موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٥ مايو / أيار ٢٠٢٠
تعرّف على "إكليريكية القديس لاون الكبير" للأقباط الكاثوليك بمصر
الكنائس الكاثوليكية في مصر.. معالم ومعاني
إكليريكية القديس لاون الكبير للأقباط الكاثوليك، بالعاصمة المصرية القاهرة

إكليريكية القديس لاون الكبير للأقباط الكاثوليك، بالعاصمة المصرية القاهرة

دراسة وتحقيق ناجح سمعـان :

 

لما كان للكاهن دعوته الجليلة في خلاص النفوس امتدادًا لرسالة فادي البشرية يسوع المسيح الكاهن الأعظم. لذا أعطت الكنيسة القبطية الكاثوليكية لإعداد الكهنة جلّ اهتمامها وعظيم مواردها، حيث بدأت الكنيسة في التفكير مبكرًا نحو تأسيس مدرسة إكليريكية لتنشئة الكهنة وتعليمهم، حتى يكونوا رعاة صالحين، وعلى درجة عالية من العلم والثقافة. وعلى مدى أكثر من مائة عام قدمت الإكليريكية آلاف الرعاة الأتقياء الذين ساهموا بجهدهم الصادق في بناء ملكوت الله في القلوب. نتناول في هذه التحقيق عن قرب رسالة الإكليريكية في خدمة الكنيسة الكاثوليكية بمصر، ودورها الفريد في إعداد كهنة المستقبل.

 

الإكليريكية المعنى

 

كلمة "إكليريكية" في أصلها اللاتيني تعني "المشتل"، وهو المكان الذي تنمو فيه البراعم والزهرات. ويشير المصطلح في المفهوم الكنسي إلى عملية تكوين الدعوات الكهنوتية حتى يحمل أصحابها يومًا رسالة السيد المسيح الخلاصية. وتسمى كلية العلوم اللاهوتية والإنسانية بالمعادي باسم إكليريكية القديس لاون الكبير عرفانًا بجميل قداسة البابا لاون الثالث عشر، صاحب قرار إنشاء الإكليريكية بمصر.

 

البداية والتأسيس

 

كانت البداية في شهر أيار مايو 1896 حينما اجتمع أصحاب النيافة المطارنة الثلاثة الأنبا كيرلس مقار والأنبا مكسيموس صدفاوي والأنبا اغناطيوس برزي، وأرسلوا إلى الكرسي الرسولي تقارير عن حالة أبرشياتهم، وأعلموا قداسة البابا لاون الثالث عشر باحتياج الكنيسة القبطية الكاثوليكية لمدرسة إكليريكية. وعرض الأساقفة على قداسة البابا مدينة طهطا لتؤسس بها الإكليريكية كونها مركز الكثلكة بالصعيد. ولما وافق طيب الذكر البابا لاون الثالث عشر على طلب آباء الكنيسة بتأسيس الإكليريكية شرعوا في العمل، وتم وضع حجر الأساس في 25 كانون الثاني يناير 1897، ثم الافتتاح الرسمي في 15 تشرين الثاني نوفمبر 1899.

 

التنقل حتى الاستقرار

 

لما كانت دار المدرسة الإكليريكية بطهطا لا تتسع لأكثر من خمسين إكليريكيًا، بحث الرؤساء عن دار أكثر مناسبة مع تزايد الدعوات الكهنوتية. وفي أيلول سبتمبر 1947 تم نقل الإكليريكية الكبرى بطهطا والإكليريكية الصغرى بالقاهرة إلى مدينة طنطا حيث جناح فسيح من مبنى كلية القديس لويس للآباء المرسلين الافريقيين. حتى كانت عطية الله للكنيسة عام 1952 حيث شرع آباء السينودس في تشييد مبنى كبير يضم إكليريكيين من جميع الكنائس الكاثوليكية بمصر. فكانت الدار الحالية بحي المعادي في مدينة القاهرة، وتم الافتتاح الرسمي للمعهد الإكليريكي بالمعادي رسميًا في 3 تشرين الثاني نوفمبر 1953 بحضور الكاردينال اوجين تيسران مندوبًا عن قداسة البابا بيوس الثاني عشر وغبطة بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية الأنبا مرقس الثاني خزام، ومعاونه الأنبا اسطفانوس سيداروس مدير الكلية الإكليريكية.

