موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
كلمة البطريرك فؤاد الطوال في قداس وجناز الكاهن المرحوم عزام جاسر
ترأس البطريرك فؤاد الطوال، الجمعة، قداس وجناز الأب المرحوم عزام جاسر، أحد كهنة البطريركيّة اللاتينيّة وقانونيّ القبر المقدّس، وذلك في كنيسة الراعي الصالح، بمشاركة لفيف من الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات، وأهل الفقيد، وحشد من المؤمنين.
قداس وجناز الأب عزام جاسر في كنيسة الراعي الصالح، عمّان

قداس وجناز الأب عزام جاسر في كنيسة الراعي الصالح، عمّان

أبونا :

 

الكهنة والراهبات،

أهل أبونا الفقيد عزام جاسر،

الإخوة والأخوات الأعزاء،

 

كنت‏ ‏أمينًا‏ ‏في‏ ‏القليل‏ ‏فأقيمك‏ ‏علي‏ ‏الكثير‏. ‏ادخل‏ ‏إلي‏ ‏فرح‏ ‏سيدك" ‏(‏مت‏25:21)‏

 

رحل‏ ‏عنا‏ إلى‏ ‏ملكوت‏ ‏السموات‏ أبونا عزام جاسر‏ ‏”الكاهن‏ ‏المدرسة”، ‏فهو‏ ‏كاهن‏ ‏مثالي‏ ‏في‏ ‏الأبوة‏ والأخوّة الكهنوتيّة. إنسان‏ ‏متّصل‏ ‏بالله، ‏ومحمّل‏ ‏بالفضائل. كان‏ ‏راعيًا‏ ‏ومحبًا‏ ‏للجميع‏،‏ ‏يجمع بين‏ ‏سلام‏ القلب ‏ وراحة ضمير. مع‏ الوداعة‏ ‏والاتضاع‏ لا تفارق وجهه ‏الابتسامة ‏،‏ يرحب بالجميع ويتحاشى وجع الراس. يفرح‏ ‏بلقاء‏ الأصدقاء‏، طويل‏ ‏الأناة‏ ‏في‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ أبناء الرعيّة و‏ديعًا‏ ‏متضعًا، ‏هادئًا‏ ‏وخفيض‏ ‏الصوت‏.

 

أيها الإخوة الأحباء،

 

عندنا من الايمان ما يدفعنا لشكر الله لوفاة اخينا ابونا عزّام؛ بعد بضعة أسابيع من صوم وصلاة وتوبة واستعداد، وقبل أسبوعين من عيد الفصح المجيد، عيد النصر على الموت والخطيئة. لقد ترك الأب عزام الأهل والأصدقاء للحزن ودموع الفراق، ولكن الإيمان الذي نتمتع به قلّل من وقع المصاب، لعلمنا المسبق.

 

إن موت الإنسان المؤمن، وخاصة موت الكاهن الأمين على كهنوته، هو مدخل إلى الحياة الأبديّة، حيث نلتقي وجهًا لوجه مع مسيح دعانا فلبيّنا الدعوة، ميسح آمنّا به، عنه تكلّمنا وبه بشّرنا. فالموت بالنسبة للمؤمن هو مدخل إلى حياة أبديّة، حيث لا مرض ولا وباء ولا دموع، لأنّ حياة المؤمنين بك يا رب، لا تزول بل تتبدّل. ولذا ينبغي على كل إنسان مؤمن أن يكون باستمرار على استعداد للمثول أمام الله الديان العادل، والذي هو في الوقت عينه، الأب المحب الرحيم.

 

الربّ يقول: "حَيثُمَا اجتَمَعَ اثنَانِ أو ثَلاثَةٌ بِاسمِي، اكون هُنَاكَ بَينَهُم" (متى 18: 20). فإذا وجد هذا العدد الغفير من الناس محبّي أبونا عزام، فكيف لا يكون الله حاضرًا معنا ويبارك وجودنا ويقبل ترحمنا على امواتنا! لأنّ "المسيح قد قام من الاموات وصار باكورة الراقدين" (1كو 15: 20).

 

إنّ عزاءنا في حالة كل جنازة يستند إلى حقيقة أن الرب يسوع المسيح من قبلنا، مات وقام من بين الأموات، ونحن حاليًا في زمن الصوم نتأمل في سر حياة وموت وقيامة الفادي. إنّ حياة الإنسان، كل إنسان وخاصة الكاهن، اصبحت صليبًا فموتًا فقيامة، على مثال حياة المعلم الذي اختار الصليب والالم، ليغلب الشر والموت، ويترك وراءه قبرًا فارغًا، ويسبقنا الى السماء ليستقبل كل من آمن به.

 

ولأننا جميعًا مرضى، نضم عذاباتنا ودموعنا في هذه الدنيا إلى عذابات ونزاع يسوع. نحوِّلُها بذلك إلى قوة خلاص، لأنّ كل إنسان معذّب، هو صورة ليسوع المسيح معلقًا على خشبة. يعزّينا في مصابنا ان الله يحبنا جميعا، ويمطر رحمته  في قلوب الذين يحبونه؛ "طوبى للمحزونين فإنهم يعزون" (مت5 :4).

 

لقد عرفت شخصيًا الأب عزام، وعن كثب؛ عرفته مثالاً للطاعة واحترام السلطة الدينيّة في أوقات التنقلات الكثيرة بين مختلف الرعايا لخدمة النفوس. وعرفته مثال الأمانة لكهنوته وصلاته اليوميّة. وعرفته زميلاً وجارًا في سنين قضيناها سوية في هذا المركز، وكان نعم الرفيق والصديق.

 

ساحات المركز تشهد لخطوات المرحوم عزام وهو يسير ببطئ بسبب المرض، وأصابعه تداعب حباّت المسبحة الورديّة. ومقاعد الساحة تشهد له جالسًا يصلي فرض الصلاة بكل خشوع وأمانة. لم ينجح المرض والألم أن يطفئ عند الأب عزام الضحكة الحلوة، وروح الفكاهة، وصدق الأخوة والجيرة الطيبة.

 

أبونا عزام جاسر، أيها الأخ الراحل لاستلام مكافاة الأمانة، إذ كنت أمينًا في القليل والكثير. يا رفيق الدرب في السنين الأخيرة، وكنت المشارك في الصلاة على هذا الهيكل بالذات، لن نعود نراك في الجسد بعد اليوم، وستبقى سيرتك العطرة تتكلم في ردهات هذا المركز.

 

لا تنسانا في سمائك. صلِّ للبطريركيّة التي أحبتك وأنت تحمل في قلبك لها كل إخلاص. لها الآن ابن بار في السماء يشفع بها. تشفّع لوطنك فلسطين، بلد درب الصليب والجلجلة. صلِّ لهذا المركز الذي احتضنك بكل سرور. تشفّع وصلِّ لإخوتك الكهنة ولأصحابك الكثيرين الذين جاءوا للوداع الأخير، وهم يذكرونك بالخير.

 

باسم غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، وباسم البطريركية اللاتينيّة: أساقفة وكهنة، ورهبانًا وراهبات، ومؤمنين، نقدّم تعازينا ودعاءنا لكل أفراد عائلة الأب المرحوم عزام جاسر وآل خوري وبصير وعوّاد في الاردن وفي المهجر. الراحة الأبدية أعطه يا رب، والنور الدائم فليضيء له. ليسترح بسلام.