موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ١٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢
هل هناك مكان للدين في السياسة؟
في ضوء بيانات التعداد السكاني، ليس المطلوب من المسيحيين أن يتواروا

تيم فارون :

 

أظهرت بيانات جديدة من تعداد 2021 هذا الأسبوع، ولأول مرة على الإطلاق، أن غالبية الناس في إنجلترا وويلز لا يصفون أنفسهم بأنهم مسيحيون، وتراجعت نسبة السكان الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين بنسبة 13 في المئة عن عام 2011، ومعظم هذه النسبة من المشاركين في التعداد، أي 12 في المئة تحولوا إلى اختيار عبارة "بلا ديانة" في إجاباتهم.

 

وقد أثارت النتائج نقاشات بشأن المكانة التي تستحقها المسيحية والإيمان الديني عامةً في مجتمعنا اليوم، "هل عفا الزمن على الإيمان بالله في القرن الحادي والعشرين، وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا أمر حسن؟" بهذا السؤال اختتم برنامج "موعد السؤال" Question Time في محطة "بي بي سي" لهذا الأسبوع.

 

ثمّة افتراض شائع بأن غياب الإيمان يجعل المرء محايداً وعقلانياً ومتسامحاً، وأن الإيمان يجعله غريب الأطوار وينظر إلى الإيمان على أنه هواية خاصة ينغمس فيها الناس لأنها تبعث في نفوسهم الشعور بالرضا، إلا أن بالإمكان تنحيتها جانباً إذا كان لها تأثير على سياساتهم أو أفعالهم العامة.

 

ولكن سواء كان المرء مسيحيًا أو ملحدًا أو إنسانيًا أو جيدًا، فهو يتبع معتقَداً ما. لدينا جميعاً تصورنا للعالم، ولا أحد يتوقع من ماركسي أو من أحد أتباع نظرية ميلتون فريدمان في السوق الحرة أن يتخلى عن قيمه ببساطة، فلماذا نتوقع من المسيحيين أن يفعلوا ذلك؟

 

من المفهوم أن يتوخى الناس الحذر من الخلط بين الإيمان والسياسة لأن الأفعال المروعة كانت تقع تحت ستار الدين، ومن المحزن أننا نحن المسيحيين لا نساعد أنفسنا دائماً، وقد يبدو أننا مصدري أحكام متسرعة وغير متسامحين. وإذا كنا معروفين بالاحتجاج ونحن نحمل اللافتات التي تحمل اسم الله أكثر من كوننا نجسد بأنفسنا نعمته ورحمته ومحبة جيراننا، فإننا نفعل شيئاً خاطئاً.

 

أعتقد اعتقاداً لا يساوره الشك بأنني لا أمتلك حق التشريع لجعل غير المسيحيين يعيشون كما لو كانوا مسيحيين، فأنا ليبرالي في نهاية المطاف، وأنا براغماتي أيضاً وأعلم أن فرض المسيحية طريقة غير فعالة تماماً للتبشير بيسوع.

 

لكن الجانب الحسن في الأمر أن لدى المسيحيين من الأسباب ما يجعلهم يؤمنون بالمساواة والرحمة والحرية والموافقة أكثر من غيرهم، ليس لأن تلك القيم هي تعاليم يسوع، ولكن لأنهم دخلوا عالمنا من خلاله. يمكن رؤية تأثير المسيحية الآن في كل مكان من حولنا، مع أن هذه المبادئ كانت ذات يوم ثقافةَ مضادةً بوحشية.

 

لذا ليس على المسيحيين أن يتواروا بعد صدور بيانات التعداد السكاني هذه ولا أن يخشوا التعبير عن قناعاتهم إذا تحلوا بالجرأة الكافية. بدلاً من ذلك، ينبغي إظهار كيف يقودنا الإيمان الحقيقي بيسوع إلى الاهتمام العميق بمجتمعنا.

 

يأمر الكتاب المقدس المسيحيين برعاية الفقراء قولاً وفعلاً: "افترض أن أخاً أو أختاً لا يملكان كسوة بدن أو قوت يوم، "إِنْ كَانَ أَخ وَأُخْت عرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا» وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟" (يعقوب 2:15-16). وليس في النقد الشائع بأن الإيمان مسألة شخصية أي وجاهة أمام امتحانات الإيمان، لقد أُمرنا أن نشارك بإخلاص.

 

وهذا ما يقوم به المسيحيون بالفعل. ومع استمرار أزمة غلاء المعيشة هذا الشتاء فإن الكنائس والمجتمعات الدينية في صميم الاستجابة. إذ تدير الجماعات المسيحية ما يقرب من ثمانية من كل 10 بنوك للطعام؛ وتفتتح الكنائس أبوابها بوصفها "بنوكاً دافئة"؛ وتقدم منظمات مثل المسيحيين المناهضين للفقر المشورة المجانية في شأن الديون؛ وتقدم حملةُ "عيد ميلاد الحب " حقائب الصدقات" لمئات الآلاف من الناس.

 

لذا، إذا ظننتم أن انخفاض المسيحية تقدم إيجابي للمملكة المتحدة، أود أن أتحداكم لمعرفة ما يمثله حقاً، نحن الآن في وقت عيد الميلاد وهناك الكثير لاستكشافه.

 

(اندبندنت عربية)