موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
"لا نُريد أن نفقده"... أرمن ناغورنو كراباخ يودّعون دير داديفانك الأرميني للمرة الأخيرة
يصلونه بالعشرات، يتجمّعون فيه والدمع يسيل من عيونهم. قبل ثلاثة أيام من تسليمه إلى أذربيجان
أرمنيو كراباخ يزورون ديرهم للمرة الأخيرة (أ ف ب)

أرمنيو كراباخ يزورون ديرهم للمرة الأخيرة (أ ف ب)

أ ف ب :

 

يصلونه بالعشرات، يتجمّعون فيه والدمع يسيل من عيونهم. قبل ثلاثة أيام من تسليمه إلى أذربيجان وفق ما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كراباخ، يستقبل دير داديفانك الأرميني آخر زواره.

 

صمتت المدافع في مطلع الأسبوع حول الجيب الأرميني الانفصالي بعد أكثر من شهر من الإشتباكات والهزيمة المهينة أمام  القوات الأذرية التي ستستعيد السيطرة بعد اتفاق برعاية روسيا على معظم الأراضي التي خسرتها في حرب التسعينيات.

 

ومن المُقرّر أن تعود منطقة كلبجار، بجبالها الشاهقة ووديانها السحيقة ومنحدراتها الحرجية، إلى سيطرة باكو الأحد، بما في ذلك دير داديفانك العزيز على قلوب الأرمن.

 

ويُعتقد أن دير داديفانك تأسّس في الأيام الأولى للمسيحية على يد القديس دادي ويعود بناؤه إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

 

بعد قرون من التاريخ المضطرب، ما زال المجمع الرهباني الرائع المُعلّق على كتف الجبل بحجارته الرمادية وكاتدرائيته يُعدّ مفخرة للكنيسة الرسولية الأرمينية.

 

قالت امرأة سمراء في الأربعين من عمرها، وهي تُحاول إخفاء دموعها خلف نظارتها السوداء "إنه شيء صعب للغاية، مؤلم للغاية. لقد جئنا لنقول وداعاً ...".

 

في مجموعات سار الزوار، وكثير منهم من يريفان، بخشوع في ممرات الدير. وسواء استبدّ بهم الحزن أو استسلموا لمصيرهم، راحوا ينتقلون من كنيسة إلى أخرى وصولاً إلى قبر القديس دادي الذي أخذت وروده تذبل.
 

عمادة على عجل

 

اشترى الزوار بعض الشموع من متجر التذكارات الدينية الصغير الذي يُواصل خدمة الواصلين مع انشغاله بالإعداد لإغلاق أبوابه.

 

وعلى الطريق الفرعي المؤدي إلى الدير اصطفت المركبات، ولولا الحزن المُخيّم على الجميع وكثرة العسكريين بين الزوّار، لكان المشهد أشبه بمجموعة من السياح المتوجّهين إليه في إجازة.

 

يقول مياسنيك سيمونيان، البالغ 28 عاماً والمتوجّه من فاردينيس في شمال أرمينيا مع ثلاثة من أصدقائه: "لا أصدق أنها المرة الأخيرة التي آتي فيها إلى هنا. ... هذه الأرض هي أرض أجدادنا. هذه الحجارة عمرها 800 عام"، مشيراً إلى صليبين مهيبين أرمنيين منحوتين في الحجر بخطوط مجدولة مثل الدانتيلا.

 

تقول إينا تومانيان التي تخرّجت لتوّها من جامعة يريفان، وكانت تُريد أن تُعمَّد هنا منذ شهور، "كان الأمر مهماً جداً بالنسبة لي. ولكن ظهر فيروس كورونا ثم الحرب ... عندما سمعت أنه سيتعيّن علينا التخلّي عن الدير اتصلت بالكاهن، الذي طلب مني أن أحضر".

 

اصطفت اثنتا عشرة شابة في هذا اليوم في الكاتدرائية الصغيرة من أجل تعميدهن وسط أجواء الصمت والتأمل.

لا أستطيع المغادرة

 

في ظلّ لوحتين جداريتين من القرن الثالث عشر تُمثّلان رجم شهيد وتتويج قديس، يُعبّر الأب هوفانيس عن شعوره بالمرارة إزاء أذربيجان، الدولة العلمانية ذات الأغلبية الشيعية المتحدثة بالتركية، ويقول: "ليس لديهم القيم التي نحملها".

 

عندما كانت المنطقة تحت سيطرة النظام السوفياتي في أذربيجان كما في أرمينيا، تعرّض الموقع للإهمال وتُرك لتسرح فيه الماشية.

 

وعبّرت الحكومة الأرمينية الأربعاء عن "قلق شديد" بشأن مصير هذا التراث الفريد، على الرغم من تأكيدات باكو التي وعدت بالحفاظ على جميع الأماكن التاريخية والروحية.

 

ويُتابع الكاهن ذو اللحية الرمادية، وقد تدلّى صليبه الفضي فوق ردائه الأسود: "لقد فقد الناس أحباءهم وبيوتهم. لا يريدون أن يفقدوا داديفانك ... يجب أن نصلي من أجل حماية ديرنا".

 

ويقول: "الأهم ألا تحملوا شيئاً معكم، لا تسرقوا شيئاً من بيت الرب"، محذراً أولئك الذين قد يميلون إلى حمل ما يُذكّرهم بالمكان.

 

ويقول الأب هوفانيس إنه لم يتلق أي تعليمات من يريفان بخصوص الحفاظ على المكان والمشغولات اليدوية والتحف.

 

ويضيف: "هذا الدير لنا، ولا يُمكنني ترك المكان". أما بالنسبة لإعادة بعض الصلبان الثمينة التي تُزيّن المكان إلى أرمينيا، فيقول: "من أنا لأقوم بنزع الحجارة الموجودة هنا منذ أكثر من 800 عام؟ لا يمكنني ذلك ..."