موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠١٢
الأب بدر: الشعانين وغصن الزيتون صورة عن الربيع الأردني السلمي

العرب اليوم - حاوره طارق العاصي :

مع تواصل الاحتفال بأحد الشعانين واقتراب حلول عيد الفصح المجيد ودخول الأسبوع الأخير من الصيام الكبير يتحضر الكثيرون لاستقبال العيد بأجوائه وطقوسه وصلواته وعطائه لتكتمل معاني العيد بالصورة المنشودة, وتعيش الأسر فرحة التقاء العيد بأحد الشعانين ليصادف الأحد القادم العيد الكبير ليكون هذا الأسبوع مليئاً بالطقوس الدينية والقداديس التي تجسد معاني هذا العيد الذي يعتبر جوهر وروح العقيدة المسيحية, "العرب اليوم" وبمناسبة احد الشعانين وعيد الفصح المجيد التقت بالأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، وحاورته حول معاني ودلالات الفصح والقيامة:

حدثنا عن احد الشعانين ومعانيه ورموزه ولماذا تحمل السعف والأغصان بهذا العيد?

يمثل أحد الشعانين ذكرى دخول السيد المسيح إلى المدينة الغالية - القدس. وهو حدث مذكور في الإنجيل المقدس, وله دلالات كبيرة, منها أن السيّد المسيح يتوجه نحو آلامه المقدسة, لكي يفدي الناس من الخطيئة. هكذا آمن المسيحيون من القدم, وهكذا ما زالوا يؤمنون. أن هذا الدخول الاحتفالي سيعقبه مأساة الجمعة العظيمة. لكن ذلك لا يمنع من الفرح والسرور وكأنه استباق الفرح الفصحي.

السعف والأغصان هما من الإنجيل نفسه, حيث فرش الناس أرديتهم في الطريق, وكانوا يحيّون المسيح على جانبي الطريق بسعف النخيل وأغصان الزيتون: ولهما دلالة: السعفة هي الانتصار وأيضاً الخلود, والزيتون هو رمز السلام والدخول الذي يختلف عن دخول الغزو المسلّح. انه دخول سلمي ويدعو إلى المحبة بين الناس.

ما هي طقوس الاحتفال بأحد الشعانين وهو الأحد السابع من الصوم الكبير والأخير?

أحد الطقوس هي استذكار لدخول السيد المسيح إلى القدس. وفي هذا النهار, يلبس المؤمنون الملابس الجميلة ويحملون الشموع المزيّنة بالزنابق والورود, كما يوزّع الكهنة على المصلين أغصان الزيتون ويباركون سعف النخل المزينة بطرق فنية. ويهللون بما ذُكر أيضاً في الإنجيل: "هوشعنا, تبارك الآتي باسم الرب". وهوشعنا أيضاً هي هتاف التسبيح الذي أنشده معاصرو يسوع المسيح, واليوم أتباعه في كل العالم يحيّونه بصرخة الابتهاج ذاتها.

إن مباركة أغصان الزيتون, ورفعها في أيدي المصلين اليوم هي ذات دلالة واضحة, وهي أن الغصن بات رمزاً للسلم وللمساعي السلمية في العالم. لذلك يرفع المصلون الصلوات والأدعية اليوم من أجل وطنهم الحبيب لكي يبقى بقيادته الهاشمية الحكيمة كما هو دائماً واحة أمن وطمأنينة, وأيضاً ناشراً للسياسة السلمية التي يتبعها ويدعو إلى تغليبها في دول الجوار على سياسة العنف وإراقة الدماء البريئة.

من المهم جداً أن نؤكد سياسة غصن الزيتون التي ابتدأها السيد المسيح يوم الشعانين, وها هم أتباعه في كل زمان ومكان, ينهجون ذات المنهج ويشقون ذات الطريق. وهي طريق تتناغم مع السياسة الهاشمية الأردنية الحكيمة... فالربيع الأردني يسير بشكل مواز مع سياسة غصن الزيتون السلمية.

ما العبرة من رمزية دخول السيد المسيح إلى القدس وهل هناك رموز معينة لفرش الثياب والأغصان أمامه?

