موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٣١ يوليو / تموز ٢٠٢١
31 تموز: القديس أغناطيوس دي لويولا

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

وُلِدَ اِغناطيوس لوبيز دي لويولا في 23 تشرين الأول 1491، بقلعة لويولا الواقعة شمالي إقليم الباسك بإسبانيا لعائلة نبيلة. ترتيبه الثالث عشر والأخير بين إخوته، وقد توفيت أمه فور ولادته، فتولت رعايته مُربية تُدعى "ماريا دي جارين" كانت زوجة لحدّاد.

 

في صباه عَمِل مساعدًا لأحد أقاربه ويُدعى "خوان فيلاسكيز دي كويار" ويشغل منصب رئيس بلدية كونتادور (عُمدة كونتادور) التابعة لمملكة "كستيليا". وفي شبابه تعلَّق بالحياة العسكرية لحبه الشديد للشُهرة والعظمة وتحقيق البطولات التي تجعله مسار حديث الناس واهتمامهم، وهي أمور كان يوفرها الزي العسكري في المجتمع الإسباني. فالتحق بالجيش في سن السابعة عشر، وكان ارتداءه الزي العسكري وتقلُّده السيف، إلى جانب هيئته ولياقته البدنية العالية يُعطيه إحساسًا بالعظمة يجعله يسير مُختالاً بنفسه، فَرِحًا بنظرات النساء المنبهرة به والمسرورة بالرقص معه في حفلات البلاط الملكي.

 

تحت قيادة "أنطونيو مانريكي دي لارا" دوق مدينة ناخيرا، خاض اغناطيوس العديد من المعارك دون أن يُصاب بجُرح، إلى أن خاض معركة "بمبيليونا" وهو في الثلاثين من عمره، فأصيب إصابة شديدة في ساقيه واضطر لإجراء جراحات مؤلمة وخطيرة في إصرار شديد على إستعادة قدرته على الحركة واستعادة لياقته العسكرية بأي ثمن، لدرجة دفعته لإعادة كسر ساقه وتجبيرها مرة أخرى لتصل للمرحلة الأقرب من الحالة الطبيعية، برغم كون ذلك مؤلماً للغاية في عصر لم يُكتشف فيه بعد التخدير.

 

وأثناء فترة النقاهة التي قضاها بالمستشفى، والتي كانت تابعة لإحدى الرهبانيات، لم يجد اغناطيوس كتبه المفضلة من نوعية أدب الملاحم العسكرية، لكنه وجد كتب روحية وكتب تحوي قراءات من الإنجيل، وبعض سير القديسين، فاضطر لقراءتها لتسلية وقته وهو طريح الفراش ويشعر بالملل الشديد، وقرأ عن حياة يسوع وتعاليمه بشكل منتظم لأول مرة، وتأثر كثيراً بكتاب حياة المسيح للمؤلف "لودولف من ساكسوني"، وألهمه الكتاب لإتباع يسوع المسيح الذي هو أعظم من كل الفرسان والقادة الذين أحبهم في بداية حياته وقرر أن يكون مثلهم. اليوم هو يريد تقديم حياته على طريقة فرنسيس الأسيزي وغيره من عظماء التكريس الذين تمثّلوا بيسوع.

 

كذلك كان إلهام له لإيجاد أسلوبه الخاص في تأمل الكتاب المقدس، والتي استقاها من مؤلف الكتاب إذ اعتمد دائمًا إدخال القارئ في أجواء النص الإنجيلي وكأنه يعيش المشهد مع يسوع وتلاميذه وأعدائه. وهي الطريقة التي أطلق عليها فيما بعد "الرياضة الروحية" وعُرِفت بعد وفاته بـ"الرياضة الأغناطية".

 

طالت فترة نقاهة أغناطيوس، وكانت تعتبر بشارة من الله إليه نقلته من حالة الإيمان الموروث بلا معرفة ومُعايشة، إلى الإيمان المُدرَك والقناعة الشخصية، فقد كان مسيحيًا اسميًا لكن أفكاره وتصرفاته وتطلعاته بعيدة تمام البعد عن روحانية الإنجيل وشخص يسوع المسيح وتعاليمه. ومن هنا وبعد هذا التغيُّر إتخذت حياته إتجاهاً جديدًا مُضادًا للقديم، واكتشف دعوته بتكريس حياته للبشارة بمن أحب وبما تعلَّم منه.

 

وانتهت فترة نقاهته في آذار 1522، ليتمكن من السير على قدميه مُجددًا، ولكن بعد أن أصبحت إحدى ساقيه أقصر من الأخرى، مما سبب عَرَجًا خفيفًا في السير. خرج من المستشفى إلى دير "سانتا ماريا دي منتسيرات" للرهبان البندكتين، لقضاء خلوة روحية، وهناك بينما كان ساهرًا للتأمل حتى شروق الشمس، بدت له رؤية بظهور العذراء مريم وهي تحمل الطفل يسوع على ذراعها، فخلع سيفه وخنجره ووضعهما تحت تمثال العذراء، إعلانًا منه أنه لن يعود لاستخدام العنف ولا لخوض الحروب بل سيصير مبشرًا بالسلام.

