موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٧ يونيو / حزيران ٢٠٢٣
"عقد إيجار غامض" يهدد أبناء الجماعة الأرمنية في القدس

أسوشيتد برس :

 

أثار إيجار قطعة أرض وعقارات في قلب القدس حالة من الذعر في المجتمع الأرمني بالمدينة، وتساءل أبناء الجالية عن كيفية انتقال عقاراتهم إلى مستثمر غامض.

 

لمس عقد الإيجار الممتد لمدة 99 عامًا لنحو 25 بالمائة من عقارات الحي الأرمني في القدس وترًا حساسًا، مثيرًا جدلاً واسعًا أجبر بطريرك القدس للأرمن الأرثوذكس على الانعزال في دير، ودفع كاهنًا يزعم أنه وراء صفقة الإيجار إلى الفرار إلى ضواحي لوس أنجليس.

 

وقال غارو نالبانديان، (80 عامًا)، عن المباني التي تعود للعهد العثماني حيث عاش لمدة خمسة عقود بين أفراد مجتمع متضائل من الأرمن "ببيعهم هذا المكان، فإنهم يبيعون قلبي". وجاء أسلاف الأرمن إلى القدس منذ أكثر من 1500 عام، ثم مرة أخرى بعد عام 1915 عندما قتلت الدولة العثمانية ما يقدر بنحو 1.5 مليون أرميني، فيما يعتبر على نطاق واسع أول إبادة جماعية في القرن العشرين.

 

وفي أواخر نيسان، انتشر القلق بشأن عقد الإيجار بعد زيارة مفاجئة قام بها موظفو مساحة أراضي إسرائيليون. وانتشرت الأخبار عن أن مستثمرًا "أستراليًا- إسرائيليًا" ظهرت لافتة شركته الغامضة في الموقع، يخطط لتحويل مرآب السيارات والقلعة المشيدة بالحجر الجيري إلى فندق فخم.

 

ومع تصاعد الغضب والبلبلة والمخاوف من عمليات إخلاء محتملة، أقرت البطريركية الأرمنية، وهي الهيئة المنوطة بالشؤون المدنية والدينية للجالية، بأن الكنيسة" وقعت على عقد إيجار قطعة الأرض". وزعم البطريرك الأرمني، نورهان مانوغيان، أن كاهنًا "مفصولا من الخدمة" يتحمّل المسؤولية الكاملة عن صفقة "الاحتيال والخداع" التي قال إنها تمت دون علمه. وألهب الاعتراف المشاعر في الحي الأرمني، فشجب نشطاء الصفقة ووصفوها بأنها تهديد لوجود الجالية القديمة في القدس.

 

وقال الأردن، الذي له علاقات تاريخية بالمواقع المسيحية في القدس، إنه يخشى على "مستقبل المدينة المقدسة". كما اتهم مسؤولون فلسطينيون، البطريرك الأرمني بـ"مساعدة إسرائيل في معركتها المستمرة ضدهم منذ عقود"، حول مدينة يزعم الجانبان أنها عاصمتهم.

 

بالنسبة للفلسطينيين، تمثل هذه النزاعات على العقارات محور الصراع المستمر منذ عقود، ورمزًا لما يرون أنه جهد إسرائيلي أوسع لإزالة هذه العقارات من مناطق استراتيجية في القدس الشرقية. وقال ديميتري ديلياني، رئيس الائتلاف الوطني المسيحي في القدس "من وجهة نظر فلسطينية تعد هذه خيانة... ومن وجهة نظر نشطاء السلام يقوض هذا أي حل ممكن للصراع".

 

وعلق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والملك عبدالله الثاني، الاعتراف بالبطريرك مانوغيان الذي خدم طوال العقد الماضي، في منصب عادة ما يكون إلى مدى الحياة. وأدت هذه الخطوة إلى جعله غير قادر على توقيع عقود وإجراء معاملات واتخاذ أي قرارات تخص الأراضي الفلسطينية والأردن.

وأطيح بالكاهن باريت يريتسيان، الذي قام بتنسيق الصفقة، واعتدى عليه حشد من الشباب الأرمن الغاضبين، واحتجزته الشرطة الإسرائيلية قبل أن يلتمس اللجوء في جنوب كاليفورنيا. بينما اعتزل مانوغيان في دير الأرمن، غير راغب أو غير قادر على الظهور علنًا، وفقًا للسكان.

 

وقال رئيس الجالية، هاغوب دجيرنازيان (22 عاما) "هذا الحي هو كل شيء بالنسبة لنا، إنه المكان الوحيد الذي يتجمع فيه الأرمن في الأرض المقدسة، علينا أن نقاتل من أجله". ويضم الحي حوالي 2000 أرميني يتمتعون بنفس المكانة التي يتمتع بها الفلسطينيون في المدينة التي ضمتها إسرائيل، وهم سكان لكنهم غير مواطنين. وخلال الشهر الماضي، توافد المتظاهرون على نافذة مانوغيان، وهم يهتفون "خائن" ويطالبون بالإفصاح عمن استأجر الأرض وكيف تم ذلك.