دخول السيّد المسيح على حمار دلالة جلية على التواضع. يدخل الفاتحون والمحاربون على أحصنة, أمّا المسيح فقد اختار الطريقة المتواضعة, ولم يكن همه أن ينشئ مملكة دنيوية, أو أن يبني دولة جديدة. كان همّه أن ينشر مملكة المحبة والسلام, وهي دولة روحية وليست سياسية: وهو الذي قال: طوبى للساعين للسلام... وطوبى للودعاء وطوبى لأنقياء القلوب. وقال أيضاً لدى محاكمته من بيلاطس: انً مملكتي ليست من هذا العالم. لذلك نراه لا يتبع سياسة الحديد والنار وسياسة العصا وسياسة السلاح الفتاك. انه رسول السلام والمحبة الذي جاء متواضعاً كما نراه داخلاً إلى القدس.

أما فرش الناس للثياب والأغصان أمامه فله دلالة كبيرة على استقبال الناس له بما يليق به من حفاوة واحترام.

دعنا ننتقل لعيد الفصح او عيد القيامة ما هي معاني وحقيقة هذا العيد وبأي مناسبة تحتفل الطوائف بهذا العيد?

بداية أرجو أن تعمد وسائل الإعلام إلى عدم استخدام كلمة الطوائف, لقد استخدمت هذه الكلمة في الماضي. ولكنها اليوم ترمز إلى الجماعات المسيحية -أو غير المسيحية- المنغلقة على ذاتها. لذلك فإننا اليوم نتحدث عن كنائس - جمع كنيسة, وليس عن طوائف - ومفردها طائفة. هذا أوّلاً, ثم أنّ عيد الفصح - أو عيد القيامة - هو جوهر الديانة المسيحية, لذلك نسميه العيد الكبير. فالمؤمنون في هذه الديانة يقرّون بأنّ سيّدهم هو قد تألم ومات وقبر لكنّه قام في اليوم الثالث. هذا هو جوهر الحياة المسيحية. لذلك يقول القديس بولس: لو لم يقم المسيح, لكانت كرازتنا باطلة, ولكان إيمانكم باطلاً كذلك. بدون هذه الحقيقة التاريخية واللاهوتية, نحن ننسف الديانة المسيحية, عن بكرة أبيها, وتصبح مجرّد أفكار على الورق. قيامة المسيح بالنسبة للمسيحيين هي حدث غيّر التاريخ وأحدث تأثيراً في صالح البشرية. إذ انه دلّ على المقدار الكبير لمحبة الله تعالى للبشر, وقد كانوا خاطئين ومحتاجين إلى من يهديهم إلى النور والى من يفديهم, أو إلى من يعيدهم على براءة الإنسان الأصلية.

حدّثنا قليلا عن أسبوع الآلام الذي يسبق العيد وعن سبت النور?

إنّنا ندعوه كذلك بالأسبوع العظيم أو الأسبوع المقدس وهو الذي يصل أحد الشعانين بأحد الفصح, وفي هذا الأسبوع يتحضّر المسيحيون لإحياء ما ندعوه باللغة الروحية: الثلاثيّة الفصيحة - أي آلام وموت وقيامة المسيح.

هنالك طقوس عديدة في هذا الأسبوع بدءاً من ترانيم المزامير ومراثي ارميا النبي الذي كان يبكي على شعب العهد القديم وعلى القدس, بعد سبي الشعب إلى بابل. ومن ثم هنالك رتبة غسل الأرجل, وهي تعود إلى تذكار الإنجيل عندما غسل السيد المسيح أقدام تلاميذه, لكي يترك لهم قدوة حسنة. وها هم تلاميذه وكهنته حتى اليوم يغسلون أقدام الطلاب أو التلاميذ, متّبعين خطى المعلم.

وفي نهار الجمعة يحيي المسيحيون درب الآلام على مدار أربع عشرة مرحلة من الطريق الموجعة. ثم وفي تمام الساعة الثالثة بعد الظهر يحيون مراسيم الجمعة العظيمة حيث رتبة جناز المسيح المائت.

