موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أثارت قضية الطفل شنودة، الذي وجدته أسرة مسيحيّة، أمام إحدى الكنائس، وربته أربع سنوات، قبل أن تقرّر السلطات المصريّة إيداعه في دار رعاية، جدلاً واسعًا ونقاشًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول قوانين التبني والكفالة في البلاد.
النقاش الذي تركز في البداية على مناشدات للمسؤولين بإعادة الطفل إلى الأسرة، اتسع ليشمل تساؤلات حول بعض قوانين الأحوال الشخصيّة التي تمسّ المسيحيين في البلاد. ومن أهم تلك التساؤلات: آلية تحديد ديانة مجهولي النسب وفقًا للقانون المصري، والسماح للمسيحيين بالتبني وفق "المفهوم المسيحي".
وناشدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة في مصر السلطات إعادة الطفل شنودة إلى أسرته، مشيرة في الوقت ذاته إلى الإقرار بالمخالفة القانونيّة التي وقعت فيها الأسرة. وأوضح المتحدث باسم الكنيسة بأنه مع وجود الجانب القانوني فإن القضية إنسانيّة بامتياز، وأن الطفل ليس له ذنب في ما حدث كي يُنتزع من حض أبويه، ويُعهد به إلى دور الرعاية، الأمر الذي قد يدمّر الطفل نفسيًا واجتماعيًا.
وشغلت قصة الطفل شنودة الرأي العام في مصر بعدما عُثر عليه داخل إحدى الكنائس رضيعًا وتولت تربيته أسرة قبطي،ة ولكن تم وضعه بعد أربع سنوات في دار أيتام وفقًا للنظام المعمول به في مصر، إذ يعتبر القانون المصري أي طفل مجهول النسب "مسلمًا بالفطرة".
ووجد الزوجان المسيحيان الطفل عند باب أحد الكنائس وعمره أيام، وقررا تبنيه بعد استشارة المعنيين في الكنيسة، إذ لم يرزقا بأطفال. وقد أطلق الزوجان على الطفل اسم "شنودة فاروق فوزي"، وعاش بينهما لأربع سنوات، قبل أن تتقدّم بنت أخت الزوج بشكوى إلى النيابة العامة للطعن في نسب الطفل إلى الأسرة الحاضنة، حيث قالت إنّ الطفل مختطف.
وبعد أن خضع الزوجان والطفل لتحليل الحمض النووي، وثبوت عدم نسبه لهما، قررت النيابة العامة المصرية إيداعه دار أيتام بوصفه "فاقدًا للأهلية" وتغيير اسمه إلى "يوسف". ولم تتخذ النيابة العامة أي إجراء ضد الزوجين، إذ ثبت لديها حسن نيتهما.
وأعادت القضية قوانين التبني إلى الواجهة من جديد، وطالب كثيرون السلطات بإعادة النظر بالقوانين المعتمدة، وتعديلها لتناسب مختلف الديانات. وشدد آخرون على أهمية وضع قوانين تركز في مضمونها على ضمان مصالح الأطفال.
وحظرت الدولة المصرية التبني بمفهومه الأوسع عندما أصدرت قانون الطفل رقم 12 في عام 1996، وأجرت عليه عدة تعديلات كان آخرها تعديل في لائحته التنفيذية في عام 2010. واعتمدت مصر بدلاً من ذلك "نظام الأسر البديلة" الذي ينص على "إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، خاصة مجهولي النسب، بأسر يتم اختيارها وفقا لشروط ومعايير تؤكد صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلال لهم أو لمصالح ذاتية".
ومن بين شروط وأحكام "نظام الأسر البديلة" أن تكون ديانة الأسرة ذات ديانة الطفل، وأن يكون الزوجان مصريين (ويجوز للجنة العليا للأسر البديلة الكافلة الموافقة على كفالة طفل لأسرة بديلة مكونة من زوجين أحدهما مصري). وأن تتكون الأسرة من زوجين تتوفر فيهما مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي بناء على بحث اجتماعي تقوم به الإدارة الاجتماعية المختصة والجمعية والمؤسسة الأهلية المختصة، وألا تقل سن كل منهما عن واحد وعشرين سنة ولا تزيد عن ستين سنة.
