موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
خلق الله الإنسان وزيَّنه بالعقل، ليملأه "مَهارةً وفَهْمًا ومَعرِفةً بِجَميعِ الصَّنائع" (خروج 35، 31). "فسعى الإنسان دائمًا لتطوير حياته بعمله وذكائه"[1]. وبعقل الإنسان تقدَّم العِلم والتِّكنولوجيا، والذَّكاء البشريّ هو عاملٌ أساسيّ في هذا التَّقدُّم في جميع مجالات الحياة.
واليوم بلغ الإنسان عصر الذَّكاء الاصطناعيّ الَّذي "يشمل مجموعة متنوِّعة من العلوم والنَّظريَّات والتَّقنيَّات الَّتي تهدف إلى جعل الآلات تُنتِج أو تُقَلِّد القدرات المعرفيَّة للبشر في أدائها"[2]. فحلَّ الذَّكاء الاصطناعيّ في كثير من الحالات محلَّ الذَّكاء البشريّ وصار يقوم بعمليَّة التَّفكير، والاستنتاج، واتِّخاذ القرار. في الواقع، صار الذَّكاء الاصطناعيّ يقدِّم للإنسان الإجابات السَّريعة بدلًا من أن يبحث الإنسان عنها. إلَّا أنَّ هذا التَّقدُّم فيه مخاطر وقد يؤدِّي إلى نتائج عكسيَّة، إلى تجمُّد الفكر في الفرد العاقل لإفراطه في اتِّكاله على الآلة، أو حتَّى في المجتمع الإنساني ككلّ. والخطر الثَّاني الجسيم هو أنَّ هذا الذَّكاء الاصطناعيّ، واستبدال الإنسان بالآلة، يؤدِّي إلى جعل القرارات الإنسانيَّة نتيجة آلة، لا نتيجة إنسان يحبّ ويرحم ويغفر. ومن ثمَّ لا بدَّ من الحذر الشَّديد في اللجوء إلى الذَّكاء الاصطناعيّ، حتَّى لا يُجَرَّد الإنسان من إنسانيَّته، ولا تتدهوَّر العلاقات بين الشُّعوب، الَّتي تؤثِّر عليها آلات تفكِّر لكن لا قلب لها ولا إنسانيَّة.
في هذا المقال الموجز أقتصر الكلام على الذَّكاء الاصطناعيّ وتأثيره في تربية الأبناء ومسؤوليَّة الوالدين في ذلك.
في تربية الأبناء يُطرَح السُّؤال التَّالي: هل يمكن أن يساعد الذَّكاء الاصطناعيّ الوالدِين على تربية وتنشئة أبنائهم؟
يمكن للذَّكاء الاصطناعيّ أن يساعد الوالدِين في تربية أبنائهم بطرق متعدَّدة، مثلًا بتوفير تطبيقات تربويَّة وتعليميَّة قادرة على أن تحسِّن عمليَّة تربيتهم وتنشئتهم ومهاراتهم العقليَّة والبدنيَّة.
فهذه التَّطبيقات قادرة على أن تساعد الأبناء ليكتشفوا مجالات مختلفة مثل اللغات والعلوم والرِّياضيَّات، فيزيد ذلك من فضولهم العلميّ. وقادرة أيضًا على أن توفِّر التَّوازن بين التَّرفيه من خلال الألعاب والتَّعليم بصورة شيِّقة وجذَّابة. فالتَّحفيز بالألعاب يزيد من دافعيَّة الأطفال ويدفعهم لإنجاز المهام بنشاط وحماس وفرح وبشكل مستقلّ. وتسهم هذه التَّطبيقات في تعزيز الفهم والاستيعاب بأساليب تفاعليَّة وممتعة، وفي تشجيع التَّفكير النَّقدي وحلّ المشاكل.
