موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
اجتمع المؤمنون من مختلف الرعايا مع الكهنة والأساقفة، يوم السبت الموافق 14 حزيران 2025، في قلب منطقة الجليل، وتحديدًا في كنيسة الرسل الاثني عشر في بيت الجليل – كورازيم، ليشهدوا لحظة عميقة من لحظات النعمة والفرح الكنسي.
فقد ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، قدّاس الرسامة الكهنوتية لثلاثة شمامسة جدد، هم: أوسكار جون نونيز من الفليبين، جياكومو باجلياريتشا من إيطاليا، لوقا فرانسوا جوزيف سولباك من فرنسا. وقد جرى الاحتفال وسط جوّ من الصلاة والفرح الروحي، بحضور عدد من الأساقفة والكهنة من مختلف أنحاء الأبرشيّة، وعدد كبير من المؤمنين، إضافة إلى الأهل والأصدقاء الذين رافقوا الشمامسة في مسيرتهم.
في عظته التي وجّهها إلى الكهنة الجدد، أضاء الكاردينال على عمق المعنى الروحي لهذا اليوم، مشدّدًا على أن الرسامة ليست نقطة وصول، بل بداية مسيرة جديدة في طريق التتلمذ للمسيح وخدمة كنيسته. قائلاً: "أنتم مدعوون لتكونوا شهودًا حقيقيين للمسيح، لا بالكلام فقط، بل من خلال حياتكم اليومية، من خلال تواضعكم وأمانتكم، ومن خلال حضوركم الحيّ وسط شعب الله. الرسامة ليست امتيازًا بل تكليف. إنها دعوة للانخراط في حياة الكنيسة بكل تفاصيلها، وأن تجعلوا من خدمتكم مجالًا لظهور محبة الله في هذا العالم".
تميّزت رتبة الرسامة الكهنوتية بروعة الطقس الليتورجية التي تجمع بين الرمزية والجمال، حيث تمدّد الشمامسة الثلاثة على وجههم أمام المذبح، في لحظةٍ تعبّر عن الخضوع الكامل لإرادة الله، بينما رتّلت الجماعة طلبة القديسين، مستدعية شفاعة الكنيسة المنتصرة من أجل هؤلاء الذين يدخلون في حياة جديدة من التكريس والخدمة.
بعدها، وضع الكاردينال بيتسابالا يديه على رؤوسهم ومن بعده الكهنة، في فعل رسوليّ متصل بالرسل الأوائل، ومن ثم تلا صلاة التكريس ومسحهم بزيت الميرون المقدّس وارتدوا الحلّة الكهنوتية، لتبدأ بذلك حياتهم الجديدة التي تؤهلهم لخدمة أسرار الله وشعبه.
الرسامات الكهنوتية، كما أشار الكاردينال، هي علامة حيّة على أن الكنيسة لا تزال تُنجب خدامًا جددًا يكرّسون حياتهم من أجلها. في عالمٍ تتعالى فيه أصوات الفردية والبحث عن الذات، يبرز صوت من يقول لله: "هاءنذا أرسلني". إن كنيسة الأرض المقدسة، التي تحمل وديعة الإيمان منذ القرون الأولى، لا تزال اليوم تثمر بدعوات جديدة، شابة ومؤمنة، تتقدّم نحو مذبح الرب بقلب ممتلئ بالمحبّة، وعقل منفتح على كلمة الله، وروحٍ مشتعلة بالشهادة".
يبدأ الكهنة الجدد فصلًا جديدًا في درب حياتهم الكهنوتية. سيكونون خدامًا للمسيح، حاضرين في خدمة المذبح والإنجيل، متمّمين أعمال الرحمة والرعاية، متجذرين في حياة الجماعة، بكهنوت رجاء يضيء في أفق الحياة. وتبقى الكنيسة مدعوة اليوم، كما في كل زمن، إلى الصلاة من أجل الدعوات: لكي ينهض دائمًا من بين أبنائها من يقول "نعم" للمسيح، ويهبه حياته دون تراجع.
الرسامة الكهنوتية ليست فقط لحظة احتفالية، بل هي حدث يحمل في طياته أبعادًا رعوية وروحية عميقة. إنها رسالة رجاءٍ وسط واقع مضطرب، ودعوة لكل مؤمن أن يجدد تكريسه الشخصي للمسيح، وأن يسعى ليكون هو أيضًا شاهدًا حيًا للرب في حياته اليوميّة.