 

ومن الدير خرج سائرًا على قدميه حتى وصل مدينة مجاورة في إقليم كاتالونيا تُسمى "مانريسا"، حيث قضى بها عام كامل يعيش على الكفاف وقضى بعد الوقت يستعطي، ثم استطاع الحصول على عمل بمستشفى حيث يقوم بأعمال النظافة مقابل السكن والطعام. فيما كان عند الإنتهاء من عمله يذهب إلى كهف قريب من المستشفى ليصلي لأكثر من سبع ساعات ويتأمل الكتاب المقدس ويضع أساسيات الرياضة الروحية، ويمارس التقشف والصوم. كما كان يستمتع برؤى كثيرة من الطبيعة حوله، تسبب له التعزية وتُدخله أكثر في حالة التأمل والعمق الروحي. في أيلول 1523، أدّى أغناطيوس حجًّا روحيًا نحو أورشليم، بهدف البقاء هناك في الأماكن التي عاش بها يسوع وعلَّم فيها. بقي هناك مدة عشرين يومًا ثم أعاده الرهبان الفرنسيسكان المتواجدين هناك إلى إسبانيا.

 

إستقر في برشلونة وبعمر الثالثة والثلاثين إنتظم في مدرسة تعلم قواعد اللغة، إستعدادًا للإلتحاق بجامعة "ألكالا"، وفي الجامعة درس مدة عشر سنوات (1524 إلى 1534) اللغة اللاتينية واللاهوت. خلال تلك الفترة كان أغناطيوس يقوم بالوعظ في الشوارع، وقد صادف أن سمعت عظاته سيدات متدينات تأثرن بالروحانية الفرنسيسكانية ويعيشن حالات إنخطاف روحي، لكنهن تعرضن للتحقيق من قبل محاكم التفتيش، بسبب التشكُّك في حقيقة هذه الإنخطافات. ما إن سمعت ثلاث سيدات منهن عظات أغناطيوس حتى بدت عليهن مظاهر أشبه بحالات فقد الوعي والتشنج على أنها نوع من النشوة الروحية، إلا ان هذا كان له أثر سلبي على أغناطيوس الذي مازال طالباً ولم يحصل على شهادة إتمام دراسة اللاهوت بعد، وهذه الواقعة لفتت الأنظار إلى كل هذه الإعتبارات، فتم التحقيق معه من قِبَل محاكم التفتيش إلا أنها أطلقت صراحه.

 

بعد ذلك إنتقل للدراسة مدة سبع سنوات في جامعة شهيرة هي "كولاج دي مونتجو"، وخلال هذه الفترة كانت تعاني فرنسا من إضطرابات بعد أن أجبرت الدولة صاحب المذهب البروتستانتي الكالڤاني "چون كالڤان" على الفرار من فرنسا أثناء دراسته أفضى بما في قلبه لزملائه المقربين في الجامعة، فالتفوا حوله وصاروا فيما بعد من الأعضاء الستة المؤسسين للرهبنة التي حلم بتأسيسها.

 

في صباح عيد إنتقال العذراء 15 آب 1534، بكنيسة القديس بطرس بمدينة مونتامرتر، إلتقى أغناطيوس برفاقه الستة الذين كان بينهم كاهن واحد، وقدموا نذورهم لله مدى الحياة. وبعمر الثالثة والأربعين، حصل أغناطيوس على درجة الماجستير من جامعة باريس.

 

بدأت الرهبنة اليسوعية بأغناطيوس ورفيقيه فرنسيس كسفاريوس وببار فابر، وأجازها البابا بولس الثالث عام 1540، وصار أغناطيوس رئيسًا عامًا لها. بدأ يرسل رفاقه للتبشير وإنشاء الكليات والإكليركيات لتنشأة أجيال من المبشرين لهذه الرهبنة. في "ماسينا" جنوبي إيطاليا تأسست كلية يسوعية حققت نجاحًا ملحوظًا، ومن ثم تم تأسيس عدة كليات على غرارها.

 

ألَّف أغناطيوس كتابه عن الرياضة الروحية، وقد تعرض الكتاب للفحص من قِبَل محاكم التفتيش عام 1548، وانتهى الفحص بإجازة طبعه. كما أتم أغناطيوس بمساعدة معاونه "خوان ألفونسو دي بلانكو" كتاب قانون الرهبنة اليسوعية، وتم اعتمادها عام 1554، وقد شدَّد القانون الرهباني اليسوعي على الإتحاد والشركة والولاء للكنيسة الجامعة، واحترام الهِراركية (التسلسل الهرمي لها)، كما أقرَّت أن نذورها تعني إنكار الذات التام واستخدمت لفظ "الجيفة" أو "الجثة المُتحلِّلة" لوصف شخص المُكرَّس بطريقة تمنع عنه التكبر والإعتداد بالنفس، لكنه إلتزم أن يكون شعار الرهبنة "المجد الأكبر من عند الله". بعدها بوقت قليل تمت رسامته الكهنوتية.

 

في 31 تموز 1556، توفي أغناطيوس بعمر الرابعة والستين، نتيجة لأصابته بالحمّىَ الرومانية وهي أحد أشدّ حالات الملاريا وكانت تظهر حالات إصابة بها في روما في أزمنة متعددة من تاريخها. أُعلِن أغناطيوس دي لويولا طوباويًا عن يد البابا بولس الخامس عام 1609، ثم تم إعلانه قديسًا على مذابح الكنيسة الجامعة عن يد البابا غريغوريوس الخامس عشر عام 1622. هو شفيع العسكريين المسيحيين، وشفيع إكليريكية بلمونت بالولايات المتحدة، وشفيع إقليم الباسك الإسباني (مسقط رأسه)، وشفيع المرسلين للبشارة.