موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عقدت مطرانية اللاتين في الأردن، اليوم السبت، لقاءً إداريًا وروحيًا هو الأول من نوعه لموظفيها العاملين في كل من المحكمة الكنسيّة، إدارة المدارس، مكتب المالية، مركز سيدة السلام، المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، مكتب العائلة، الأمانة العامة للشبيبة، وذلك في مركز سيدة السلام، تحت عنوان: "عائلة النيابة البطريركية: في الرسالة والخدمة معًا".
استُهل اللقاء بالقداس الإلهي في كنيسة الراعي الصالح. من ثمّ قدّم المطران إياد الطوال، النائب البطريركي للاتين في الأردن، محاضرة تناول فيها أربعة محاور أساسية: الروحانية، الولاء والانتماء للكنيسة، المهنية الوظيفية، وضمان الجودة.
وفي محور الروحانية، أكد المطران الطوال أن الروحانية المسيحية في بيئة العمل ليست مجرد ممارسة دينية، بل هي نهج أخلاقي وإنساني يعزز العلاقات بين الزملاء ويرتقي بجودة الحياة المهنية. وأشار إلى أن العمل في المؤسسات الكنسية يحمل بُعدًا يتجاوز الإنتاجية المادية نحو الالتزام بالقيم والمبادئ المستمدة من الإيمان، ما يخلق بيئة عمل يسودها الاحترام والصدق والتقدير.
أما في محور الولاء والانتماء للكنيسة، فقد شدّد سيادته على أهمية الإيمان برسالة الكنيسة ومهمتها، مبينًا أن الانتماء الحقيقي يتجسد في المحبة والالتزام والأمانة في أداء الخدمة. واستشهد باستبيان داخلي في البطريركية اللاتينية أظهر أن الولاء يرتبط بعوامل أخلاقية وروحية أبرزها الإيمان بالمسيح ومحبّة الكنيسة، والتناغم بين الزملاء، والتقدير والدعم المتبادل.
وفي حديثه عن المهنية الوظيفية، أوضح المطران الطوال أن العمل في مؤسسات الكنيسة هو مسؤولية روحية وعملية في آن واحد، مشيرًا إلى أن الكنيسة تعمل في مجالات مؤثرة كالتعليم والإعلام والخدمات الاجتماعية، ما يستدعي تطوير الأداء والالتزام بالقيم المهنية. وتطرق إلى محاور عدة من أبرزها: تعزيز رضا الموظفين من خلال العدالة والأمان الوظيفي، تطوير المواهب، ترسيخ العقلية المهنية القائمة على القيم الروحية والعملية، ومواكبة التطور العالمي في العمل المؤسسي.
وفي المحور الأخير حول ضمان الجودة، بيّن المطران الطوال أن الجودة ليست مجرد متابعة للأداء، بل هي عملية استباقية تهدف إلى منع الخلل قبل وقوعه، من خلال التدقيق الدوري، والعمل الاستباقي، والتوثيق الرسمي لكل الإجراءات لضمان الشفافية والمساءلة.
واختتم المطران الطوال كلمته بدعوة الحضور إلى العمل بروح واحدة من أجل خدمة الكنيسة والمجتمع، قائلاً: "يدًا بيد نبني بيئة عمل لا تُلهم فقط، بل تُحدث فرقًا حقيقيًا. فكل مساهمة منكم هي شرارة تغيير، وكل فكرة هي لبنة في صرح التميّز الذي نصنعه معًا، بروح المحبة والخدمة التي دعانا إليها المسيح".
الأسس اللاهوتية ومفاهيم الجودة
وفي اللقاء الثاني، قدّم كل من الدكتور مهند خوري، المدير المالي والإداري في المطرانية، والسيدة حنان الديب، مديرة التأهيل والتطوير في مركز سيدة السلام، محاضرتين تناولتا الأسس اللاهوتية للعمل ومفاهيم الجودة في ضوء العهد الجديد.
وأوضح الدكتور خوري أن العمل في الكتاب المقدس هو امتداد لعمل الله الخالق، حيث دعا الإنسان منذ البدء إلى أن يعمل لا ليعيش في خمول، بل ليشارك في إعمار الأرض. وأشار إلى أن المسيح نفسه كان نجارًا، وضرب في أمثاله أمثلة مستوحاة من الحياة العملية، كالزارع، مبرزًا أهمية الاحترافية والإتقان في كل عمل.
وأكّد أن قداسة العمل لا تُقاس بنوع المهنة أو مكانتها الاجتماعية، بل بأمانة العامل في أداء رسالته، فالمسيح قال: «ما أتيتُ لأُخدَم بل لأَخدِم»، وهو ما يشكّل دعوة لتحقيق رسالة الله على الأرض من خلال خدمة الآخرين لمجد الله وخلاص النفوس.
من جهتها، تناولت السيدة الديب مفهوم إدارة الجودة في ضوء العهد الجديد، مبرزة العلاقة بين تعاليم الإنجيل ومبادئ الجودة الشاملة. واستشهدت بقول المسيح في يوحنا 10 حيث يصوّر نفسه كـ«الراعي الصالح»، لتبيّن أن القيادة الخادمة هي الأساس في تحقيق الجودة والتميّز، إذ يُطلب من القائد أن يكون في خدمة فريقه، داعمًا ومُلهمًا لهم.
وختمت بالإشارة إلى أن مبادئ الجودة في أنظمة ISO 9001 تنسجم إلى حد كبير مع تعاليم السيد المسيح، إذ تشترك في هدف واحد هو تحقيق التميّز في الخدمة وتنمية الإنسان، من خلال الإتقان، والأمانة، والعمل بروح الجماعة، والاهتمام بالآخرين.
واختُتم اليوم بورشة عمل تطبيقية شارك فيها العاملون في مختلف المكاتب، جرى خلالها تدريب المشاركين على استخدام أداة "عظمة السمكة" (Fishbone Diagram) في إطار إدارة الجودة، كوسيلة لتحليل المشكلات وتحديد أسبابها الجذرية بطريقة منظمة، وصولًا إلى حلول فعّالة ومستدامة.