موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
من المسؤول عن هذا الفراغ في الدعوات؟ سؤال يطرح كل يوم!
يجيب المجمع المسكوني الثاني أن شعب الله بأسره هو المسؤول... بدءًا من الأساقفة والكهنة والرهبنيات التي يتعلق عليها مصير الكنيسة والبشرية... والحديث اليوم عن دور مؤسساتنا التعليمية من مدارس...
المدرسة هي التي تطبع شخصية أبنائنا، هي التي تغذي عقولهم وتعطيهم نظرة الكنيسة حول كل العلوم، الفنون، الدين، الحياة والقيم الاخلاقية.. قالوا: من فتح مدرسة اغلق سجنا! هذه صحيح إذا قامت المؤسسات التربوية بواجبها خير قيام وكانت واعية لتطورات الحياة وتواكب كل جديد بروح الايمان...
سؤال مهم نطرحه على على أنفسنا: هل تقوم مدارسنا بواجبها المقدس على أجمل وجه في هذا المضمار؟ هناك عدة اسئلة نطرحها لنقيم انفسنا...
أين التوجه الديني ليقود إلى حياة مسيحية تمتد انفاسها الى الكنيسة والكون؟ أين التوجه الديني الى حياة وطنية؟ أين التوجه الديني الى تأسيس العائلة والحياة الزوجية؟ اين التوجه الديني الى حياة رسولية خصبة؟ اين التوجه الديني الى الصدق والاستقامة في المهن والوظيفة؟ اين التوجه الديني الى الدعوات الكهنوتية والرهبانية؟
في الوقت الذي يجب ان تكون مؤسساتنا التربوية بستانا يبرعم بها جيل من الدعوات...
السؤال الاهم اليوم كيف نخلق في مؤسساتنا جوا مؤاتيا للدعوات وما هي الوسائل التي يجب ان نتبناها وننميها وننعشها وتتشرك بها كل من يدير ويعلم ومسؤول....
◄ أولاً: إقامة الصلوات، القداس الالهي، والتضحيات لأجل الدعوات
كلنا نؤمن أنّ الرّب هو الذي يدعو، والدعوة عمل إلهي "ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار" (يوحنا 16:15) لذا بما أنها عمل إلهي علينا أن نصلي وبحرارة، وإلا لماذا قال السيد المسيح "إنّ الحصاد كثير والعملة قليلون، فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل عملة لحصاده"؟. لذا هناك واجب على المدارس المسيحيّة توفير أجواء للصلاة على فترات خلال السنة الدراسيّة، مرددين معًا: "أعطنا يا رب كهنة ورهبانًا وراهبات قديسين".
◄ ثانيًا: تدريب المعلمين دون اسثناء لاحياء الدعوات
لا يغرب عن بالنا المثال الذي يتركه المعلم في نفوس طلابه، وهو يمثّل دورًا مهمًا وفاعلاً في حياة الطلاب، لأنّ المربي سواء أكان علمانيًا أم كاهنًا أم راهبًا أم راهبة، فهو المؤثر الثاني، إن لم يكن الأول، في صميم حياة الطالب فكريًا وذهنيًا وعاطفيًا وضميرًا. بالنسبة للطالب هو المثال الذي تنطبع صورته في قلبهم ووجدانهم وعقلهم.
لذا على مدراء المدارس مسؤولية تنظيم دورات على مدار السنة ليذكروا المعلمين برسالتهم التربويّة من جميع جوانبها، وكيف عليهم مسؤولية توجيه الدعوات سواء أكانت للزواج وتربية عائلة مسيحيّة مؤمنة ملتزمة، أو للدعوات الكهنوتيّة أولاً بصلاتهم ومن ثم يحياتهم واحترامهم لكل الأبطال الذين سلكوا هذا الدرب المقدّس.
◄ ثالثًا: خلق جو ديني ملائم في المدارس
لا تنمو الحياة المسيحيّة، والدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة، إلا في جو ديني ملائم نخلقه في المدارس المسيحيّة، لأنّ الله هو الذي يتكلم. لذا علينا أن نطفىء كل صوت لا يتناغم مع صوت الله. والله هو الذي يدعو فعلينا أن نُهيء الأحداث والشبان لسماع دعوته. والله هو الذي يقدّس فعلينا أن نشترك في هذا العمل الإلهي ونُشرك معنا الشباب والشابات.
لذلك أطرح بعض الأفكار:
■ على كل مدرسة أن تختار لها مرشدًا روحيًّا أو مرشدين بحسب أهميتها وعدد طلابها، وأن يعطيها من إرشاده وخبرته ويتابع المعلمين، مرشدًا حكيمًا خبيرًا ورعًا في هذا المضمار.
■ على كل مدرسة مسيحيّة أن تعطي التهذيب الديني أهميّة كبرى، أكثر من سائر العلوم.
■ ينبغي أن تلقى الدروس الدينية بأسلوب حي! والأسلوب الحي هو الذي يضع الطلاب وجهًا لوجه أمام الله. لأن الله وحده الذي ينير، ولا يكلم الإنسان وحده، بل عقله وقلبه.. وهذا ما يغيب عن أذهان المهذبين. الأسلوب الحي هو أسلوب الروح القدس بالذات كما نطق بفم الأنبياء، وكما نطق بفم السيد المسيح والرسل وآباء الكنيسة، لأنّ الأسلوب النظري المجرد الذي نهجه فلاسفة القرون الوسطى الذي أُتبع في الماضي قد أخفق في تغذية الشعب المسيحي، ونحمد الله على أن اللاهوتين اليوم يسيرون على نهج الينابيع الحيّة.
