موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في صباح يوم الأحد 6 نيسان الهادىء، غادرت حافلة متواضعة نابولي متّجهة إلى روما، وعلى متنها امرأة في مهمّة. كانت الأخت فرانسيسكا باتيلورو، البالغة من العمر 94 عامًا، مقيّدة بكرسي مدولب، فيما تتحمّل ضعف السن بنعمة تلفت الأنظار، في طريقها إلى ما اعتقدت أنّه قد يكون حجّها الأخير. أمّا هدفها فهو عبور الباب المقدس لبازيليك القدّيس بطرس خلال يوبيل المرضى والعاملين في القطاع الصحّي. لم تكن تبحث عن رؤية شيء معيّن، بل عن مجرّد لحظة نعمة. لكنّ السماء، كما تفعل غالباً، كان لها خطط أخرى!
أمضت الأخت فرانسيسكا، المولودة باسم روزاريا والمُنعزلة منذ سنّ الثامنة، 75 سنة في صمت "رهبنة الزيارة". اتّخذت اسم القدّيس فرنسيس دي ساليس –الذي تنسب إليه الفضل في حلم الشفاء الذي أنقذ حياتها ذات مرة– واختارت حياة الصلاة الهادئة.
في السادس من نيسان، وفيما كانت برفقة بعض الأقارب والأصدقاء، وصلت إلى روما وهي تدعو في قلبها: أن تعبر عتبة اليوبيل كطلب أخير. وبسبب حالتها، مُنحت مرورًا خاصًّا عبر الباب المقدّس بينما تجمّع عشرون ألف مؤمن في ساحة القدّيس بطرس.
كانت تصلّي عندما حدث أمر غير متوقّع تمامًا، إذ دخلت مجموعة صغيرة من الرجال الذين يرتدون البذلات إلى البازيليك، وفي وسطهم كرسي مدولب آخر… يجلس فيه البابا فرنسيس. كان هذا أوّل ظهور له بعد خروجه من المستشفى. أمّا وجوده في البازيليك فوجب أن يكون موجزًا ورمزيًّا: اعتراف، صلاة، وخروج هادىء، مع إطلالة مفاجئة على الحشد. لكن ما لم يكن مخطّطًا له هو اللقاء الذي جرى في وسط الكنيسة: التقى كرسيّان مدولبان تحت قبة مايكل أنجلو، في قلب العالم الكاثوليكي. كانت الأخت فرانسيسكا قد طلبت من الله فقط أن تعيش لتُشارك في اليوبيل. فانتهى بها الأمر بمصافحة يد البابا.
لاحقًا، قالت بصوت يرتجف من الفرح أمام وسائل الإعلام الفاتيكانية في طريق عودتها إلى نابولي: "لم أكن أريد أن أترك يده… طلبتُ من الله بلوغ اليوبيل، لكنني اعتقدت… أنّه أمر مستحيل. ومع ذلك أرسل لي البابا!" كانت محادثتهما القصيرة مشبعة بالفكاهة والذاكرة. مازحها البابا قائلاً: "هل أنتِ إحدى هؤلاء الراهبات من نابولي؟" في إشارة مرحة إلى اللقاء الحماسي الشّهير الذي جرى سنة 2015، عندما أحاطت به مجموعة من الراهبات النابوليات المنعزلات، ممّا دفع الكاردينال سيبي آنذاك إلى الطلب إليهنّ العودة إلى النظام. لم تكن الأخت فرانسيسكا من بينهنّ ذاك اليوم – لكنّها كانت في الكاتدرائية، تراقب من بعيد.
والآن، بعد عقدٍ، حانت لحظتها.
تذكّرت لقاءاتها السابقة مع القدّيس يوحنا بولس الثاني، أثناء خدمتها المؤقّتة كممرّضة في دير روماني. لكنّها لم تتحدّث أبدًا، بمفردها، لمدّة عشر دقائق كاملة، مع خليفة بطرس. قالت بصوتٍ خافت: "أخبرته أنني أصلّي كثيرًا من أجل شفائه. لقد قدّمتُ حياتي ليسوع ليشفيه. وطلبتُ من الرب أن أموت في سبيل محبّته النقية عندما تحين ساعتي. هذا ما أريده أكثر من أي شيء آخر: اللقاء الأخير معه".
من ناحيته، استمع البابا إليها وابتسم، وتلقّى بركتها في المقابل.
وقد أصبح هذا اللقاء غير المتوقّع، الذي جرى بهدوء بينما كانت الكاميرات تنتظر في الخارج، من أكثر اللحظات حميميّة في عطلة نهاية الأسبوع اليوبيليّة – لقاء لم يوثّقه المصوّرون الرسميّون، ومع ذلك حُفظ في الذاكرة كمفاجأة مقدّسة.
وبينما كانت تغادر بازيليك القدّيس بطرس، كان وجه الأخت فرانسيسكا يتوهّج فرحًا وقالت: "سأعود إلى المنزل سعيدة. لطالما رغبتُ في هذا اللقاء، وها هو ذا. الله يُصغي… حتى لأبسط الأمور… سألتُ الله: أريد أن ألتقي بالبابا. هو وحده، ولا أحد غيره… ظننتُ أنّ ذلك مستحيل، لكنّ البابا هو مَن جاء للّقاء بي. يبدو أنّه عندما أطلب من الرب شيئاً ما، فإنّه يمنحني إيّاه دائمًا".