تطبيقات تعلُّم اللغات تساعد الأطفال في اكتساب اللغات بطريقة بسيطة، وتعلُّم نطق الكلمات بطريقة صحيحة بتقنيات الصَّوت الحديثة. أمَّا تطبيقات الرِّياضيَّات والعلوم فتساعد على تطوير التَّفكير النَّقدي لدى الأطفال، وتسهِّل في فهم المفاهيم العلميَّة، وتقدِّم أساليب خلَّاقة لحلِّ المسائل.[3]
إليكم بعض هذه التَّطبيقات:
- تطبيق Duolingo Max: هو تطبيق لتعلُّم لغة جديدة، ويعمل على تطوير مهارات القراءة والكتابة والتَّحدُّث والإصغاء.[4]
- تطبيق Khan Academy Kids: هو تطبيق لتعليم القراءة والكتابة والرِّياضيَّات من خلال الأنشطة التَّفاعليَّة.[5]
- تطبيق Scratch: هو تطبيق لتعليم البرمجة بطريقة ممتعة من خلال إنشاء الألعاب والقصّص التَّفاعليَّة.[6]
- تطبيق Elephant Learning Math Academy: هو تطبيق لتعليم الرِّياضيات من خلال دروس تفاعليَّة.[7]
- تطبيق Socrat: هو تطبيق يتيح للطُّلاب طرح الأسئلة والحصول على إجابات فوريَّة مدعومة بالشَّرح المفصَّل.[8]
- تطبيق Photomath: هو تطبيق يساعد الأطفال في حلّ مسائل الرِّياضيَّات.[9]
- تطبيق Cognii: هو تطبيق يساعد على تحسين مهارات التَّفكير النَّقدي والاستجابة المفتوحة للأسئلة.[10]
وهنالك تطبيقات في حال تمَّ استخدامها بشكل غير صحيح يمكن أن تؤدِّي إلى تحدِّيات. لذلك، يجب أن يكون الوالدون على معرفة بهذه التَّحدِّيات الَّتي ينطوي عليها استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ.
الوالدون، وهم "المربُّون الأوَّلون والرَّئیسیُّون لأبنائهم"[11]، يجب أن يقيِّموا تطبيقات الذَّكاء الاصطناعيّ وفوائدها ومخاطرها بشكل صحيح، قبل أن يستخدمها أبناؤهم، حتَّى إذا استخدموها يكون استخدامها بطريقة أخلاقيَّة ومسؤولة.
لهذا على الوالدِين أن يتأكَّدوا من أنَّ استخدام أبنائهم لتطبيقات الذَّكاء الاصطناعيّ لا يُضعف علاقاتهم الشَّخصيَّة في العائلة، ولا يؤدِّي بهم إلى الإدمان والاتِّكال. وأن يتنبَّهوا لأنَّ الاعتماد المفرط عليها قد يؤدِّي إلى الإضرار بنموّ أبنائهم.[12]
وعلى الوالدِين أيضًا أن يتكلَّموا مع أبنائهم في إمكانيَّات ومخاطر الذَّكاء الاصطناعيّ، وأن يتأكَّدوا من أنَّهم يستخدمون فقط التَّطبيقات المناسبة لأعمارهم، وأنَّهم يستخدمونها بشكل صحيح، ولا يتجاوزون الوقت المخصَّص لها. وأخيرًا على الوالدين أن يتأكَّدوا من أنَّ تطبيقات الذَّكاء الاصطناعيّ تحترم خصوصيَّة أبنائهم، ولا تستخدم بياناتهم الشَّخصيَّة لأغراض غير أكاديميَّة.[13]
في الواقع، كلّ شيء في يدِ الإنسان يمكن أن يصير فرصة أو خطرًا. فالذَّكاء الاصطناعيّ يمكن أن يعزِّز ويحسِّن تربية الأبناء وتنشئتهم، ولكنَّه قد يؤدِّي إلى مخاطر جسيمة. لذلك على الوالدِين أن يُوَجِّهوا أبناءهم في استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ بشكل صحيح، لأنَّ ذلك سيساهم في تربيتهم وتنشئتهم ونمُّوهم بشكل أفضل.
[1] المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، دستور رعائي، فرح ورجاء، رقم 33.
[2] رسالة قداسة البابا فرنسيس، في اليوم العالميّ السَّابع والخمسين للسَّلام، الذَّكاء الاصطناعيّ والسَّلام، 1 كانون الثَّاني 2024.
[3] Cf. «أفضل برامج تعليميَّة للأطفال في 2025», in https://waeinet.com/%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84/, [Sito WAENET] [accesso: 12.02.2025].
[4] Cf. «أفضل 10 تطبيقات تعليميَّة مجانيَّة للأطفال بالذَّكاء الاصطناعي 2025», in https://azaitech.com/%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84/, [Sito azaitech] [accesso: 27.03.2025].
[5] راجع المرجع نفسه.
[6] راجع المرجع نفسه.
[7] راجع المرجع نفسه.
[8] راجع المرجع نفسه.
[9] راجع المرجع نفسه.
[10] راجع المرجع نفسه.
[11] البابا يوحنَّا بولس الثَّاني، رسالة إلى العائلات في مناسبة سنة العائلة، 2 شباط 1994، رقم 16.
[12] Cf. M. Carbajo-Núñez, «Artificial Intelligence and family education», 2024, in https://www.alfonsiana.org/blog-post/1532, [Sito dell’Accademia Alfonsiana] [accesso: 14.01.2025].
[13] راجع المرجع نفسه.