موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٤ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢
البابا: أن نكون مسيحيّين يعني أن نعيش من دون سُموم، وألّا نلدغ بعضنا بعضًا

أبونا :

 

في إطار زيارته الرسوليّة إلى كازاخستان، وبمناسبة عيد ارتفاع الصليب المقدّس، ترأس البابا فرنسيس، بعد ظهر الأربعاء، القداس في مركز إكسبو بالعاصمة نور سلطان. ورغم أنهم يشكلون أقل من 1% من السكان، فقد شارك بالقداس آلاف الكاثوليك.

 

استهلّ الحبر الأعظم عظة القداس بالإشارة إلى أنّه على الرغم من أنّ "الصليب هو مشنقة الموت"، إلا أننّا في هذا العيد "نحتفل بارتفاع صليب المسيح. لأنّه على تلك الخشبة حمل يسوع على عاتقه خطيئتنا وشرّ العالم، وهزمهما بمحبّته".

 

وتأمل قداسته بالصورة المتناقضة لـ"الحيّات التي تلدغ" و"الحيّة التي تخلِّص" في الكتاب المقدّس.

 

الحيّات التي تلدغ

 

وقال: "كان شعب الله يسير في الصّحراء نحو أرض الميعاد وقد أنهكه التعب، ولم يستطِع تحمّل السّفر (عدد 21، 4). فأحبطت عزيمته، وفقد الرّجاء، وفي لحظة معينة بدا الأمر كما لو أنّه نسي وعد الله: لم يعد لدى هؤلاء الناس القوّة ليؤمنوا بأنّه هو الذي يقود مسيرتهم نحو أرض غنيّة ومثمرة. فليس من قبيل الصّدفة أنّه عندما نَفَدَت الثقة بالله، بدأت الحيّات القاتلة تلدغ الشّعب".

 

وأشار إلى أنّ هذه الحيّات "تذكّرنا بالحيّة الأولى في سفر التكوين التي سمّمت قلب الإنسان وجعله يشك في الله.. والآن، في الصّحراء، عادت الحيّات، ’الحَيَّاتِ اللاَّذعة‘ (عدد 21، 6)؛ أيّ عادت الخطيئة الأصليّة: بَنو إسْرائيل يشكُّون في الله، ولا يثقون به، ويتذمرّون، ويتمردون على من أعطاهم الحياة، وبالتالي يعرِّضون أنفسهم للموت. هذا ما يُحدِثُه عدم الثقة في القلب!".

 

وأوضح الحبر الأعظم بأنّ "الجزء الأوّل من القصة يطلب منّا أن ننظر عن كثب إلى اللحظات في تاريخنا الشخصيّ والجماعيّ التي غابت فيها الثقة بالله، وثقتنا بعضنا ببعض. فكم مرّة فقدنا الثقة والصّبر، وقَسَوْنا في صحاري حياتنا، وغاب عن بصرنا هدف المسيرة"، كما "أنّها مواقف في الحياة الشّخصيّة والكنسيّة والاجتماعيّة، التي تلدغنا فيها حيّة عدم الثقة، وتنفث فينا سموم خيبة الأمل وصعوبة العيش والتشاؤم والاستسلام، فننغلق في الأنا، وتُطفئ فينا الحماس".

الحيّة التي تخلّص

 

أمّا الصورة الثّانية وهي: الحيّة التي تُخلّص، تابع البابا فرنسيس في عظته بالقول: "بينما كان الشّعب يموت بسبب الحيّات اللّاذعة، استجاب الله لصلاة موسى الذي تشفّع بالشّعب، وقال له: ’اصنع لك حيّة لاذعة واجعلها على سارية، فكلّ لديغٍ ينظر إِليها يحيا‘ (عدد 21، 8). فكان "أي إنسانٍ لدغته حيّة ونظر إِلى الحيّة النحاسيّة يحيا" (عدد 21، 9).

 

وتساءل: لماذا لم يقضِ الله ببساطة على الحيّات السّامّة، بدل أن يعطي هذه التّعليمات المعقّدة لموسى؟. وأشار إلى أنّ هذا يبيّن "طريقة الله في التعامل مع الناس، أمام الشرّ، والخطيئة وانعدام الثقة في البشريّة"، فالله "لا يبيد الشرّ الذي يسعى إليه الإنسان بحريّته: الحيّات السّامّة لا تختفي، إنّها دائمًا موجودة، وتتربّص بنا، ويمكنها دائمًا أن تلدغ".

 

في حين، مع السيّد المسيح جاء هذا "التحوّل": فـ"كما رفع موسى الحيّة في البريّة، فكذلك يجب أن يُرفع ابن الإِنسان، لتكون به الحياة الأبديّة لكلّ من يُؤمن به" (يوحنّا 3، 14-15). فمع هذا هو التحوّل: وصلت إلى ما بيننا الحيّة التي تخلّص: وهو يسوع المسيح الذي رُفع على خشبة الصّليب، وهو لا يسمح للحيّات السامة التي تهاجمنا، أن تقودنا إلى الموت".

إبقاء نظرنا موجهًا إلى يسوع

 

أضاف: أمام وضاعتنا، وهبنا الله سموًّا جديدًا وهو: إن أبقينا نظرنا موجّهًا إلى يسوع، لن تستطع بعد لدغات الشّرّ أن تسيطر علينا، لأنّ يسوع، على الصّليب، أخذ على عاتقه سُمّ الخطيئة والموت، وهزم قوّتها المدمّرة... هذه هي عظمة الرحمة الإلهيّة التي لا نهاية لها: يسوع الذي صار خطيئة، والذي على الصّليب صار حيّة، حتّى إذا ما نظرنا إليه أمكننا أن نقاوم لدغات الحيّات السّامّة والخبيثة التي تهاجمنا".

 

وأوضح بأنّ "طريق خلاصنا، وولادتنا من جديد وقيامتنا هو أن ننظر إلى يسوع المصلوب. لأنّنا من صليب المسيح نتعلّم المحبّة، لا الكراهية، ونتعلّم الرأفة، لا اللّامبالاة، ونتعلّم المغفرة، لا الانتقام. وإنّ ذراعَي يسوع المفتوحتَين، هما عناق الحنان الذي به يريد الله أن يستقبلنا، ويبيّنان لنا الأخوّة التي نحن مدعوّون إلى أن نعيشها فيما بيننا ومع الجميع.. طريق يسوع هو طريق آخر، هو طريق الخلاص: إنّه طريق المحبّة المتواضعة، والمجّانيّة والشّاملة، ومن دون ”إذا“ ومن دون ”لكن“".

 

وخلص البابا إلى القول: "أزال يسوع وهو على خشبة الصليب سُمّ حيّة الشّرّ. وأن نكون مسيحيّين يعني أن نعيش من دون سُموم: ألّا نلدغ بعضنا بعضًا، ولا نتذمّر، ولا نتّهم، ولا نثرثر، ولا ننشر عمل الشّرّ، ولا نلوّث العالم بالخطيئة وعدم الثّقة اللذين يأتيان من الشّرّير. لقد وُلدنا من جديد من جَنْبِ يسوع المفتوح على الصّليب: فلا يكن فينا سُمٌّ مُهلِك (الحكمة 1، 14). بل، لنصلِّ، حتّى يمكننا أن نصير مسيحيّين بنعمة الله أكثر فأكثر: وأن نصبح شهودًا فرحين لحياة جديدة، وللمحبّة، وللسّلام".