ويجوز حسب النظام "أن يحمل الطفل كريم النسب، ذكرًا كان أو أنثى، الاسم الذاتي للأب البديل الكافل ويحل محل الاسم الأول الوارد في شهادة ميلاده المميكنة أو لقب عائلة الأسرة البديلة الكافلة في نهاية اسمه ويثبت ذلك في ملف الطفل دون أن يترتب على ذلك أي أثر من أثار التبني.
ويجوز أن يحمل الطفل كريم النسب، ذكرًا كان أو أنثى، الاسم الذاتي للأم البديلة الكافلة بدلا من الاسم الأول للأم الوارد في شهادة ميلاده الممكنة، ويثبت ذلك في ملف الطفل دون أن يترتب على ذلك أي أثر من آثار التبني. وقد وسعت مصر في عام 2020 القواعد الخاصة بمن يمكنه كفالة أو احتضان طفل، لتشمل العازبات فوق سن الثلاثين والمطلقات، وخفضت الحد الأدنى المطلوب للتعليم.
تفرّق السلطات المصريّة بين المفهوم الغربي للتبني والكفالة.
التبني هو أن يرعى أبوان في بيتهما طفلا ليس من صلبهما، ويعتبر الطفل ابنًا شرعيًا لهما، إذ يحق للعائلة إعطاء هذا الطفل الاسم الكامل لها وتوريث الطفل من ممتلكاتهم. أما الكفالة فتعني أن تقوم أسرة برعاية طفلاً لا يقدر أهله على رعايته أو محرومًا من الجو الأسري، ولا يأخذ الطفل الاسم الكامل للأب الكافل أو للأم الكافلة ولا يكون له حق في الميراث.
أما التبني الموجود في مصر فيعرف بالكفالة أو "برنامج الأسرة البديلة الكافلة". ويمكّن هذا البرنامج الأوصياء، أو الأم البديلة أو الكافلة، من رعاية طفل في بيتهم كما لو كان ابنهم أو فردًا من أسرتهم. كما يتيح البرنامج للوالدين أو للأم منح اسم العائلة أو اسم عائلة الأم لهذا الطفل، ويكون الوالدان أو الأم مسؤولين بالكامل عن رعاية الطفل ماديًا ومعنويًا.
لم يتم العثور في قانون الأحوال الشخصية على مادة واضحة النص تحدّد ديانة مجهول النسب، وكيفية إدراج ديانته بشهادة ميلاده. ولكن المعتاد أن الحكومة، ممثلة في هيئة الأحوال المدنيّة التابعة لوزارة الداخلية، تختار له اسمًا ثلاثيًا وتنسبه إلى الدين الإسلامي، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلاميّة، التي تنص على أن الطفل المولود في دولة مسلمة وغير معلوم الأب والأم يصبح مسلمًا بالضرورة.
وقال المستشار القانوني للكنيسة القبطية، رمسيس النجار، إنّه "بحسب الدستور في مصر وتحديدًا المادة الثانية منه، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة، فإن الطفل مجهول النسب يحمل ديانة الإسلام من تلقاء نفسه، حتى لو عثر عليه كاهن أمام كنيسة ورباه، ويظل على هذا الحال طيلة عمره، إلا لو اكتشف يومًا أسرته وكانت مسيحيّة، فيجوز له تغيير اسمه وديانته، لكن والديه سيحاكمان بتهمة إهمال الطفل". ويعتقد رمسيس أن "إيجاز القانون للتبني سيحسم هذا الأمر ويضعه في نصابه الصحيح، وبناء على ديانة الأسرة التي ستتبنى الطفل تحدد ديانته سواء كانت مسلمة أو مسيحية".
