موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٧ مارس / آذار ٢٠٢٢
في زمن الصوم والتوبة

أشخين ديمرجيان :

 

لا يكتمل الصوم إلاّ بالتوبة إلى الله مع الندامة الحقيقيّة والصلاة والصدقة. كما ورد في الكتاب المقدّس "صالحةٌ الصلاة مع الصوم، والصدقة خيرٌ من ادّخار كنوز الذهب" (طو 12: 8).

 

ومن أقوال القدّيس يوحنا بولس الثاني: "يدعونا الصوم إلى تطبيق روح التوبة، ليس بمعناها السلبي، أي الحزن والحرمان، بل في ارتفاع النَّفس والتحرّر من الشرّ والانفصال عن الخطيئة وعن كل التأثيرات التي يمكن أن تعيق مسيرتنا نحو كمال الحياة".

 

إنّ أوّل أيّام الصوم الأربعيني يقترن بليتورجيا ذرّ الرماد (وضع الرماد) على رؤوس المؤمنين، خصوصًا في الطقس اللاتيني، بينما يردّد الكاهن: "تذكّر أيها الإنسان أنّك من التراب وإلى التراب تعود". يذكّرنا بالموت وبعودتنا إلى التراب، فالحياة فانية لا محالة. ونحن عابرون بنعمة ربّنا ورحمته من الحياة الأرضية إلى الحياة الأبدية الخالدة.

 

وأنا أتساءل دائمًا بيني وبين نفسي: لماذا نتوقّف عند فكرة الموت في أثناء ذرّ الرماد... ولا يمتدّ تأمّلنا إلى آفاق أبعد... إلى الحياة الأبدية! إلى ما بعد الموت! إلى الحياة الأبديّة للصالحين! وإلى مصير أرواحنا لدى مثولها أمام الديّان العادل.  وأيضاً وللأسف الشديد إلى "الموت والهلاك الأبدي" للطالحين.

 

في غابر الزمان، وقبل ميلاد المسيح بعصور وأزمان، استخدم الناس وضع الرماد على الرؤوس ولبس المسوح، للتعبير عن كربهم وعميق حزنهم على فقدان شخص أو للتعبير عن التوبة في قلوبهم، مع الإقبال على التقشف والابتعاد عن الملذات. كما ورد ذكر هذه الممارسات في أسفار العهد القديم: يونان وإرميا وأشعيا وغيرها.

 

زمن الصوم هو زمن الزهد في مباهج الحياة الدنيا، وضبط النفس والتحلّي بالفضائل مثل التواضع والمحبّة والعطاء. وفرصة للتحرّر من الأمور الدنيويّة غير الضرورية. و مراجعة الذات بفحص الضمير، والسعي إلى تقويم الدرب في الحياة، بمعونته تعالى . وكذلك البحث عنه تعالى عن طريق التواصل الوجداني معه. وفي النهاية يكون "الفرح الداخلي" ثمرة الصوم الصادق. ذاك الفرح الذي هو أقوى من جميع التضحيات.

 

لذلك يركّز السيّد المسيح بتعليماته على أهمّيّة الصوم، وضرورة ممارستها بتواضع وصدق. ولا يرد في الإنجيل المقدّس عدد أيام الصوم، ولكن بما أنّ السيّد المسيح صام أربعين يوماً وأربعين ليلة، اقتدت الكنيسة فيما بعد بصيامه، وحدّدت صيام الأربعين يوماً، في الفترة التي تسبق عيد الفصح المجيد.

 

مارس الرسل الصوم (أعمال الرسل 13 و14). ومن بعد الرسل مارس المؤمنون الأوائل الصوم يومي الجمعة العظيمة وسبت النور الذي يسبق عيد الفصح المجيد، متمّمين النبوءة السيّديّة أنّ "أهل العرس يصومون في الأيام التي يُرفع فيها عنهم" قبل قيامته المجيدة من بين الأموات. (لوقا 35:5). "أوصوا بصوم مقدّس. اجمعوا الشُّيوخ، وجميع سكّان الأرض، إِلى بيت الربّ إلهكم، واصرخوا إلى الربّ" (يوئيل 1: 14).

 

خاتمة

 

"ثمين هو الصوم الطاهر أمام الله، وهو محفوظ ككنز في السماء. الصوم سلاح أمام الشرير، وترس نُقاتل به سهام العدو". (القدّيس افرام السرياني).