موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥
وزير التربية والتعليم يرعى مؤتمر المركز الكاثوليكي حول التربية المدنية والأديان

أبونا :

 

افتتح وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة، صباح اليوم الاثنين، أعمال مؤتمر "التربية المدنية والأديان: معًا في بناء ثقافة السلم المجتمعي والمواطنة"، الذي نظمه المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بالتعاون مع المركز الأردني للتربية المدنية ومؤسّسة كونراد أديناور.

 

وهدف المؤتمر الى التفاعل ما بين التربية المدنية، الحوار الرقمي، ودور الأديان في تعزيز ثقافة السلم المجتمعي وتسليط الضوء على أهمية التربية المدنية في تعزيز قيم المواطنة الفاعلة والمسؤولية الاجتماعية، الى جانب مناقشة التحديات والفرص التي يقدمها الفضاء الرقمي للحوار الثقافي والديني.

 

وزير التربية والتعليم يرعى مؤتمر: التربية المدنية والأديان

الأب بدر

 

وفي الجلسة الافتتاحية، التي توّلت عرافتها الإعلامية سارة دراوشة، ألقى مدير عام المركز الكاثوليكي الأب رفعت بدر كلمة رحّب فيها براعي المؤتمر والحضور، مؤكدًا أنّه لا يوجد تعارض بين التربية المدنية والتربية الدينية، بل تكامل بينهما. وأوضح أن التربية الدينية لا تلغي التربية المدنية، كما أنّ التربية المدنية تسند التربية الدينية في توجيه الطلاب والطالبات دائمًا نحو المحبة والإيثار وعقلية التسامح وثقافة اللقاء.

 

ولفت الأب بدر إلى أنّنا نعيش اليوم في عصر رقمي، مشدّدًا على أنّ استخدام التقنيات لا يعني تراجع الأخلاقيات، قائلاً: "هذا هو التوازن الذي نبحث فيه دائمًا، ليس في الأردن فحسب وإنما في كل انحاء العالم: أن يتواكب التقدّم التقني مع التقدّم الأخلاقي. وهنا تتكامل التربية الدينية والتربية المدنية مع الاستخدام الأخلاقي لوسائل التواصل وتقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يحفظ كرامة الإنسان وحياته وعلاقته، من أجل بناء مجتمع صالح وعالم أفضل في المستقبل".

مدير عام المركز الكاثوليكي الأب رفعت بدر

كما وجّه الأب بدر تحيّة من المؤتمرين إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، المتواجد في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال: "نواكبه بالصلاة والدعاء، فليحفظه الرب وليباركه، ويسند جهده اليومي الدؤوب المخلص بكلّ نعمة، ويمنحه الصحة والعافية والدبلوماسية الهادئة والهادفة، لكي يبقى صوتًا للعدالة والسلام وإعادة الحق التاريخي إلى أصحابه".

 

واستشهد الأب بدر بكلمات البابا فرنسيس الراحل قائلاً: "علينا أن ننزع السلاح من وسائل الإعلام"، وكذلك بما قاله البابا لاون الرابع عشر في أولى كلمته عندما أكد أن عصرنا هو عصر الحوار والمحبّة وبناء الجسور. وأضاف: "بهذه الروح نجتمع اليوم، وندعو الله أن يصمت صوت السلاح والدمار والتهجير عن كنيسة العائلة المقدسة، وكنيسة القديس برفيروس، وكل غزة وكل أنحاء فلسطين".

مديرة المركز الأردني للتربية المدنية الأستاذة منى العلمي

الأستاذة العلمي

 

ومن جهتها، أكدت مديرة المركز الأردني للتربية المدنية الأستاذة منى العلمي، أنّ بناء السلام يشبه بناء بيت، إذ يبدأ بوضع الأساسات القوية، وهو دور المواطنة التي تثبت انتماءنا للأرض. ثم تُبنى الجدران من خلال التربية المدنية التي تعلّم الأبناء قيم المشاركة والاحترام والمسؤولية. وأخيرًا يوضع السقف الذي يظلّل الجميع، وهو القيم الدينية التي تمنح البيت روحًا ومعنى. وقالت: "عندها فقط يصبح البيت آمنًا متماسكًا يتسع للجميع".