■ ينبغي أن يكون التعليم الديني موجهًا، أي مطبقًا على كل النواحي الحياة الفرديّة، والزوجيّة، والعائليّة، والاجتماعيّة، والوطنيّة، والمهنية، ولا يظل تعليمًا نظريًا محصورًا في الكنائس والمدراس، حتى لا تزدهر أكثر المدنيّة العصريّة على حساب المسيحيّة.
■ التعليم الديني الحي الموجّه نغذيه يوميًا في قلوب الأحداث والشباب بتشجيع الصلة الشخصيّة، قبول الأسرار، الاشتراك في الطقوس الدينيّة، فهم هذه الممارسات الدينيّة وغرسها في آذانهم وقلوبهم حتى تصبح جزءًا من حياتهم.
◄ رابعًا: تنظيم التعليم الديني في الدعوات
لا يكفي الاهتمام بالدعوات أن نقيم يومًا في السنة، أو اسبوعًا، فهذا لا يستطيع من خلاله أن يميّز الشاب أو الصبية معنى الدعوة. وكم من الدعوات انطفأت فيها الدعوة لأنها لم تجد من يساعدها على تميزها وتغذيتها! الحديث عن الدعوة لا ينفصل عن الدروس الدينية ودراسة عقائدنا المسيحية مرتبطة ارتبطًا وثيقًا بالدعوة؟
كيف أشرح سر القربان المقدّس الذي أسّسه المسيح ولا أدخل في معنى دعوة الكاهن؟ وأيضًا سر المعمودية والتثبيت دون التطرّق الى تتميم ارادة الله التي يدعونا إليها والبطولة في تلبية هذه الحالة؟ كيف أتكلم عن وصية المحبّة التي هي محور الوصايا وهي تدعو إلى بذل الذات والعطاء والتضحية في سبيل خلاص النفوس دون التطرّق إلى خدمة الكهنة والمرسلين وبطولاتهم؟ هنا نكرر ضعوا الشبان وجهًا لوجه مع الله حتى يستطيع أن يهتف مع صموئيل: "تكلم يا رب، فإن عبدك يسمع"، ومع بولس الرسول على طريق الشام: "ماذا تريد يا رب أن أصنع؟".
◄ خامسًا: استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّة
نعم اليوم بسهولة كاملة نستطيع أن نستغل بالطرق السليمة جميع وسائل النشر الاجتماعية لتشجيع الدعوات ولكن بطرق مدرسة ليس كل واحد على هواه. ألم يقل القديس بولس: "كل شيء هو لكم، وأنتم للمسيح والمسيح لله". إذا قمنا باستغلال كل القوى الطبيعية استغلالاً جيدًا، وحوّلنا مجاريها إلى الازدهار والسلام والمحبة، لنفخنا في المدنيّة العصريّة نفسًا جديدًا، وكانت النتيجة تسرّ الله سرورًا لا حد له.
◄ سادسًا: تكوين النخبة في المدارس
لعل أنجع وسيلة مباشرة هي تكوين نخبة ممتاز في المدارس مسؤوليتها، كما نختار الكشافة وغيرها من النشاطات، أن تكون رافدًا للتعاون مع جميع النشاطات الرسوليّة الأخرى. والمهم في كل هذه الجمعيات والمنظمات أن تبعث في قلوب أعضائها حياة روحيّة عميقة وروحًا رسوليّة وثيقة تغذي سوية في نفوس الشبان والشابات بذرة الدعوة.
أليس الشبان يبحثون عن أعمال بطوليّة نروي لهم قصص البطولة التي يقوم بها أكثر من مليوني كاهن وراهب وراهبة في خدمة المتألمين والمشردين وغيرها من أعمال بطولية! رددوا على مسامعهم وعلى قلوبهم قول البابا بولس السادس: "أيها الشبان! أتعلمون أنّ المسيح هو بحاجة إليكم!".
◄ سابعًا: التضامن بين المدرسة والعائلة والرعيّة
لا تستطيع المدرسة أن تقوم وحدها بهذه الرسالة، رسالة تنشيط الدعوات لأنّ الشبان والشابت يتعرّضون خارج المدرسة لتأثيرات وصدمات قوية قد تهدم تمامًا ما يقوم به المربون، وهذه التأثيرات ربما يجدونها في البيت، والعائلة، والمجتمع، وفي مختلف البيئات التي يعيشون بها أو الأماكن الذي يرتادونها. لذلك يحاول الجميع أن يرمي بالمسؤولية على غيره. وكل محاولة إصلاح إذا لم تجد آذنًا صاغية من الجميع وتكاثف الجميع خاصة الرعيّة والمدرسة والعائلة نخسر الكثير، ولا أمل في حياة مسيحية خصبة إذا لم تعطي كل فئة دورها الفعال وننفخ فيها نفسًا مسيحيًا. لذا ينبغي التنسيق والتعاون الوثيق بين المدرسة والعائلة والرعيّة.
أما كيف يقوم هذا التعاون والتنسيق؟
هناك خطوات جرئية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، مثال "فتح مركز التعليم والرسالة"، وهذا أيضًا يؤدي إلى تـأسيس مركز للدعوات في نطاق الأبرشية... وبهذه الصلوات والتضحيات والمؤازرة، والتضامن، وتنسيق الجهود، نأمل أن نشهد نهضة حديثة ومبدعة لجلب الدعوات التي تعقد عليها الكنيسة أكبر الآمال.