موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
البابا فرنسيس: لنضع كلمة الله مجدّدًا في محور الصلاة والحياة الروحية!
ويمنح درجة القارئ وخدمة أستاذ التعليم المسيحي

فاتيكان نيوز :

 

بمناسبة الاحتفال بـ"أحد كلمة الله"، ترأس قداسة البابا فرنسيس، صباح اليوم الأحد 23 كانون الثاني 2022، القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس، منح خلاله رتبة القارئ وخدمة أستاذ التعليم المسيحي لعدد من الرجال والنساء من مختلف أنحاء العالم.

 

تابع: كلّ شيء قد بدأ من الكلمة التي وجّهها الله لنا. بالمسيح، كلمته الأزليّة اختارنا الآب "قبل تأسيس العالم". وبكلمته خلق الكون: "لأنه قال فكان وأمر فوجد". منذ القديم كلّمنا الله بواسطة الأنبياء؛ وفي الختام في ملء الزمن أرسل لنا كلمته، الابن الوحيد. لذلك بعد أن انتهى من قراءة النبي أشعيا، قال يسوع في الإنجيل شيئًا لم نسمع به من قبل: "اليَومَ تَمَّت هَذِهِ الآيَةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم". تمّت: إن كلمة الله لم تعد وعدًا بل تحقّقت وفي يسوع تجسّدت؛ وبفعل الروح القدس جاءت وسكنت بيننا وتريد أن تقيم فينا لكي تملأ انتظاراتنا وتشفي جراحاتنا.
 

أضاف: أيها الإخوة والأخوات، لنحدّق أنظارنا إلى يسوع، مثل الناس في مجمع الناصرة، ولنقبل كلمته. ولنتأمل اليوم في جانبين منها مرتبطين ببعضهما البعض: الكلمة تكشف الله والكلمة تقودنا إلى الإنسان. أولاً الكلمة تكشف الله. إن يسوع، في بداية رسالته، وفي تعليقه على ذلك المقطع من النبي أشعيا أعلن خيارًا واضحًا: أنه جاء ليحرِّر الفقراء والمظلومين. هكذا ومن خلال الكتاب المقدّس يُظهر لنا وجه الله كذلك الذي يعتني بفقرنا ويهتمُّ بمصيرنا. هو ليس سيدًا جالسًا في السماء، ولكنه أبٌ يتبع خطانا. هو ليس مراقبًا باردًا وغير مبالٍ، بل هو الله معنا، الذي يهتمُّ بحياتنا ويشارك فيها لدرجة أنّه يذرف دموعنا. هو ليس إلهًا محايدًا وغير مبالٍ، بل هو روح محب للإنسان، يدافع عنا، وينصحنا، ويتخذ مواقفًا لصالحنا، ويتدخل ويلتزم بآلامنا. هذه هي "البشرى السارة" التي يعلنها يسوع أمام أنظار الجميع المذهولة: الله قريب ويريد أن يعتني بي وبك وبالجميع. يريد أن يرفعك من الأثقال التي تسحقك ويريد أن يُدفئ برد شتائك ويريد أن ينير أيامك المُظلمة ويريد أن يعضُد خطواتك المُتردِّدة. ويقوم بذلك بكلمته التي يُكلِّمك بها لكي يشعل الرجاء مجدّدًا داخل رماد خوفك ولكي يجعلك تجد الفرح مجدّدًا في دهاليز أحزانك ولكي يملأ بالرجاء مرارة وحدتك.

تابع: أيها الإخوة والأخوات، لنسأل أنفسنا: هل نحمل هذه الصورة المحررة لله في قلوبنا، أم نفكر فيه كقاضٍ صارم، وضابط جمارك صارم في حياتنا؟ هل إيماننا هو إيمان يولِّد الرجاء والفرح أم أنه لا يزال مثقلًا بالخوف؟ أي وجه لله نعلنه في الكنيسة؟ المخلص الذي يحرر ويشفي أم المخيف الذي يسحق تحت الشعور بالذنب؟ لكي نتوب إلى الله الحقيقي، يبين لنا يسوع من أين نبدأ: من الكلمة. فهي إذ تُخبرنا قصة محبة الله لنا، هي تُحررنا من المخاوف والأفكار المسبقة حوله، والتي تُطفئ فرح الإيمان. إنّ الكلمة تُحطِّم الأصنام الكاذبة، وتكشف توقعاتنا، وتحطم تصويراتنا البشريّة لله وتعيدنا إلى وجهه الحقيقي، إلى رحمته. إن كلمة الله تغذي الإيمان وتجدده: لنضعها مجدّدًا في محور الصلاة والحياة الروحية!

