لقاء مع السلطات

وفي أول خطاب له في البلاد، أمام السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي، أعرب البابا عن سعادته لوجوده كـ"حاج للسلام، يسعى للحوار والوحدة". وأكّد على الضرورة الملّحة التي يحتاجها عالمنا اليوم إلى السلام وإلى "استعادة الانسجام"، مُستخدمًا صورة آلة "دونغ بولا" الموسيقيّة الوتريّة والتي تشكّل رمزًا للبلاد، حيث تربط بين الماضي والحاضر، وترمز إلى الاستمرايّة في التنوّع.

وأشار إلى أنّ كازاخستان تحمل "تاريخًا مجيدًا من الثقافة والإنسانيّة والمعاناة"، لافتًا إلى مخيمات الاعتقال والترحيل الجماعيّة التي حدثت في تاريخ البلاد، وحقيقة أنّه على الرغم من ذلك لم يترك الكازاخ أنفسهم أسرى لهذه المظالم. وقال: "لتشكّل الآلام والمحن، التي اختبرها الناس على مر العصور، دافعًا للسير قدمًا نحو المستقبل، واضعين كرامة الإنسان في الصدارة، بغض النظر عن الانتماءات العرقيّة والاجتماعيّة والدينية".

علمانيّة سليمة

ومستذكرًا المثل المحليّ: "مصدر النجاح هو الوحدة"، قال: إنّ التعايش القائم في كازاخستان بين 150 جماعة عرقيّة مختلفة، وأكثر من 80 لغة محكيّة، بالإضافة إلى التقاليد الثقافيّة والدينيّة المتنوعة، تشكّل سيمفونية فائقة العادة، وتجعل من هذا البلد مختبرًا متعدّد الأعراق والثقافات والأديان، ليكون بلدَ التلاقي".

ولفت إلى أنّ دستور كازاخستان ينصّ على كون البلاد علمانيّة، مع ضمان الحريّة الدينيّة وحريّة المعتقد، معتبرًا أنّ العلمانيّة السليمة التي تُقر بدور الأديان الأساسيّ، تمثل شرطًا أساسيًّا لمعاملة المواطنين على قدم المساواة، ولتعزيز حسّ الانتماء إلى الوطن لكل المكوّنات.

وشدّد على أنّ الأديان "تحتاج إلى الحريّة كي تعبّر عن ذاتها، وهذه الحريّة الدينيّة تشكل ركيزة التعايش المدنيّ". كما حيّا قداسته الجهود الهادفة إلى الدفاع عن قيمة الحياة البشريّة من خلال إلغاء عقوبة الإعدام، مشددًّا على ضرورة أن يكون ذلك مرفقًا باحترام حرية الفكر والضمير والتعبير.

ديمقراطيّة

وأشار إلى عملية إرساء ديمقراطيّ في البلاد والتي بدأت في الأشهر الأخيرة "بهدف تعزيز صلاحيات البرلمان والسلطات المحليّة، وضمان توزيع عادل للسلطات". وقال: إنّ هذه عمليّة جديرة بالتقدير، لكنها تتطلّب الكثير، وتتطلّب المثابرة نحو الهدف، دون الرجوع إلى الالتفاف إلى الخلف.

وقال: يجب ألا تقتصر الديمقراطيّة على الشعارات والخطابات، إذ لا بد أن تُترجم إلى خدمة ملموسة للشعب، كي تُصغي السياسة إلى الناس وتسعى إلى تلبية تطلعاتهم المشروعة، مع إشراك المجتمع المدنيّ والمنظمات غير الحكوميّة والإنسانيّة، مع إيلاء اهتمام خاص بالعمال والشبان وشرائح المجتمع الأشد ضعفًا، موضحًا أنّ هذا النهج يشكّل العلاج الأنسب للتطرّف والشعبويّة التي تهدّد استقرار الشعوب ورخاءها.

تناغم وسلام

وأشار إلى أنّ زيارة يوحنا بولس الثاني إلى هذا البلد، في أيلول 2001، قد جاءت "لزرع بذور الأمل" بعد اعتداءات 11 سبتمبر، أمّا زيارته الآن فتأتي في وقت "يشهد فيه العالم حربًا في أوكرانيا، إضافة إلى حروب وصراعات متعدّدة". وأردف أنّه جاء ليردّد صرخة العديد من الأشخاص الذين يطلبون السلام.

وقال: "لا بدّ من توسيع حلقة الالتزام الدبلوماسيّ لصالح الحوار واللقاء، لأنّ مشكلة البعض باتت اليوم مشكلة الجميع، ومن يتمتع بنفوذ أكبر لديه مسؤوليات أكبر حيال الآخرين". وشدّد على أنّ "العالم يحتاج إلى زعماء يروّجون للتفاهم والحوار، ويرغبون في تعزيز تعدديّة الأطراف وبناء عالم أكثر استقرارًا وسلامًا. وهذا يتطلب التفاهم والصبر والحوار مع الكل".

وحيّا البابا فرنسيس قرار نزع الأسلحة النوويّة الذي اتخذته كازاخستان بحزم، كما أشاد بالسياسات في مجال الطاقة والبيئة التي ترمي إلى التخلي عن الفحم والاستثمار في الطاقات النظيفة. وقال: إنّ هذه القضايا، بالإضافة إلى مسألتي الحوار بين الأديان والتسامح، تشكّل بذورًا ملموسة تُزرع في تربة البشريّة، وعلينا أن نعتني بها من أجل أجيال الغد.