 

وأضافت العلمي أنّ التربية المدنية تعلّم أبناءنا ببساطة أن يكونوا مواطنين فاعلين يعرفون حقوقهم وواجباتهم ويشاركون في صنع التغيير، لا أن يبقوا متفرجين. وعندما ندمج التربية المدنية مع القيم الدينية وروح المواطنة، نصنع مجتمعًا أكثر عدلاً وسلامًا.

 

وأشارت إلى أنّ تنوّع الحضور في المؤتمر يبعث برسالة واضحة مفادها أنّ السلم المجتمعي مسؤولية مشتركة، واننا قادرون معًا على صناعة الفرق. وختمت بالقول: "فلنكن جميعًا صانعي سلام، نميل إلى السلم، ونحوّل أفكار هذا اليوم إلى مبادرات مدروسة وخطواط عملية تترك أثرًا حقيقيًا على مجتمعاتنا وتُلهم أجيالنا القادمة".

الدكتور راتكا يلقي كلمته خلال المؤتمر

الدكتور راتكا

 

أما الممثل المقيم لمكتب مؤسسة كونراد أديناور في الأردن، الدكتور إدموند راتكا، فأشار إلى أنّ المؤسسة تعمل في الأردن منذ أكثر من أربعين سنة، معربًا عن اعتزازه بخبرته الشخصية التي عاشها خلال السنوات الخمس الماضية، واصفًا إياها بأنها "خبرة جميلة ومميّزة". وبيّن أنّ المؤسسة تركز عملها في ثلاثة مجالات رئيسية: التربية المدنية، والتحليل السياسي، والعمل الدولي، مشيرًا إلى أنّ جميع مشروعاتها تُنظّم بالتعاون مع شركاء أردنيين.

 

وأضاف أنّ العالم يشهد ظروفًا صعبة، لا سيما في فلسطين، مؤكدًا أنّ الأردن يواصل حمل رسالة السلام على المستويين المحلي والعالمي. وشدّد على أنّ مواصلة هذا الطريق تتطلب التركيز على ترسيخ فكرة المواطنة وتعزيز التعليم للمواطنة، لافتًا إلى أنّ المؤتمر يشكّل فرصة لبحث كيف يمكن للأديان أن تسهم في تحقيق هذا الهدف.

وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة

راعي الحفل

 

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، ألقى وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة، كلمة أكد فيها التزام الوزارة الثابت ببناء الإنسان الواعي، وتعزيز قيم الانتماء والولاء، وإعلاء شأن التربية والتعليم بوصفها الركيزة الأولى لنهوض الأمم وصناعة مستقبلها.

 

وقال محافظة إنّ الأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة المؤمنة بالإنسان وكرامته، شكّل أنموذجًا فريدًا في العيش المشترك والسلم المجتمعي، حيث تلاقت على أرضه المباركة الأديان والثقافات، وتجاورت الكنائس والمساجد، وتعايش الناس على اختلاف انتماءاتهم في وئام. وأكد أن الهوية الوطنية الجامعة كانت ولا تزال الإطار الأوسع من كل الفوارق، والميدان الرحب الذي تتلاقى فيه قيم التسامح والعدالة والكرامة الإنسانية.

 

وأوضح أنّ التربية والتعليم في الأردن لم تكن يومًا مسألة إدارية، بل مشروعًا حضاريًا متكاملاً يؤمن بأنّ الإنسان هو أساس بناء الدولة والمجتمع. وأضاف: "ننظر إلى التربية بوصفها المنظومة التي تصوغ فكر الفرد ووجدانه، وتزرع فيه قيم الانتماء والمسؤولية والمواطنة الفاعلة".

