موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"رجاؤنا يستند إلى يقين هو أنّ الرّبّ يسوع لا يتركنا: فهو يرافقنا دائمًا". هذا ما شدّد عليه البابا لاون الرابع عشر خلال ترؤسه القداس الإلهي، في كاتدرائيّة القديس بطرس، بمناسبة عيد قلب يسوع الأقدس، وختام اليوبيل الخاص بالإكليريكيين والأساقفة والكهنة، ويُصادف كذلك يوم الصلاة "من أجل تقديس الكهنة". وخلال القداس، منح قداسته الرسامة الكهنوتيّة لـ32 كاهنًا جديدًا من حول العالم.
في مستهل عظته، أشار إلى أنّ هذا اليوم يحتفل به كجزء من يوبيل الكهنة الذين جاؤوا إلى قبر الرسول بطرس لعبور الباب المقدّس، لـ"يعودوا ويتغمروا ملابسهم في قلب المخلّص، والتي لبسوها في المعموديّة والكهنوت". وفي هذا السياق، ذكّرهم بأنّهم بالمهمّة التي أوكلت إليهم، وهي "جعل سرّ تجسّد الرب وقيامته من بين الأموات حاضرًا في العالم".
وانطلاقًا من القراءة الأولى، أشار البابا إلى أن "النبي حزقيال يكلّمنا على الله الراعي الذي يتفقّد قطيعه، ويَعِدُّ خرافه واحدًا واحدًا: يذهب في طلب الضّالة منها، ويَجبُر المَكْسورَة، ويقوّي الضّعيفة والمريضة (حزقيال 34، 11-16)". وهذا "يذكّرنا، في زمن يسوده الصّراع الشديد والرّهيب، أنّ محبّة الله، التي نحن مدعوّون إلى أن نقبلها ونتركها تَخلقنا خلقًا جديدًا، هي محبّة شاملة، ومعها في عينيه –وبالتّالي في عيوننا أيضًا– لا مكان للانقسامات أو الكراهية من أيّ نوع".
وفي نص القراءة الثانيّة (الرسالة إلى أهل روما 5، 5-11)، أشار كذلك إلى أنّ "القديس بولس يذكّرنا بأنّ الله صالحنا ’لَمَّا كُنَّا لا نَزالُ ضُعَفاء‘ و’خاطِئين‘، ويدعونا إلى أن نستسلم لعمل روحه السّاكن فينا، لكي يبدِّل مسيرتنا إلى مسيرة توبة يوميّة. رجاؤنا يستند إلى يقين هو أنّ الربّ يسوع لا يتركنا: فهو يرافقنا دائمًا. لكنّنا مدعوّون إلى أن نتعاون معه، أوّلًا بأن نضع الإفخارستيا، ينبوع وقمّة كلّ حياة مسيحيّة، في قلب حياتنا. ثمّ بقبولنا المثمر للأسرار، وخاصّة سرّ التّوبة بصورة متواترة. وأخيرًا، بالصّلاة، والتأمّل في كلمة الله، وممارسة المحبّة، فيزداد قلبنا شَبَهًا بقلب الله "أبي المراحم".
وذكّر أنّ إنجيل احتفال اليوم (لوقا 15، 3-7)، يتكلّم على فرح الله، وفرح كلّ راعٍ يحبّ بقلبه، لعَودة كلّ خروفٍ إلى الحظيرة. والتالي، هي دعوة للكهنة إلى أن يعيشوا المحبّة الرعويّة بروح الآب الكبيرة نفسها، فينموا في أنفسهم رغبته في ألا يَهلِك أحد، بل أن يعرف الجميع المسيح، من خلالهم، وينالوا فيه الحياة الأبديّة.
وبناءً على ذلك، أوضح البابا للكهنة، بأنّها "دعوة إلى أن نتّحد بيسوع اتّحادًا عميقًا، ونكون بذارًا للوفاق بين الإخوة، ونحمل على أكتافنا من ضلّ الطّريق، ونمنح المغفرة لمن أخطأ، ونذهب لنبحث عمَّن ابتعد أو تمّ استبعاده، ونهتمّ بمن يتألّم بالجسد والرّوح، في تبادل كبير للحبّ، الذي ينبع من جنب المصلوب المطعون، ويغمر جميع البشر ويملأ العالم".