ومساء السبت, وعند أول لحظات من فجر الأحد, تنطلق الحناجر مرنّمة بترانيم الـ"هللويا" أو الأناشيد الفصحية. ويتبادلون التهاني قائلين: المسيح قام, فيجيبهم الأحبة والأصدقاء, حقاً قام. ومن أجمل الألحان التي تنشد في هذه الأيام هي التي غنتها السيدة فيروز بصوتها الملائكي والألحان الشرقية بالغة الروعة.

في الحديث عن معاني ورموز البيض الملون والأرنب في الفصح المسيحي?

هناك عادات شعبية ومأكولات ومراسيم احتفال داخل أو حتى خارج الكنائس. ومنها سلق البيض الملوَّن, وقديماً كانوا يسلقونه فقط باللون الأحمر, وتحديداً سلقه مع قشر البصل ليصبح أحمر. ويقول التقليد بانّ اللون الأحمر يرمز إلى الحجارة التي رشقها اليهود على المصلوب, وأصبحت حمراء لأن جسده كان مغطى بالجروح. وطبعاً اليوم تطوّر الأمر إلى تلوين البيض بعدة ألوان, وصار الناس يحتفلون معاً بما أصبح يُسمى باحتفالات عيد البيض أو Eggs Hunting الذي يجلب الفرح والسرور لنفوس الأطفال.

وهناك طبعاً صناعة المعمول وكعك العيد, وهي احتفالات شعبية يضفي إليها الناس معاني روحية, كأن يقولوا أنّ المعمول يرمز إلى الاسفنجة التي وضع الجنود عليها خلاً ليسقوا المصلوب, أمّا الكعك الدائري فيرمز إلى إكليل الشوك فوق هامة الرأس. أما الأرنب فله عدة تفاسير منها أن الرومان كانوا يعدُّون هذا الحيوان رمزاً للخصوبة. ويمكن أن نقول بأنه رمز للحياة التي تنطلق في الربيع بعد برد الشتاء وظلامه.

ما هو سبب الاختلاف في توقيت الاحتفال في الفصح بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية?

إن جميع الكنائس تتبع قاعدة مجمع "نيقية" عام 325 وهي أن الفصح يقع يوم الأحد الواقع بعد اكتمال البدر بعد الربيع. وينجم الاختلاف عن أن معظم الكنائس تتبع التقويم الغريغوري المصحّح. أمّا بعض الكنائس الأرثوذكسية (ومنها كنيسة القدس) ما زالت تتبع التقويم اليولي (أو اليولياني) غير المصحّح. والخلاف يتركز في نقطتين: في السنة الشمسية فرق 13 يوماً بين التقويمين. وفي السنة القمرية فرق أربعة أيام بين التقويمين.

المهم أننا في بلدنا الغالي الأردن, قد كنا أول بلد عربي وعالمي يجد صيغة توافقية في الاحتفال: وهي أن المسيحيين يعيّدون معاً عيد الميلاد المجيد في 25/12 من كل عام. بينما يعيّدون بحسب التقويم الشرقي عيد الفصح المجيد. وأصبح كل بلد يريد أن يوحد العيدين يقول: أريد أن أكون مثل الأردن. هذا فخر لنا وعلينا الحفاظ عليه.

وقبل أيام, أعلنت الحكومة الأردنية أن عيد الشعانين ويومين من عيد الفصح المجيد هي أيام عطلة رسمية للمسيحيين فقط. هذا طبعاً ليس بجديد. وإنّما هو تأكيد على قانون العمل والعمّال المنصوص سابقاً. لكنه لم يكن واضحاً بالنسبة للعديد من المدراء الذين كانوا يمنعون موظفين لديهم من العطلة في الأعياد الدينية. ما نرجوه هنا هو أن تلتزم جامعاتنا العزيزة بعدم وضع امتحانات في هذه الأيام. وثانياً أن يتاح للطالب المسيحي أن يكون له متسع من الوقت لكي يحيي الأعياد المسيحية في الكنيسة وفي البيت بكل طمأنينة وراحة بال.

ومن المهم أن نؤكد أنّ المسيحيين في هذا الوطن هم مواطنون مخلصون للوطن, ويعملون ليل نهار من أجل تقدّم المجتمع وازدهاره.