 

وبينما رفضت الكنيسة الأرمنية الكشف عن تفاصيل الصفقة، كشف يريتسيان عن أن المستثمر هو رجل الأعمال الأسترالي الإسرائيلي، داني روثمان. وبصفته مسؤولا عن إدارة العقارات في الكنيسة، قال يريتسيان إنه كان يتصرف بناء على طلب البطريرك وبمعرفته.

 

ولا يعرف سوى القليل للغاية من المعلومات عن روثمان، الذي يستخدم أيضا لقب روبنشتاين، وذلك وفق قرار تنظيمي قبرصي صدر عام 2016 بفرض غرامة عليه لتزويره شهادة أكاديمية. ويقول على صفحته على موقع "لينكدإن" إنه رئيس مجلس إدارة شركة فنادق زانا كابيتال، وتظهر سجلات الشركة أنه تم تأسيسها في الإمارات وتسجيلها في إسرائيل في تموز 2021.

وبعدها بأسابيع، دق عشرات الكهنة الأرمن ناقوس الخطر لأول مرة حول صفقة عقارية تم إبرامها دون موافقتهم، وظهرت لافتة مؤخرا في مرآب السيارات التابع للأرمن يشير إلى أنه ملك لشركة زانا كابيتال. ورفض روثمان، المقيم في لندن، التعليق عندما اتصلت به "أسوشيتد برس"، قائلا "لم أجر من قبل مقابلة صحفية".

 

بينما ذكر الكاهن المشلوح المنفي ذاتيا، يريتسيان، أن روثمان يخطط لإنشاء منتجع كبير من فئة "سبع نجوم" في الحي الأرمني. وأضاف أن المشروع ستديره شركة فنادق "ون آند أونلي" الفاخرة ومقرها دبي. ويبدو أن الصفقة واحدة من أكثر الصفقات شهرة وإثارة للجدل من بين العلاقات التجارية التي تم إبرامها بموجب اتفاقيات إبراهيم. وامتنعت الخارجية الإسرائيلية عن التعليق متعللة بـ"حساسيات سياسية".

 

كما رفضت شركة كيرزنر إنترناشونال، مالكة منتجعات "ون آند أونلي"، التعليق.  وقالت الشركة، التي تتخذ من دبي مقرا لها، إنها "تبحث دائما عن فرص لتنمية مجموعتها من المنتجعات الفخمة". وأكد المهندس المعماري الإسرائيلي الشهير، موشيه سافدي، أن روثمان سيمول المشروع. وأوضح سافدي أنه "سيصمم المشروع"، وقال إن البناء سيبدأ من مرآب السيارات. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم إجلاء سكان الحي، لكن البطريركية قالت إنها ستساعد من سيتم إجلاؤهم.

 

وكثيرًا ما سعى المستثمرون اليهود في إسرائيل والخارج لشراء عقارات في القدس الشرقية، والحي الأرمني مرغوب فيه لأنه متاخم للحي اليهودي والحائط الغربي، وهو أقدس مكان يمكن لليهود الصلاة فيه. والهدف هو توسيع الوجود اليهودي في القدس الشرقية، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على ذلك الجزء من المدينة الذي يطالب به الفلسطينيون كعاصمة لهم.

في السابق، أحاطت فضائح متعلقة ببيع أراض لمستوطنين يهود بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، الوصية على العديد من المواقع المسيحية في المنطقة. وقبل عقدين، باعت الكنيسة اليونانية فندقين يديرهما فلسطينيون في البلدة القديمة لشركات أجنبية تعمل كواجهات لمجموعة مستوطنين يهودية. وأدت الصفقة السرية إلى الإطاحة بالبطريرك اليوناني، كما أثارت ضجة دولية.

 

ورفض يريتسيان في كاليفورنيا المخاوف من استيلاء مستوطنين إسرائيليين على الحي الأرمني، ووصفها بأنها "دعاية" تستند فقط إلى هوية روثمان اليهودية. وأضاف "لم تكن النية أبدًا تهويد المكان"، زاعما أن روثمان ليس لديه أجندة سياسية. وأصر على أن البطريرك الأرمني كان مشاركا بالكامل في المفاوضات، ووقع شخصيًا على العقود. وتابع قائلا "قمت بعملي بإخلاص لما فيه مصلحة البطريركية"، ورفض تقديم مزيد من التفاصيل حول عقود الإيجار التي قال إنها تنتهي بعد قرن.

 

وامتنعت البطريركية عن الإفصاح عما ستفعله بأموال الإيجار. في غضون ذلك، يرى أرمن القدس أنهم "يعيشون في رعب"، بعدما حكمتهم قوى أجنبية لفترة طويلة، وشردتهم الحروب، وهم حاليا محاصرون بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويقول ساتريغ باليان (26 عامًا) "حصلنا على أراضينا شبرًا شبرًا بالدم والعرق، وبتوقيع واحد تم تسليمها".