 

بانوراما الموقع

 

على مساحة عشرة أفدنة، وفي منطقة سكنية هادئة بحي المعادي في مدينة القاهرة، وفي شارع من أجمل شوارع المنطقة، يقع مبنى كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية والمعروف بالإكليريكية. مبنى فخم مستطيل الشكل ذي ثلاث طوابق، يبلغ طوله 117 متر وعرضه 67 متر، ويضم 120 غرفة للمعيشة وقاعات للدروس، فضلاً عن ملاعب وحدائق وأفنية متسعة. ويتميز بناؤه المعماري بتعرض المبنى لأشعة الشمس والتهوية في جميع أركانه خلال النهار، حيث تطل نوافذه على الحدائق.

المدخل الرئيسي

 

بعد عبورك باب الشارع الرئيسي وعند دخولك إلى مبنى الإكليريكية، تتأمل الواجهة الحجرية ذات المنافذ الخمسة المستديرة الشكل ومن ورائها تظهر الأبواب الحديدية الثلاثة سوداء اللون والمطعمة بأوراق الأشجار وعناقيد الكروم ذهبية اللون يعلوها الصليب القبطي المنسدلة منه أشعة الشمس، وعلى الضرفتين يوجد أربع صور منقوشة للإنجيليين الأربعة. وتتزين الأبواب كذلك بنقوش مفتاح الحياة أعلى الباب الرئيس. في أكثر من موضع ترى شعار الإكليريكية منحوت على الأبواب والجدران، ويتكون الشعار من مفتاح الحياة في إشارة إلى الصليب المحيي، وأسفل مفتاح الحياة أسد رابض رمز إلى القديس لاون الكبير، شفيع الاكليريكية، حيث أن اسم لاون يعنى في العربية الأسد.

 

كنيسة القديس لاون الكبير

 

هي الكنيسة الكبرى التي تشهد الاحتفالات العامة والسيامات الكهنوتية، ويقام بها قداس الأحد الاحتفالي الذي يجمع كل الإكليريكيين بمختلف أعوامهم الدراسية. والكنيسة مبنية على شكل سفينة على غرار فلك نوح في العهد القديم. وبها حامل أيقونات تتوسطه صورة العشاء السري، أعلاها أيقونة البشارة، وعلى جانبيه أيقونات التلاميذ الاثني عشر. وصحن الكنيسة مزين بمراحل درب الصليب بصور مجسمة وبالألوان الطبيعية.

 

أجنحة المبنى

 

يتكون مبنى الإكليريكية من جناحين كبيرين مربعي الشكل تتوسطهما الكنيسة الكبرى. يتكون كل مربع من عدد من الحجرات وقاعات الدراسة تتوسطها حديقة مكسوة بالخضرة وبها أشجار الزينة والورود. ويقع الجناح الأيمن في حراسة يسوع المصلوب حيث يوجد بالحديقة تمثال يسوع المصلوب أمامه الزروع وباقات الورد إلى جانب عدد من المقاعد ويخصص هذا الجناح لطلبة قسم التمهيدي. وعلى يسار الكنيسة الكبرى يأتي المربع الثاني حيث يتكون من عدد من الحجرات وقاعات الدراسة، وفي الوسط منه الحديقة التي يقع في القلب منها تمثال مريم العذراء أم النعم، وحول التمثال الزروع وباقات الورد فضلاً عن عدد من المقاعد ويخصص هذا الجناح لطلبة الفلسلفة واللاهوت.

 

الدراسة بالإكليريكية

 

يقضي الإكليريكي مدة ثمان سنوات دراسة بالكلية حتى يحصل على ليسانس الفلسفة واللاهوت الذي يؤهله إلى نوال نعمة الكهنوت المقدسة. تنقسم الدراسة والتكوين في الإكليريكية إلى أربعة أقسام رئيسية، تهدف كل مرحله فيه إلى إعداد خاص يقود الإكليريكي إلى أفضل تكوين روحي وعلمي، إنساني ورعوي، وهذه الأقسام هي التمهيدي والفلسفة واللاهوت. أما السنة النهائية أو رابعة لاهوت، فهي تتضمن الامتحان الشامل وبحث للتخرج فضلاً عن اجتياز الإكليريكي عدد من الدورات المتخصصة في الخدمة الرعوية.

