موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الإثنين، ٢١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤
مداخلة المونسنيور خالد عكشة في مؤتمر "إيجاد الجمال في الآخر" بالبحرين
فيما يلي نص المداخلة التي ألقاها المونسنيور خالد عكشة، أمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في حاضرة الفاتيكان، في المؤتمر الدولي "إيجاد الجمال في الآخر: الإدماج والخدمة الإنسانيّة بين المؤمنين، رهبان جمعيّة الثالوث الأقدس مثالاً"، من 20 إلى 22 تشرين الأوّل 2024، في العاصمة البحرينية المنامة.

أبونا :

 

"متأخرًا أحببتك،

أيها الجمالُ القديم جدًا والجديدُ جِدًا،

متأخرًا أحببتك".

 

هذا هو الندمُ الذي يعبّر عنه القديس أغسطينوس، الأمازيغي الأصل وأسقف عنابة في الجزائر حاليا (354-430)، الذي اهتدى الى الله بعد شباب عاصف.

 

ما يهمّنا، أيها الاخوة والأخوات،  ونحن نتناولُ موضوعَ "اكتشاف الجمال في الآخر"، بعدَ البحثِ عن الجمال في الخالق، هو أن نبحثَ عنه في "الآخَرِ" خليقتِه. والآخرُ، في سياق لقائنا هذا، هو المختلِفُ عنّا عِرقًا أو دينًا أو لغةً أو فكرًا.

 

وكم سرّني اختيارُكم هذا الموضوع لما فيه من جِدة وتميّز، نضيفه إلى مواضيعَ أخرى تناولناها، نحن أهلَ الحوار، مثلَ التسامحِ والعيشِ المشترك والسلامِ والتربيةِ والحفاظِ على البيئة وغيرَها. ولهذا أهنىء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي والنيابة الرسولية لشمال شبة الجزيرة العربية ورهبنة الثالوث الأقدس على تنظيم هذا المؤتمر، شاكرا لهم دعوتهم ولطفهم وكرمهم.

 

ولمّا كان الوجودُ والحقيقةُ والخيرُ والجمال تتلاقى لتصل الى الاتحاد (Ens, verum, bonum et pulchrum convertuntur in unum)، بحسب قول الفلسفة المدرسية من العصور الوسطى، فما هو جميلٌ، فيه كذلك حقٌ وخير.

 

ولما كانت رسالتي ككاهن في خدمة الكرسي الرسولي منذ ثلاثين عاما في مجال الحوار بين الأديان مع المسلمين فقط، اسمحوا لي أن أتناول ما أجده جميلاً وحقًا وخيرًا في الإسلام والمسلمين، دون إغفال الفروق، التي ليست موضوعَ لقائنا أو مداخلتي. وعن الجمال والحق والخير نبحث كذلك في رهبنة الثالوث الأقدس، التي تربطها بالمسلمين علاقاتٌ في الماضي والحاضر.

 

جميل في الإسلام في نظري:

 

1) التسليم لإرادة الله وما ينتج عنه من سكينة في النفوس.

 

2) جميلة هي لغة القرآن الكريم وتجويده.

 

3) في العمارة الاسلامية روعة  وخاصة في المساجد.

 

4) جميلة صلاة المسلم التي ينهاه القرآن الكريم أن لا يلهيه عنها شيء.

 

5) وبِرُّ الوالدين حقٌ لهما وواجب على الأبناء.

 

6) الحدب على السائل واليتيم: "أما السائلَ فلا تنهر وأما اليتيمَ فلا تقهر" (سورة الضحى - الآية 9).

 

7) المحبة مصدَّقة للإيمان : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

 

8) الاستثمار في الحياة الآخرة: "والآخرة خير وأبقى" (سورة الأعلى - الآية 17).

 

9) يعجبني كذلك حق الجار في الإسلام بمراتبه الثلاث: أدناها كفُّ الأذى عنه، ثم احتمالُ الأذى منه، وأعلاها وأكملها إكرامُه والإحسان إليه.

 

10) اتقان العمل: "إنّ الله يحب اذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

 

وعن رهبان جمعية الثالوث الأقدس (the members of the Trinitarian Order) ، فهم يبحثون عن الجمال أوّلا في الله، الواحد مثلث الأقانيم أو الأشخاص الذي لا يُستقصى سرُّه، من خلال الصلاة والتأمل والتعبّد. وهم يبحثون عن الجمال كذلك، أو بالأحرى يعملون على ترميمه، في مَن فَقد بهاء انسانيته من خلال حرمانه حريتَه عن طريق الاختطاف أو الأسر غير المشروع أو العبودية قديمِها وجديدِها.

 

ومن اللافت تأقلمُ الرهبانية مع التغييرات المتتالية ومع مستجدات العصر محبَّةً بالله قديمِ الأيام والدائمِ الجِدّة في آن.

 

والمطران آلدو براردي، عضو هذه الرهبنة، الذي دعاه الله لخدمة المؤمنين الكاثوليك في البحرين والسعودية والكويت وقطر، هو هديةُ رهبانيته ليس للكاثوليك فقط، بل لشعوب هذه البلدان جميعِها على اختلاف أعراقهم وأديانهم ولغاتهم وثقافاتهم.  نتمنّى له جميعًا الصحةَ والهناء والتوفيق في تأدية رسالته على أفضلِ وجه.

 

حالت الظروفُ الصحية لرئيس دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان، نيافةُ الكاردينال ميخيل أيوسو، دون مشاركتنا هذا المؤتمر، ولكنه يرافقنا بصلاته، ونحن بدورنا ندعو له بالصحة والطمأنينة.

 

الله الجميل، خالقُ الجمال ومحبُّه، معنا، وهذا يشجّعنا ويدخل الطمأنينة والسرور الى قلوبنا.

 

لكم منه تعالى الرحمةُ والبركاتُ ومني السلام.