وأكد الأب الأقدس أنّ "الخدمة الكهنوتيّة هي خدمة تقديس ومصالحة من أجل وَحدة جسد المسيح". ولذلك، طلب المجمع الفاتيكانيّ الثاني من الكهنة أن يبذلوا كلّ جهد لكي "يقودوا الجميع إلى الوحدة في المحبَة"، وأن "ينسّقوا الاختلافات حتى "لا يشعر أحد بأنّه غريب". كما "أوصاهم بأن يكونوا متّحدين مع الأسقف وفي كهنوتهم"، لأنّه "عندما يزداد الاتحاد بيننا، تزداد معرفتنا لأن نقود الآخرين أيضًا إلى حظيرة الراعي الصالح، لكي نعيش إخوةً في بيت الآب الواحد".
وانطلاقًا من هذا، ذكّر البابا لاون الرابع عشر، بأنّه في القداس الاحتفالي في بداية حبريته، قد عبّر رغبته الكبيرة في أن نكون "كنيسة متّحدة، علامة على الوَحدة والشّركة، فتصير خميرة لعالم مُتصالح"، لافتًا إلى أنّه يجدّد مشاركة هذه الرغبة مع الكهنة اليوم، وهي:
"مُتصالحين، ومتّحدين ومتبدّلين بالمحبّة المتدفقة بغزارة من قلب المسيح. لنَسِرْ معًا على خطاه، بتواضع وحزم، وثابتين في الإيمان ومنفتحين على الجميع بالمحبّة، ولنحمل إلى العالم سلام الرّبّ القائم من بين الأموات، بالحرّيّة التي تأتي من وعينا بأنّ الله أحبّنا، واختارنا وأرسلنا".
وتوجّه البابا لاون الرابع عشر إلى الأعزاء الذين سينالون الرسامة الكهنوتيّة، وسيصيرون بعد قليل كهنة، بوضع يد الأسقف، وبفيض الروح القدس من جديد: "سأقول لكم بعض الأمور البسيطة، لكنّني أراها مهمّة لمستقبلكم ولمستقبل النفوس التي ستُوكَل إليكم".
وقال: "أحبّوا الله والإخوة، وكونوا أسخياء، وغيّورين في الاحتفال بالأسرار المقدّسة، وفي الصلاة، ولا سيّما في السجود للقربان المقدّس. وفي خدمتكم، كونوا قريبين من رعيّتكم، وأعطوا وقتكم وطاقتكم للجميع، دون أن تملّوا، ودون أن تميّزوا، كما يعلّمنا جنب المصلوب المفتوح ومثال القدّيسين".
وفي هذا السياق، ذكّرهم بأنّ "الكنيسة، طوال ألفي عام من تاريخها، عرفت، وما تزال إلى اليوم، نماذج رائعة من القداسة الكهنوتيّة: بدئًا من الجماعات المسيحيّة الأولى، وقد أنجبت وعرفت بين كهنتها، شهداء، ورسلًا لا يعرفون التّعب، ومُرسلين وأبطالًا في المحبّة".
ودعا البابا لاون الرابع عشر الكهنة الجدد لأن يغتنوا بكنز الكهنة الأتقياء القديسين على مرّ العصور. وخاطبهم بالقول: "اغتنوا من هذا الكنز الكبير: اهتمّوا بقصصهم، وادرسوا حياتهم وأعمالهم، واقتدوا بفضائلهم، واجعلوا غَيرتهم تُشعل قلوبكم، واطلبوا شفاعتهم كثيرًا وبإلحاح!".
ولفت إلى أنّ "عالمنا يقدّم لنا، في كثير من الأحيان، نماذج للنجاح والمكانة مشكوكًا فيها ومتناقضة. فلا تنجذبوا إليها! بل انظروا إلى المثال الراسخ وإلى ثمار الرسالة، وهي مرارًا خفيّة ومتواضعة، للذين خدموا الرّب يسوع والإخوة بإيمان وتفانٍ، وخلِّدوا أنتم ذكراهم بأمانتكم".