موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أيّها الإخوة الأعزّاء في الكهنوت،
في هذا اليوم المكرّس لتقديس الكهنة، الذي نحتفل به في عيد قلب يسوع الأقدس، أتوجّه إلى كلّ واحد منكم بقلب تملأه عواطف الشّكر والثّقة.
قلب المسيح، المطعون بالحبّ، هو القلب الحيّ والمحيي، الذي يقبل كلّ واحد منّا، ويحوِّلنا إلى صورة الرّاعي الصّالح. هناك فقط نفهم هويّة خدمتنا الحقيقيّة: متّقدين برحمة الله نصير شهودًا فرحين لحبّه الذي يشفي ويرافق ويفتدي.
احتفال اليوم يجدّد في قلوبنا الدّعوة إلى عطاء أنفسنا الكامل في خدمة شعب الله المقدّس. هذه الرّسالة تبدأ بالصّلاة وتستمرّ في الاتّحاد مع الرّبّ يسوع، الذي يحيي فينا باستمرار عطيّته: الدّعوة المقدّسة إلى الكهنوت.
أن نتذكّر هذه العطيّة، كما يقول القدّيس أغسطينس، يعني أن ندخل ”مَقدِسًا واسعًا لا نهاية له“ (راجع اعترافات، 10، 8. 15)، ولا يحفظ شيئًا من الماضي فحسب، بل يجعل دائمًا ما فيه جديدًا وله معنى وضرورة اليوم. فقط عندما نتذكّر نحيا ونحيي ما سلّمه الرّبّ يسوع إلينا، وطلب منّا أن ننقله بدورنا باسمه. فالذّاكرة توحّد قلوبنا في قلب المسيح، وحياتنا في حياته، لكي نصير قادرين على حمل كلمة الله وأسرار الخلاص إلى شعب الله المقدّس، من أجل عالم متصالح في المحبّة. في قلب يسوع فقط نجد إنسانيتنا الحقيقيّة لأنّنا أبناء لله وإخوة بعضنا لبعض. لهذه الأسباب، أودّ أن أوجّه إليكم اليوم دعوة مُلِحّة: كونوا بُناةَ وَحدةٍ وسلام!
في عالمٍ تسودهُ التّوتّرات المتزايدة، حتّى داخل العائلات والجماعات الكنسيّة، الكاهن مدعُوٌّ إلى أن يعزّز المُصالحة ويُنشئ الوَحدة والشَّرِكة. أن نكون بُناةَ وَحدةٍ وسلام هذا يعني أن نكون رُعاة قادرين على التّمييز، وماهرين في فنّ جَمع شتات الحياة التي تُوكَل إلينا، لكي نساعد الأشخاص ليجدوا نور الإنجيل وسط متاعب الحياة. ويعني أن نكون قُرَّاء حُكماء للواقع، فنذهب إلى ما هو أبعد من مشاعر اللحظة، والمخاوف، والموضات السّائدة. ويعني أن نقدّم مقترحات رعويّة تولِّد الإيمان وتجدّده، فنبني علاقات صالحة، وروابط متضامنة، وجماعات يشعّ فيها أسلوب الأخوّة. أن نكون بُناةَ وَحدةٍ وسلام يعني ألّا نفرِض أنفسنا، بل أن نخدُم. وبشكلٍ خاصّ، تصير الأخوّة الكهنوتيّة علامة صادقة لحضور الربّ القائم من بين الأموات بيننا وعلامة مميِّزة في مسيرة كهنتنا المشتركة.
أدعوكم إذًا اليوم إلى أن تجدّدوا أمام قلب المسيح قولكم ”نعم“ لله ولشعبه المقدّس. دعوا النّعمة تَصُوغ كيانكم، واحفظوا نار الرّوح التي نلتموها في الرّسامة الكهنوتيّة، لكي تصيروا، متّحدين به، سرّ محبّة يسوع في العالم. لا تخافوا من ضعفكم: فالرّبّ يسوع لا يبحث عن كهنة كاملين، بل عن قلوبٍ متواضعة، ومستعدّة للتّوبة، ومستعدّة لأن تحبّ كما أحبّنا هو نفسه.
أيّها الإخوة الكهنة الأعزّاء، قدّم لنا البابا فرنسيس من جديد عبادة قلب يسوع الأقدس لتكون مكان لقاء شخصيّ مع الرّبّ يسوع (راجع الرّسالة البابويّة العامّة، لقد أحَبَّنا، 103)، أي مكانًا يمكننا فيه أن نحمل ونحلّ صراعاتنا الدّاخليّة والصّراعات التي تمزّق العالم المعاصر، لأنّنا "فيه نصير قادرين على التّواصل بطريقة سليمة وموفّقة، وبناء ملكوت المحبّة والعدل في هذا العالم. قلبُنا المتّحد بقلب المسيح قادر على هذه المعجزة الاجتماعيّة" (المرجع نفسه، 28).
وخلال هذه السّنة المقدّسة، التي تدعونا إلى أن نكون حجّاج رجاء، ستكون خدمتنا أكثر خصوبة كلّما ازددنا تجذّرًا في الصّلاة، والمغفرة، والقرب من الفقراء، والعائلات، والشّباب الباحثين عن الحقيقة. لا تنسَوا: الكاهن القدّيس يجعل القداسة تُزهِر من حوله.
أوكلكم إلى مريم، ملكة الرّسل وأمّ الكهنة، وأبارككم جميعًا من كلّ قلبي.