 

أضاف: والآن الجانب الثاني: الكلمة تقودنا إلى الإنسان. عندما نكتشف أن الله محبة رحيمة، نتغلب على تجربة الانغلاق في تدين مقدس، يقتصر على عبادة خارجية لا تلمس الحياة ولا تغيرها. تدفعنا الكلمة إلى لكي نخرج من ذواتنا وننطلق للقاء الإخوة بالقوة الوديعة لمحبة الله المحررة. في مجمع الناصرة، كشف لنا يسوع هذا: أنه قد أُرسل لكي يلتقي بالفقراء - الذين هم نحن جميعًا - ويحرّرهم. فهو لم يأت ليقدِّمَ قائمة من الأعراف أو ليدير بعض الاحتفالات الدينية، بل نزل إلى شوارع العالم لكي يلتقي بالبشريّة الجريحة، ولكي يلمس بحنان الوجوه التي جوّفها الألم، ويشفي القلوب الكسيرة، ويحرّرنا من الأغلال التي تسجن روحنا. بهذه الطريقة يكشف لنا عن العبادة التي ترضي الله: العناية بالقريب.

تابع: أيها الإخوة والأخوات، إن كلمة الله تغيرنا. وتقوم بذلك إذ تنفُذُ في النفس كالسيف. لأنها إذا كانت من ناحية تعزينا وتكشف لنا وجه الله، فهي من ناحية أخرى تثيرنا وتهزنا وتعيدنا إلى تناقضاتنا. فهي لا تتركنا بسلام، إذا كان هذا السلام على حساب عالم يمزقه الظلم وإذا كان الضعفاء يدفعون ثمنه. إنَّ الكلمة تقوِّض تبريراتنا التي تجعل ما لا يسير جيدًا يعتمد دائمًا على الآخر وعلى الآخرين. هي تدعونا لكي نخرج إلى العلن، ولكي لا نختبئ وراء تعقيد المشاكل، ووراء "ليس هناك ما أفعله" أو "ماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟". هي تحثنا لكي نعمل ونوحِّد عبادة الله والعناية بالإنسان. لأن الكتاب المقدس لم يُعطى لنا لكي يسلّينا ويدلِّلنا بروحانية ملائكية، وإنما لكي نخرج للقاء الآخرين ونقترب من جراحهم. إنَّ الكلمة التي صارت جسداً تريد أن تصير جسداً فينا. فهي لا تجردنا من الحياة، بل تضعنا في الحياة، في مواقف الحياة اليومية، في الاصغاء إلى آلام الإخوة، وصرخة الفقراء، والعنف والظلم اللذان يجرحان المجتمع والكوكب، لكي لا نكون مسيحيين غير مبالين، بل عاملين، مبدعين، ونبويِّين.

 

أضاف: "اليَومَ –يقول يسوع– تَمَّت هَذِهِ الآيَةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم". تريد الكلمة اليوم أن تتجسد، في الزمن الذي نعيش فيه، وليس في مستقبل مثالي. كتبت صوفيّة فرنسيّة من القرن الماضي اختارت أن تعيش الإنجيل في الضواحي، أنَّ كلمة الرب ليست "حبراً على ورق": وإنما هي روح وحياة. والصوتيات التي تتطلبها كلمة الرب منا هي "اليوم": ظروف حياتنا اليومية واحتياجات قريبنا". لذلك لنسأل أنفسنا: هل نريد أن نقتدي بيسوع، وأن نصبح خدام تحرير وتعزية للآخرين؟ هل نحن كنيسة مطيعة للكلمة؟ كنيسة تميل إلى الإصغاء إلى الآخرين، وتلتزم في مدِّ يدها لكي ترفع الإخوة والأخوات مما يثقلهم ويُرهقهم، ولكي تحلَّ عقد الخوف، وتحرّر الأشد هشاشة من سجون الفقر والتعب الداخلي والحزن الذي يُطفئ الحياة؟

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: في هذا الاحتفال، بعض إخوتنا وأخواتنا سينالون درجة القارئ وخدمة أستاذ التعليم المسيحي. إنهم مدعوون إلى الرسالة المهمة المتمثلة في خدمة إنجيل يسوع وإعلانه حتى يصل فرحه وتعزيته وتحريره إلى الجميع. هذه أيضًا رسالة كل واحد منا: أن نكون مبشرين ذات مصداقيّة وأنبياء للكلمة في العالم. لذلك، لننشغف بالكتاب المقدس، ولنسمح بأن تنبُشَ في داخلنا الكلمة التي تكشف لنا عن حداثة الله وتقودنا إلى محبة الآخرين دون كلل. لنضع كلمة الله مجدّدًا في محور عمل الكنيسة الراعوي وحياتها! ولنصغِ إليها ولنصلّيها ونضعها قيد التنفيذ.