موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣١ مارس / آذار ٢٠٢٤
رافي سايغ يكتب: المشرق على أمل القيامة!

رافي سايغ، القامشلي - سوريا :

 

هنا على تراب هذا المشرق المتألم، يحتفل مسيحيو البلاد العربية بعيد القيامة المجيد. تغيب الاحتفالات في أماكن، وتكاد أن تكون خجولة في مناطق أخرى، ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا بقي من القيامة عند أبناء المشرق؟

 

يحفظ أبناء المشرق في قلبهم الكلمات التي تقول ولأول مرة "في إنطاكية دعي التلاميذ مسيحيين" ومن هذه الكلمات يدرك جيدًا مسيحيو المشرق مسؤوليتهم في العيش بما تقضيه رسالة الناصري الثائر.

 

لم تغب المعاناة عن أجدادنا في كل مكان سكنوا فيه، ففي سورية يختطف أساقفتنا وكهنتنا وتفجر كنائسنا تحت عبارات غريبة عن المجتمع ولسبب اختلاف المعتقد وهذا بعيد عن تاريخ سورية. وفي العراق تكاد أن تنطفئ أنوار المسيحية في بلاد الرافدين حيث عاش المسيحيون لمئات السنوات في أرضيهم التاريخية بسلام. بالأمس أيضًا نتذكر ماذا حصل في الموصل من تدمير وتخريب للمقدسات، والمسلسل يستمر ليومنا في فلسطين الجريحة، ولبنان الذي يعيش آلامًا وتحديات في تنوعه هو حاضر أيضًا في هذه المعاناة ولو بشكل آخر.

 

بعد هذه الويلات والنكبات التي قاسيناها هل من أمل من البقاء في هذا المشرق المعذب؟

 

الجواب بسيط وهو نعم! نعم، فنحن لسنا منفصلين عن شركائنا في أوطاننا، ونحن نقاسمهم أيضًا حياتهم وهمومهم ونحن نريد أن نكمل معهم مسيرة الحياة ولكن برجاء إنجيلنا. من هذه البلاد انطلق الناصري الثائر وهو يحمل رسالة المحبة لكل المجتمعات، فبداية رسالته لم تكن بسيطة بل كانت دائمًا مرتبطة بالصعوبات والآلام التي شهد عليها التلاميذ.

 

تعب التلاميذ بدورهم وهم يتعرضون تارة للنفي والاعتقال وكل ما يمكن أن يتصوره الإنسان من عذابات وآلام، ولكن ماذا كان الذي يجعلهم ينهضون من جديد في كل مرة؟، لقد كان هذا بحق الإيمان!

 

نعم، هذا الإيمان الكبير الذي تأصل في قلوبهم وهم يتبعون الناصري الثائر من مدينة إلى مدينة، خافوا أحيانًا ولكنهم بقوا أوفياء لوعود المعلم الذي كان قد أنبئهم بكل ما سيحصل له ولهم من اضطهادات وعذابات ولكنهم بقوا تلاميذ أوفياء للمخلص.

 

وهذا هو حالنا اليوم، قد نكون خسرنا أعدادًا كبيرة من الأفراد ولكن بقيت رسالة المسيح كما هي ونحن نحملها ليومنا هذا بإيمان كبير أيضًا، واثقين أن هذا الدرب هو درب آلام واضطهادات، ولكنه درب سلكه من قبلنا المعلم ونحن بدورنا سنبقى نسير على خطى المعلم وتحديدًا في هذا المشرق المعذب الكبير بهمومه وتحدياته، نبقى أمناء انطلاقًا من رسالة لا من أرقام وأعداد تقل أو تكثر.

 

إننا اليوم ننظر بنظرة رجاء إلى ما عشناه من ماض أليم وما سنعيشه من تجارب جديدة في مجتمعات ننتمي إليها مع الحفاظ على جوهر رسالتنا وهو المحبة، وهذه المحبة هي التي تبني وتبدل كل شيء مهما كانت تبعات هذا البقاء النابع من عيشنا للمحبة التي ننشدها. إن هذه المحبة فعلها ليس بالسهل وهو فعل مرتبط بالتضحية، ولكن هل علينا أن نعيش كل هذا الألم لنبق أوفياء لرسالتنا؟

 

إن هذه النظرة الجديدة تدفعنا لعيش المحبة بإيمان أكبر خاصة أننا نعيش في هذه الأيام المباركة التي هي أقدس أيام المسيحيين وهي زمن القيامة، فعندما نواجه آلام هذا البقاء علينا أن نتذكر أنه واجب علينا أن نعطي معنى وقيمة لما نعيشه وهذا المعنى يتكلل في أننا نشرك آلامنا بآلام السيد المسيح الذي تحمل من أجل خلاصنا كل العذابات "قد تألم المسيح من أجلكم وترك لكم مثالا لتقتفوا آثاره" (1 بطرس2:21) فبالإيمان يمكننا تقبل ألمنا الخاص والمشاركة في آلام أخينا الإنسان وبهذه المشاركة نتحد بحب الفادي الذي باحتماله الألم وفداءه غير وبدل وجه البشرية.

 

من رسالتنا المسيحية ومن هذا المشرق الذي شهد على آلام وقيامة السيد المسيح، إننا نعلن أنه بقيامة المسيح لم يعد للموت الكلمة الأخيرة، بل بهذه القيامة البهية أتى الفرح والرجاء إلى العالم كله وبهذا الرجاء المعزي سنكمل في هذا المشرق حضورنا وحمل رسالة القيامة التي هي أساس حياتنا وقوتنا وعمق شهادتنا، لأننا أبناء القيامة وأبناء الرجاء سنبقى هنا كعلامة أمل على ولادة مشرق جديد قائم من ركام الدمار والأحزان فدرب الجلجلة الطويل الذي سلكه المسيح بالأمس نسلكه نحن اليوم وكما قام نحن أيضًا سنقوم ليبقى هذا المشرق أرض قيامة المسيح شاهدا على قصة الحب العجيب التي كتبها هو بآلامه وكللها بقيامة مجيدة بهية بددت أنوارها ظلمات الأرض كلها.

 

سيبقى هذا المشرق فينا ومن خلالنا مشرق قيامة، وبشهادتنا وبرسالتنا مشرق على رجاء القيامة.

 

قام المسيح وكذلك مشرقنا ... حقًا