الحياة الروحية للإكليريكي

 

الحياة الروحية هي نبع الحياة الكهنوتية وأساس الحياة الجماعية والخدمة، لذا تولي الإكليريكية أهمية كبرى للجانب الروحي وذلك من خلال البرنامج الروحي اليومي الذي يشمل صلاة الصباح، القداس الإلهي، زيارة القربان الأقدس، صلاة المساء وصلاة ختام اليوم. إلى جانب ذلك الرياضات الروحية خلال العام الدراسي، فضلاً عن أهمية المرافقة الروحية من الآباء المكونين بالإكليريكية لكل إكليريكي على حدى.

 

الأنشطة الثقافية

 

إلى جانب البرنامج الدراسي اليومي يوجد النشاط الثقافي الذي يهدف إلى تكوين شخص واعٍ بما يدور حوله من مستجدات مجتمعية، ويشمل البرنامج ندوات ثقافية تدعى إليها الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية والأدبية. كذلك هناك مناظرة فلسفية تعقد، ويشترك فيها قسما الفلسفة واللاهوت حول موضوع واحد يتناوله الإكليريكيون من مختلف الأوجه تحت إشراف الآباء المكونين.

 

ترحب مكتبة الإكليريكية كذلك بالزائرين من إكليريكيين وباحثين وقراء، حيث تعمل المكتبة على خدمة البحث العلمي والباحثين في مجموعة من القطاعات البحثية ومنها علوم الفلسفة والعلوم الدينية وعلم النفس وعلم الإجتماع، وتصل مقتنيات المكتبة إلى أكثر من 3000 وعاء معلوماتي مختلف من كتب وموسوعات ودوريات وميكروفيلم ومخطوطات بأكثر من لغة ومنها العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية وغيرها.

 

النشاط الرياضي

 

للنشاط الرياضي دوره في التكوين الانساني عملاً بحقيقة أن العقل السليم في الجسم السليم. ويقوم النشاط الرياضي في دورات داخلية بين الإكليريكيين في الألعاب المختلفة إلى جانب اللقاءات الودية مع شباب الكنائس والجامعات المختلفة لا سيما اليوم الرياضي الذي يجمع طلبة الكليات اللاهوتية في مصر من مختلف الكنائس المسيحية والذي يتم على أرض الكلية الإكليريكية بالمعادي.

 

النشاط الفني

 

يتم من خلال هذا النشاط إتاحة الفرصة لإبراز المواهب الشخصية لأبناء الاكليريكية وإشباع هواياتهم المختلفة من خلال أعمال الرسم مثل "فن الأيقونات" والتصوير والموسيقى. كذلك يقدم الاكليريكيون عرضًا مسرحيًا في عيد الإكليريكية من كل عام لإحدى الروايات المأخوذة من الأدب العربي أو العالمي.

الخبرات الراعوية

 

يقوم الإكليريكيون الذين أنهوا قسم الفلسفة والدراسة بمعهد التربية الدينية المسيحية بالسكاكيني بالخدمة العملية في كنائس الأبرشية البطريركية يوم الجمعة من كل أسبوع كتدريب عملي للإكليريكي إذ يحقق هذا النشاط الالتقاء بين المبادئ النظرية وواقع الخدمة التطبيقي. أما في فترة الإجازة الصيفية التي تمتد إلى ثلاثة أشهر، يقوم طلبة قسم اللاهوت بخبرات راعوية بأبرشياتهم حسب برنامج تدريبي يضعه مطران الأبرشية.

 

قلب الكنيسة النابض

 

ترحب الإكليريكية بضيوفها وزوارها ليتجولوا متأملين هذه الواحة الغنية بالعلوم التي على أرضها يتشكل عقل وقلب خدام الإنجيل، ولتؤكد رسالتها في الحفاظ على جذرة الإيمان مشتعلة في الكنيسة، بنعمة الروح القدس العامل فيها، حيث أنها بحق قلب الكنيسة الكاثوليكية النابض على أرض مصر، مهد الحضارة والروحانية.