موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥
في رحيل ألبيرتو جيانولي

المونسنيور خالد عكشة :

 

هناك كلمة ليسوع حاضرة دائمًا في ذهني، و"تتحداني": "لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا" (مرقس 8: 35).

 

والسؤال الذي أطرحه على نفسي في هذا الصدد هو: "هل تتوافق طريقتي في العيش، وتنظيم وقت العمل والراحة، وإدارة عطايا الرب من كل نوع، مع 'خسران الحياة من أجل يسوع والإنجيل' لكي أخلصها، كما يعلّم يسوع؟".

 

في هذا الصدد، فإن البحث عن قدوة في الأشخاص الذين قبلوا أن يخسروا حياتهم من أجل ملكوت الله هو عون كبير، لأنهم يجعلوننا نفهم كيف "نخسر أنفسنا" لنخلصها، وكيف نستثمر دون أن نواجه خطر "الإفلاس"، وكيف نستغل عطايا الرب بأفضل طريقة، لكي لا يكون لدينا أي ندم عندما يدعونا إليه. عطايا الله، أيها الإخوة والأخوات، هي الوقت، والذكاء، والتعليم والتنشئة التي تلقيناها، والصفات البشرية والروحية، ولكن أيضًا الخيرات المادية من كل نوع.

 

على الرغم من أنني لم أعرف ألبيرتو إلا قبل أيام قليلة من دعوته إلى بيت الآب، يمكنني أن أؤكد أنني وجدت فيه شخصًا بذل حياته من أجل الله وكنيسته، وبالتالي فقد خلّصها. لقد كان الأب فيروتشو، وهو صديق مشترك وطيب وحاضر بيننا، هو من عرّفني على ألبيرتو استعدادًا لخدمتي في بوسكيافو كبديل للأب فيتولد، كاهن رعيتكم. ثم رافق ألبيرتو خطواتي الأولى هنا بسخاء. كان القداس الإلهي ليلة السبت 4 أكتوبر المنصرم هو آخر مرة التقينا فيها. كان ألبيرتو سعيدًا بالحصول على بضعة أيام إجازة، وكذلك ليرى كيف سيكون حصاد كرم والده.

 

لذلك علي أن أقول إن الوقت الذي قضيناه معًا كان قصيرًا، لكنني أستطيع أن أؤكد في الآن نفسه أنه كان كافيًا لمعرفة من كان ألبيرتو. جنازته، في 13 تشرين الأول الماضي، والتي كانت لحظة مؤلمة ومهيبة في آن، سمحت لي كذلك أن أفهم بشكل أفضل من كان ألبيرتو بالنسبة للإكليروس والمؤمنين: ابن وخادم أصيل للكنيسة، ولذلك كان يحظى بتقدير واحترام كبيرين.

 

من خلال الموت المفاجئ والمأساوي للفقيد ألبيرتو، نتذكر كلمات يسوع: "اِسْهَرُوا إِذًا لِأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلَا السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" (متى 25: 13). "السهر" يعني أولاً وقبل كل شيء العيش دائمًا في نعمة الله، وفي صداقته. ولهذا الغرض، الاعتراف بالخطايا المنتظم ضروري.

 

يقدم لنا ألبيرتو مثالاً بليغًا على كيفية الاستفادة الجيدة من العطايا التي تلقاها، بوضعها في خدمة الإخوة لخيرهم الإنساني والروحي. لقد كان الرب سخيًا معه، وكان هو بارعًا في تثمين الوزنات المتلقاة، فأصبح صحفيًا مشهودًا له بالبنان، ومعلم تعليم مسيحي موضع تقدير، ومعلم دين، ومعاونًا رعويًا، ومنشطًا ليتورجيًا قادرًا على تشجيع مشاركة الأولاد والشباب والكبار. ولكن قبل كل شيء، كان ألبيرتو شخصًا مستقيمًا، طيبًا، كريمًا ومتسقًا، وبالتالي كان ذا مصداقية.

 

لم يكن ألبيرتو بخيلاً ولا حاسبًا للوقت والجهد: لقد زرع كثيرًا، متذكرًا ما قاله القديس بولس: "اَلَّذِي يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَالَّذِي يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ" (2 قورنتس 9: 6).

 

ربما يمكننا، إن كان الأمر مناسبًا، أن "نلوم" ألبيرتو لأنه عمل كثيرًا، ولأنه لم يعرف كيف يوازن بين العمل والراحة، ولهذا السبب غادر باكرًا جدًا إلى الحياة الأبدية، تاركًا لنا الارتباك والحزن. لكن الله، مع أنه ليس غير حساس لمآسينا، لا يصاب بالارتباك، بل على العكس، يمكن أن يستخرج الخير من مآسينا، بما له من قدرة مطلقة، حكيمة ورحيمة. ونحن نصلي من أجل هذه الغاية، وأيضًا لكي تكون حياة ألبيرتو النشيطة والمثمرة مصدر إلهام للشباب والشابات ليقدموا أنفسهم لله كعلمانيين ملتزمين، أو في الحياة الكهنوتية والرهبانية.

 

أيها العزيز ألبيرتو، نحن جميعًا، ومعنا الأب فيتولد، الغائب رغم إرادته، نريد أن نقول لك إننا نحبك ونقول لك "شكرًا"، ولا توجد طريقة أفضل لتقديم الشكر من الاحتفال بالإفخارستيا -الشكر بامتياز- من أجلك. أردنا أن يكون قداسًا إلهيًا احتفاليًا إلى أقصى حد. الكل -الكهنة، الجوقة، عازف الأرغن، خدام المذبح، خادم الكنيسة، والرعية بأكملها- يبذلون قصارى جهدهم وبقلوب تسكنها المحبة للتعبير لك عن التقدير والامتنان والمحبة. أصارحكم بأنني حضرت بروفة الجوقة استعدادًا للترانيم، وخاصة ترانيم القداس، وكل مرة كنت أقرأ "أليغرو" (مرح)، كنت أشعر بالسعادة، قائلاً لنفسي: "هذا هو الأفضل لألبيرتو".

 

أقول لوالديّ ألبيرتو: شكرًا لكما على تقديم ابنكما للكنيسة كشخص علماني ملتزم. يمكنكم أن تكونوا على يقين من أن ألبيرتو لم يضيّع حياته، بل استثمرها بأفضل طريقة، ولهذا يمكنكم أن تفخروا به.

 

رجاؤنا الذي ترافقه صلاتنا، هو أن يكون ألبيرتو قد سمع الرب يقول له: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ ... اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (متى 25: 21).