موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نُعبّر في زمن الصوم عن زهدنا في مباهج الحياة الدنيا لذلك يكون "الفرح الروحاني" ثمرة الصوم الصادق. وذاك "الفرح" هو أقوى من المعاناة مهما كانت شديدة... وفي هذا المعنى يقول القديس موسى الأسود: "خبز وملح مع الهدوء وراحة البال، أفضل من أطعمة شريفة مصحوبة بالهموم والأحزان".
والقدّيس أفرام السرياني: "ثمين هو الصوم الطاهر أمام الله، وهو محفوظ ككنز في السماء. الصوم سلاح أمام الشرير، وترس نقاتل به سهام العدو".
صام السيّد المسيح أربعين يومًا وأربعين ليلة كي يكون مثالاً نقتدي به، صام بقرب أريحا على جبل قرنطل. وهي لفظة مُعرّبة عن اللاتينيّة "قوارانتينا" أي "الأربعين" (متّى 4 ولوقا 4). وكان الآباء الرسل يصومون قبل اختيار الخدّام ورسامتهم كي يُلهمهم تعالى الاختيار الأفضل والأمثل (أعمال 13: 14). وبعدهم ومثلهم المؤمنون الأوائل.
كما أخذت الكنيسة الصيام من العهد القديم للكتاب المقدّس. صام موسى وإيليا أربعين يوماً. ومن أمثلة الصوم في العهد القديم: صوم الشعب أيام أستير (أس4). صوم أهل نينوى (يونان 3). صوم الشعب أيام عزرا، ونحميا (نحميا 1:9؛ عزرا 21:8). آيات لا عدّ لها ولا حصر عن الصوم في العهد القديم ومنها: "اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب" (سفر يهوديت 4: 12). "صرخ كل الشعب إلى الرب بابتهال عظيم، وذَلَّلوا نفوسهم بالصوم والصلاة" (سفر يهوديت 4: 8). "صالحةٌ الصلاة مع الصوم، والصدقة خيرٌ من ادخار كنوز الذهب" (سفر طوبيا 12: 8).
يساعد الصوم الجسدي على ضبط النفس مع التدرّب على التواضع والمحبّة والعطاء، من خلال الصلاة والتوبة إلى الله بالاضافة إلى الندامة الحقيقيّة وممارسة الصدقة. وأيضاً التدرّب على التفكير السليم وتنقية القلوب وقبل كلّ شيء السموّ بالمشاعر، وضبط اللسان والعين عن الخطيئة. مع الانقطاع عن الطعام والشراب في أوقات معيّنة.
أمّا الأفكار السيئة وتلفيق الأكاذيب والكلمات الجارحة النابية التي تخرج من فمنا فهي تدنّسنا وتدنّس كل إنسان. لذلك "دعا السيّد المسيح الجمع وقال لهم: اسمعوا وافهموا ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان... ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجّس الإنسان، لأنّ من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف" (متى 15: 10 وتابع).
خاتمة
تقول لنا العزّة الإلهية: "ما بالكم حائفين يا قليلي الايمان" (متّى 8 : 26). ويقول لنا: "لا تخافوا" بل توبوا وتوبوا وصلّوا. "اعلموا أن الربّ يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلاة أمامه". وهو القائل: "أوصوا بصوم مقدّس. اجمعوا الشُّيوخ، وجميع سكّان الأرض، إِلى بيت الربّ إلهكم، واصرخوا إلى الربّ".
ولكن الآن يقول الربّ: "ارجعوا اليّ بكلّ قلوبكم، وبالصوم والبكاء والانتحاب". ولقد وعدَنا أيضًا بأنّ "صلاة الإيمان تخلّص المريض، والربّ يعافيه..." (يعقوب 5: 14 و15). لماذا نخاف؟ اذا كان "وعد الحرّ دين" فما بالكم بالوعد الإلهي؟! علينا بالتوبة والصوم والصلاة وجميع الحلول بين يديّ الذات الإلهية العليا.