موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"الكنيسة تقع على مساحة 120 مترًا، هذه مساحة تصلح لشقة سكنية لا لكنيسة"، هكذا وصف البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة الأرثوذكسيّة المصريّة، كنيسة أبو سيفين في محافظة الجيزة التي احترقت وخلفت 41 قتيلا بينهم أطفال و16 مصابًا.
وطالب البابا تواضروس في تصريحات تلفزيونية الجهات المصرية المسؤولة بالمشاركة في توسعة الكنائس الضيقة أو نقلها لمساحات أكبر، لتناسب عدد المرتادين عليها.
وتقع هذه الكنسية في الطابقين الرابع والخامس لمبنى في شارع ضيق مكتظ بالمبان لم تكن أدراجه الضئيلة ومخارجه القليلة كافية لهروب نحو 500 شخصٍ كانوا يؤدون شعائر قداس الأحد وأطفال في دار رعاية حينما وقع ذلك التماس الكهربائي.
وأعلنت النيابة العامة المصرية أنها انتهت من فحص كافة الجثامين ولم تلحظ إصابات ظاهرة سوى الاختناق.
وتعد كنيسة أبو سيفين ضمن كنائس قدرت بنحو خمسة آلاف كنيسة بنيت دون ترخيص يضمن شروط السلامة وغيرها على مدى عقود، وجرى تقنين أبو سيفين مع نحو ألفي كنيسة أخرى خلال السنوات الست الماضية منذ صدور قانون الكنائس، لكن البعض يشكو من عدم تطبيق شروط السلامة بصرامة.
ويرى المختص في إدارة المخاطر الأمنية، اللواء إيهاب يوسف، أن السلطات المصرية تخوفت من منع بعض الكنائس غير المطابقة للمواصفات من مزاولة أنشطتها، بسبب التخوف من اتهامها بالتضييق على المسيحيين في إقامة شعائرهم الدينية. ويوضح: "المسيحيين كانوا يصلون في مثل هذه الأماكن قبل أن ترخص بتفاهمات شفهية مع أجهزة الأمن".
ولم يكن بناء الكنائس أمرًا سهلًا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إذ أن ترخيص بناء كنيسة يتطلب شروطًا صعبة وموافقة السلطان أو الملك شخصيًا ثم من بعد ذلك رئيس الجمهورية، ما دفع المسيحيين إلى التحايل على الأمر من خلال بناء أماكن بتراخيص سكنية أو جمعيات أو مصانع، وممارسة الأنشطة الكنسية فيها.
وشكلت لجنة ترميم وبناء الكنائس في 2017 برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء وممثلين لجهات أمنية وممثل عن الطائفة المسيحية المعنية، لتجتمع شهريًا على الأقل وتنظر في الطلبات المقدمة لترخيص دور عبادة مسيحية قائمة وبناء كنائس جديدة ثم تعرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار.
ويشير إسحاق إبراهيم، وهو باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أعد تقريرًا عن بناء الكنائس، في حديث مع بي بي سي إلى أن التوسع في ترخيص الكنائس كان ضروريًا لترميم ما أصاب حرية ممارسة الشعائر الدينية خلال تلك العقود، لكنه لا يجب أن يكون بـ"المغامرة بالأرواح" حسب تعبيره. وبحسب إبراهيم، فقد سجلت الكنائس المصرية عددًا كبيرًا من الحرائق بلغ 50 حريقًا خلال السنوات الماضية، بسبب تماسات كهربائية.
وصلت سيارات الإطفاء فور اندلاع الحريق لكنها لم تستطع التعامل مع الحريق على الوجه الأمثل، بسبب ضيق الشارع الذي تقع فيه، بحسب تصريحات صحفية لوزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج. وقالت إنّ المشكلة إرث من الماضي مع وجود كنائس كثيرة في وضع ليس مغايرًا وتحتاج إلى وقفة مع شروط السلامة.
ويلفت عضو مجلس الكود الدولي الأمريكي المختص في مجال سلامة المباني، محمد سرور، إلى أن شروط السلامة يجب أن تتضمن نظام تلقائي لمكافحة الحرائق، يقوم مثلًا برش المياه عند ملاحظته نشوب حريق، والتأكد من قوة وصلات التيار الكهربائي، ووجود مصدر مياه مخصص للحرائق. ويضيف أن مثل هذا المكان الذي اندلع فيه الحريق لا يمكن اعتباره مناسبًا للسلامة العامة بسبب قلة مسالك الهروب عند الطوارئ، وغياب أجهزة التهوية، فضلًا عن ضيق الأدراج مع الزحام.
وتنص المادة الثانية في القانون الذي صدر عام 2016 لبناء وترميم الكنائس على ملاءمة مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها مع عدد المواطنين في المنطقة السكانية التابعة لها، وكذلك ترخيص المباني القائمة بالفعل ككنائس بشرط ثبوت الاشتراطات البنائية، فضلًا عن سلامتها الإنشائية.
ويقول المتحدث باسم الكنيسة المصرية الأرثوذكسيّة، القمص موسى إبراهيم، إن "شروط السلامة التي قدمت مع ترخيص كنيسة أبو سيفين هي أفضل ما يمكن الحصول عليه بالنظر إلى واقع المكان". ويضيف أنّ هذه الشروط ساعدت على عدم وقوع مزيد من الضحايا إذ كان يكتظ بالمصلين، لافتًا إلى أن هناك كنائس أخرى لا تزال تنتظر التراخيص لأنها لم تستوف شروط السلامة اللازمة.
ولطالما اقترنت دور العبادة المسيحية في مصر، المرخصة منها وغير المرخصة، على مدى عقود بجدل حول تعداد المسيحيين، إذ يفيد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومي، صدر في 2011 بأنهم يزيدون على خمسة ملايين، غير أن البابا تواضروس قال في تصريحات صحفية قبل 4 سنوات إن تعداد المسيحيين بلغ 17 مليونًا.
وتعلقت أحداث عنف طائفية عدة شهدتها مصر على مدى تاريخها المعاصر ببناء كنائس جديدة أو ممارسة شعائر دينية في كنائس قائمة مشكوك في تراخيصها الرسمية، مثل الخانكة عام 1972، والزاوية الحمراء عام 1981، وماسبيرو عام 2011.
ومع توسع الحكومة المصرية في بناء المدن الجديدة، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ببناء كنيسة على الأقل في كل مدينة جديدة تشرع الدولة في إقامتها.