الوزير محافظة يلقي كلمته خلال المؤتمر

وأشار إلى أنّ دور التربية والتعليم تطوّر في العصر الحديث، فلم يعد مقتصرًا على نقل المعارف، بل أصبح منصبًا على بناء منظومة تعليمية تنمّي العقل والوجدان معًا. وقال إنّ المناهج الدراسية تشكّل الركيزة الأولى لهذه العملية، وذلك تعمل الوزارة على تطوير مناهج توازن بين المعرفة العلمية والقيم الإنسانية، وتنمّي مهارات التفكير والإيداع، وترسّخ مبادئ التسامح والعيش المشترك، مع الحرص على أن تعكس هذه المناهج الهوية الوطنية وتفتح أمام الطلبة نوافد على العالم ليكونوا مواطنين عالميين دون أن يتخلّوا عن جذورهم.

 

وأضاف أنّ المناهج مهما بلغت من حودة تبقى قاصرة إن لم تجد معلّمًا مؤهلاً ينقلها إلى الطلبة بروح القدوة. لذلك تولي الوزارة اهتمامًا كبيرًا لتأهيل المعلمين والمعلمات وتدريبهم، لأنهم النموذج الذي يزرع في نفوس الطلبة حبّ المعرفة ويجسّدون عمليًا قيم العدالة والحوار والاحترام.

 

ولفت إلى أنّ المدرسة هي الحاضنة الأولى للعملية التربوية، وهي نقطة الانطلاق نحو آفاق التطوّر، إذ تمثّل فضاءً اجتماعيًا مصغّرًا عن المجتمع المنشود. وأكد أنّ علاقة الاحترام المتبادل والمسؤولية المشتركة والحوار البنّاء داخل المدرسة ليست مجرد تفاصيل تنظيمية، بل ممارسة يومية تدرّب أبناءنا على قيم المواطنة الفاعلة والسلم المجتمعي.

 

وختم الوزير كلمته بالتأكيد على أن ما نصبو إليه هو إعداد جيل يؤمن أنّ المواطنة ليست شعارا بل ممارسة، وأن الدين ليس مجرّد شعائر بل منظومة قيم أخلاقية تنعكس في السلوك، وأن التنوّع ليس تهديدًا بل مصدر قوّة. وقال: "نطمح لإعداد جيل يواصل ترسيخ رسالة الأردن الحضارية، عندما نجعل من التربية والتعليم طريقًا للسلام والوحدة والبناء".

المتحدثون في الجلسة الأولى

ثلاث جلسات

 

وشهد المؤتمر ثلاث جلسات رئيسية؛ تناولت الجلسة الأولى موضوع "بناء ثقافة الحوار والسلم المجتمعي في عصر الاستقطاب والتطرّف"، وأدارها الممثل المقيم لمكتب كونراد أديناور في الأردن الدكتور إدموند راتكا، وتحدّث فيها كل من أستاذ قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور وجيه قانصو، عضو مجلس الأعيان معالي هيفاء النجار، الوزير الأسبق معالي الدكتور صبري اربيحات، المحاضر والباحث في مركز الدراسات الإسلامية المسيحية في هيوستن الدكتور معتز الظاهر.

المتحدثون في الجلسة الثانية

أما الجلسة الثانية فناقشت موضوع "مخاطر وإمكانات العصر الرقمي للتربية المدنية والدينية"، وأدارها الأستاذ عضو المجلس الاستشاري في المركز الكاثوليكي الأستاذ عمر عبوي، وتحدّث فيها كل من الخبير في الأمن السيبراني والجرائم الرقمية المهندس مجدي قبالين، الباحثة القانونية وخبيرة إدارة النزاعات من تونس الأستاذة شهرازاد بن حميدة، ومدير المركز الكاثوليكي الأب الدكتور رفعت بدر، والمدربة والمستشارة التربوية الأستاذة رانيا دحابرة.

المتحدثون في الجلسة الثالثة

في حين أجابت الجلسة الثالثة عن السؤال التالي: "كيف يمكن للمدارس أن تسهم في بناء ثقافة المواطنة والعيش المشترك؟"، وأدارها المدرب والخبير في التربية المدنية وحقوق الإنسان الأستاذ خليل رضوان، وتحدّث فيها كل من منسقة مناهج الدراسات الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم الدكتورة أسمى الشراب، ورئيسة قسم العلوم التربوية في جامعة البترا الدكتورة أسيل الشوارب، ومدير عام مدارس البطريركية اللاتينية في الأردن الأب الدكتور فراس نصراوين.