موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
رحم الله جميع الموتى في العالم
شهر تشرين الثاني بأكمله هو الشهر الذي تكرّسه الكنيسة الرسوليّة لتذكار الموتى المؤمنين بإقامة الصلوات لراحة أنفسهم، رحم الله جميع الموتى في العالم ورحمنا نحن الأحياء. حينما أشاهد الشيوخ الطاعنين في السن خاصةً المرضى منهم وذوي الإعاقات، أتمنّى بيني وبين نفسي لو خلقنا الله ضعفاء ثمّ زاد من قوّتنا كلّما تقدّم بنا العمر، ثمّ أستغفره تعالى لأنه أراد لنا الفرح والقوّة ، ولكنّا خسرنا كلّ شيء بسبب آدم وحواء والخطيئة الأصليّة!
الإنسان ابن بيئته
إنّ الإنسان "ابن بيئته" كما يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ويضيف أنّه "كائن اجتماعي بطبعه". يحمل الإنسان صفات فطريّة وأخرى مكتسبة، ويستنبط أفكاره ومعرفته من واقعه وبيئته، وتأتي التربية الاجتماعيّة لتطوّره. حتمًا يتأثّر المرء بالمحيط الذي يعيش فيه سلبًا أو إيجابًا، يكتسب منه القيم الأخلاقيّة والمثل العليا، أو المقدّمات السلوكيّة التي تؤدّي به الى اقتراف الجريمة فيما بعد. ويسقط في الهاوية نتيجة الوضع السيّيء الذي فيه ينمو ويترعرع. وعلى النقيض منه الرجل الصالح الذي ينجب أجيالاً صالحة فعّالة ومتفاعلة في الأسرة والمجتمع والوطن.
ماذا ستجلب بيئة الأزمات والحروب؟
على الساحة الدوليّة؟ والتعدّي على المقدّسات وأماكن العبادة؟! أمّا التغييرات الجذريّة الخانقة التي تشهدها الدّول خاصة في الشرق الأوسط -لغرض في نفس يعقوب- فما هي الاّ نقطة بغيضة حالكة السواد في تاريخ الحضارة الإنسانيّة، وبحاجة الى حلّ عاجل وعادل إذ تتوقّف عليه حياة الأمم والشعوب، وتتطلّب التفكير الجدّيّ بالتغييرات الكبيرة الناجمة من جراء تلك الصراعات الدامية التي تفاقمت وازدادت بسبب خيانة الضمير، وجلبت الويلات ومنها التهجير والقتل والتشريد وروّجت سوق النخاسة. وأيضًا كلّ ما يؤدّي إلى غياب المسيحيّة في الشرق الأوسط، وانعدام الأمن وتضعضع الحياة الأسريّة وزوال التماسك الاجتماعي، وعدم احترام الأديان، وتقهقر الأحوال الماديّة.
قهر العالم
الهدف من الحروب اليوم السيطرة على مختلف الأجناس والشعوب في العالم، وفتح الحدود الدوليّة التي عجزت العولمة عن فتحها بحجّة المساعدة العسكريّة، والسيطرة على العلاقات الدوليّة بشكل يستحيل معه اتّخاذ قرارات داخليّة من غير استئذان القوى العظمى التي تلعب بمصير البشريّة، متجاوزة كلّ القوانين والنواميس والأعراف.
مع سبق الإصرار والترصّد
يستحيل الاستغناء عن العدالة والنزاهة في بناء سلام عالميّ يُمكِّن العالم من تجاوز معاناته، وهذا يتطلّب المعرفة العميقة والشاملة في مفهوم بناء الازدهار الحضاري، وطرح هذه المسألة في سلّم الأولويّات بشكل متكامل، ذلك أنّ ما نعيشه اليوم لا يمثّل سوى كارثة عالميّة، وهدم وتدمير مقصودَين مع سبق الإصرار والترصّد.
المصلحة أولاً
تسعى القوى العظمى في خططها إلى الهيمنة والقمع، وقد انحرفت عن جادّة الحق والصواب، وأمعنت في تعميق جروح الملايين بامتياز، كما وأنهكت الدول سياسيًّا واقتصاديًّأ وشعبيًّا كي تستمرّ في استبدادها بعيدة عن الاعتدال والإنصاف، ولم ولن تأتِ بمبادرة تُشكَر أو تُثنى عليه، وهمّها الوحيد الأوحد مصالحها الآنيّة والمستقبليّة.
نسف الإنتماء
ولأنّها تُدرك أهمّيّة الإنتماء من أجل بناء شخصيّة متكاملة جسميًا ونفسيًا واجتماعيًا، ها هي تصنع غابة بشريّة ضارّة شرسة بلا حدود متعارَف عليها، كي تعصف بالناس وتقضي على انتمائهم للوطن والدين والأسرة والمجتمع، وتقتلع حضارتهم وتنسف تراثهم وتلغي مبادئهم وتقتل أفراد عائلاتهم، وتختلس أموالهم وممتلكاتهم، وتغيّر لكلّ إنسان بيئته، وبالتالي يضيّع المرء سكينة نفسه وهدوء باله ويتوه في حلقة فارغة لها أوّل وليس لها من آخر.
نردّد في المثل الشعبيّ
الله يُمهِل ولا يُهمِل" و"يا ظالم لك يوم"! ويقول الكتاب المقدّس في المزمور 14: 1 وأيضًا مزمور 53: 1 "قال الجاهل في قلبه ليس إله". والجهل حسب النصّ الأصلي يُشير إلى "الجهل الأخلاقي" أي إنسان بلا أخلاق. وغياب الأخلاق في الإنسان يقوده إلى رفض الإيمان بالله، أو فكرة وجود خالق يطلب منه الإلتزام بالأخلاق، لكي يبرىء ضميره ويريح نفسه من الشعور بالذنب، أو من تحمّل المسؤوليّة أمام عزّته وجلاله، ولكن هذا لا يغيّر من جريمته ومن المثول أمام الديّان العادل.
خاتمة
وكان السّيّد المسيح قد أعاد إرساء قواعد العيش الكريم، ملخّصًا الوصايا بالمحبّة لله وللقرييب، وتوسيع مفهوم "القريب" كي يشمل كلّ إنسان (لوقا 10: 25 وتابع). وترفّع السيّد المسيح عن المصالح الدنيويّة، وأراد خير الشّعوب والسلام العدل والوداد، مبيّنًا أنّ هذا هو ملكوت الله!