التبني بمفهومه الواسع بنسب الطفل إلى اسم أسرة بديلة، لا مشكلة فيه لدى المسيحيين وكان معمولاً به حتى سبعينيات القرن الماضي، وفقاً للائحة 1838 الخاصة بتنظيم قوانين الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس. وقد أجازت أحد بنود اللائحة التبني، وفق شروط وصفها المسيحيون بالتعجيزية، إلا أن الدولة المصرية ظلت تبيحه حتى عام 1996 عندما صدر قانون الطفل رقم 12 الذي حظر التبني بشكل تام.
وكانت مسألة التبني بين الكنائس المسيحية تقابل بآراء مُختلفة، رغم أن دستور عام 2014، المعمول به حاليًا، ينص على احتكام المسيحيين لشرائعهم. فقد تقدمّت الكنيسة الإنجيلية وحدها بفصل كامل عن التبني والمواريث في لائحة قانون الأحوال الشخصية الموحد، فيما اتبعت الكنيسة الكاثوليكية نفس توجه الأرثوذكسية، ولم تدرج التبني في مقترحاتها، لمخالفته النظام العام للدولة.
في نهاية عام 2014 قدمت الكنائس الثلاث مقترحًا بمشروع قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين، إلى وزارة العدالة الانتقالية، وقامت الوزارة بإعداد المسودة النهائية للمشروع، وأرسلتها إلى الكنائس مجددًا لإبداء الرأي فيها، لكن المسودة النهائية خلت من باب كامل يخص تنظيم حق التبني.
في ذلك الوقت لم تعترض الكنيسة الأرثوذكسية على حذف المادة الخاصة بالتبني، "لعدم رغبة الكنيسة في الاصطدام بالدستور"، وأكدت الكنائس وقتها أنها "ترحب باستقرار الدولة، على حساب مصالحها، وستترك ما يتعلق بالقوانين المدنية للدولة".
من جهة أخرى، فقد نفى الأزهر ما تردد وقتها بشأن اعتراضه على بعض بنود القانون أو أن هناك ضغطًا من جانبه قد يعوق إرساله للبرلمان، وأكد أن "الأزهر لا يتدخل في تشريعات أصحاب الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية أو غيرها، لكن سيكون التصدي بحزم وقوة من جانبه إذا ما تمت المطالبة بإتاحة التبني لجميع المصريين مثلما تصدى من قبل لدعوات طالبت بالمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى للمسلمين".
تتيح وزارة التضامن الاجتماعي للأسر المسيحيّة رعاية طفل من إحدى الدور المسيحية بعد اتخاذ كل الإجراءات اللازمة. وفي السادس من حزيران 2022، احتفلت منى دحروج، مؤسِسة مبادرة "الاحتضان في مصر"، بكفالة أول طفل مسيحي بشكل رسمي وقانوني في مصر.
وتقول دحروج حول دور المبادرة الداعم للأسر: "نساعد الأسر الراغبة في أن تكفل طفلا في التعرف على الإجراء وكيف يبدأون، والتقديم والأوراق المطلوبة، وهل تنطبق عليهم شروط وزارة التضامن أم لا، وطريقة استخراج الأوراق، وفي حالة وقوع أي مشاكل في الخطوات، نتدخل للمساعدة، ونتواصل مع موظفي وزارة التضامن كحلقة وصل، كما نقدم الدعم النفسي للأسر من خلال اجتماعات تجمعنا بهم، ونقدم الدعم ونتبادل الخبرات".
وتضيف دحروج أن "الأطفال المسيحيين يدخلون دور الرعاية المسيحية حتى في حالة كان نسبهم معروفًا وتم التخلي عنهم لظروف تمر بها أسرتهم المكونة من الوالدين، والتي قد تكون الوفاة أو السجن على سبيل المثال، فيكملون حياتهم في دور رعاية مسيحية تتبع الكنيسة"، لكنها طالبت بأن "تصبح البيوت هي مقر هؤلاء الأطفال وليست دور الرعاية المسيحية".