موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
نجم الميلاد لسورية الجديدة!

رافي سايغ - القامشلي :

 

هنا في سورية، طعم مختلف للميلاد هذا العام، فلم يكن يتوقَّع غالبيَّة سكَّان سورية أنَّ تاريخ 8-12-2024 سوف يصبح علامةً فارقةً في حاضر وتاريخ سورية وشعبها المتألِّم من ويلات الحروب والدَّمار.

 

إنَّها مرحلة جديدة تفتح أبوابها لوطن متعب، يعاني من صعوبات وتحدِّيات كثيرة في حاضرة كما الخوف من مستقبله. نطوي حقبة ونفتتح حقبةً بأمل تارة يكبر أو يقلُّ بغد مشرق وحرّ وكريم للإنسان السُّوريِّ. فماذا يعني لنا كمسيحيِّين أن نعيش الميلاد وسط كلِّ هذه الدَّهشة والمتغيِّرات! كيف نفهم رجاء الميلاد ونحن نشهد على تاريخ جديد يكتب بأقلام كثيرة!

 

نحن كمسيحيِّين -وتحديدًا في هذا المشرق المتألّم، ومن خلال شهادتنا وشهادة أجدادنا، ندرك جيِّدًا كم هي مسؤوليَّتنا كبيرة في حمل قيم ومعنى سلام الميلاد في أرض لم تعرف يوم هذا السَّلام الحقيقيِّ، ولكن نحن جعلناه يولِّد من داخل قلوبنا لأنَّنا نحمل المسيح في قلوبنا حيثما كنَّا، ولم نتعب بدورنا ونحن نقدِّم للجميع هذا الخبر السَّارِّ بكلِّ إيمان وثقة: "ولد المسيح... هللويا".

 

ريستال ميلادي في كنيسة سلطانة العالم للأرمن الكاثوليك بدمشق

يولد مخلص سورية اليوم في برد وفقر ودمار، في مذوِّد بسيط في مغارة متواضعة لنفهم أنَّ الثَّورات العظيمة المحقَّة الَّتي تلت ولادة المسيح كانت تبصر النُّور من إيمان وثقة وكذلك صعوبات! فكيف هو حال ميلاد سورية الجديدة هذا العام؟

 

نعيش هذه الأزمنة المباركة ونحن نقرأ في كلمات إنجيل القدِّيس متَّى عندما استدلَّ المجوس على مكان المخلِّص من خلال نجم أضاء الطَّريق ليدركوا مكان هذا الطِّفل الصَّغير الَّذي سيصبح مخلص الإنسان وفادي البشريَّة وهو "عمَّانوئيل... اللَّه معنا"، كذلك هو حال مسيحيِّي سورية اليوم، هم كنجم الميلاد الَّذي يدلُّ ويوصِّل الإنسان لميلاد سورية الجديدة لنا ولشركائنا في الوطن، فنحن في سورية لسنا أقليّة أو أكثريّة، بل نحن رسالة سورية باقية ولا تنتهي. رسالة ميلاد وقيامة وسلام لكلِّ العالم وليس فقط لوطننا المعذَّب.

 

هو طريقنا أيضًا كمًّا طريق المجوس طويل وليس سهل، فيه صعوبات ومحطَّات كثيرة فارقة ولكنَّ الأهمَّ هو الهدف الذي نسير من أجله وهو فرح الميلاد، هذا الحدث الذي غيّر وجه البشريّة ليومنا هذا ولليوم نتعلَّم الدُّروس من حدث إلهيّ عظيم منحنا مفهوم التَّواضع والبساطة الَّتي هي أساس رسالة مسيحيِّ الحاضر.

يوم ميلادي في مركز دون بوسكو بمدينة حلب

كلمتنا اليوم نحن مسيحو سورية نقولها وبالصَّوت العالي لتسمُّعه كلَّ البشريَّة ونحن نعيش مخاوفنا وهواجسنا الطَّبيعيَّة النَّاتجة عن أيِّ تغيير نعيشه اليوم أو هواجس المستقبل، أنَّنا ننتظر من كلِّ الغرب والعالم الدِّفاع لا عن مسيحيِّ سورية فقط بل الدِّفاع ودعم قيمة ووجود الإنسان السُّوريِّ الجديد الَّذي يحمل بتاريخه ونضاله توقه للسَّلام، توقه لسلام سورية الجديدة وهي تضمُّ كلَّ أبناء هذا الشَّعب المتألِّم، فرسالة الميلاد هي تعزية كلِّ إنسان معذَّب في العالم وهي تصبح مقدَّسةً أكثر عندما تولَّد منُّنا نحن أبناء هذا المشرق الَّذي شهد على ولادة السَّيِّد المسيح.

 

فنحن نضيء برسالتنا رغم كلِّ ما نعيشه لأنَّنا ندرك وبإيمان كامل وثقة أنَّ اللَّه معنا مهما كثرت ظلمة أيَّامنا نحن النُّور الَّذي يشرق في الظُّلمة ويدلُّ على الولادة الجديدة لسورية، فساعدونا ليبقى الإنسان السُّوريُّ في أرضه ويعطي هذا المثال رغم قساوة الدَّرب، ونحن نتذكَّر ما عانى منه مسيحو دول الجوار، لكي لا يتكرَّر هنا، ونحن كنَّا نسمع الوعود الكثيرة ولكن بقيت كلَّها منسيَّة والشُّعوب تتعذَّب ولكنَّها تتابع حياتها برجاء كبير، وكذلك نحن سنبقى.

 

إنَّنا أبناء هذه الأرض الطَّيِّبة الَّتي قدَّمت للعالم الحضارات والثَّقافة وستبقى كذلك بسواعد كلّ من يحبُّنا ويعمل من أجل خيرنا، سنكمل الطريق وسنعطي المثال الصالح عن إرادة الإنسان في صنع نهضة الأوطان والاستمرار في العيش المشترك بكل أمانة ومحبة.

بازار أجراس الميلاد في بلدة مشتى الحلو بمحافظة طرطوس

مع فرح الميلاد الذي غابت مظاهره في الكثير من مدن سورية نقول إنّ ميلادنا يكمل بميلاد سورية الجديدة الَّتي سوف تشرق في سماء السلام كنجم مضيء وينير الدَّرب أمام الشُّعوب التوّاقة للكرامة والعدالة لتصل بدورها لتحقيق حلمها.

 

هذه هي كلمتنا اليوم التي نريد أن تصل للجميع، نحن نور وفرح الميلاد وسط كلِّ هذه الظُّلمات، هذه هي رسالتنا وهذه هي شهادتنا التي من أجلها سوف نبقى نناضل ونعمل ونعلن بفرح عظيم: "ولد المسيح، وكذلك سورية الجديدة.. هللويا".