجابيَّة، بإمكانها إغناء طريقة إعلان الانجيل وفهمه وعيشه. وهكذا تتَّخذ الكنيسة قيم الثقافات على تنوّعها، وتصبح مثل "عروس مزيَّنة لعريسها" (اشعيا 10:61).

 

3. التنوّع الثقافي لا يهدّد وحدة الكنيسة. الروح القدس سيبدّل قلوبنا، ويؤهّلنا لندخل في شركة كاملة مع الثالوث الاقدس، حيث تجد كلُّ الأشياء وحدتها. إنّه يبني شركة شعب الله وتناغمه. فالروح القدس هو إيّاه التناغم، تمامًا كما هو رباط الحبّ بين الآب والابن. هو الذي يخلق تنوّعًا غنيًّا من المواهب، ويحقّق في الوقت عينه وحدةً ليست أبدًا تماثلاً (uniformity)، بل متعدّدة الوجوه، ويدعو إلى التناغم.

 

إنَّنا لا ننصف منطق التجسّد، عندما نفكّر بمسيحيَّة وحيدة الثقافة وأحاديَّة الوتر. من طبيعة الرسالة المسيحية أن لا تتماثل مع أيٍّ من الثقافات، بل أن يكون مضمونها عابرًا للثقافات. عندما نبشّر بالانجيل ثقافات جديدة أو ثقافات لم تتقبّل بعد البشراة المسيحيَّة، ليس من الضروري فرض شكلِ ثقافيّ خاصّ، مهما كان جميلاً وقديمًا، مع إعلان الانجيل، تجنّبًا لكلّ مظهر تباهي أو غرور وتعصّب أكثر منه حرارة تبشيريَّة بالانجيل أصيلة (الفقرة 117).

 

 4. يُطلب، عند الكرازة بالانجيل في قارّات أخرى غير أوروبا وسواها، إفهامُ حقيقة الانجيل، وتقديمُها مستوحيةً "تقالد المنطقة وثقافاتها"؛ مع الطلب من المرسَلين "أن يعملوا بانسجام مع المسيحيّين الأصليّين بحيث يتمّ التعبير عن إيمان الكنيسة وحياتها في صيغ متناسبة مع كلّ ثقافة. لا نستطيع الطلب من شعوب كلّ قارّة أن يقلّدوا، في التعبير عن إيماهم المسيحيّ، طرق البلدان الاوروبيَّة التي تبنّتها في وقتٍ معيَّن من تاريخها، لأنّ الإيمان لا يمكن أن يُغلق عليه في حدود مفهوم ثقافة خاصَّة والتعبير عنها. من المسلَّم به أنَّ ثقافة واحدة لا تستنفد سرّ المسيح للفداء.

 

 

"كلّنا تلاميذ مرسَلون" (الفقرات 119-121)

 

1. في كلّ معمَّد، يعمل الروح الذي يقدّس ويدعو الى الانجلة. بحكم مسحة المعمودية والميرون، يتقدّس شعب الله، ولا يُخطئ في إيمانه، ولو لم يجد كلمات للتعبير عنه. الروح يوجّه هذا الشعب في الحقيقة، ويقوده الى الخلاص. ويمنح المسيحيين "حسّ الايمان" الذي يساعدهم على تمييز ما هو من الله (الفقرة 119).

 

2. بحكم المعمودية كلّ أعضاء شعب الله أصبحوا تلاميذ مرسَلين (راجع متى 19:28). كلّ المعمّدين، أيًّا تكن حالتهم او موقعهم او مستواهم او معرفتهم في شؤون الايمان، هم مدعوون ليكونوا فاعلين في الانجلة. الانجلة الجديدة تتطلّب التزامًا شخصيًا من كل معمّد، وهذا تحدٍّ له الآن وهنا. فكلّ من اختبر محبّة الله الخلاصيّة لا يحتاج الى تدريب لكي يَخرج ويُعلن محبة الله. هذا ما يجعل المسيحيين "تلاميذ مرسَلين".

 

فلنفكّر بالتلاميذ الأول: تلميذا يوحنّا بعد رؤية يسوع عادا يعلنان بفرح: "لقد وجدنا المسيح" (يو 41:1)! المرأة السامرية أصبحت مرسَلة بعد ان تكلّمت مع يسوع. وكثير من السامريين آمنوا به بسبب شهادة المرأة (ية 39:4). بولس الرسول بعد لقائه بيسوع المسيح على طريق دمشق، راح للحال يُعلنه ويبشِّر به (أعمال 20:9؛ 22: 6-21) (الفقرة 120).

 

3. طبعًا كلّنا بحاجة لننضج في عملنا كمبشّرين بالانجيل. نريد تدريبًا وتعميقًا للمحبّة والشهادة الأوضح للانجيل. لذا، نحتاج الى من يبشّرنا، من دون تأجيل رسالتنا، رسالة الأنجلة. بل على كل واحدٍ منّا أن ينقل المسيح حيثما وُجد، وأن يقدّم تعبيرًا واضحًا عن محبّة الله الخلاصيّة. فالله على الرغم من نواقصنا يهدينا قربه والقوّة والمعنى لحياتنا كي نواصل رسالتنا في اعلان الانجيل بمسلكنا وثقافتنا (الفقرة 121).