موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يحدثنا إنجيل الأحد الثالث من زمن المجيء عن يوحنا المعمدان الذي أرسل تلاميذه فيما كان في السجن ليسألوا يسوع: "أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟". في الواقع، عندما سمع يوحنا عن أعمال يسوع، استولى عليه الشك فيما إذا كان هو المسيح حقًا أم لا. لقد كان في الواقع يفكر في مسيح قاسٍ، كان سينصف بقوة لدى وصوله من خلال معاقبة الخطأة. أما الآن، فيسوع لديه كلمات وتصرفات شفقة تجاه الجميع، ونجد الرحمة في محور عمله ولذلك "العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البُرصُ يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون". وبالتالي سيساعدنا أن نتوقّف عند أزمة المعمدان هذه، لأنها يمكنها أن تقول شيئًا مهمًا لنا نحن أيضًا.
تابع البابا فرنسيس يقول يُسلّط النص الضوء على أن يوحنا كان في السجن، وهذا الأمر بالإضافة إلى المكان المادي يجعلنا نفكّر أيضًا بالحالة الداخلية التي كان يعيشها: في السجن هناك ظلمة، ولا توجد إمكانية للرؤية بوضوح والرؤية أبعد. في الواقع، لم يعد المعمدان قادرًا على أن يرى في يسوع المسيح المنتظر، وإذ كان الشك يتآكله، أرسل التلاميذ لكي يتحققوا. يدهشنا أن يحدث هذا ليوحنا الذي عمد يسوع في الأردن وأشار إليه إلى تلاميذه كحمل الله؛ لكن هذا الأمر يعني أن حتى أعظم المؤمنين يمرون في نفق الشك. وهذا ليس شيئًا سيئًا، لا بل يكون في بعض الأحيان أساسيًّا للنمو الروحي: فهو يساعدنا لكي نفهم أن الله هو على الدوام أكبر مما نتخيله، وأن الأعمال التي يقوم بها هي مدهشة بالنسبة لحساباتنا، وأن عمله مختلف ويتخطّى احتياجاتنا وتوقعاتنا؛ ولذلك لا يجب أن نتوقف أبدًا عن البحث عنه والارتداد إلى وجهه الحقيقي. اعتاد لاهوتي عظيم أن يقول إننا "نحتاج لأن نكتشف الله مجدّدًا على مراحل... وأحيانًا من خلال الاعتقاد بأننا قد أضعناه". وهكذا يفعل المعمدان: في الشك، بقي يبحث عنه، ويسأله، و"يناقشه"، وفي النهاية اكتشفه مجدّدًا. باختصار، يعلِّمنا يوحنا، الذي وصفه يسوع قائلاً بأنه لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِنه، بألا نغلق الله في مخططاتنا.
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، يمكننا نحن أيضًا أن نجد أنفسنا أحيانًا في وضع يوحنا المعمدان، في سجن داخلي، غير قادرين على التعرف على حداثة الرب، الذي ربما نحتفظ به أسيرًا لافتراض أننا نعرف الكثير عنه. ربما لدينا في فكرنا إلهًا قويًا يفعل ما يشاء، بدلاً من إله التواضع الوديع والرحمة والمحبة المتواضع، الذي يتدخل دائمًا محترمًا حريتنا وخياراتنا. ربما قد نريد نحن أيضًا أن نقول له: "هل هذا أنت حقًا، بتواضعك هذا، الإله الذي يأتي ليخلصنا؟". ويمكن أن يحدث لنا شيء مشابه أيضًا مع الإخوة: لدينا أفكارنا وأفكارنا المسبقة ونعلق تسميات صارمة على الآخرين لاسيما على الذين نشعر بأنهم مختلفون عنا. لذلك يشكل زمن المجيء زمنًا لعكس وجهات النظر، نسمح فيه لعظمة رحمة الله أن تدهشنا. إنه زمن، نتعلم فيه مجدّدًا، من خلال تحضير مغارة الطفل يسوع، من هو ربنا؛ زمن نخرج فيه من بعض التصنيفات والأحكام المسبقة تجاه الله والإخوة؛ زمن، بدلاً من أن نفكر فيه بالهدايا لأنفسنا، يمكننا أن نقدم فيه كلمات وتصرفات تعزية لمن جُرحوا، كما فعل يسوع مع العميان والصم والعرج.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول لتمسكنا العذراء مريم، كأمٍّ، بيدنا في أيام التحضير لعيد الميلاد هذه ولتساعدنا لكي نرى في صغر الطفل عظمة الله الذي يأتي.